ترجمات أجنبية

مجلة بوليتيكو الأمريكية – في منطقة الساحل ، يواجه ماكرون أفغانستان

مجلة «بوليتيكو» الأمريكية – بقلم بول تايلور – 27/4/2021

يتعين على الاتحاد الأوروبي تعزيز جهوده في منطقة الساحل الأفريقي والصحراء حيث فشلت إستراتيجية الرئيس الفرنسي، حسب ما خلُص إليه مقال للكاتب بول تايلور، نشرته مجلة «بوليتيكو» الأمريكية، والذي يستعرض حاجة منطقة الساحل الأفريقي لمزيد من انخراط الشركاء الأوروبيين بعد فشل الرئيس الفرنسي ومواجهته لمصير الولايات المتحدة في أفغانستان، حيث قرر بايدن سحب القوات الأمريكية منها مؤخرًا.

ويستهل الكاتب مقاله بالإشارة إلى إصرار الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على المضي قُدمًا في إستراتيجيته في منطقة الساحل الأفريقي، ذلك أن ماكرون لم يُبدِ أي لمحة عن الاعتراف بأن إستراتيجيته لتحقيق الاستقرار في منطقة الساحل، من خلال محاربة الجماعات الجهادية، قد فشلت بعد مصرع مستبد أفريقي آخر مدعوم من باريس الأسبوع الماضي في تشاد، والذي قُتِل أثناء محاولته صَد تمرد مسلح لا يتوقف.

لكن وعلى العكس من ذلك، هرع ماكرون إلى العاصمة التشادية نجامينا لحضور جنازة الرئيس المخضرم، إدريس ديبي، وأعلن أن الحاكم المستبد «صديق شجاع» وتعهد بأن «فرنسا لن تسمح لأي شخص بالنَيْل من تشاد أو تهديد استقرارها وسلامتها اليوم أو غدًا».

فرنسا في الساحل الأفريقي.. خلل جوهري

ويلفت الكاتب إلى أن موت ديبي العنيف يسلط الضوء على الخلل الجوهري في قلب السياسة الفرنسية في مختلف أنحاء الحزام المضطرب المتمثل في خمس مستعمرات فرنسية سابقة تمتد من المحيط الأطلسي إلى الصحراء الكبرى، والتي تعد من أفقر دول العالم.

لقد حبَسَت باريس نفسها في حرب مفتوحة لا يمكن أن تفوز بها، ولكنها لا تجرؤ على خسارتها، بسبب رؤيتها لعدم الاستقرار في المنطقة على أنه مشكلة تتعلق بمكافحة الإرهاب الذي يتعين التصدي له من خلال العمل العسكري دعمًا للأنظمة الحاكمة التابعة لها، وليس لأن عدم الاستقرار هذا ناجم عن فشل ذريع في الحكم والإدارة والتنمية الاقتصادية، وهو فشل يزيد من تفاقمه تغيُّر المناخ والنمو السكاني السريع.

والدعم الكبير، الذي يفتقر إلى معايير النقد النزيهة، الذي تقدمه فرنسا للرجال الأقوياء في حديقتها الخلفية يذكِّرنا بالسياسة الأمريكية في أمريكا اللاتينية في ثلاثينيات القرن الماضي عندما قال الرئيس فرانكلين روزفلت عن أحد الديكتاتورين إنه: «قد يكون ابن عاهرة، لكنه ابننا وأمه عاهرة».

دور أكبر للاتحاد الأوروبي

وأوضح الكاتب أنه يتعين على شركاء فرنسا في الاتحاد الأوروبي، الذين ينفقون نحو مليار يورو سنويًّا على برنامج كبير للتنمية والتدريب الأمني والإنساني في منطقة الساحل، أن يضاعِفوا جهودهم في ما فشلت فيه فرنسا. وكذلك عليهم أن يصروا على أن تنفِّذ الحكومات التزاماتها الخاصة بالإصلاح وإنهاء الإفلات من العقاب على الفظائع التي يرتكبها جنودها والميليشيات المتحالفة معها وإعادة الخدمات العامة في المناطق التي استعادوها من المتمردين، وذلك في مقابل استمرار دعم الميزانية.

وبخلاف ذلك، فإن التدخل العسكري الفرنسي والمساعدات الأوروبية سيستمران في تحفيز النُّخب في مالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد نحو الدِّعة والراحة، وعدم بذل الجهد اللازم، وغض الطرف عن الالتزام والتصرف بمسؤولية.

ويضيف الكاتب أن تشاد، التي تحتل المرتبة 187 من أصل 189 في مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية، هي بمثابة حاملة طائرات فرنسية غير قابلة للإغراق وتمثل ثقلًا عسكريًّا في المنطقة. وتستضيف تشاد مقر عملية برخان، وهي قوة فرنسية قوامها 5100 جندي، والتي تقاتل الجماعات الجهادية في منطقة أكبر من أوروبا. وتوفر واحدة من أكبر فرق وحدات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي، ونشرت مؤخرًا 1200 جندي في النيجر لتعزيز القوة المشتركة عبر الحدود التي أنشأتها ما يسمى مجموعة دول الساحل الخمس (G5)، التي تضم أيضًا موريتانيا، لمحاربة الجماعات الجهادية.

وفي مقابل المساعدة العسكرية القوية التي قدَّمها ديبي، غَضَّت فرنسا الطَرْفَ لمدة طويلة عن الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان والفساد، والانتخابات الهزلية في بلاده ذات الأهمية الإستراتيجية. وعندما كان المتمردون يقتربون أكثر من العاصمة، ساعد الفرنسيُّون الحكومة على صدهم، وبالضربات الجوية إذا لزم الأمر.

والواقع أن الحكومات الفرنسية المتعاقبة لم تُسخِّر قط هذه الحماية للضغط على ديبي من أجل إصلاح دولة فاسدة، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، والسماح بحرية التعبير، وكبح جماح الفساد، ربما خوفًا من مهارته في تأليب القوى الكبرى بعضها ضد بعض بعض. ولدى تشاد أيضًا اتفاق للتعاون الأمني مع الولايات المتحدة.

ولعقود طويلة، ساعد ديبي في احتواء الطموحات الإقليمية للحاكم الليبي السابق، معمر القذافي، وقاتل إلى جانب نيجيريا ضد متمردي بوكو حرام الإسلاميين، وكان الآمر الناهي في جمهورية أفريقيا الوسطى، وصمد أمام صراعات العصابات عبر الحدود مع السودان.

مباركة فرنسية

ونوَّه الكاتب إلى أن رحلة ماكرون إلى نجامينا كانت بمثابة إشارة إلى مباركة فرنسا للخلافة غير الدستورية لنجل ديبي، الجنرال محمد إدريس ديبي، ليقود المجلس العسكري الذي أعلن حالة الطوارئ وحل البرلمان. ودَعَت قمة مُرتَجَلة لدول الساحل الخمس وماكرون على هامش الجنازة إلى «انتقال مدني-عسكري»، لكن القمة شددت على أن شاغلهم الرئيس هو «الاستقرار» في تشاد.

وتابع الكاتب: وعلى النقيض من رد الفعل على الانقلاب العسكري في مالي العام الماضي، عندما علَّق الشركاء الدوليون المساعدات المالية، وفرض الجيران الأفارقة عقوبات اقتصادية إلى أن وافق قادة الانقلاب على تعيين حكومة انتقالية يقودها مدنيون بجدول زمني للانتخابات مدته 18 شهرًا، لم يكن هناك توقف للتجارة أو المساعدات مع تشاد. غير أن قادة دول الساحل الخمس طلبوا بالفعل من رئيسي النيجر وموريتانيا محاولة التوسط مع المعارضة التشادية.

ومن المفارقات هنا أن ديبي قُتِل على أيدي المتمردين الذين كانوا حتى هذا العام مرتزقة يخدمون مستبدًا آخر مدعومًا من فرنسا، وهو الزعيم الليبي المتمرد خليفة حفتر. وقد كتب المعلق العسكري جان دومينيك ميرشيت في صحيفة «لوبنيون» الفرنسية: «بعبارة أخرى، أصدقاء أصدقائنا يقتلون أصدقاءنا».

الدعم الشعبي يتضاءل

باستثناء أقصى اليسار واليمين المتطرف، لا تزال المؤسسة السياسية الفرنسية تؤيد على نطاق واسع التدخل في منطقة الساحل تحت دعوى مكافحة «الإرهاب الإسلامي»، ولكن الدعم الشعبي آخذ في الانحسار؛ فقد أظهر استطلاع للرأي أجري في يناير (كانون الثاني) أغلبية ضئيلة لصالح الانسحاب للمرة الأولى، وذلك في أعقاب مقتل خمسة جنود فرنسيين بعبوات ناسفة.

ولسبب وجيه، وبعد أكثر من ثماني سنوات من تدخل باريس في مالي لصد زحف المتمردين الطوارق المدعومين من الجهاديين نحو العاصمة باماكو، اجتاح العنف بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين، ولم يقتصر انتشار العنف على تلك الدول، بل هدد الدول الساحلية الأكثر ازدهارًا من المحيط الأطلسي إلى خليج غينيا.

وفي حين حقق الجيش الفرنسي نجاحات تكتيكية تمثَّلت في قتل اثنين من كبار قادة المتمردين المرتبطين بتنظيم القاعدة ومئات المقاتلين في العام الماضي، فإن التجنيد الجهادي يجري على قدم وساق، مستغلًّا الصراعات العِرقية والنزاعات بين الرعاة والمزارعين. وقياسًا على عدد الإصابات، وحوادث العنف، والأشخاص المشرَّدين داخليًّا، والمدارس المغلقة، والأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي ويحتاجون إلى المساعدات الإنسانية الطارئة، يُعد عام 2020 هو الأسوأ منذ بدء الصراع، بحسب ما يرى الكاتب.

وأوصى ديوان المحاسبة الفرنسي، في تقرير ناقد حول السياسة الفرنسية فيما يتعلق بمنطقة الساحل، الأسبوع الماضي بأن تُجرِي الحكومة مراجعة شاملة لعملية برخان، وأن تضع معايير لإنهاء التدخل مع تكثيف مساعدات التنمية التي يقدمها الاتحاد الأوروبي.

ومن المتوقع أن يسعى ماكرون إلى إعادة انتخابه في ربيع عام 2022، وعلى الرغم من أنه قرر في فبراير (شباط) الإبقاء على عملية برخان عند مستواها الحالي، يتوقع الدبلوماسيون أنه سيرغب في إعلان «إنجاز المهمة» وتقليص الوجود العسكري على نحو كبير قبل يوم الاقتراع. لكن مقتل ديبي يجعل ذلك أكثر صعوبة.

وعلاوةً على ذلك، تشعر باريس بالفزع من قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من أفغانستان بعد مفاوضات مع طالبان، الحركة الإسلامية التي تدخلت واشنطن للإطاحة بها بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) على نيويورك وواشنطن في عام 2001.

بعد بريطانيا.. هل تنسحب فرنسا من الاتحاد الأوروبي؟

ويعارض ماكرون بشدة أي تفاوض مع الجهاديين في منطقة الساحل، الأمر الذي سيسبب له إحراجًا سياسيًّا في الداخل. ومع ذلك، فإن حكومتي مالي وبوركينا فاسو، اللتين ربما شعرَتا بأن الحماية العسكرية الفرنسية لن تبقى هناك إلى الأبد، فتحتا قنوات خلفية لاستكشاف إمكانية تحقيق هُدنة محلية على الأقل مع بعض المتمردين.

ويتعين على الاتحاد الأوروبي دعم هذه الحوارات واستعراض قوته المالية مع حكومات منطقة الساحل لتعزيز إصلاح الحوكمة والمصالحة الوطنية، وحل النزاعات على مستوى المجتمع وحماية المدنيين بحيث يمكن معالجة الأسباب الاجتماعية والاقتصادية الجذرية لعدم الاستقرار على نحو صحيح.

وفي اليوم الذي أصيب فيه ديبي بجروح قاتلة، تبنَّى وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي إستراتيجية متكاملة جديدة لمنطقة الساحل تعترف ضمنيًّا بفشل السياسات السابقة، وتلمح إلى جعل المساعدة مشروطة أكثر بالحديث عن «المساءلة المتبادلة» و«مسؤولية كل شريك عن الوفاء بالتزاماته».

ودعا الكاتب في ختام مقاله الاتحاد الأوروبي إلى ضرورة تبنِّي سياسة أكثر حزمًا وتطبيقها بدافع المساعدة في تعامله مع منطقة الساحل، وإلا فإن الأوروبيين محكوم عليهم بالسير وراء الفرنسيين في موقف خاسر حتى إشعار آخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى