مجلة الدبلوماسي : هل توشك الصين وإيران أن تنفصلا؟
Javad Heydarian – The Diplomat
قسم الترجمة& 11/3/2012
يبدو أن الصين التي أصبحت ركيزة مهمة لضمان صمود الاقتصاد الإيراني تميل إلى الحصول على تنازلات إضافية من إيران في ما يخص سعر النفط ونوع المدفوعات.
يُقال “الصديق وقت الضيق”!. لكنّ ما يفرّق بين الشراكات المبنية على المصلحة والتحالفات الصادقة ليست المعاهدات بالضرورة بل رغبة الفريقين في التمسك بعلاقتهما في الظروف الصعبة.
مع تنامي عزلة إيران بسبب برنامجها النووي، تخضع العلاقات الصينية مع طهران لاختبار صعب وغير مسبوق. بينما يعمد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى تضييق الخناق على صادرات إيران النفطية (تشكّل 80 في المئة من عائدات الحكومة) وأبرز المؤسسات المالية، بما في ذلك البنك المركزي الإيراني، تحتاج طهران بشدة إلى المساعدة الصينية. في الوقت نفسه، يبدو أن إسرائيل تستعد لشن ضربات عسكرية إذا فشلت العقوبات في تحقيق الهدف المنشود: دفع إيران إلى التخلي عن برنامجها النووي.
تحتاج إيران إلى الصين في هذه المرحلة بالذات أكثر من أي وقت مضى. لكن تزامناً مع تشديد ضغوط واشنطن على الصين كي تقطع علاقاتها مع إيران، تبرز مؤشرات متزايدة على أن قادة بكين يولون الأهمية الكبرى للعلاقات الصينية الأميركية وأمن الطاقة في بلدهم.
في العقود الأخيرة، طورت إيران والصين شراكة تشمل جميع المجالات المهمة. على المستويات المختلفة، تبدو إيران والصين حليفتين تاريخيتين طبيعيتين. في نهاية المطاف، يُعتبر هذان البلدان من أقدم الحضارات المستمرة حتى اليوم، وكانت الإمبراطورية الفارسية والإمبراطورية الصينية طوال قرون محورين للنفوذ والسلطة في أقصى القارة الآسيوية. يشكّل البلدان أيضاً ركيزة لدول “طريق الحرير” القديمة التي أنتجت أولى موجات ظاهرة العولمة.
على صعيد آخر، يتشارك البلدان لدرجةٍ معينة الرأي العام الوطني والوعي التاريخي نفسه. خلال القرن التاسع عشر، في ذروة الحقبة الاستعمارية، خاضت القوتان مرحلتين متشابهتين من “الإهانة” على يد القوى الأوروبية. فأُجبرت الصين على فتح أسواقها بينما شكّلت إيران محور “اللعبة الكبرى” بين روسيا في عهد القياصرة والإمبراطورية البريطانية.
ثم جاء القرن العشرين لتصفية الحسابات القديمة. أدت الثورة الشيوعية في الصين في عام 1949 والثورة الإسلامية القومية في إيران في عام 1979 إلى تحويل البلدين إلى خصمين إيديولوجيين واستراتيجيين بارزين للغرب. صحيح أن البلدين تقربا من الولايات المتحدة في مرحلة معينة، ولكنهما بقيا خصمين استراتيجيين أساسيين للأميركيين. اتضح هذا الواقع في التقييم الاستراتيجي الدفاعي الأميركي لعام 2012، حيث اعتُبرت الصين وإيران من أبرز التحديات التي تواجهها الولايات المتحدة.
مع ذلك، ترتبط كل قوة آسيوية بعلاقة مختلفة مع واشنطن. لا تتعرض إيران لسيل من العقوبات الصارمة والتهديدات العسكرية من الولايات المتحدة فحسب، بل إنها تفتقر أيضاً لأي علاقة دبلوماسية مباشرة مع واشنطن. لكن الوضع مختلف مع بكين نظراً إلى ارتباطها الاقتصادي الوثيق بالأميركيين وعلاقاتها المدنية والعسكرية مع الولايات المتحدة. غير أن تنامي نفوذ الصين في بحر الصين الجنوبي دفع واشنطن إلى اتخاذ قرار بالتوجه نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
لم تكتفِ الولايات المتحدة بتكرار التزامها بمبدأ “حرية الملاحة” في بحر الصين الجنوبي، بل إنها عززت أيضاً وجودها الاستراتيجي هناك ودعمت تعاونها العسكري مع شركائها في أنحاء المنطقة، بدءاً من اليابان وسنغافورة وصولاً إلى فيتنام وأستراليا والفلبين.
ما يثير الاهتمام هو أن الصين وإيران تواجهان انتكاسة معينة في مناطقهما على التوالي: تعمل الأنظمة الملكية العربية في الخليج العربي على تقوية الجبهة المعادية لإيران تحت مظلة مجلس التعاون الخليجي، ويدعم عدد من دول شرق آسيا التوجه الأميركي نحو آسيا.
تشكل الأزمة المستمرة في سورية مثالاً آخر على المصالح المشتركة بين بكين وطهران، ولو لأسباب مختلفة. من جهة، تنوي إيران مساعدة حليفتها الإقليمية الوحيدة. ومن جهة أخرى، تميل الصين إلى منع تنفيذ عملية عسكرية لتغيير النظام كما حصل في ليبيا. يدرك البلدان التحديات السياسية التي يواجهانها محلياً، لذا عارضا أي خرق غربي إضافي للسيادة الوطنية بمفهومها التقليدي.
لكن لا تقتصر هذه العلاقة الثنائية على المصالح الاستراتيجية المتداخلة. كانت الصين لاعباً أساسياً في إعادة إحياء برنامج إيران النووي وتطويره في التسعينيات. على سبيل المثال، كانت المنشأة النووية في أصفهان وليدة التعاون النووي بين إيران والصين، وقد لعبت الصين أيضاً دوراً حاسماً في تحسين الصواريخ البالستية والقدرات البحرية الإيرانية التي تشكل ركيزة نظام الردع الإيراني غير النووي.
لكن يرتكز جوهر العلاقة الإيرانية الصينية في الأساس على العامل الاقتصادي: تملك إيران ثاني أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي ورابع أكبر احتياطي نفط في العالم. في المقابل، تُعتبر الصين ثاني أهم اقتصاد في العالم وأبرز مستورد للهيدروكربون. تشير التدفقات التجارية بكل وضوح إلى هذا التنسيق الاستراتيجي المتماسك بين البلدين. يُذكَر أن إيران هي أيضاً ثالث أهم بلد يزود الصين بالنفط بينما تُعتبر بكين أهم شريك اقتصادي بالنسبة إلى طهران.
بسبب العقوبات الأخيرة، جُرّد الاقتصاد الإيراني من الآلات المتطورة تكنولوجياً والسلع الرأسمالية المتقدمة والاستثمارات الواسعة النطاق التي يوفرها الغرب. على صعيد آخر، تملك إيران احتياطي هيدروكربون غير مستغل في معظمه، وتحديداً في جنوب بارس الذي يضم أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم .
بعد أن تعرضت إيران للصد من الغرب، لجأت إلى الصين لتلبية حاجاتها المتزايدة. بالتالي، لا عجب أن الصين أصبحت أهم مستثمر في قطاعَي الطاقة والنقل في إيران في السنوات الأخيرة. وفق بعض المصادر، يُقال إن الصين تعهدت بتقديم استثمارات بقيمة تتراوح بين 40 و100 مليار دولار، وهي تتفوق بذلك على جميع الدول الأخرى التي تتابع التعامل مع إيران.
لكن وراء هذا التعاون الظاهري، واجهت هذه العلاقة الثنائية بعض التحديات.
تشعر طهران بأن بكين بدأت تتراجع عن التزاماتها. يعتبر البعض أن المقاربة الصينية ليست تجارية حصراً (أي أنها تحاول استغلال عزلة إيران الاقتصادية) بل إنها انتهازية أيضاً.
على المستوى الاستراتيجي، يشكل تنامي التوتر بسبب برنامج إيران النووي مصدر إلهاء لوجستي واستراتيجي للولايات المتحدة، ما يسمح للصين بالتركيز على استراتيجيتها في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. على المستوى الاقتصادي، استعملت بكين العقوبات المالية، التي أضعفت قدرة إيران على تنفيذ صفقات نفطية بالدولار، كحجة لإجبار إيران على عقد صفقات مقايضة. أدى هذا الوضع إلى تدفق السلع الصينية الرخيصة والمدعومة التي تكون منخفضة الجودة، ما أضعف الصناعات الإيرانية وأثار استياء الطبقة الوسطى الاستهلاكية الواسعة. كذلك، صدر تقرير عن تأخر دفع المتسحقات، ما أدى إلى نشوء خلافات تجارية متقطعة مع طهران.
تزداد الحالات التي تعمد فيها الصين إلى دفع ثمن صادرات النفط الإيرانية بالسلع الصينية. بما أن أبرز شريك تجاري لإيران (الاتحاد الأوروبي) سيحرص على فرض حظر نفطي كامل في الأشهر المقبلة وبما أن الدول الحليفة للولايات المتحدة (مثل كوريا الجنوبية واليابان) تتعهد بتخفيض وارداتها من النفط الإيراني، تبحث طهران عن دول مثل الصين والهند لسد هذا الفراغ التجاري.
لكن يبدو أن الصين التي أصبحت ركيزة مهمة لضمان صمود الاقتصاد الإيراني تميل إلى الحصول على تنازلات إضافية من إيران في ما يخص سعر النفط ونوع المدفوعات. في وقت سابق من هذه السنة، عندما شددت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي العقوبات على طهران، خفّضت الصين وارداتها بنسبة 50 في المئة تقريباً ولم تبرز أي مؤشرات على احتمال رفع حجم مشترياتها للنفط الإيراني مستقبلاً.
عندما عبر السعوديون والإماراتيون عن اهتمامهم بسد الفراغ المستجد نتيجة تراجع تجارة النفط مع إيران، أرسلت الصين رئيس الوزراء وين جياباو إلى الخليج العربي للتفاوض على صفقات إضافية. يعني ذلك أن إيران قد تحتاج إلى تقديم تنازلات إضافية لتحقيق أهدافها في مجال التصدير.
في الوقت نفسه، حذر وين جياباو إيران من إغلاق مضيق هرمز، مشيراً إلى أهمية تدفق إمدادات النفط بكل حرية لضمان مصلحة بلده الوطنية وسلامة قطاع الطاقة المحلي. لذا حاولت الصين الاعتراض على قرار إيران باحتمال اللجوء إلى الحل العسكري تزامناً مع منع فرض عقوبات غربية إضافية.
في ما يخص برنامج إيران النووي، أظهرت الصين مستوىً معيناً من التعاون مع واشنطن. أوقفت الصين مساعدتها النووية المباشرة لطهران عندما تعرضت لضغوط شديدة من واشنطن في أواخر التسعينيات. في عام 2010، بعد شهرين تقريباً على عقد “صفقة التبادل النووي” بوساطة تركية وبرازيلية (حيث قبلت إيران بشحن النسبة الكبرى من اليورانيوم الذي خصبته إلى الخارج وبتعزيز تدابير بناء الثقة مع الغرب)، وافقت الصين على قرار مجلس الأمن ضد طهران. شكل ذلك التحرك لطمة موجعة في وجه إيران لأن طهران (والبرازيل وتركيا أيضاً) شعرت بأن صفقة التبادل النووي كانت مبادرة تنم عن حسن نية. بالنسبة إلى هذه الدول، كانت العقوبات مشبوهة وغير مبررة.
مع تزايد الضغوط على إيران، بدأ الخطاب الصيني يتغير وهو يدعو إيران الآن إلى التصرف بشفافية أكبر. ما علينا إلا الانتظار لرؤية ما إذا كانت الصين ستحاول في الأشهر المقبلة تخفيف العقوبات المفروضة على إيران ومساعدة طهران للتغلب على عزلتها المتزايدة أم أنها ستفضّل الابتعاد عن شريكتها وتغيير سياستها .