أقلام وأراء

مجدي الخالدي يكتب – لماذا لا تعترف دول الاتحاد الأوروبي بدولة فلسطين ؟

مجدي الخالدي *- 229/2020

إن شغف بعض أصدقائنا الأوروبيين يثير الدهشة.

في الشهر الماضي، تلقى وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي دعوة من وزير الخارجية الألماني هايكو ماس للقاء جميع وزراء الخارجية الأوروبيين في إطار مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، ولم يتم دعوة فلسطين للمشاركة.

وبغض النظر عن أي تفسيرات تتعلق بالعلاقات بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، فقد اعُتبرت المناسبة كمكافأة لـ «تعليق» إعلان الضم الرسمي للأراضي الفلسطينية.

بعبارة أخرى، تعلن إسرائيل أنها ستضفي الطابع الرسمي على جريمة تقوم بارتكابها بالفعل، وعندما تقول: إنها لن تقوم بذلك «لبعض الوقت».. يشعر البعض بالحاجة الفورية لمكافأة إسرائيل، بما في ذلك عقد مجلس شراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وبهذا الصدد، فإن الرسالة التي ستفهمها إسرائيل: الضم الفعلي والانتهاكات الإسرائيلية المستمرة الأخرى ليست عقبة أمام الارتقاء بالعلاقات الإسرائيلية الأوروبية.

إن المعايير المتفق عليها دولياً لعملية السلام في الشرق الأوسط والتي أقرها الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، بسيطة ولا تخضع للتأويلات: حل الدولتين الذي ينهي الاحتلال الإسرائيلي للعام 1967 والقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، وحل لجميع قضايا الوضع النهائي على أساس القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة.

إن التركيز على إنهاء الاحتلال هو المفتاح لأي آفاق سلام في المنطقة، أما المكافآت التي تحصل عليها الحكومة الإسرائيلية في غياب أي امتثال لالتزاماتها، فإنها تؤدي فقط إلى تكريس حرمان الفلسطينيين من حقوقهم، وتعزيز نظام الفصل العنصري.

يمكن تلخيص العلاقات الأوروبية مع فلسطين في ثلاثة جوانب رئيسية:

أولاً: العلاقات السياسية: دعم حل الدولتين، ومع ذلك لا تزال غالبية حكومات الاتحاد الأوروبي تمتنع عن الاعتراف بدولة فلسطين – مع الإشارة إلى أن العديد من البرلمانات الأوروبية حثت حكوماتها على القيام بذلك.

ثانياً، الجانب الاقتصادي والتنموي، والذي يشمل الجهود الأوروبية المهمة نحو بناء المؤسسات الفلسطينية وتقديم الدعم المستمر للاقتصاد الفلسطيني.

ثالثا: جانب المساءلة واحترام القانون الدولي:

بعد 53 عاماً من الاحتلال الاستيطاني الاستعماري غير الشرعي، لا تزال الدول الأوروبية غير مستعدة لمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها الممنهجة، ومع استمرار تدهور الأوضاع على الأرض، وقيام الاحتلال بعدد غير مسبوق من عمليات هدم المنازل والتوسع الاستيطاني الاستعماري المستمر، نسمع ممثلي بعض الدول يزعمون أن ضم الأراضي الفلسطينية «لم يعد على الطاولة» وبالتالي ينبغي استئناف التنسيق مع الجانب الإسرائيلي، ولم ترد أي إشارة إلى حاجة إسرائيل للوفاء بالاتفاقات التي أتاحت وجود أي تنسيق، بما في ذلك خارطة الطريق، وكذلك التزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي.

والأهم من ذلك، لم يُطلب من الحكومة الإسرائيلية المصادقة وتأييد مبدأين أساسيين: حل الدولتين والتزاماتها بموجب القانون الدولي.

وهنا يمكن القول: لا يمكن لأي حكومة أوروبية أن تدعي أن فلسطين لم تقم بإشراكها في محاولة إيجاد مخرج للوضع الحالي، لقد قدمنا وثيقة توضح مواقفنا من اتفاقية الوضع النهائي التي تتماشى تماماً مع مواقفهم كأوروبيين، أما على الجانب الدبلوماسي، فقد طالبنا بعقد مؤتمر دولي للسلام من شأنه تسهيل عملية التفاوض على أساس المعايير المتفق عليها دولياً.

لكن البعض ما زال يطلب منا تقديم اقتراح مضاد للخطة الأميركية. وكل من يقرأ هذه الخطة يستنتج بسهولة أنها إهانة للقانون الدولي ولأبسط المبادئ التي تأسس عليها الاتحاد الأوروبي.

دعونا نطرح سؤالاً بلاغياً: هل سيسمح الأعضاء، للاتحاد الأوروبي، بالمشاركة في عملية سلام تستند إلى أي من المبادئ التي قدمتها الخطة الأميركية؟ الجواب بسيط: لا.

هذه لحظة حرجة، يمثل الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، والذي رحب به الاتحاد الأوروبي، ضربة قاسية لمبادرة السلام العربية.

يمثل النص، المشار إليه باسم «اتفاقية إبراهيم»، اعترافاً بسيادة إسرائيل على القدس الشرقية المحتلة وتهديداً مباشراً للوضع القائم للمسجد الأقصى، وبالتالي تهديداً للمقدسات المسيحية أيضاً.

إن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، وتلك النداءات التي تدعو إلى توثيق العلاقات الأوروبية الإسرائيلية أيضاً، تتجاهل ببساطة السلام في الشرق الأوسط كأولوية يجب العمل عليها.

فهم يكافئون سلوك إسرائيل السيئ وسياساتها الإجرامية، وآخر إعلان صادر عن البحرين يسير في نفس الاتجاه، الأمر الذي أثبت أن مكافأة الاحتلال الإسرائيلي هو معادلة فاشلة لن تحقق السلام.

ما يمكن أن تفعله الدول الأوروبية هو الإسراع بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود العام 1967 وفق القانون الدولي ومبادئه التي يؤمنون بها، سيكون هذا العمل السياسي بمثابة حافز للسلام وسيبعث بصيص أمل في قلوب وعقول كل من يؤمنون بالسلام، وهذا من شأنه أن يرسي بالفعل أسس الأمن والاستقرار والسلام الحقيقي في المنطقة.

إن التركيز على الإجراءات الملموسة لإنهاء الاحتلال الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي غير القانوني، بما في ذلك إجراءات المساءلة مثل حظر منتجات المستوطنات، والتأكيد على المعايير المتفق عليها دولياً هو السبيل للمضي قدماً.

هكذا ستدرك إسرائيل أن السلام والأمن الإقليميين لا يبدآن في أبو ظبي أو في أي مكان آخر، ولكن هنا باتفاق سلام عادل بين فلسطين وإسرائيل على أساس القانون الدولي.

* مستشار الرئيس محمود عباس للشؤون الدبلوماسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى