دانيال بايمان : ما بعد “داعش” .. المجتمعات العربية أراضٍ خصبة لجماعات جهادية أخرى !
بقلم : دانيال بايمان * ، معهد بروكنغز ١-٤-٢٠١٨م
حتى لو لم يظهر تنظيم (داعش) الإرهابي مجدداً.. من المرجح أن يظل الشرق الأوسط في عبث وتفكك لفترات طويلة مقبلة؛ وستظل تعاني المنطقة من الحروب الأهلية والإرهاب الجهادي والإفتقار إلى شرعية النظام والضعف الاقتصادي والتدخل المستمر في سياسات الغير من قبل الدول الجوار.
إنهيار خلافة (داعش) المزعومة إنتصاراً للولايات المتحدة والعالم كله، خاصة أنها كانت جماعة تعرقل جميع جهود السلام المتفاوض عليه وتقاتل ضد أي جهة، بما في ذلك الإسلاميون أنفسهم. ولكن الشيء المحزن؛ هو أن المفاوضات لها تاريخ محزن في الصراع السوري، ويبدو أن نظام “الأسد”، إلى جانب مؤيديه الروس والإيرانيين، مصَرون على مبدأ “الفوز” بدلاً من الرغبة في قبول أي نوع من الاتفاق الناتج عن مفاوضات.
الإرهاب قبل “داعش”..
قبل قيام (داعش) بإعلان الخلافة في عام 2014، الجماعات الإرهابية موجودة فعلياً وتعمل وتنمو داخل الشرق الأوسط؛ ولا تزال مستمرة رغم تراجع (داعش). ويمتد تنظيم (القاعدة) في شبه الجزيرة العربية بـ”اليمن” وفي بلاد المغرب الإسلامي وفي “الجزائر” ودول مجاورة، كما يمتد تنظيم “هيئة تحرير الشام” في سوريا. ويؤكد بعض المحللون على أن تنظيم (القاعدة) استغل صعود (داعش) لإعادة بناء نفسه بشكل هاديء ومستقر عن ذي قبل.
ومن المحتمل أن يساعد سقوط، (داعش)، الجماعات الإرهابية الأخرى عن طريق مجندي وممولي التنظيم السابقين. بالإضافة إلى ذلك، أن تنظيم (داعش) في كثير من الأحيان كان قوة تفرق الجماعات الإرهابية داخل الحركة الجهادية، حيث كان يقاتل الجماعات الخصوم بنفس القدر الذي كان يقاتل به الجيوش النظامية في دول الشرق الأوسط، ولكن تلاشي قوة التنظيم سيؤدي إلى تعزيز الوحدة داخل الحركة الجهادية والسماح لهذه الجماعات بتحويل الإنتباه إلى أهداف جديدة.
ومع ذلك من غير المحتمل أن تقوم أي مجموعة بتولي قيادة الحركة الجهادية في المنطقة، ولن تصل أي منها إلى جاذبية وبروباغندا (داعش)، حيث إن (القاعدة) التي يتزعمها، “أيمن الظواهري”، كانت خاملة من الناحية العملية منذ عدة سنوات، وقد تلاشت قيادتها بسبب هجمات الطائرات بدون طيار والاعتقالات. رداً على ذلك؛ فوضت (القاعدة) مزيدًا من السلطة لفروعها الإقليمية، مما ألحق الضرر بصورتها العالمية بعد قتل المدنيين المسلمين وتشويه صورة قضيتهم.
وعلى الرغم من أن فروع (القاعدة) بدول المنطقة تؤمن بمعتقدات التنظيم الأم، لكن محدوديتها الإقليمية تحد من رواجها على النطاق العالمي الأوسع، حيث إن (القاعدة) في شبه الجزيرة العربية، على سبيل المثال، لن تلهم المغاربة، ولذلك من غير المحتمل أن تجذب جحافل الأوروبيين والآسيويين، وغيرهم ممن جندهم التنظيم لصالحه خلال الفترة 2013 – 2016.
ومن منظور الولايات المتحدة؛ تمثل هذه التحولات تطورات إيجابية، حيث تتوقع فتور الجماعات الجهادية على النطاق العالمي، ولكنها قد تركز أكثر محليًا وإقليميًا. ومع ذلك، فإن المجموعات الإرهابية لن تختفي، وبعضها قد يصبح أقوى، بحسب ما قال به الباحث.
شرعية الأنظمة..
الأنظمة في العالم العربي تعاني من أزمة عميقة في مسألة الشرعية، باستثناء “تونس”، حيث لا توجد حكومة مفوضة شعبياً. على الرغم من أن الأنظمة في المنطقة إكتسبت بعض الشرعية من تراثها الثوري والنمو الاجتماعي والاقتصادي، لكن هذه المصادر جفت الآن، حيث أبصحت ذاكرة بعيدة بالنسبة للمواطنين الأكبر سناً في الشرق الأوسط.
مثل هذه الأنظمة، “الجمهورية”، ما هي إلا دكتاتوريات عسكرية مع مجرد نافذة تمثيلية صورية، حيث تتمتع الملكية العربية بشرعية ضخمة نتيجة التقاليد وآليات الخلافة. ومع ذلك، فإن الكثير منهم يستمد البقاء من التحول الناجح لمجتمعاتهم بسبب الثروة النفطية أو الدعم الأجنبي. وفي السنوات الخمسين الماضية، إرتفع متوسط العمر المتوقع في “المملكة العربية السعودية”؛ من حوالي 46 عامًا إلى 75 عامًا، وارتفعت معدلات إكمال التعليم الابتدائي بنسبة 172 بالمئة من عام 1979 إلى عام 2015. ومع ذلك، إن الثروات التي يتمتع بها جيل السعودية اليوم أقل بكثير من الثروة والخدمات الاجتماعية، التي تمتع بها أسلافهم وقت إرتفاع عائدات أسعار النفط وتوزيعه على عدد أقل من السكان.
لذا فإن جميع الحكومات تعمل بشكل سيء في تعزيز النمو الاقتصادي وتقديم الخدمات، مما يقلل شرعيتها، وكان إن أدى هذا الإفتقار إلى الشرعية إلى “الربيع العربي” في عام 2011، وانتشار الثورات السريع، والحروب الأهلية.
وقد يسلّط إنهيار، (داعش)، الضوء على عجز الشرعية لدول المنطقة، حيث كانت تبرر الأنظمة أن (داعش) نتاج فوضى ما بعد ثورات “الربيع العربي”، ولكن مع تقلص هذا التهديد، سيكون لدى الأنظمة أعذار قليلة لتبرر بها حجم الإخفاقات.
* دانيال بإيمان ، المتخصص في شؤون أمن الشرق الأوسط ومكافحة الإرهاب بـ”معهد بروكنغز”