ما بعد “داعش”؛ التحدّيات المستقبلية في مواجهة التطرّف والتطرّف العنيف”
احتضنت مدينة مراكش المغربية افتتاح المؤتمر الدولي حول “ما بعد داعش : التحدّيات المستقبلية في مواجهة التطرّف والتطرّف العنيف”، والذي تمتد أشغاله على مدى يومي 6 و7 ابريل 2018، ويعقده معهد غرناطة للبحوث والدراسات العليا ومؤسسة “مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث”، بمشاركة نخبة من الأكاديميين والخبراء والباحثين المختصين من أوروبا، والعالم العربي، وإفريقيا، والولايات المتحدة الأمريكية.
المشاركات :
وأكد الأستاذ محمد بنصالح، مدير معهد غرناطة للبحوث والدراسات العليا بإسبانيا، على أهمية انعقاد هذا المؤتمر في ظرفية دقيقة تتسم بالاندحار الميداني لتنظيم داعش ، مع استمرار الأيديولوجية الداعشية، ومحاولات بقايا التنظيم للتمدد إلى جغرافيا الساحل والصحراء والمغرب الكبير، ووزيريستان، مبرزا حاجة التحليلات العلمية الملحة إلى مواكبة تطورات الظاهرة “الجهادية”، وبالتالي الحاجة إلى نموذج تفسيري جديد لفهم الظاهرة ومكافحتها، مشيرا إلى أن عقد هذا المؤتمر يندرج في سياق مشروع علمي بشراكة بين معهد غرناطة ومؤسسة مؤمنون بلا حدود، حيث تشتغل المؤسستان على دراسات التطرف وتفكيك التطرف العنيف، وذلك من خلال التركيز على ثلاثة محاور كبرى.
أولاها : الندوات العلمية والمؤتمرات الدولية المختصة، التي نظمت في السنوات الأخيرة، في كل من إسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والآن في مراكش، وبعدها ستتلوها مؤتمرات في بريطانيا وبلجيكا، وإسبانيا خلال السنة الجارية.
أما المحور الثاني فيهم البحث العلمي في الظاهرة.
في حين يركز المحور الثالث على التكوين الأكاديمي من خلال إنشاء برامج ماستر في جامعات أوروبية عريقة بشراكة مع مؤسسة مؤمنون بلا حدود ومعهد غرناطة للبحوث والدراسات العليا.
وأوضح بنصالح أن مقاربة الظاهرة الإرهابية والتطرف يجب أن يتم الاشتغال عليهما برصانة علمية، وذلك من أجل إعادة هندسة العقليات والذهنيات لدى الأجيال الصاعدة في المجتمعات المعاصرة، والتي تعاني من أمرين بات لزاما الانتباه إليهما في سياق مكافحة التطرف والتطرف العنيف.
أولهما : تهميش النظام الدولي للشباب بسبب النيوليبرالية المتوحشة المستبيحة للإنسان والأوطان.
وثانيهما : شعور هؤلاء الشباب بالضياع في الشرق كما في الغرب، إذ لم يتم إيلاء العناية لشريحة واسعة من الشباب يبدو لها أن اليقين الوحيد هو اللايقين، ولذلك يسعى جزء منهم إلى البحث عن اليقين البسيط في الدين دون أن يعي تركيب التجربة الدينية بأبعادها التاريخية والاجتماعية.
وهنا تبرز خطورة التنظيمات المتطرفة، لأنها تقدم أجوبة و “حلولا” بسيطة لإشكاليات مركبة، وهذا ما يفسر جزءا من قدرتها على استقطاب بعض الشباب والتغرير بهم.
كما أكد بنصالح أن السرديات الكبرى قد انهارت، وأن الباراديغمات الحالية قد تقادمت، ولم تعد قادرة على تحليل الظواهر المستجدة في المجتمعات المعاصرة؛ فهي تريد معالجة فوضى ما بعد الحداثة بباراديغم الحداثة، وفهم “المجتمعات ما بعد العلمانية” بباراديغم العلمانية، وتحليل ظاهرة الشعبوية، والتي تعتبر من مؤشرات الانتقال إلى مرحلة ما بعد الديمقراطية، بباراديغم الديمقراطية.
وكل هذا، حسب بنصالح، يستدعي إنتاج باراديغمات جديدة.
ولهذا فموضوع “ما بعد داعش” لا يجب أن يحلل بباراديغم مرحلة داعش، بل بباراديغم بعدي، ولهذا تم جمع الخبراء والأكاديميين والباحثين والمشتغلين في مجال مكافحة التطرف العنيف، فضلا عن قيادات سابقة في بعض التنظيمات المتطرفة، من أجل التفكير الجماعي في باراديغم جديد لفهم الظاهرة ومواجهتها.
وأشار بنصالح إلى أن جزءا من المشكلة في مقاربة الظاهرة الإرهابية، يكمن في الهوة القائمة بين صناع القرار وصناع المعرفة، مبرزا الحاجة الملحة إلى بناء القرارات المتعلقة بهذا الأمر وغيره على أساس الفهم العلمي والجواب المعرفي.
من جهته، أعلن الدكتور محمد العاني عن تأسيس وحدة متخصصة في دراسة الظاهرة الجهادية، التي ستعمل على تجميع كل الوثائق والمصادر والمعلومات الجديدة والقديمة، وذلك لهدف فهم ظاهرتي التطرف والإرهاب، والسعي إلى محاربتها بالاعتماد على الفكروالعلم.
وأشار العاني في هذه الجلسة الافتتاحية أن مؤسسة مؤمنون بلا حدود تقوم منذ سنة ونصف على دراسة وتحليل ظاهرة التطرف الديني والإرهاب، وأنجزت العشرات من الدراسات والأبحاث والترجمات المتخصصة في هذا الموضوع، مضيفا أن المؤسسة تعتزم القيام بدراسات ميدانية، وإطلاق برنامج توثيقي للظاهرة الجهادية، يضم ثلاثة ملايين وثيقة مرئية ومسموعة من منتصف ستينيات القرن الماضي إلى اليوم، وتتعلق بالحركات الجهادية، والشخصيات المؤثرة فيها، من مواقع ومنتديات التواصل الاجتماعي.
كما أن هذا البرنامج يشتمل على وثائق خاصة تعود إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي لجهاديين سابقين.
كما أوضح الدكتور العاني أن المؤسسة تعمل حاليا على أرشفة هذه الوثائق، التي ستكون مستقبلا في متناول الباحثين المشتغلين على الموضوع، مؤكدا أن جملة ما قامت به الحركات الإرهابية يتجاوز بكثير الوثائق المدروسة، وأن هذه الظاهرة الإرهابية ما زالت عصية على الفهم، ليس بسبب الظاهرة نفسها، ولكن لغياب المصادر الكافية، والتنسيق المتكامل والمثمر في الاشتغال على هذه الظاهرة مع مجموعة من الجهات والبلدان المعنية بهذا التهديد المحدق بأمن الدول واستقرارها، وتعارض المصالح والأجندات الخاصة، وهو ما يؤدي في النهاية إلى حدوث ارتباك كبير، وعدم إلمام بنطاق الإرهاب والبيئة الحاضنة له.
وأكد العاني أن المشكل الكبير الذي نعيشه اليوم في البلدان الإسلامية يتمثل في “الهوس بالأسلمة”، الذي تقوده جماعات الإسلام السياسي، والسلفيات، حيث تطغى الأسلمة على جميع مناحي الحياة، ويطغى التعصب والتطرف، وهو ما يؤدي، حسب رأيه، إلى التأسيس للمنظور العبثي للإنسان، الذي يحوله إلى مجرد آلة تخدم الإرادات العليا، منبها إلى التعاطي المستهتر بكرامة الإنسان العربي، والانحرافات الخطيرة للحداثة، التي حولت الأسس المتينة التي تنهض عليها الحضارة الغربية إلى نقاط ضعف تستغلها الجماعات الإرهابية والمتطرفة.
كما أضاف أن المؤسسة تثمن جهود المغرب في مكافحة التطرف والإرهاب، وخاصة ما يقوم به المكتب المركزي للأبحاث القضائية من عمليات استباقية تدحر الإرهاب في المهد، متمنيا أن تنهج كل البلدان العربية وفي العالم، تلك الخطوات والمبادرات المهمة التي يقوم بها المغرب في سبيل القضاء على الإرهاب والتطرف.
وقد شهدت جلسة الافتتاح إلقاء محاضرة افتتاحية في موضوع: “المقاربة الأمنية المغربية المعتمدة في مواجهة تحديات التطرف العنيف”، ألقاها – بالنيابة عن السيد عبد الحق الخيام، مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية بالمغرب- العميد حبوب الشرقاوي، رئيس فرقة مكافحة الإرهاب بالمكتب المركزي للأبحاث القضائية بالمغرب.
حيث أشار السيد الشرقاوي إلى أنه منذ إعلان قيام ما يسمى بدولة الخلافة الإسلامية، قام هذا التنظيم بسلسلة من العمليات الإرهابية، التي عملت على تدمير العديد من البلدان، وهو ما استوجب التصدي له، والتجند والتعاون الدولي من أجل دحر هذا التنظيم الإرهابي، موضحا أنه لابد من التطرق للتهديدات الإرهابية بعد اندحار داعش وهزائمه المتتالية، وتشديد الرقابة عليه، خاصة أنه نقل مركز إدارته إلى ليبيا، ومناطق أخرى بغرب آسيا.
وأوضح أن المغرب قد وجد نفسه وسط تحديات محدقة في محيطه الإقليمي، أبرزها انتشار الجريمة المنظمة، وتجارة السلاح، والهجرة السرية، وكلها أشياء تعمل على توسيع دائرة انتشار الإرهاب، ولكنه مع ذلك استطاع بفضل مجهودات المكتب المركزي للأبحاث القضائية، من تحقيق نتائج مهمة وتجنيب المغرب الكثير من العمليات الإرهابية، مشيرا إلى خطورة النزعات الانفصالية في تغذية الظاهرة الإرهابية، بدليل التحاق أكثر من 100 من انفصاليي البوليزاريو بتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.
وأعلن السيد الشرقاوي أن المكتب المركزي قام بتفكيك ما مجموعه 53 خلية إرهابية، و48 خلية لها ارتباط مباشر بتنظيم داعش، وذلك بفضل يقظة المغرب وانتباهه لخطورة الإرهاب منذ سنوات، واعتماده لمبادرات استباقية، مشددا على الخطر الإلكتروني المستمر لهذا التنظيم، الذي يجند التقنيين والمهندسين الذين يحسنون استعمال التقنيات المتطورة من أجل تسويق صورة التنظيم، واستقطاب الأتباع.
وشدد السيد الشرقاوي على ضرورة الاهتمام بليبيا التي تعد الآن المعقل الرئيسي لهذا التنظيم الإرهابي، لأنه وجد في الفوضى وغياب المؤسسات في البلد، المجال الأوسع لنشر عناصره، من أجل استهداف المنطقة المغاربية وأوروبا، موضحا أن القضاء على تنظيم داعش بالعراق وسوريا، لا يعني القضاء عليه بشكل نهائي، لأنه يعرف ولادة جديدة في مناطق أخرى، ولا أدل على ذلك من عمليات الذئاب المنفردة، التي ما زالت تستهدف العديد من البلدان، والتي راح ضحيتها العديد من المواطنين عبر العالم، وخاصة أوروبا.
وأكد ممثل المكتب المركزي للأبحاث القضائية أنه يجب الاهتمام بالعناصر العائدة من التنظيمات الجهادية، لأن العنصر البشري كان ولا زال هو العنصر المهم في هذه التنظيمات، وهو ما يستدعي المراقبة المستمرة والتأطير والتعاون من أجل القضاء على الإرهاب، وعلى الأفكار المتطرفة، مشيرا إلى أن الإرهاب يجب أن يحارب بالفكر أيضا.
وأشار السيد الشرقاوي إلى أن المقاربة المغربية في مواجهة الظاهرة الإرهابية هي مقاربة ثلاثية الأبعاد، إذ تعتمد على البعد الأمني، والبعد القانوني، والبعد الروحي، فضلا عن الاشتغال على الجانب التنموي.
عقب ذلك، عقدت ثلاث جلسات علمية على مدار اليوم الأول، حيث ناقشت الجلسة الأولى :
موضوع “المحددات المؤثرة في اعتناق الايديولوجيا “الجهادية”: مقاربات نظرية وقراءات ميدانية”، وشارك فيها كل من محمد المعزوز، أستاذ الأنثروبولوجيا السياسية في جامعة محمد الخامس، ودفيد بولوك، الخبير الأمريكي في الديناميكيات السياسية لدول الشرق الأوسط، وجون شارل بريزار، رئيس مركز تحليل الإرهاب بباريس. في حين تمحورت الجلسة الثانية حول موضوع ” الارهاب في أفريقيا وأثره على الأمن العالمي” في مرحلة ما بعد داعش، وقد أثثها كل من عبد الحق باسو، الخبير المغربي في الدراسات الأمنية والإستراتيجية، وجون جاك كوندجي، الخبير الإيفواري في شؤون الأمن الدولي، ومارك أنطوان بيروز دي مونكلو، كبير الباحثين في معهد البحث من أجل التنمية بفرنسا.
أما الجلسة الثالثة، فكان موضوعها “التنظيمات الارهابية في مرحلة ما بعد داعش : استراتيجيات الانتشار ومالات التحولات” وقد شارك فيها كل من محمد بنصالح، أستاذ الإسلام السياسي في مدرسة الحكامة والاقتصاد ومدير معهد غرناطة للبحوث والدراسات العليا، ورهان غونراتنا، أستاذ الدراسات الأمنية ورئيس المركز الدولي للبحوث في العنف السياسي والإرهاب بسانغفورة، إلى جانب دفيد كارتنشتين روس، الخبير في مكافحة الإرهاب والمستشار في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن.
وسيواصل المؤتمر أشغاله يوم غد بجلسات علمية تناقش موضوعات “التهديدات الارهابية لأوروبا والعالم العربي” في مرحلة ما بعد داعش و “السجون بين انتشار الايديولوجية “الجهادية” ومراجعات الجماعات التكفيرية” وأخيرا “مستقبل الظاهرة “الجهادية” في مرحلة ما بعد داعش”.
جدير بالذكر أن مؤتمر “ما بعد داعش” يطمح إلى الاشتغال البحثي والتفكير الجماعي والنوعي في مرحلة “ما بعد داعش” وفي مقتضياتها أو ما يمكن الاصطلاح عليه بالحالة “الجهادية” في مرحلة ما بعد الاندحار الميداني لتنظيم “داعش”، وذلك من خلال محاولة تقديم تحليلات وقراءات استشرافية لهذه المرحلة، خاصة وأن الهزيمة العسكرية للتنظيم لم تتوج إلى حدّ هذه اللحظة بأي تراجع ايديولوجي في عقول أتباعه وفي عقيدتهم “الجهادية”، ناهيك عن خطورة تفرعاته وامتداداته السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وتهديداته التي لا تزال تحدق بالعالم العربي وأوروبا وغيرهما، والخطر الذي يغدو داهما على العالم بأسره.
ومن أجل استكمال هذه المهمة ومقاربة الموضوع مقاربة موضوعية استشرافية ، يأخذ المؤتمر على عاتقه أولا طرح الأسئلة الصائبة والملحة والمحايثة لمقتضيات هذه المرحلة الجديدة التي تعرفها الظاهرة “الجهادية”، والتي تغاضت مراكز الدراسات إلى حد الساعة عن طرحها، منشغلة بواقع التنظيم ذاته ومنشغلة عن المشاكل الحارقة التي تفرضها مرحلة ما بعد اندحاره.
ويسعى المؤتمر ثانيا إلى تقديم قراءات وتلمس إجابات عن هذه الأسئلة المُلحّة، والتي يعتبر أولها وأشملها، السؤال الحارق عن مصير ومستقبل الظاهرة “الجهادية” في مرحلة ما بعد القضاء الميداني على تنظيم “داعش” أو نهاية “دولته”.
مما يفترض أيضا طرح سؤال ما إذا كانت فكرة “الدولة” التي أقامها التنظيم في هذه المرحلة غاية بحد ذاتها، أم حلقة مرحلية ضمن استراتيجية أوسع لتحقيق أكبر قدر ممكن من الانتشار العالمي للتنظيم وأيديولوجيته.
وهو ما يستدعي حسب المؤتمر السؤال أيضا عن الاستراتيجيات المرتقبة للتنظيمات “الجهادية”، خاصة في البلدان العربية والدول الأوروبية. فما مصير “الدواعش”، في مرحلة ما بعد تنظيم “داعش”؟
وأما في شأن كيفية التعامل مع العائدين، فهل ثمّة سياسات ناجحة أو مثالية في سياق التعامل مع من يصطلح عليهم “المقاتلون الأجانب” العائدون إلى بلدانهم؟
وما هي نقاط الاشتراك و الفوارق في تعامل الدول العربية والأوروبية مع العائدين؟
وهل من سبيل بالنسبة للدول العربية والإسلامية والأوروبية للتفريق بين صفوف هؤلاء العائدين، بين “الجهاديين التائبين” الذين اصطدموا بواقع أعقد ممّا كان في تخيلاتهم، ويرغبون في طي صفحة “التجربة الجهادية”، وبين العائدين الذين مازالوا يحملون العقيدة “الجهادية” ومتشبثين بما يعترونه خياراً جهادياً؟
كما يطرح المؤتمر سؤال كيفية تأثير السياسات الأمنية والاستراتيجية لصناع القرار الدولي والإقليمي في أداء وتفاعل الظاهرة “الجهادية”، كما هو الحال مع الظاهرة “الداعشية”، منذ اندلاع أحداث “الثورة السورية” حتى تاريخ القضاء الميداني على تنظيم “داعش”.
بالإضافة إلى ذلك، يسلط المؤتمر الضوء على الدور الأساسي الذي لعبه ومازال يلعبه الانترنيت في نشر الأفكار المتطرفة ويتساءل حول إمكانية التصدي إلى تحوله إلى فضاء لنشر التطرف والتطرف العنيف. فكيف يمكن التقليص من خطورة استغلال الوسائل الرقمية ووسائط التواصل الجماهيري ومواقع التواصل الاجتماعي من طرف التنظيمات الإرهابية؟
وأخيرا وليس أخرا، يطرح المؤتمر مشكل التطرف داخل السجون، والسؤال عن الوسائل والاستراتيجيات التي يمكن انتهاجها للتصدي لظاهرة تحويل السجون إلى فضاءات للاستقطاب للفكر المتطرف ولانتشار الأيديولوجيا “الجهادية”، إلى جانب كيفية الاستفادة في هذا الإطار من تاريخ انتشار الفكر السياسي المتطرف في علاقته بتجارب السجون. فضلا عن تساؤلات مؤرقة أخرى تطرح نفسها بإلحاح خلال الظرفية الراهنة.
كما يشارك في هذا المؤتمر نخبة من المتخصصين والمفكرين والخبراء من بينهم الفيلسوف الفرنسي جوكوب روغوزنسكي، وأليكس شميت، مدير مبادرة أبحاث الإرهاب الدولية، والباحث في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب بواشنطن، ومصطفى رزرازي، أستاذ إدارة الأزمات بالمغرب ومدير المركز الإفريقي للدراسات الأسيوية ، ونبيل نعيم، الخبير في الجماعات الإسلامية والقيادي السابق في جماعة الجهاد المصرية، وسعود الشرفات، المدير العام لمركز شرفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب بالأردن، وكمال حبيب، الباحث المصري المختص في الحركات الإسلامية، ومحمد العاني، المدير العام لمؤسسة مؤمنون بلا حدود ، ومحمد عبد الوهاب رفيقي (أبو حفص) الباحث المغربي في الإسلاميات، ومحمد جاسم، رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات بألمانيا، ومحمد نصر كروم، الخبير في التنظيمات المتطرفة والقيادي السابق في الجماعة الإسلامية بمصر.
البيان الختامي والتوصيات
جاء في البيان الختامي للمؤتمر أن انهيار تنظيم داعش في العراق وسوريا لا يعني الانتصار في الحرب على الإرهاب، لأن أيديولوجياته ما زالت مستمرة، معتبرين أن الذئاب المنفردة وعودة المقاتلين الأجانب والعرب إلى بلدانهم، تشكل تحديات كبرى لمرحلة ما بعد داعش، خصوصا أنهم اكتسبوا تجارب ميدانية، حيث يقدر عدد العائدين المنحدرين من الدول الأوروبية حوالي 5 آلاف شخص، وما يفوق 6 آلاف شاب من المنحدرين من منطقة شمال إفريقيا.
وأكد المشاركون في المؤتمر أن نجاح الخطوة الأمنية والعسكرية، والتي أعطت أكلها نسبيا في العراق وسوريا، قياسا بتقلص الرقعة الجغرافية التي يتواجد عليها داعش، لا يعكس بالضرورة انتصارا كبيرا أو زوالا للخطر والتهديد، لأن الحرب العسكرية لم تصاحبها حرب فكرية وإصلاحات اجتماعية وسياسية، وإنتاج ثقافة مضادة، خاصة وأن تنظيم داعش بعد تراجعه في العراق وسوريا، صار يسعى إلى التمدد في بعض المناطق في إفريقيا وآسيا.
وشدد المشاركون المنتسبون إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، وإفريقيا، والعالم العربي، على ضرورة محاربة كل النزعات الانفصالية في إفريقيا، والتقليص من الفقر والهشاشة، والفوارق الاجتماعية، وتأمين ظروف العيش الكريم، لأن من شأن كل تلك العوامل، بالإضافة إلى عامل الدين الذي يؤخذ بشكله المغلوط والمتشدد، أن يعصف بالمنطقة، خاصة بعد أن وجد التنظيم في ليبيا معسكرا جديدا له، وفي الميليشيات المسلحة في تشاد ومالي وكيكالي، المجال الأوفر لتمدده واتساعه، كما أكد المشاركون ضرورة نزع فتيل الصراعات المشتعلة في الشرق الأوسط، وفي مقدمتها إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، ووقف مخططات التفتيت في المنطقة، والتي باتت ترزح تحت تهديد انتشار نزعة الطائفية، التي تؤجج التطرف، وتخلق البيئة المناسبة لانتشار التطرف العنيف.
وقد أجمعت جل المداخلات على ضرورة الاهتمام بهذا الموضوع الشائك، والاشتغال عليه على جميع المستويات: الدينية، الفكرية، التعليمية، الاجتماعية، النفسية، السياسية، الأمنية، الرعاية البعدية… كما أكدت ضرورة المعالجة الرصينة واليقظة لمسألة المقاتلين الأجانب، هم وعائلاتهم، وذلك بغية استئصال الأيديولوجيا الإرهابية، ونزع كل الأفكار والأيدلوجيات المتطرفة لديهم، وإدماجهم بالشكل الصحيح في مجتمعاتهم، لأن نسبة مهمة من المنتسبين لتلك التنظيمات تعاني من التهميش، والفقر، وغياب فرص العيش الكريم.
كما حث المشاركون على التفكير الجماعي والنوعي في مقتضيات مرحلة “ما بعد داعش”، من خلال استشراف الحالة “الجهادية” في مرحلة ما بعد الاندحار الميداني لتنظيم “داعش”، والذي لم يرافقه لحد الساعة اندحار أيديولوجي في أذهان أتباعه، ناهيك عن خطورة تفرعاته السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وتهديداته المحدقة بالعالم العربي وأوروبا وإفريقيا.