أقلام وأراء

ما الذي يعنيه هذا العدد الكبير من القوائم الانتخابية؟!

محمد ياغي – 9/4/2021

يقرأ البعض مشاركة ٣٦ قائمة في الانتخابات الفلسطينية القادمة على أنها مؤشر مهم على حيوية الديمقراطية في فلسطين وعلى رغبة الشارع بالتغيير، وقد يكون هذا صحيحاً.

لكن إذا أخذنا بعين الاعتبار أن عدد الأحزاب والحركات المنظمة في فلسطين يقل عن عشرة، وهي تمثل اليمين والوسط واليسار وما بينهما من تفرعات أيديولوجية، فإن قراءة أخرى يمكن تقديمها ملخصها أن هنالك أزمة في النظام السياسي الفلسطيني جوهرها عدم ثقة الجمهور بالأحزاب والحركات السياسية الفلسطينية الموجودة منذ عشرات السنين، وأن هنالك الكثير من النخب السياسية تعتبر نفسها مستبعدة من النظام السياسي الفلسطيني الحالي بشقية – غزة والضفة، وأن هنالك حالة تفتت للنخبة السياسية الفلسطينية.

في حالة الانتقال الديمقراطي، وجود عدد كبير من الأحزاب والقوائم هو ظاهرة مفهومة وسببها يعود الى تجريف النظام الاستبدادي للعمل السياسي، وبالتالي تظهر عند رحيله عشرات الأحزاب التي تمثل نخباً سياسية راغبة بأن يكون لها دور في رسم سياسات البلد الداخلية والخارجية.

ورغم أن هذه الظاهرة طبيعية إلا أنها ضارة لأن التقدم باتجاه نظام ديمقراطي حقيقي وراسخ يحتاج الى وجود عدد من الأحزاب الديمقراطية التي تعبر عن مصالح قطاعات واسعة من الناس، والتي يمكنها تشكيل حكومات مستقرة بعد الانتخابات. بمعنى حتى لو تواجدت العشرات من الأحزاب فيجب على الأقل ان يفوز عدد محدود منها بغالبية المقاعد في الانتخابات حتى يمكن تشكيل حكومات قادرة على العمل وتعبر عن مصالح الجمهور.

بعد سقوط نظام زين العابدين في تونس مثلا العام 2011، ارتفع عدد الأحزاب من ثمانية الى 244 حزبا بحسب بيان حكومي صدر العام الماضي، منها 15 حزبا له ممثلون في البرلمان الحالي. لكن هذا لم يؤد الى الآن الى استقرار النظام السياسي في تونس لصعوبة تشكيل ائتلاف برلماني تجمعه أرضية سياسية واجتماعية واقتصادية موحدة.

والحال كذلك في إسرائيل – رغم ان ديمقراطيتها المزعومة عمرها سبعة عقود – التي يتواجد فيها ما يقارب الـ 49 حزبا، 13 منها كان له تمثيل في الكنيسيت الاسرائيلي السابق، لكنها وبعد أربعة انتخابات خلال أقل من عامين لم تتمكن من تشكيل حكومة مستقرة.

بالمقارنة لا يبدو المشهد الفلسطيني بائسا بوجود 36 قائمة انتخابية. لكن الفارق هو أننا لسنا دولة على طريق الانتقال الديمقراطي ولا دولة قد ضربت فيها الديمقراطية جذورها في الارض: نحن في مرحلة تحرر وطني ووجود هذا الكم من القوائم يعكس عمق الازمة التي يعيشها النظام السياسي الفلسطيني.

من الواضح أن هذا العدد الكبير من القوائم يعكس حالة من انعدام ثقة الناس بالأحزاب والحركات السياسية الموجودة في فلسطين. وأسباب انعدام الثقة كثيرة، منها غياب الديمقراطية داخل التنظيمات الفلسطينية نفسها، الفشل في بناء مؤسسات وطنية تحظى برضا وقبول الشارع لها، والفشل في إنهاء الاحتلال مع الاستمرار في الحفاظ على نفس المسار السياسي رغم فشله.

يعمق الازمة أيضا أن النخب السياسية الفلسطينية لا تجد مكانا لها في النظام السياسي الحالي بشقية في غزة والضفة. النظام السياسي في غزة تحتكره حماس، والموجود في الضفة ورغم انه أكثر انفتاحاً إلا أن فتح تهيمن عليه.

هذا الاحتكار سببه غياب الديمقراطية بشكل عام داخل التنظيمات الفلسطينية. نظريا هذه التنظيمات تمثل كل الطيف الأيديولوجي المتعارف عليه في العلوم السياسية، ولو كانت ديمقراطية في حياتها الداخلية لقامت بفتح باب العضوية لتنظيماتها ثم أجرت انتخابات أولوية حرة لاختيار مرشحيها. في هذه الحالة كان العديد من أصحاب القوائم الانتخابية سينضمون لهذه التنظيمات ولما انقسمت قوى اليسار وحركة فتح على نفسيهما.

لكن عندما تكون هذه التنظيمات مركزية فإن من المؤكد ألا يجد العديد من النخب سواء من داخلها أو من خارجها مساراً ممكنا له للمشاركة السياسية دون قيامه بتشكيل قائمة انتخابية خاصة به.

ومن مؤشرات الأزمة أيضا هو حالة التشرذم التي تعيشها النخب السياسية الفلسطينية: ما هو السبب الحقيقي الذي منع الكثير من القوائم المستقلة أن تتفاوض فيما بينها لتشكيل قوائم موحدة؟ هل هذه القوائم تختلف عن بعضها أيديولوجيا؟ هل تختلف في برامجها؟ أم أن النخب السياسية المستقلة، كما التنظيمات اليسارية، عاجزة أيضا عن الاتفاق فيما بينها على ترتيب أسمائها في قائمة تجمعها؟

النخب الفلسطينية المستقلة ليست أفضل من التنظيمات الموجودة والعديد منها يبحث عن دور له في النظام السياسي الفلسطيني وهذا جيد في حد ذاته. المشكلة بأن البعض يسعى لذلك لشعوره بأن بإمكانه إحداث تغيير والبعض الآخر يريد ذلك سعيا وراء مصالحة الخاصة.

في الحالة الثانية، مسألة تشرذم النخب المستقلة طبيعية لأن المصالح الفردية الخاصة لا تسمح للنخب بأن تتنازل لبعضها، وبالتالي من الطبيعي أن يكون هنالك فشل في تشكيل قوائم موحدة وجامعه.

ولكن ذلك غير مفهوم في الحالة الاولى لأن ادعاء النخب في تشكيل القوائم الخاصة بها هو السعي لإحداث تغيير والذي يمكن الاتفاق عليه بين كل من يدعي المطالبة به ولديه قائمة تخوض الانتخابات على أساسه.

نتائج الانتخابات التشريعية واضحة من الآن :

حماس ستحصل على حصتها لوجود كتلة صلبة مؤيدة لها في المجتمع الفلسطيني لأسباب أيديولوجية عقائدية، وقد تزيد عدد مقاعدها بفعل الساخطين على أداء السلطة في الضفة، لكنها لن تأخذ أكثر من حصتها الأيديولوجية في غزة.

المشكلة بأن أصوات فتح ستذهب الى أكثر من جهة فتحاوية وما تبقى من الأصوات سيتوزع بين عدد العديد من القوائم، وسنصل بالتالي الى برلمان شبيه بالكنيست الإسرائيلي: لا يوجد حزب أو كتلة قادرة على تشكيل حكومة فلسطينية مستقرة وقادرة على انتشال الكل الفلسطيني من المأزق السياسي والاقتصادي الذي يعيشه الفلسطينيون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى