ترجمات أجنبية

مارك مالوك : أفول الدور الدولي لبريطانيا وتراجع وزنها

مارك مالوك براون * ، بروجيكت سانديكايت» الدولي، 25/6/2018،

انحسر نفوذ المملكة المتحدة انحساراً كبيراً منذ استفتاء بريكزيت (الانسحاب من الاتحاد الأوروبي) قبل عامين. ومساعي مؤيدي البريكزيت ودعوتهم الى أداء دور ريادي في «الدائرة الأنغلو» (الناطقة بالإنكليزية) انتهت الى التبدّد، فهي كانت من بنات الخيال أكثر منها من بنات الواقع.

وتخالف مواقف بريطانيا في المسائل الدولية اليوم قيمها. فمنذ الاستفتاء على بريكزيت في 2016، يبدو أن السياسة الخارجية البريطانية على شفير الانهيار، بعد أن تنصلت من ماضيها ومبادئ الحكم التي لطالما رفعت لواءها. ويفاقم سوء الأحوال تزامن انحسار دور بريطانيا مع انتهاج رئيس أميركي، دونالد ترامب، نهجاً في الحكم غير مألوف ومضطرب يسعى وراء أهداف ومصالح منفصلة انفصالاً كاملاً عن مصالح بريطانيا وأوروبا عموماً. فعوامل مثل انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، وتفاقم النزعة الروسية الحربية والعدائية، وطموحات الرئيس الصيني المتعاظمة، تشير الى أن العالم دخل مرحلة خطيرة مشرعة على المواجهة. ولم تحتاج بريطانيا يوماً الى ما عرفت به من هدوء وعزم على نحو ما تحتاجهما اليوم. فمنذ الحرب العالمية الثانية، كانت علاقات بريطانيا الوثيقة بأوروبا والولايات المتحدة ركن سياستها الخارجية. لكن العلاقات هذه قُوّضت وبُترت الى حد بعيد. وانصراف الحكومة البريطانية الى حل معضلات البريكزيت صرفها عما يجري في العالم. ويتوقع أن تدوم المفاوضات على الانسحاب من أوروبا أعواماً طويلة، والنتيجة ستخلف لا محالة أثراً في وحدة البلاد نتيجة معضلة الحدود الإرلندية الشمالية. وغالب الظن أن تنصرف كذلك الحكومة البريطانية الى معالجة ما يترتب على دعوة اسكتلندا الى الارتباط بالاتحاد الأوروبي وليس بلندن. فالوعود بـ»بريطانيا منفتحة على العالم» ومنعتقة من قيود الاتحاد الأوروبي لم تكن يوماً غير شعارات خاوية. وفي قمة دول الكومنويلث في لندن، لم يسمع رجال الأعمال والقادة السياسيون من أصقاع العالم كله غير كلام مؤيدي البريكزيت الفارغ وتبجّحهم الخاوي، ولم يتناول المسؤولون البريطانيون مستقبل الاتفاقات التجارية تناولاً دقيقاً وملموساً.

ولا شك في أن بلداً مثل الهند قد يكون شريكاً تجارياً بارزاً مع المملكة المتحدة بعد البريكزيت. لكن الهنود يرون أن بريطانيا وأوروبا سوق واحدة، وأن سعي بريطانيا الى انتهاج نظم تجارية خاصة بها هو سعي مزعج وطائش وغير مناسب. ولا ريب في أن طرد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الجواسيس الروس من أراضيهم بعد تسميم عميل روسي سابق وابنته في ساليسبري، هو انتصار للديبلوماسية البريطانية. لكن لا ريب كذلك في أن دول الناتو رصّت الصفوف في هذه المسألة نتيجة شكوكها في أن الروس يستغلون عزلة بريطانيا المتعاظمة. لكن الحق يقال، يبدو أن الروس محقون في ما يحسبون: بريطانيا صارت الحلقة الأضعف في أوروبا الغربية. ولن يطول الأمر قبل أن يمتحن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الضعف البريطاني مجدداً. والانسحاب من الاتحاد الأوروبي هو خطوة انتحارية تقوض سبل مكافحة بريطانيا التدخل الروسي في شؤونها. وتخسر لندن نفوذها وأثرها في سياسات الطاقة الأوروبية وسياسات الأمن السيبراني، في وقت تتربع الحروب السيبرانية واستراتيجيات الطاقة – التوسل بالطاقة في الشؤون الجيوسياسية – صدارة جبهات دول عدائية ومنظمات ليست بدولة.

ويتزامن تخلّي بريطانيا عن مقعدها في الاتحاد الأوروبي مع تخلّيها عن قيمها الديموقراطية – الليبرالية. ففي حملة استفتاء بريكزيت، نفخ معسكر الانسحاب في المشاعر المعادية للأجانب والغرباء. وتتحدر فضيحة ويندروش (سوء معاملة الحكومة البريطانية المقيمين الشرعيين المولودين في الكاريبي) من إرث تيريزا ماي غير الليبرالي في وزارة الداخلية البريطانية. وحين تنضم المملكة المتحدة إلى إدارة ترامب في ترجيح كفة التجارة والاستثمار على كفة حقوق الإنسان والحكم الحسن، يتكبد الصحافيون والمعارضون السياسيون وناشطو حقوق الإنسان في أصقاع العالم ثمن هذه السياسة. فماي شأن ترامب لا ترفع لواء القيم الليبرالية، وتشد عود المستبدين في العالم. والحق يقال، انهيار السياسة الخارجية البريطانية يقع في وقت يقف العالم أمام المجهول. والسعي الى توازن جديد بين أميركا والصين هو تحدّ لن يطوى مع ترامب أو شي جينبينغ، وهذا ولايته مطلقة ولا حدود «زمنية» لها. وفي عالم مختل التوازن، يعود الى أوروبا أداء دور صمام أو شبكة الأمان، في وقت تبتر بريطانيا يديها وتقوّض دورها.

* نائب الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، عضو مجلس اللوردات البريطاني، وزير سابق، 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى