ماذا يعني فوز «حزب الله» في الانتخابات بالنسبة إلى لبنان؟
معهد واشنطن – حنين غدار * – 8/5/2018
في 6 أيار/مايو، فاز «حزب الله» وحلفاؤه السياسيون بأكثر من نصف المقاعد في الانتخابات البرلمانية الأولى التي تُجرى في لبنان منذ تسع سنوات. وفي حين لم تتغير حصيلة المجموعة بشكل كبير (13 مقعداً من إجمالي 128)، إلّا أنّ المكاسب التي حققها كل من “التيار الوطني الحر” و “حركة أمل” وحلفاء آخرون تعني أن «حزب الله» سيؤدي دوراً أكبر في الحكومة المقبلة. فقيادة تحالف يتمتع بأغلبية برلمانية بسيطة تعزز الجماعة على الصعيد السياسي وتزيد من فرصه في إضفاء الشرعية على سلاحه دون أي تحدٍ كبير.
نظام الأسد يعود إلى لبنان
عندما سحب بشار الأسد قواته من لبنان عام 2005، انسحب العديد من أبرز الأطراف الفاعلة في المؤسسة السياسية والأمنية التي تسيطر عليها سوريا من الحياة السياسية اللبنانية. لكنّ الزخم الانتخابي الذي يحظى به «حزب الله» منحهم فرصةً للعودة إلى الساحة.
فقد فازت خمس شخصيات على الأقل ممن تولّت مناصبها خلال الاحتلال السوري الذي دام قرابة عقدين من الزمن بمقاعد في البرلمان الجديد، ومنهم جميل السيّد، ضابط شيعي متقاعد برتبة لواء [ومساعد] سابق لمدير الاستخبارات [في الجيش اللبناني ومدير سابق للأمن العام]، وكان أحد أقوى الرجال في البلاد في ذلك الحين. أمّا اليوم، فسيدخل مجلس النواب على الرغم من الحكم عليه بالسجن لفترة وجيزة لتورّطه في اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري عام 2005، وهو عمل تربطه السلطات الدولية بـ «حزب الله». كما فاز فيصل كرامي، نجل رئيس الوزراء اللبناني الراحل عمر كرامي المؤيد لسوريا، بمقعد برلماني للمرة الأولى.
ولا شك في أن هذه الشخصيات ستستفيد من روابطها بنظام الأسد لتمكين «حزب الله»، ولا سيّما في ظل تنامي دور إيران في سوريا والاعتماد المستمر على الحزب كالوكيل الأهم لها. وستحاول هذه الشخصيات أيضاً تقريب مؤسسات الدولة اللبنانية من القضايا السورية الرئيسية على غرار اللاجئين والأمن.
إقبال منخفض
لم يشارك سوى 49.2 في المائة من أصل 3.6 مليون ناخب مؤهل في الانتخابات اللبنانية، مقارنة بـ 54 في المائة عام 2009. ويعود الإقبال الضعيف على الانتخابات، على الأقل جزئياً، إلى القانون الانتخابي الجديد المعقد الذي اقتضى من المواطنين التصويت لصالح قوائم حزبية كاملة في الوقت الذي أُقيمت فيه تحالفات انتخابية جديدة وغريبة بعض الشئ. فعلى سبيل المثال، اضطرّ السنّة في بعض المناطق إلى التصويت لصالح “التيار الوطني الحر” – وهو حزب مسيحي ومنافس انتخابي تقليدي – إذا أرادوا أن يفوز الزعيم السنّي سعد الحريري بفترة ولاية أخرى كرئيس للوزراء، لأن “تيار المستقبل” الذي يتزعّمه الحريري قد تم إقرانه مع “التيار الوطني” الحر في لائحة واحدة.
بالإضافة إلى ذلك، لم يؤمن العديد من الناخبين على مايبدو بأن الانتخابات ستؤدي إلى تغيير إيجابي. ففي الماضي، كان تحالف «قوى 14 آذار» الذي يتزعمه الحريري يمثّل منظوراً موالياً للغرب ومعادٍ لـ «حزب الله»، إلّا أنّ الكتلة قامت مؤخراً بالمساومة مع خصومها في كثير من الأحيان وحافظت على الوضع الراهن بشكل تهكّمي.
وقد يساعد ذلك في توضيح سبب تلقي حزب الحريري الضربة الكبرى في الانتخابات، حيث انخفض عدد مقاعده بنسبة الثلث ليحصد واحد وعشرين مقعداً كحصيلة نهائية. وكان أداء السنة المدعومين من «حزب الله» أفضل بكثير، خاصة في بيروت وطرابلس وصيدا، حيث حصلوا على عشرة مقاعد من بين المقاعد السبعة والعشرين المخصصة للطائفة السنية. وبالمثل، رفض السنّة في طرابلس [تأييد] أشرف ريفي، وهو شخصية سنية جريئة ينتقد «حزب الله» بشدّة وفاز في الانتخابات البلدية في المدينة عام 2017. وفي هذا السياق، تشير النتائج الإجمالية إلى أن المجتمع السنّي في لبنان يعاني من انقسام عميق بسبب ضعف القيادة ومناورات «حزب الله» السياسية الماهرة.
وفي النهاية، قد يتضح أنّ هذا التطور هو الانتصار الأكبر لـ «حزب الله». وليس سراً أن الحزب يقوم بتجنيد أفراد من السنّة إلى ميليشياته المحلية الموازية – “سرايا المقاومة اللبنانية”. ومع تضاؤل الحظوظ السياسية والمالية لسعد الحريري، فقد انضمّ العديد من اللبنانيين السنّة إلى هذه الجماعة المنتنسبة إليه، ربما كمصدر بديل للدخل. ويبدو أيضاً أن «حزب الله» استفاد من نفوذ إيران المتنامي في المنطقة وما صاحبه من ارتفاع في الهوية الطائفية الشيعية.
حشد القاعدة الشيعية
نجح «حزب الله» و”حركة أمل” في تأمين ستة وعشرين مقعداً من مقاعد البرلمان السبعة والعشرين المخصصة للشيعة، أي نجحا بسهولة في هزيمة أبرز المعارضين في الجنوب ومنطقة بعلبك الهرمل. إلاّ أن نسبة الإقبال المنخفضة تشير إلى أن العديد من الشيعة ظلوا في بيوتهم – وهي حصيلة غير مفاجئة على الرغم من استيائهم المتزايد من حرب «حزب الله» المكلفة في سوريا. بالإضافة إلى ذلك، لم يَظهر تحالف موحّد ضد «حزب الله» ذو رسالةً واضحةً لحشد الشيعة الساخطين. فقد ركّز مرشحو المعارضة في الجنوب على الرسائل السياسية التقليدية، بينما ركّز مرشحو منطقة البقاع على القضايا المتعلقة بالتنمية. ولم يجرؤ أي منهم على انتقاد أجندة “المقاومة” الخاصة بـ «حزب الله».
والأسوأ من ذلك، لم يقدّم أياً من هؤلاء المنافسين بديلاً اقتصادياً واجتماعياً جاداً لـ «حزب الله». فقد كانت هذه فرصةً كبيرةً ضائعةً لأن العمليات العسكرية للحزب في المنطقة قد نهشت بعض الأموال التي عادة ما يخصصها الحزب للخدمات الاجتماعية والمشاريع الاقتصادية الخاصة بالمواطنين الشيعة.
ولعلّ العامل الأكثر أهميةً في انتصار «حزب الله» كان تزايد الخطاب الطائفي. فعلى الرغم من أن عدداً كبيراً من الشيعة قد انتقدوا مغامرات الحزب خارج لبنان في السنوات الأخيرة، إلا أن هؤلاء المنتقدين أصبحوا أقل إلحاحاً بعد أن حقق تحالف الأسد سلسلةً من الانتصارات الرئيسية في سوريا، ممّا أدّى إلى تراجع عدد اللبنانيين الذين عادوا إلى ديارهم جثثاً هامدة، وترسيخ “جسر برّي” ثابت نحو إيران، وزيادة التركيز على الهوية الشيعية في جميع أنحاء المنطقة. ومع مشارفة الحرب في سوريا على النهاية، برز «حزب الله» من جديد كحامٍ للشيعة.
التداعيات السياسية المحلية
على الرغم من انخفاض عدد مقاعد حزب الحريري في مجلس النواب، إلّا أنّه ما زال يشكّل الكتلة السنية الأكبر في البرلمان، لذا قد يتولى ثانية منصب رئيس الوزراء إذا ما ضمن أغلبية الأصوات من خلال بناء التحالفات. ويبدو هذا مرجحاً نظراً لعلاقاته الممتازة مع “التيار الوطني الحر” والوعود التي تلقاها من زعيم “حركة أمل” نبيه بري وغيره من حلفاء «حزب الله».
لكن السؤال الرئيسي هو ما إذا كان بإمكانه تشكيل حكومة متوازنة سياسياً تكون مستعدة وقادرة على الحد من صلاحيات «حزب الله». فمع حصول حزبه على عدد أقل من المقاعد وعدم وجود حلفاء من المعارضة، سيكون الحريري رئيس وزراء أضعف بكثير هذه المرة. كما أنّ حزب “القوات اللبنانية” المسيحي هو الحزب الوحيد الذي نجح في زيادة عدد مقاعده (من ثمانية إلى خمسة عشرمقعداً) مع حفاظه على خطابه المناهض لـ «حزب الله»، لكنّ الحريري استبعد زعيم الحزب سمير جعجع متّهماً إيّاه وفقاً لبعض التقارير، بتأييد كارثة الاستقالة/التراجع التي دبّرتها المملكة العربية السعودية في العام الماضي.
وفي الوقت الحالي، يبدو أنّ الحريري يميل بشكلٍ أكبر إلى تقوية تحالفه الجديد مع جبران باسيل من “التيار الوطني الحر”، وهو صهر الرئيس ميشال عون. ويعتقد البعض في واشنطن أن هذا التعاون سيثبت فائدته، حيث سيشكّل كتلةً برلمانيةً جديدةً وحركةً سياسيةً قد تتحدى «حزب الله». إلا أن هذا الأمر لا يبدو مرجحاً أيضاً لأن الرئيس عون وغيره من قادة “التيار الوطني الحر” كانوا أوفياء بشكل مستمر لـ «حزب الله» منذ أن استلم سدّة الرئاسة عام 2016.
كيفية إبطاء زخم «حزب الله»
في 7 أيار/مايو، أعلن الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله إن النتائج بمثابة “انتصار سياسي ونيابي ومعنوي كبير لخيار المقاومة وبيئة المقاومة والخيار الذي يحمي ويحصن البلد”. وأضاف أن الجماعة بحاجة إلى تمثيل أكبر في البرلمان “لضمان الحماية الأمنية للمقاومة” وتحقيق “برنامجها الانتخابي”. وعلى الرغم من أنه لم يحصل على أغلبية الثلثين اللازمة لإعادة تشكيل الركائز الدستورية مثل تقاسم السلطة الطائفية، فإن الأغلبية البسيطة ستسمح له باتخاذ قرارات مهمة أخرى حول التعيينات الأمنية وتشكيل الحكومة.
بيد، لم يتمكن «حزب الله» من الوصول إلى هذا المركز من القوة السياسية إلاّ من خلال شراكته مع الحلفاء الذين لم يعاقَبوا أبداً لارتباطهم بجماعة مصنّفة كإرهابية وبـ “جناحها” السياسي المفترض. وفي الواقع، كان المجتمع الدولي قد كافأ هؤلاء الحلفاء – إذ أصبح عون رئيساً بمباركة من أوروبا والولايات المتحدة، كما وتم إقرار القانون الانتخابي الجديد الذي سهّل نتائج هذا الأسبوع دون ضغوط دولية.
ولتقليل الضرر في الأسابيع القادمة والمساعدة على احتواء «حزب الله» الذي يزداد نفوذه، يتعين على المجتمع الدولي أن يحاول تعزيز التوازن السياسي في لبنان. فلم يعُد هناك تأثير لـ تحالف «قوى 14 آذار»، ويبدو أن قيادته تذعن للحلول التوافقية المستمرة، ولكن لا يزال من الممكن إقامة قنوات أخرى للمعارضة، شريطة أن توفّر بديلاً اقتصادياً واجتماعياً حقيقياً للشعب اللبناني، بما فيه الطائفة الشيعية.
وفي الوقت نفسه، يتعين على الجهات الفاعلة الأجنبية فرض ثمنٍ على الحلفاء السياسيين المحليين لـ «حزب الله». فلم يعد من الضروري أن يلجأ الحزب إلى استخدام السلاح لفرض أجندته على المستوى المحلي. وبدلاً من ذلك، يمكنه الاعتماد على حلفائه لاتخاذ قرارات إيجابية داخل مؤسسات الدولة. لذلك، فمن الضروري الضغط على هؤلاء الحلفاء، بمن فيهم برّي وعون، لا سيّما إذا سمحوا لـ «حزب الله» وإيران بأن يفعلا أمورهما بحرية في لبنان. أمّا إذا كانوا يعملون كعناصر مساعدة للكيانات المصنفة دولياً، فينبغي التعامل معهم على هذا الأساس.
*حنين غدار، صحفية وباحثة لبنانية مخضرمة، وزميلة زائرة في زمالة “فريدمان” في معهد واشنطن.