ترجمات عبرية

مركز دراسات الأمن القومي الاسرائيلي: ماذا حدث لسياسات التعتيم الإسرائيلية أمام سوريا؟

بقلم : شموئيل ايفن، مركز دراسات الأمن القومي الاسرائيلي 24/4/2018
خلفية تعريفية
“سياسات التعتيم” ممكنة عندما تجتمع العديد من المكونات معًا: تنفيذ عمليات هجومية سرية، عدم تحمل مسؤولية تنفيذ الهجوم والحفاظ على سرية المعلومات لفترة طويلة، من جانب آخر يتطلب الأمر اعتبارات تشغيلية واستخباراتية. من أجل الخروج من سياسات التعتيم يكفي خرق واحد من شروطها.
“عمليات خفية” هي عمليات نتائجها مكشوفة للعدو بشكل عام، لكنها تتم بطريقة تخفي هوية من يقفون وراءها أو تسمح لهم بدرجة معينة من الإنكار. من الممكن أن يتم دمج عمليات سرية في إطار السياسات، يخفى عن العدو بها حقيقة مهاجمته.
“تحمل المسؤولية” من طرف إسرائيل لهجوم يرتبط بأعمال قد تُفسر على أنها اعتراف إسرائيلي بالهجوم، بدءًا من التقارير في الإعلام الإسرائيلي (التي لا تعتمد فقط على مصادر أجنبية) وأي تصريحات لمسؤولين ومتحدثين إسرائيليين.
سياسات التعتيم الإسرائيلية أمام سوريا
بعد قصف النووي السوري (سبتمبر 2007)، اتهمت سوريا إسرائيل بالهجوم، لكنها أنكرت نوعية الهدف؛ دمشق ادعت بأن الهدف الذي تضرر هو مبنى عسكري لم يكن قيد الاستخدام، وأن التقارير من الولايات المتحدة – التي تتحدث عن هجوم ضد منشأة نووية أو لمنع نقل سلاح لحزب الله – لا أساس لها من الصحة.
هذا الهجوم أثار قلق سوريا، إذ أن اكتشاف مشاركتها في مشروع نووي سيقود لرد من طرف الغرب، الذي لم يتهاون مع ليبيا والعراق بهذا الشأن. سوريا أعلنت أنها تحتفظ بحق الرد على الهجوم، لكنها لم ترد حتى الآن، يبدو أن ضبط النفس السوري ساهم في التعتيم من قبل إسرائيل.
كما تم اتباع سياسات التعتيم أيضًا في الهجمات التالية التي نُسبت لإسرائيل على الأراضي السورية، والتي كانت تهدف بالأصل لإحباط نقل سلاح متطور من إيران لحزب الله في لبنان، الذي تعتبره إسرائيل تهديدًا من أعلى درجة.
عملية الانسحاب من سياسات التعتيم أمام سوريا
بعد قصف المفاعل في سبتمبر 2007، وجدت في أراضي تركيا خزانات وقود مكتوب عليها بالعبرية، واضطرت إسرائيل حينها للاعتذار أمام تركيا. علاوة على ذلك، سربت مصادر في الإدارة الأمريكية للصحفيين، ومسؤولين في المنظومة السياسية في إسرائيل تطرقوا في الإعلام للعملية، سواء بشكل مباشر أو اكتفوا بالغمز (لو فعلًا تم تنفيذ هجمة فهي كانت ضرورية).
مع مرور الوقت، تكشف وسائل الإعلام الأجنبية تفاصيل خاصة حول هجوم المفاعل، بما في ذلك محادثات مع “شركاء سريين” إسرائيليين. من بينهم، برز التحقيق الشامل الذي نُشر في “نيويورك” عام 2012. في بداية الطريق، كانت التحقيقات مفيدة لإسرائيل، إذ أنها كشفت أمام المجتمع الدولي انشغال سوريا بالنووي العسكري؛ وبذلك اضطرت للتعامل مع فحص الوكالة الدولية للطاقة الذرية. في وقت لاحق، كان يمكن أن يكون لهذه التقارير أهمية في ردع معين أمام إيران، وفي النهاية، كانت هذه التقارير الخارجية بمثابة حجة ضد الرقابة في إسرائيل لإزالة السرية عن نشر القضية.
إن سياسات التعتيم في سوريا مستمرة من قبل إسرائيل من أجل تجنب تحمل مسؤولية هجمات جوية أخرى في سوريا، تُنسب فعليًا لإسرائيل، ضد سلاح موجه لحزب الله في لبنان ويُنقل للتنظيم عبر سوريا. حاكم سوريا بشار الأسد لم يرد على الهجمات، هذه السياسات ساهمت في ضبط النفس في سوريا، لكن يبدو أن السبب الأساسي لها كان قلق سوريا من حرب أمام إسرائيل، في الوقت الذي تعيش فيه حربًا أهلية منذ العام 2011.
قائد سلاح الجو المنتهية ولايته اللواء أمير ايشل تطرق لهذه السياسات، في مقابلة أجراها مع صحيفة “هآرتس” في أغسطس 2017. وحسب قوله، قصف سلاح الجو آليات قتال موجهة لحزب الله، وتنظيمات أخرى في ساحات أخرى، قرابة مائة مرة في الخمس سنوات الماضية، حيث نفذت الهجمات من تحت الرادار وذلك كي لا يجر الأمر إسرائيل لحرب. هذه المقابلة – التي يمكن أن تفسر كتحمل مسؤولية إسرائيلية واسعة للهجمات (سواء كان بقصد أم لا) – جاءت استمرارًا لرسائل الردع من طرف القيادة السياسية فيما يتعلق بالهجمات السورية.
على سبيل المثال، في مارس 2017، قال رئيس الحكومة بنيامين نتيناهو “إذا كان هناك معلومات استخباراتية وجدوى تشغيلية سنقصف، وهكذا سيستمر الأمر”، وزير الجيش الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أشار إلى أن تهديد الصواريخ الدقيقة هو “تهديد لا يُحتمل، وعلينا العمل ضده”.
حدث الكشف عن قصف المفاعل
على خلفية ذلك، في 21 مارس 2018، سمحت الرقابة بنشر تفاصيل عملية تدمير المفاعل في 2007. بالنسبة للجمهور الإسرائيلي، الذي عرف التفاصيل التي نُشرت سابقًا في الخارج وأشاروا إليها في إسرائيل؛ الشيء الجديد الأساسي هو تحمل مسؤولية بصوت عالٍ من قبل إسرائيل. الأسئلة البارزة التي ظهرت في الخطاب العام كانت: ما جدوى نشر ذلك؟ وهل سيسبب الأمر ضررًا؟ مؤيدو الكشف ادعوا بأنه “من حق الجمهور أن يعرف كيف تتخذ السلطة القرارات”، وكذلك أكدوا على ضرورة استنتاج عبر أخرى في منظومة الأمن وفي منظومة الاستخبارات وأهمية الردع.
على النقيض، ادعى معارضو الكشف أن هذا يسمح للعدو بالتعرف على الجدول الزمني لاكتشاف المفاعل للاستخبارات الإسرائيلية. وزير الجيش أفيغدور ليبرمان قال بالتطرق لحرب “نيل الشرف” أن هذه الخطوة أدت لتسرب معلومات جزء منها قد يوقع ضررًا جسيمًا بأمن إسرائيل. كما قيل ان تحمل المسؤولية من قبل إسرائيل للهجوم على المفاعل لا توائم مصلحة إسرائيل في تهدئة التوتر في الساحة، وقد يتم تضمينها من ضمن اعتبارات الرد مستقبلًا.
من وجهة نظر الرقابة التي تتمتع بوضع سيادي، قرار السماح بالنشر اتخذ في ظل صعوبة استمرار الجدل في المحكمة العليا بضرورة إضافته للحظر، وبعد تشاور مع مسؤولين أمنيين. الرقابة تعمل وفقًا لقاعدة توجيهية: الرقيب العسكري المسؤول غير مخول باستبعاد تقرير، إلا لو بدى بشكل أكيد أن نشر هذا التقرير يشكل خطرًا حقيقيًا على أمن الدولة.
استكمالًا للصورة، تجدر الإشارة إلى أن لجنة الوزراء، التي تسمح بنشر تقارير الموظفين العموميين أو الموظفين العموميين السابقين، صادقت على نشر كتاب ايهود أولمرت (الطبعة الأولى في 2018)، الذي يتطرق من بين عدة أمور للهجوم.
مغازٍ وتوصيات
كانت التسريبات هي العامل الأساسي للمساس بسياسات التعتيم، بما فيها ألعاب الكلمات في الإعلام لمسؤولين في المنظومة السياسية، واستخدام قناة المنشورات الأجنبية الموجودة بعيدًا عن متناول يد الرقابة. أما بالنسبة لتحمل مسؤولية قصف المفاعل، بغض النظر عن إذا كان الأمر مبررًا أو لا مفر منه؛ يظهر انطباع بأن إسرائيل تحمّلت مسؤولية الحدث عبر طاولة الرقابة، التي عملت كما يبدو بأفضل ما يمكن.
وتوصية للمستقبل، من الأفضل أن يتم اتخاذ قرارات حول سياسات من هذا النوع، أو التراجع عنها، في الكابينت السياسي – الأمني، وتحت اشراف لجنة فرعية في لجنة الخارجية والأمن للكنيست. خيار آخر هو توسيع مجالات عمل اللجنة الوزارية لتضمن التقارير، وتحديد سياسات الكشف. وفي هذه التقارير يجب مناقشة أسئلة من منظور أساسي، مثل:
– هل تحمل مسؤولية إسرائيلية بصوت عالٍ قد يتم تضمينها مع اعتبارات العدو للرد عاجلًا أم آجلًا، بل وحتى لتقليل “مساحة التحفظ” الخاصة به في ظل نشاطات إسرائيلية مستقبلية؟
– هل وكيف يمكن أن تؤثر تحمل المسؤولية في قضية كهذه على قدرات إسرائيل للاستمرار في الاستخدام الفعال لاستراتيجيات التعتيم في المنطقة مستقبلًا، في ساحات أخرى وفي قضايا أخرى؟
– كيف يمكن أن يؤثر تحمل المسؤولية بشكل أساسي على ردود أطراف ثالثة، في المجال السياسي للعدو أو خارجه، وعلى صراعات إسرائيل في الساحة الدولية؟
إن سياسات التعتيم الحالية أمام سوريا حول قصف سلاح الجو التي تم تفصيلها في الأعلى قد تم قطعها أو على الأقل فقدت جزءًا كبيرًا من أهميتها. ذلك، حتى لو استمرت إسرائيل في تبني سياسات غموض محددة، في عمليات كهذه او اخرى، فقد تحملت بالفعل المسؤولية العامة. ومع ذلك، حتى في الخطوات المشابهة في المستقبل، من الافضل لإسرائيل أن تحافظ على أقل تفاصيل ممكنة قدر الإمكان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى