أقلام وأراء

ماجد كيالي يكتب – نقاش متجدّد في معنى النصر والهزيمة

ماجد كيالي *- 7/6/2021

طرحت الحرب التي شنّتها إسرائيل، على الفلسطينيين في قطاع غزة، مؤخّراً، السؤال عن معنى النصر والهزيمة في الحروب العربية ـ الإسرائيلية، فمن الذي انتصر ومن الذي انهزم في تلك الحرب؟ الفلسطينيون؟ أم إسرائيل؟

في مرحلة سابقة، أي مرحلة الحروب النظامية، كانت الإجابة على هذا السؤال تحيل على الانتصار، أو أقلّه تفويت استهدافات العدو، بدليل “صمود” السلطة في هذا البلد أو ذاك، واستمرار إرادة الصراع لديها ضد إسرائيل، بغض النظر عن الكلفة الباهظة لتلك الحروب من الناحيتين البشرية والمادية، وضمنه احتلال إسرائيل لأراضي دول عربية.

لكن، ومنذ انتهاء الحروب النظامية مع إسرائيل، وتحول مهمة مصارعة إسرائيل إلى منظمات المقاومة الفلسطينية وحزب الله في لبنان، بدا وكأن خطاب الانتصار، خاصّة النظام الرسمي العربي، انتقلت عدواه إلى منظمات المقاومة تلك، حيث لم تقر المقاومة الفلسطينية بخسارتها الحرب في لبنان (1982)، رغم خروجها الى المنافي. وفي العام 2000 و2006 اعتبر حزب الله أنه حقق نصراً (“إلهياً”) على إسرائيل، على رغم أنه نجم عنهما وقف المقاومة ضد إسرائيل، ووجود القوات الدولية في الجنوب، وتحويل طاقة حزب الله إلى الداخل اللبناني، واستنزافه في الصراعات الداخلية اللبنانية، فضلاً عن انكشاف طابعة الطائفي/المذهبي، ثم انخراطه في قتل السوريين دفاعا عن نظام الأسد الاستبدادي، وانكشافه كذراع إقليمية لإيران.

وعلى رغم أن انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة جنوبي لبنان (2000)، كما انسحابها من قطاع غزة (2005)، يعبّر عن عدم قدرتها على البقاء في هذه الأراضي، بحكم المقاومة لها، إلا أنه يعبر، أيضاً، عن نزعة “عقلانية”، أو واقعية، لدى العدو في رؤيته لقدراتها وإمكانياته، وفي إدارته لصراعاته، وكيفية تصريفه لطاقته، وهي أمور ينبغي احتسابها، من دون مكابرة ومعاندة؛ وإدراكها وتفهم مقاصدها لاستنباط النتائج المناسبة منها والتعامل معها.ففي خروج إسرائيل من تلك الأراضي، وفي الوقائع التي خلقتها باعتداءاتها، الوحشية والمتكررة، على اللبنانيين والفلسطينيين تمكنت إسرائيل من تجيير هذه الانسحابات والحروب لصالحها من خلال الوقائع التي فرضتها على حزب الله في لبنان وعلى الفلسطينيين في الضفة والقطاع، وضمنها يأتي إنهاء المقاومة، وتحويل حزب الله وحركتي حماس وفتح الى حارس للهدنة أو التهدئة، فضلاً عن إشغالهما في التصارع على الملفات الداخلية.

القصد من ذلك التأكيد على أن عقلية المكابرة والمعاندة والإنكار مضرة وغير مفيدة، وقد تودي الى نتائج مضلّلة، إذ ثمة فارق كبير بين النصر وبين الصمود، كما ثمة فارق كبير بين القدرة على صدّ العدوان وبين التمكن من تكبيد إسرائيل خسائر في الأرواح والممتلكات. فوق ذلك فإن عقلية المكابرة والإنكار والعناد ربما تغطّي، أيضاً، على الواقع المتمثل في أن إسرائيل هي التي تمتلك ترسانة عسكرية لدولة عظمى، وإنها هي التي تهاجم وتقتل وتدمر، لأنها هي التي تمتلك الطائرات والدبابات والمدفعية وقوة النيران، حتى لو كان شعبها يذهب للاختباء في الملاجئ عند أول صافرة إنذار.

هكذا فإن اختباء الإسرائيليين في الملاجئ هو ميّزة، وليس شيئاً معيباً، ففي أوقات الخطر فإن الدول المحكومة بقدر معين من العقلانية تدرك أهمية الحفاظ على أرواح شعبها، بتأمين الحماية والرعاية له في أوقات الخطر، وضمن ذلك إعداد الملاجئ. وهذه مسألة لا ينبغي أن يعبر عنها بإدراكات سطحية ورغبوية، أو بنوع من نشوة النصر، ذلك إن وجود هذه الملاجئ هي سبب، من بين أسباب أخرى، في عدم التوازن بين قتلى إسرائيل وضحايا الفلسطينيين في كل الحروب. وفي كل تلك الحروب فإن الفلسطينيين هنا هم الضحية، وهم الذين لا يمتلكون إلا الأسلحة البسيطة، حتى لو كانت صاروخية، وهم الذين يفتقدون للموارد، وهم الذين يحتاجون الى العطف والدعم والحماية، وهم الذين يتعرضون للاعتداء، وليست إسرائيل.

ولعل إسرائيل، كما قدمنا، لا يهمها البتة كيفية تجيير مقاوماتنا للانتصار لأن ما يهمها، في واقع الأمر، هو النتيجة العملية، وهي وقف المقاومة المسلحة نهائيا، ولا يهم إسرائيل ماذا سيحدث فيما بعد، فهي اعتادت على العيش بين حرب وأخرى وهدنة وأخرى، وفي واقع من اللاحرب واللاسلم لأكثر من ستة عقود، وهي لا يهمها أن تعيش الى الأبد على هذا النحو مقابل أن لا تفقد صورتها كدولة رادعة.

طبعاً، هذا لا يعني بخس المقاومة حقها، فهي قامت بما يمكن أن تقوم به، وفق إمكانياتها، وقدراتها، كما أن هذا لا يقلل من صمود الفلسطينيين وشجاعتهم، واستعدادهم العالي للتضحية، فهذه أمور لم تعد بحاجة إلى إثبات، ولكن الحديث هنا يدور عن إدراك الحقائق والإمكانيات، وكيفية خوض السياسات.

ولا شك أن ثمة من لا يريد أن يفهم المعاني المقصودة بمجرّد الادعاء بأن المقاومة انتصرت، في لبنان وفلسطين، وهو أمر يمكن تفهمه، ولا يمكن لأحد ان لا يتمناه من كل قلبه، لكن المحاكمة العقلانية للأمور تستدعي، أيضاً، السؤال عن معنى هذا الانتصار، دون تبخيس المقاومة، من أي مستوى، حقها ومشروعيتها.

هذا نقاش في إطار السجال الدائر بشأن معنى الانتصار والهزيمة في الحروب العربية الإسرائيلية، ومن الواضح أن العدة المفهومية لإسرائيل وادراكاتها لهذا الأمر تختلف تماماً عن عدتنا المفهومية وعن إدراكاتنا لهذه الأمور. ففي حين نحلّ نحن الشكليات والشعارات محل الحقائق والمصالح، والعواطف والأمنيات محل الوقائع والإمكانيات، وفي حين نحلّ ثنائيات من نوع النصر والهزيمة، محل الواقع المركّب، فإن إسرائيل تواصل العيش والاستقرار والتطور على الرغم من كل “انتصاراتنا”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى