شوؤن دولية

ماجد كيالي يكتب – ملاحظات أولية على الانتخابات الأميركية

ماجد كيالي *- 12/11/2020

الرئيس في الولايات المتحدة هو بمثابة موظف ورغم أنه يتمتع بصلاحيات واسعة فهو رئيس البلاد ورئيس الحكومة الفيدرالية والقائد الأعلى للجيش إلا أنه محكوم في العديد من القرارات برأي الكونغرس.  

استقطبت الانتخابات الأميركية اهتمام العالم بأسره، كالعادة، لكنها هذه المرة حظيت باهتمام أكثر من سابقاتها، بالنظر لشخصية الرئيس الأميركي دونالد ترامب (المنتهية ولايته)، المثيرة للجدل، والخارجة عن المألوف، بتصريحاته وسلوكياته، ولاسيما بحكم طريقته في إدارة علاقات الولايات المتحدة مع الحلفاء التقليديين، كدول الاتحاد الأوروبي، مثلا، كما مع قوى مناوئة أو صاعدة مثل الصين وروسيا، ويأتي ضمن ذلك فهمه الخاص لحلف الناتو وللأمم المتحدة ومنظماتها الأممية وللاتفاقات الدولية، ومكانة الولايات المتحدة في كل منها.

إضافة إلى كل ما تقدم ثمة العديد من المسائل، كشفت عنها أو أثارتها تلك الانتخابات، أهمها:

أولا، الانقسام العمودي الكبير في المجتمع الأميركي، فبغض النظر عن الرابح أو الفائز في تلك الانتخابات، وهو جو بايدن، فلدينا نصف المجتمع الأميركي يختار رئيسا معينا، والنصف الثاني يختار رئيسا آخر.

فوز جو بايدن، مرشح الحزب الديمقراطي، وخسارة ترامب مرشح الحزب الجمهوري، لا يقدمان كثيرا في ما يتعلق بأوضاعنا في العالم العربي“.

ثانيا، أن خسارة ترامب للانتخابات، لا تعني خسارة كاملة للحزب الجمهوري، فتبعا للنقطة الأولى، فإن كل واحد من الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة يحظى بأغلبية تمثل نصف الناخبين الأميركيين تقريبا، تزيد أو تنقص بحسب الظروف والمعطيات التي تجري في ظلها الانتخابات.

ثالثا، يستنتج مما تقدم أن السياسات التي انتهجها الرئيس ترامب، بغض النظر عن تقييمنا لها أو رأينا بها، تتمتع، أو تحظى، بقدر مهم من الشعبية في المجتمع الأميركي، وهذا هو تفسير هذا العدد من الناخبين الذين أعطوا أصواتهم له.

رابعا، كما في معظم الانتخابات الأميركية فإن القضايا الداخلية (الضرائب، الصحة، التعليم، البنى التحتية، الانقسامات الإثنية) هي التي تشكل محور اهتمام الناخب الأميركي، في حين أن القضايا الخارجية لا تشكل شيئا يذكر من اهتمامه، لسبب بسيط هو أن أيا من تلك القضايا لا تؤثر عليه، ولا على الاستقرار السياسي والاقتصادي في الولايات المتحدة، إن بحكم بعدها الجغرافي عن مناطق التوتر، أو بحكم إمكانياتها الاقتصادية الهائلة، أو بحكم جبروتها العسكري.

في الغضون وفي إدراكاتنا للولايات المتحدة، ونظامها السياسي، يجدر لفت الانتباه إلى النواحي الآتية:

أولا، تلك دولة تديرها الشركات الكبرى، لكننا لا نقصد هنا شركات ذات طبيعة أهلية، أو عائلية، حتى لو بدا بعضها كذلك، إذ هي بمثابة مؤسسات بمعنى الكلمة، أي تشتغل، في أغلب الأحوال، وفق قواعد الإنتاج والربحية والأهلية والكفاءة وإتاحة الفرص في الوقت ذاته.

ثانيا، الشركات والمؤسسات الاقتصادية الكبرى، ووسائل الإعلام، ومراكز الأبحاث والجامعات، وجماعات الضغط، هي التي تصوغ الرأي العام وتوجهات الناخبين. أي أن اللعبة الديمقراطية في الولايات المتحدة، أيضا، تتحدد بناء على امتلاك وسائل القوة والهيمنة (المال والتحكم بالفضاء العام) مع تأكيد أننا نتحدث عن دولة تقدس الحريات الفردية.

ثالثا، الولايات المتحدة هي دولة يعتبر فيها الدستور أعلى قانون في البلاد ويخضع الجميع له، بمن فيهم الرئيس، كما أن تلك الدولة فيها فصل تام بين السلطات (القضائية والتشريعية والتنفيذية) وتعتمد التداول على السلطة منذ تأسيسها عام 1776، ودستورها يعد أقدم دستور للدول الحديثة (1887)، ناهيك أنها دولة فيدرالية، تتمتع فيها الولايات بحكم محلي واسع.

رابعا، الرئيس في الولايات المتحدة هو بمثابة موظف، ورغم أنه يتمتع بصلاحيات واسعة، فهو رئيس البلاد ورئيس الحكومة الفيدرالية والقائد الأعلى للجيش، إلا أنه محكوم في العديد من القرارات برأي الكونغرس، كما لا بد له أن يأخذ في الاعتبار مواقف المؤسسة، أي مراكز صنع القرار، وهي هنا إضافة إلى الكونغرس، وزارتا الدفاع والخارجية، ومراكز الأبحاث ذات الصلة، وجماعات الضغط، وأيضا حكومات الولايات.

وبهذا المعنى فإن للرئيس رأيا مقررا في إدارة الشؤون الداخلية، لكن في قضايا السياسة الخارجية ودور الولايات المتحدة في الخارج فهنا دوره يبدو أقل، لصالح المؤسسات (وزارتا الخارجية والدفاع أساسا).

” خسارة ترامب للانتخابات، لا تعني خسارة كاملة للحزب الجمهوري، فتبعا للنقطة الأولى، فإن كل واحد من الحزبين الرئيسيين في الولايات المتحدة يحظى بأغلبية تمثل نصف الناخبين الأميركيين تقريبا “.

خامسا، إن فوز جو بايدن، مرشح الحزب الديمقراطي، وخسارة ترامب مرشح الحزب الجمهوري، لا يقدمان كثيرا في ما يتعلق بأوضاعنا في العالم العربي، إذ هو خارج الحسابات أو الأولويات الأميركية، بسبب ضعفه، وتشتت أحواله، وبسبب فاعلية القوى الإقليمية فيه (إيران، وإسرائيل، وتركيا)، وأيضا بسبب أن ذلك العالم لا يشكل ضغطا على صانع القرار الأميركي. وفي كل الحالات، فقد بينت التجربة أن السياسة الأميركية في الشرق الأوسط تتحدث وفقا لاعتبارات إسرائيل، التي نجحت طوال العقود الماضية في التموضع في قلب السياسة الأميركية في الشرق الأوسط. لذا فبغض النظر عن اسم الساكن في البيت الأبيض وعن حزبه للسنوات الأربع القادمة، فإن ذلك لن يغير كثيرا في السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط من الناحية العملية، فقط ربما تتغير اللهجة من خشنة ومباشرة في عهد ترامب إلى ناعمة ومواربة في عهد بايدن؛ هذا ينطبق على المسألتين السورية والفلسطينية.

قصارى القول فإن مشكلتنا في العالم العربي تكمن في غياب النظام العربي، بمعنى كوحدة متكاملة ومتعاضدة، وتمتلك الإجماع على الأولويات والأهداف، لذا في وضع كهذا يصعب استثمار أي تحولات دولية أو إقليمية، وأخشى أن أقول إنه مع ترامب أو مع بايدن، فإن الأمر يتعلق بنا.

*ماجد كيالي  –  كاتب سياسي فلسطيني .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى