أقلام وأراء

ماجد كيالي يكتب – بانتظار مصالحة فلسطينية لا تأتي

ماجد كيالي 26/9/2020

الفصائل الفلسطينية ما زالت لا تريد أن تقرأ الواقع وأن تصارح شعبها بعجزها وأنها أضحت مجرد سلطة في الضفة وغزة، وهي مصرة على تعويم نفسها مع أنه لم يعد لديها ما تضيفه.

نقلت حركتا “فتح” و”حماس”، أي الحركتان المهيمنتان على المجال العام الفلسطيني، وبخاصة على السلطة، في الضفة وغزة، مباحثاتهما من أجل المصالحة، واستعادة وحدة الكيان الفلسطيني في الضفة وغزة، إلى إسطنبول (تركيا)، حيث يترأس جبريل الرجوب، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، وفد حركته، في حين يترأس صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، وفد حركته.

ثمة ملاحظات عديدة يطرحها هذا اللقاء، أهمها: أولا، اللقاء الحاصل بين رئيسي الوفدين هو الثالث من نوعه، إذ تم اللقاء الأول قبل ثلاثة أشهر تقريبا (2 يوليو)، بيد أنه طوال تلك الفترة لم يحصل أي شيء جدّي يمكن التعويل عليه، سوى مجرد اجتماع لقادة 14 فصيلا (يوم 3 سبتمبر) كان عبارة عن مهرجان خطابي، لم يجر فيه أي نقاش أو مراجعة، وفوق ذلك فقد أتى مجرد الإعلان عن تشكيل ما سمّي بـ”القيادة الموحدة للمقاومة الشعبية” (12 سبتمبر)، فاقدا للمصداقية، وكمحاولة متسرعة وفوقية، وقد تأكد ذلك من تحديدها فعاليات محددة “لن تتوقف إلا بانتهاء الاحتلال”، لكن ذلك الأمر، الأُمنية، لم يثبت مصداقيته في أول فعالية له يوم 15 سبتمبر، لعدم التجاوب الشعبي مع تلك الدعوة.

ثانيا، تلك المحاولة للمصالحة، واستعادة الوحدة، ربما هي الـ15 من نوعها، بعد الاتفاقات الثنائية أو الجماعية، التي تمت طوال الـ15 سنة الماضية، بدءا من إعلان القاهرة (2005)، ثم وثيقة الأسرى (2006)، وبعد ذلك اتفاقات مكة (2007)، وصنعاء (2008)، والقاهرة 2009 و2011 و2012 و2014 و2017، والدوحة 2012 و2014، والضفة وموسكو (2018) وغزة (2018)، لكن كل تلك الاتفاقيات بقيت حبرا على ورق، ولم يجر الالتزام بها.

ثالثا، اللقاء يتم بين الفصيلين الكبيرين، أو السلطتين، بمعنى أنه ليس لقاء فلسطينيا عاما، يجمع باقي المكونات الفاعلية للعمل الوطني الفلسطيني والشخصيات المؤثرة من خارج الفصائل، ما يستنتج منه أن التوجه يتأسس، أصلا، على تقاسم السلطة، أو الشراكة، بين حركتي فتح وحماس في إدارة الوضع الفلسطيني.

رابعا، يستنتج مما تقدم أن ما يجري لن يغيّر في الواقع الفلسطيني، أو واقع الحركة الوطنية الفلسطينية شيئا، وأنه سيعيد إنتاج الأزمة الوطنية الفلسطينية لأنه في أحسن الحالات سيجمّد الخلاف القائم بين الحركتين، أو أنه سينتج عنه تنظيم إدارة الخلاف بينهما.

خامسا، ما يؤكد ما ذهبنا إليه، أن أيّا من الطرفين غير مستعد للتنازل عن سلطته، حيث فتح في الضفة وحماس في غزة، وأن الأمر المطروح يتعلق فقط بإجراء انتخابات تشريعية أولا، بحسب ما تريد فتح، مع تأجيل إجراء انتخابات رئاسية، وعدم أخذ المنظمة في الاعتبار، أقله حاليا، لاسيما لجهة انتخاب مجلس وطني جديد بدل المجلس القائم على التعيين، والذي بات معظم أعضائه من جيل السبعينات والثمانينات والتسعينات.

لكل تلك الاعتبارات، ثمة ما يرجّح أن نتائج تلك المحاولة، هذه المرة، لن تكون بأفضل من سابقاتها، لاسيما أن قيادتي فتح وحماس لم تذهبا إلى هذه المحاولة مجددا إلا بضغط الظروف والتحديات الخارجية، وليس بناء على إدراك منهما بضرورة الانتهاء من الوضع الفلسطيني الشاذ المتمثل في الانقسام، ولا إدراكا منهما بتغليب واقع التحرر الوطني على واقع السلطة، علما وأنه في كل الأحوال فإن تلك القيادات لم تصل بعد إلى إدراك واقع أزمة العمل الوطني الفلسطيني، باعتبارها أزمة شاملة وعميقة تطول الكيانات والسياسات والخيارات والخطابات والرؤى وأشكال الكفاح، باتت تتجاوز فكرة الإصلاح والتعويم، إلى تجديد الحركة الوطنية الفلسطينية، التي دبّت فيها الشيخوخة والترهل والجمود بعد أن بات لها من العمر 55 عاما.

الفكرة الأخرى، التي يمكن طرحها هنا، هي أن تلك المحاولة، التي يتمنى كل فلسطيني أن تنجح، أتت متأخرة جدا، إذ أن قيادات فتح وحماس، لم تعمل طوال الفترة الماضية لتهيئة ذاتها، أو تهيئة الشعب الفلسطيني لمواجهة التحديات الراهنة (راجع مقالتي “ليس لدى قيادات الفصائل الفلسطينية ما تقدمه، “العرب”، 2020/09/05)، لذا يمكن القول، مع الأسف، إن ما سيجري سيتوقف في أحسن الأحوال على مجرد مصالحة، وتقاسم السلطة بين فتح وحماس، ولن يضيف شيئا آخر للوضع الفلسطيني، كما لن يأت على قدر التحديات التي تواجه شعب فلسطين وقضيته وحركته الوطنية.

ولنلاحظ أن الفلسطينيين في الداخل يمرون بظروف معيشية واقتصادية وأمنية صعبة، لاسيما مع الحصار المفروض على شعبنا في غزة، ومع تجفيف الموارد في الضفة، في حين أن اللاجئين الفلسطينيين في الخارج باتوا خارج المعادلات السياسية، بعد أن انتقل مركز الثقل إلى الداخل، وبعد أن أضحت المنظمة مجرّد فولكلور فلسطيني، أو مجرّد منبر للمناسبات. أما بخصوص السلطة فهي في أضعف حالاتها، بسبب الانقسام وبحكم أفول الشرعية وبواقع ضعف مبنى الحركة الوطنية الفلسطينية، سواء على صعيد المنظمة أو الفصائل، وبحكم الفجوة بين مجتمعات الفلسطينيين والقيادة في الداخل والخارج، وغياب أو ضعف، حواضن العمل الوطني الفلسطيني العربية والإقليمية والدولية، في الظروف والمعطيات الراهنة.

ما الحل؟ أو ما البديل؟ جوابا على ذلك من المؤكد أن لا أحد يملك، في هذه الظروف، ترف التبجّح بأنه يمتلك حلا جامعا مانعا، لاسيما أن الوضع في الساحة الفلسطينية بات في غاية الصعوبة والتعقيد، بحكم غياب القيادة الجماعية والافتقاد للعلاقات الديمقراطية وتهميش الكوادر الوطنية وغياب الحراك الداخلي، مع إدراكنا بأن الأزمة الوطنية الفلسطينية هي من النوع الشامل، أي أزمة في نمط التفكير والكيانات والعلاقات وأشكال الكفاح، كما قدمنا.

للأسف ما زالت الفصائل لا تريد أن تقرأ الواقع، ولا تريد أن تصارح شعبها بعجزها، وأفول خياراتها، وأنها أضحت مجرد سلطة في الضفة وغزة، وما زالت مصرّة على تعويم نفسها مع أنه لم يعد لديها ما تضيفه، وإدراك ذلك هو الشرط الأساسي للخروج من الأزمة الوطنية الفلسطينية الراهنة، التي تتطلب أساسا إعادة بناء البيت الفلسطيني.

باختصار المصالحة مطلوبة وضرورية، لكنها غير كافية، وهي فقط ستعيد إنتاج الأزمة الوطنية، ناهيك عن الثغرات الكثيرة التي تعتريها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى