ماجد كيالي يكتب – الفلسطينيون إزاء حقبة جديدة وتحديات جديدة ومختلفة
ماجد كيالي * 26/12/2020
يصادف دخول العام الجديد (2021) مع خروج الرئيس الأميركي دونالد ترامب من البيت الأبيض، ومجيء إدارة جديدة برئاسة جو بايدن، وفي ذلك دلالات، أو نتائج مهمة بخصوص القيادة الفلسطينية، بغض النظر عن الدلالات الواقعية لذلك بخصوص شعب فلسطين وقضيته، وهذا فارق مهم، ولا بد من ملاحظته.
على أي حال وللتوضيح، فإن مصدر الفارق المذكور يكمن في أن القيادة الفلسطينية تتصرف من واقع كونها سلطة، أكثر من كونها حركة تحرر وطني، ما يعني أنها معنية بالحفاظ على وجودها، وعلى كيانها (وهذا ينطبق على سلطة “حماس” في غزة)، أكثر من أي شيء آخر.
ربما يكون هذا المدخل الذي يحيل على الخارج، في استشراف الوضع الفلسطيني في قادم الأيام، ناجماً عن واقع مفاده أن قضية فلسطين خرجت تقريباً من أيدي الفلسطينيين، بحكم ضعفهم في موازين القوى، وإزاء المعطيات والمتغيرات الدولية والإقليمية والعربية المواتية لإسرائيل، ناهيك باختلافاتهم وانقساماتهم، كما عن واقع تراجع القضية الفلسطينية في الأجندات الدولية، لا سيما العربية، مع توجه العديد من الأنظمة العربية نحو التطبيع مع إسرائيل.
ينجم عن ذلك أن لدينا ثلاث مسائل أساسية يفترض بالفلسطينيين، وكياناتهم الجمعية، وقياداتهم، أخذهما في الاعتبار في المستقبل :
الأولى، أن التغير في الإدارة الأميركية، أو في السياسة الأميركية، لا يمكن المراهنة عليه، إذ لا يبدو أن الرئيس الجديد بايدن بصدد النكوص عن المواقف التي اعتمدها سلفه ترامب في السياسة الأميركية في المسائل الأساسية، بمعنى أن أي تغيير سيقتصر، على الأرجح، على الجوانب الشكلية، كمثل إعادة تمويل منظمة أونروا (الخاصة باللاجئين)، واستئناف المساعدات للسلطة الفلسطينية، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وتدوير عجلة المفاوضات، لكن كل تلك الموقف لن تصل، على الأرجح، إلى حد التراجع عن اعتراف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل، أو نقل السفارة منها.
وعليه، ففي تلك الحيثية قد تذهب إدارة بايدن إلى القول إنها تريد القدس عاصمة للجانبين مثلاً، في تعويم لتلك المسألة، وتبهيت الموقف الفلسطيني. أما في خصوص مسألتي الاستيطان والحدود فإن التعامل معهما سيتم في إطار الضغط على الفلسطينيين لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل، كالعادة، لدفعهم نحو الدخول في الدوامة التفاوضية مرة أخرى. وهكذا فإن مثل تلك المواقف قد تكون بمثابة سلم للقيادة الفلسطينية التي تجعلها تنزل عن السقف، أو تغطي عليها إزاء شعبها، لا أكثر، وربما كان هذا هو المطلوب للقيادة الفلسطينية، وهو أضعف الإيمان، وفقاً لحال العجز لديها، ووفقاً للتهميش الذي باتت تعاني منه.
والخلاصة فإن القيادة الفلسطينية ستكون إزاء تغير في الشكل من دون تغير في المضمون، إذ ستتغير اللهجة من خشنة في ظل إدارة ترامب إلى ناعمة في ظل إدارة بايدن، ومن وسائل الضغط في ظل ترامب إلى وسائل الدبلوماسية في ظل بايدن، لأن ذلك ما يعبر عن الموقف العملي الحقيقي لكل الإدارات الاميركية.
الثانية، في السنوات القليلة المنصرمة لم تقف القيادة الفلسطينية إزاء مخاطر، أو إزاء تحديات خطة “صفقة القرن” وتخلي الولايات المتحدة عن دورها راعياً لعملية المفاوضات، وعن مواقفها التقليدية المنسجمة مع قرارات الأمم المتحدة، ولو لفظياً، لكنها واجهت أيضاً انصراف العالم العربي،ونقصد النظام العربي، عن القضية الفلسطينية بحكم ضعف الوضع الفلسطيني أولاً، وثانياً، بحكم التحديات التي يتعرض لها النظام العربي من الفاعلين الإقليميين الآخرين، لا سيما إيران، التي باتت تتبجح بأنها تهيمن على عواصم عربية أربع أو خمس (بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء وغزة)، وتركيا أيضاً التي بات لها وجود عسكري في سوريا وليبيا والصومال وقطر. والفكرة هنا أن القضية الفلسطينية تراجعت في سلم الاهتمامات العربية، ولو الشكلية، بالقياس إلى السابق، وأن الأمر تجاوز ذلك إلى ذهاب عديد من الأنظمة نحو التطبيع مع إسرائيل، من مختلف النواحي، وهو أمر يفترض بالفلسطينيين ملاحظته، بغض النظر عن رأيهم به، والتعامل مع التحديات التي تنبثق منه، بحكمة ومرونة، لأنهم الطرف الأضعف في المعادلة، والطرف الذي له مصلحة في عدم تركه مكشوفاً أمام إسرائيل وسياساتها الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية.
وبشكل خاص يفترض بالفلسطينيين ملاحظة أن عملية التطبيع الجارية كسرت أسطورتين، طالما ارتكنوا اليهما، أو بنوا أوهامهم عليهما، الأولى، ومفادها أن فلسطين هي بمثابة قضية مركزية للأمة العربية، وبالتالي للنظام العربي، وهذا كان له تمثلات نظرية أو دعائية فقط، بحكم هامشية المجتمعات العربية، وبحكم توظيف الأنظمة قضية فلسطين وركوبها تبعاً لأجندتها الخاصة. والثانية مفادها أن “السلام يبدأ من فلسطين وأن الحرب تبدأ من فلسطين”، وأن العرب لا يمكن أن يطبعوا من دون إيجاد حل لقضية الشعب الفلسطيني وفقاً لمبدأ المبادرة العربية للسلام: تطبيع كامل مقابل سلام كامل يتضمن إقامة دولة للفلسطينيين، وقد تبيّن أن ذلك بات من الماضي، إذ بات يمكن للأنظمة أن تقفز من فوق شعب فلسطين وقضيته وحقوقه، لتذهب نحو التطبيع مع إسرائيل. وفي هذا المجال سيجد الفلسطينيون أنفسهم، وضمنهم قيادتهم، أمام واقع جديد لا يمكن لهم التهرب منه، حتى لو كانوا لا يقبلونه، أو حتى لو كان يضر بهم، كونهم الطرف الأضعف في تلك المعادلة، سواء إزاء إسرائيل، أم إزاء الأنظمة العربية.
الثالثة، تولد واقعاً يفيد بأن إسرائيل أضحت بمثابة الدولة الأقوى في المنطقة، بلا أي منازع، ولا أي مهدد، وفوق ذلك فهي باتت بأمان أكثر من أي فترة في تاريخها، إذ لم يعد هناك جيوش، بمعنى الكلمة، في الدول المجاورة (باستثناء مصر التي تفصلها عنها شبه جزيرة سيناء)، وغابت الجبهة الشرقية تماماً. أيضاً، فقد أضحت إسرائيل تتمتّع اليوم بدعم أقوى دول العالم، إذ إضافة إلى الولايات المتحدة فهي باتت تحظى بدعم روسيا والصين والهند، أيضاً، وذلك إضافة إلى احتكارها السلاح النووي، وترسانتها الحربية المتفوقة.
طبعاً، ثمة تحديات أخرى إزاء القيادة الفلسطينية، في مقدمها مسألة تجديد شرعية القيادة الفلسطينية، وإعادة بناء منظمة التحرير، على قواعد وطنية ومؤسسية وتمثيلية، وعبر الانتخابات، لأن ذلك هو المدخل لإعادة القضية للشعب، وتجسير الفجوة بين مجتمعات الفلسطينيين وقياداتهم.
وباختصار، لا يمكن للقيادة الفلسطينية أن تعد نفسها، أو تهيئ شعبنا لمواجهة كل تلك التحديات، من دون الحسم في إعادة بناء البيت الفلسطيني، وعلى أساس وحدة الشعب والأرض والقضية والرواية الوطنية.
*كاتب سياسي فلسطيني .