#شؤون فلسطينية

ماجد كيالي -عن السلاح الفلسطيني في لبنان داخل المخيمات وخارجها

ماجد كيالي 18-12-2021م

لعل فلسطينيي لبنان، من بين كل تجمعات اللاجئين الفلسطينيين في الخارج، هم أكثر من دفع ثمن النكبة (1948)، وتجرّع مرارة التشرّد واللجوء والتمييز، وفوق كل ذلك فهم، أيضاً، أكثر من دفع باهظاً ثمن انطلاق الحركة الوطنية والكفاح المسلح الفلسطيني (في منتصف الستينات من القرن الماضي)، ثم ثمن انحسار تلك الحركة، بعد الغزو الإسرائيلي للبنان (1982)، وتالياً لذلك ثمن تهميش منظمة التحرير نتيجة إقامة السلطة بعد عقد اتفاقات أوسلو (1993).

هذا هو بالضبط، وباختصار، وضع فلسطينيي لبنان، ووضع مخيماتهم في لبنان، التي تحولت إلى مجرد ساحة للصراعات البينية، والتوظيفات الإقليمية، رغم انتهاء وظيفتها كجزء من الحركة الوطنية الفلسطينية، بعد أن تحولت إلى سلطة، وبعد تهميش منظمة التحرير، لذا فإن السؤال المشروع، الذي يمكن طرحه بإلحاح هو: ما الحاجة إلى السلاح الفلسطيني في لبنان؟ أو ما هي وظيفته؟ أو من أجل ماذا؟ 

في نقاش تلك التساؤلات يفترض ملاحظة المسائل الآتية:

أولاً، إن الفصائل التي ظلت تحرص على استمرار وجودها العسكري في مخيمات لبنان وخارجها لم تعد تمارس الكفاح المسلح من الخارج ضد إسرائيل، منذ زمن طويل، أي منذ أربعة عقود (بعد الغزو الإسرائيلي للبنان). 

ثانياً، إن تلك الفصائل استقالت تماماً من الوظائف السياسية والاجتماعية والثقافية والخدمية، التي يفترض أن تقوم بها في إطار المجتمع الفلسطيني في المخيمات، علماً إنها مخيمات مزرية ولا تليق بالعيش، وهي كناية عن نكبة ملازمة للفلسطينيين فوق نكبة التشرد والحرمان من الوطن والهوية والحقوق. 

ثالثاً، يأتي الحديث عن السلاح الفلسطيني في لبنان بعد تجربة مريرة دفع خلالها فلسطينيو لبنان ثمناً باهظاً، من أرواحهم وممتلكاتهم ومعاناتهم، من دون أن تجلب عليهم تلك التجربة أي عوائد، على صعيد حل قضيتهم من الناحية السياسية، أو على صعيد تأمين حقوقهم المدنية ـ الاجتماعية، كمقيمين موقتين على أرض لبنان. ومعلوم أن الفصائل الفلسطينية مجتمعة، ورغم نفوذها الكبير في لبنان في السبعينات، لم تولِ أهمية كبيرة للحقوق المدنية والاجتماعية للفلسطينيين اللاجئين. 

رابعاً، يبدو أن الظروف الدولية والعربية جعلت من لبنان ساحة للتصارع الإقليمي، وباتت مخيمات لبنان مجرد ساحة للتنافسات والتوظيفات السياسية، وبؤرة للجماعات الأصولية المتطرفة والمتعصبة، وللخارجين عن القانون، وكلها جماعات يسهل توظيفها من قبل القوى الفاعلة في لبنان وعموم المنطقة، ما يلحق أفدح الضرر بالقضية الفلسطينية، وبأحوال اللاجئين في المخيمات، وكأن هؤلاء بحاجة لبلاوٍ جديدة فوق بلاويهم. 

خامساً، واضح أن الخلافات الداخلية الفلسطينية بدورها تخلق أوضاعاً متوترة في مخيمات لبنان، لا سيما أن الفصائل الفلسطينية بالغت كثيراً في التركيز على تشكيلاتها العسكرية، وأغفلت كثيراً البنى السياسية والاجتماعية والثقافية. وبديهي أن تلك الخلافات المعطوفة على فلتان السلاح، وتمجيد ثقافة العنف، ورفض الآخر، من شأنها أن تؤدي إلى الفوضى، والانفلاش، وغياب المرجعيات، وارتداد شحنة العنف إلى الداخل؛ وهو ما حصل مراراً وتكراراً في مخيمات لبنان، كما في الداخل في الضفة والقطاع.

سادساً، إن الحديث عن سلاح الفلسطينيين في مناطق اللجوء والشتات، بات يقتصر على لبنان، فقط، وعلى وجود جماعات عسكرية فلسطينية (وغير ذلك) على أرضه، تمارس نوعاً من السلطة والهيمنة في المخيمات، وربما خارجها أيضاً، من دون مشروعية سياسية وطنية، خصوصاً بعد انتفاء صبغة المقاومة عن هذا السلاح، نتيجة الظروف الحاصلة في لبنان، بخاصة في ظل هيمنة النظام السوري سابقاً وبعده “حزب الله”. 

في ضوء كل ما تقدم، فإن الفلسطينيين، كفصائل وكمجتمع مدني، معنيون بمراجعة أوضاعهم، لا سيما مراجعة وظيفة السلاح لديهم، لرفع الغطاء عن القوى التي تتعاطى بالسلاح لتوظيفهم في مهب السياسات المحلية أو الإقليمية وفوق الإقليمية، فلا شيء يجعل من فلسطينيي لبنان استثناءً بين كل تجمعات اللاجئين. 

طبعاً ثمة من يبرر السلاح الفلسطيني في لبنان، بضرورة إيجاد نوع من الرد على اعتداءات إسرائيلية محتملة، نتيجة أحداث معينة، ولكن هل يستطيع الفلسطينيون فعلاً حماية أنفسهم بالسلاح الذي يمتلكونه، في مواجهة طائرات ومدفعية وصواريخ إسرائيل؟ وما هو مصير الدولة اللبنانية إذا كان ثمة تسليح ذاتي لكل الجماعات في لبنان؟ ثم ألا يضع ذلك الفلسطينيين في احتكاك مع باقي الجماعات اللبنانية، على تفاوتاتها وتلاوينها؟ 

أيضاً ثمة من يبرر السلاح الفلسطيني في المخيمات بضرورة الأمن الذاتي تخوفاً من التحولات الداخلية اللبنانية، وذلك رغم مشروعيته، في شروط معينة، فإن وجود السلاح الفلسطيني في لبنان لا يقلل من هذه المخاوف والاحتكاكات الفلسطينية ـ اللبنانية، وإنما يغذيها ويعززها ويستفزها، بخاصة أن هذا السلاح سيكون عرضة للتوظيفات والحسابات الداخلية والإقليمية. 

كذلك ثمة من يرى إمكان مقايضة سلاح المخيمات بالحقوق المدنية والاجتماعية للفلسطينيين في لبنان، ورغم مشروعية تلك الحقوق وأهميتها للفلسطينيين ولسلامة العلاقات الفلسطينية ـ اللبنانية، لكن مقايضة كهذه لا تبدو في محلها، في الظروف الراهنة، لأن هذه الحقوق تحتاج إلى مجال ثقة متبادلة، كما تحتاج إلى عنوان سياسي، ولا يمكن أن تأتي تحت الضغط لا سيما في الظروف اللبنانية الراهنة. 

قصارى القول، ثمة ضرورة لإخراج السلاح الفلسطيني في لبنان من دائرة المزايدات والتنافسات والتوظيفات، التي لا تخدم القضية الوطنية للفلسطينيين، والتي تشوه عدالة نضالهم، وتضر بهم كشعب. ويمكن الفصائل التي تحبذ السلاح أن تركز جهودها على مقاومة إسرائيل، وأن ترحم الفلسطينيين في لبنان، في ما تبقى لهم من مخيمات، أكان من استعراضاتها، أو من مزايداتها.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى