أقلام وأراء

ماجد كيالي – خبر عادي : إسرائيل تزوّد غزة بالوقود

ماجد كيالي 14/10/2018

الخبر العادي مفاده أن السلطات الإسرائيلية قامت أخيراً بتزويد قطاع غزة، الذي تسيطر عليه حركة «حماس»، بالوقود، لتشغيل محطة الكهرباء، في حين أن القيادة الفلسطينية، وهي قيادة المنظمة والسلطة و «فتح» تعارض ذلك.

هذا خبر عادي، وربما يبدو حيادياً، لا سيما أنه يتعلق بمسألة إنسانية، أو بقضية بديهية، بيد أنه في حقيقة الأمر ليس كذلك البتّة، إذ إنه يسكت ويطمس ويحجب بقدر ما يفصح ويفضح ويعرّي أشياء أو تساؤلات أساسية وكثيرة، تتعلق بطريقة تعاطينا مع إسرائيل، في صراعنا معها، أو في شكل علاقتنا بها، أو رؤيتنا لها، منذ قيامها قبل سبعة عقود وحتى الآن.

مثلاً، بالنسبة إلى القيادة الفلسطينية، باعتبارها المرجعية العليا للفلسطينيين وممثلهم الشرعي الوحيد وقائد كفاحهم من أجل حقوقهم، من المفروض أن تكون الأكثر حرصاً على تخفيف معاناة شعبها، وتعزيز تماسكه، وترسيخ صموده في أرضه، وضمن ذلك المساهمة في بذل كل الجهود لرفع الحصار عن حوالى مليوني فلسطيني في قطاع غزة، بغض النظر عن الخلاف والانقسام، وبغض النظر عن السلطة التي تهمين على هذه المنطقة أو تلك. لذا، بديهي أنه ليس ثمة أي حكمة في تصرّف تلك القيادة، التي تبدو وكأنها تقضم شرعية تمثيلها أو مكانتها بالنسبة إلى فلسطينيي غزة، تماماً مثلما حدث بإخراجها اللاجئين من المعادلات السياسية، بحصرها ولايتها كسلطة في الضفة وغزة، وبتهميشها منظمة التحرير. بل إن هذا الموقف، الذي ينمّ عن ضعف مسؤولية، هو الذي يساهم في تعزيز مكانة «حماس»، التي تنافسها على القيادة والمكانة، والتي أضحت تبدي براغماتية زائدة، على مختلف الصعد، على حساب ادعاءاتها السياسية والأيديولوجية المعروفة.

عموماً، فإن اعتقاد تلك القيادة بأن مزيداً من الضغط على فلسطينيي غزةسيؤدي إلى مزيد من الضغط الشعبي على «حماس» هو في غير محله، إذ إن تجربة 11 عاماً من المعاناة في ظل الحصار المشدد، وثلاث حروب إسرائيلية مدمرة على غزة، لم تؤد إلى ذلك، ثم إن مزيداً من الضغط لن يضعف «حماس» لأنها تتدبر أحوال منتسبيها والمتعاطفين معها، من الموارد الخاصة التي تحصل عليها. يضاف إلى ما تقدم أن تلك القيادة تتصرف على نحو ما فعلت بعض الأنظمة العربية، تلك التي تصرفت وكأن إبقاء الفلسطينيين في حال البؤس سيبقي قضيتهم، وسيحمي وطنيتهم، وهي ادعاءات ثبت أنها للاستهلاك والابتزاز والتخلي لا أكثر، ناهيك بأنها بتصرفها هذا تفتح الباب، على مصراعيه، أمام المداخلات الخارجية، التي تحتاج إليها «حماس» لتعزيز مكانتها إزاء السلطة، وهو ما حصل فعلا في شحنة الوقود المذكور، التي هي بمثابة مقدمة لأمور أكبر ربما.

المسألة الأخرى التي يثيرها هذا الخبر، تتعلق بمفهوم التطبيع، إذ إن حادث إمداد غزة بالوقود، وبمقومات أخرى للعيش، ليس جديداً، ذلك أن معبر أبو سالم، بين إسرائيل وغزة، هو الذي يمكّن فلسطينيي غزة من العيش، في ظل الحصار المفروض، وفي ظل الإقفال شبه الدائم لمعبر رفح مع مصر. بيد أن هذه العلاقة، التي تشمل مد غزة بالكهرباء والمياه والوقود والمواد الغذائية والطبية، لم يناقش مغزاها أحد. فمثلاً، هل يمكن اعتبار الامدادات الإسرائيلية لغزة بمثابة تطبيع من حركة حماس مع إسرائيل؟ أو كيف يفسر منظّرو مناهضة التطبيع ذلك؟ وطبعاً الحديث يدور عن علاقات اقتصادية على أوسع نطاق، هذا فضلاً عن أن العملة المعتمدة في مناطق الضفة والقطاع هي الشيكل الإسرائيلي، فهل هذا تطبيع أيضاً؟ طبعاً ليس القصد من ذلك لا خلط المسائل ولا المصادرة على فكرة معينة، بقدر ما أن القصد هو توضيح حجم التعقيدات والمداخلات والالتباسات التي تخص العلاقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بغض النظر عن مفاهيم الصراع والتعايش.

الإشكالية التي يفترض إدراكها هنا، أيضا، والمجادلة بخصوصها، تتعلق بهذا التناقض الواضح بين دولة نرى أنها مصطنعة، وغير شرعية، ويرى البعض أن الصراع معها من النوع الوجودي، وبيـــن حقـــيقة أن هذه الـــدولة بالـــذات تقوم بإمداد من تعتبرهم اعداءها بإمــكانات القدرة على العيش. من المفهوم أن العقل الــسياسي الـــسائد والقائم على التوهمات والمبالغات، سيرى في هذا السلوك تخوفاً من قبل إسرائيل من عواقب انفـــجار الوضـــع في غزة، في حـــين أننا رأينا انفجارات في أكثر من بلد، خـــصوصا في الســـنوات القليلة الماضية، لا سيما مع حوالى عشرة ملايين لاجئ من سورية، من دون أن يتأثر الــعالم بها، ومن ضمنه إسرائيل. وعلى ذلك فإن عقلاً سياسياً كهذا لن يميّز بين دولة تتصرّف بطريقة عقلانية مع من تعتبرهم اعداءها، حتى لو كانت دولة استعـــمارية واستيطانية، وعنصرية، فتكتفي بإزاحتهم من أمامها، أو من مجال سيطرتها، وبين أنظمة استبدادية، لم تصل إلى حد الدولة، وتتصرف بطريقة استئصالية مع من يفترض أنهم من شـــعبها، وهذا هو الفرق المهم الذي تنبغي ملاحظته، وإدراكه، في تفسير مواقف وسياسات إسرائيل إزاء الفلسطينيين، مقارنة بما يحصل في جوارها، لا سيما السوري.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى