أقلام وأراء

ماجد كيالي: حكومة نتنياهو تقسّم الإسرائيليّين

ماجد كيالي 22-07-2023: حكومة نتنياهو تقسّم الإسرائيليّين

تحت عنوان: “إنذار للإسرائيليين: نحن على بعد ساعات من الدكتاتورية الفعلية”، كتب إيهود باراك مقالة حذّر فيها الإسرائيليين من أن “نتنياهو وشركاءه… مصممون على دهورة إسرائيل إلى دكتاتورية فاسدة وعنصرية تعمل على تفكيك المجتمع وتعزل إسرائيل وتهدد مستقبلها… حكومة فاسدة تسحق استقلالية المحكمة العليا وتغير طريقة الحكم… من حق ومن واجب كل مواطن العمل من دون استخدام العنف على وقف تدمير الحرية والمساواة وسيادة القانون. نحن ديموقراطية… تدافع عن نفسها من الذين يستخدمون الأدوات التي تمنحهم إياها من أجل تدميرها من الداخل. أطلب من مواطني الدولة الانضمام إلى النضال بروح مصممة. سنناضل معاً، ومعاً سننتصر… لن تصبح إسرائيل دكتاتورية!… سنُسأل في المستقبل: هل وقفت إلى جانب الديموقراطية والقانون في الوقت الحقيقي؟”. (“هآرتس”، 7/7/2023).

أهمية هذا الكلام، عدا جانبه السياسي، أنه يصدر عن شخصية قيادية، عسكرية وحزبية ومدنية في إسرائيل، كرئيس أسبق للحكومة، وكزعيم لحزب العمل وكوزير للدفاع (1999 إلى 2001)، وهو كان شغل، أيضاً، منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي (1991 ـ 1995)، وعمل في حكومات إسرائيل وزيراً للخارجية، وللسياحة، وللزراعة.

وفي الواقع، فإن ما يحدث في إسرائيل، منذ تشكيل حكومة بنيامين نتنياهو، قبل سبعة أشهر تقريباً، والتي باتت تعرّف، حتى من الرئيس الأميركي جو بايدن، باعتبارها الأكثر تطرفاً في تاريخ تلك الدولة، التي أقيمت قبل 75 عاماً (1948)، هو بمثابة حدث سياسي مؤسّس جديد، في تاريخ تلك الدولة، يضاف إلى الحوادث السابقة التي غيرت تاريخ إسرائيل وشكل وجودها، ودورها في الشرق الأوسط.

طبعاً، يمكن اعتبار إقامة إسرائيل، على حساب الفلسطينيين، حدثاً مؤسساً أول، إذ إن الحدث المؤسس الثاني تمثل في حرب حزيران (يونيو) 1967، الذي استطاعت فيه إسرائيل التغلب على جيوش دول عربية عدة، واحتلال أجزاء من أراضي مصر (مع قطاع غزة الذي كان تحت الوصاية المصرية)، وبعض أراضي سوريا (الجولان)، بالإضافة إلى احتلالها الضفة الغربية (التي كانت تتبع للأردن)، بحيث استطاعت عبر نتائج تلك الحرب، الاستيلاء على كامل فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر.

أما الحدث المؤسس الثالث، فيتمثل بصعود “ليكود”، والأحزاب الدينية، إلى سدة الحكم في إسرائيل (1977)، إذ منذ تلك اللحظة باتت الأحزاب العلمانية، المؤسسة لإسرائيل، تتراجع، كما باتت المؤسسات العامة (مؤسسات الصهر) تضعف، وهذا ينطبق على القطاع العام (لمصلحة موجات الخصخصة) وعلى منظمة “الهستدروت”، وعلى الجمعيات الاستيطانية التعاونية (الكيبوتزات والموشاف)، باستثناء الجيش الذي ظل مؤسسة مركزية بسبب حاجة إسرائيل إليه.

على ذلك، فإن إسرائيل اليوم، في الإرهاصات والصراعات التي تمر بها، على عتبة حدث تاريخي مؤسس، هو الرابع من نوعه، وهو سيحدد مستقبلها، في رؤيتها لذاتها، ولدورها في المنطقة. فبرأي المحلل الإسرائيلي يوسي هدار، مثلاً، فإن “إسرائيل آخذة في التفكك… لم يعد الحديث يدور فقط عن التوترات المعروفة بين اليمين واليسار، المتدينين والعلمانيين، المركز والمحيط … هذه المرة يدور الحديث عن كانتونات حقيقية، بغياب حوكمة وبفقدان سيادة … منذ نشأت وإسرائيل تعيش تهديدات لا تتوقف من الخارج، لكن يُخيل أن التهديد الأخطر هذه المرة، هو التهديد الوجودي، هو من الداخل (“معاريف”، 23/12/2022).

لا يعني ما تقدم أن حكومات إسرائيل السابقة (العمل أو ليكود أو كاديما أو بينيت لابيد)، كانت أقل تطرفاً بالقياس إلى الفلسطينيين، بل إن ذلك يفيد بأن الحكومة الحالية تتميز عن سابقاتها، أولاً، بأن التطرف، والعدوانية، والتمييز، ضد الفلسطينيين، باتت تهدد التيارات الأخرى في إسرائيل. ثانياً، إن ائتلاف اليمين القومي والديني المتطرف الحاكم في إسرائيل، مع نتنياهو وبتسئليل سمتريتش وإيتمار بن غفير (زعيما الصهيونية الدينية)، بات يشكل تهديداً للعلمانية والديموقراطية والليبرالية في إسرائيل، علماً أن الديموقراطية فيها خاصة باليهود من مواطنيها. ثالثاً، ما تقوم به تلك الحكومة يهدد بانقضاء عهد الإجماعات الإسرائيلية التي أسست لهذه الدولة، واستمرت بها، والتي تأسست على محور العداء للخارج، أو الصراع على الوجود، وقامت على طمس التناقضات الداخلية لمصلحة الخارجية، وعدم الحسم في القضايا الرئيسية. رابعاً، الجانب الآخر في الصراع الجاري يتعلق بصعود كتلة اليهود المتدينين، لا سيما في أوساط المستوطنين في الضفة الغربية، إلى درجة بات معها البعض يتعاطى مع الأمر باعتبار أن المستوطنين المتطرفين سيطروا على إسرائيل.

ويحذر ألوف بن مما تقوم به حكومة نتنياهو، باعتبارها تشتغل على “تفكيك إسرائيل، وتركيبها من جديد كدولة قومية دينية تقوم على “كامل مناطق أرض إسرائيل”، ونظام تفوّق يهودي تكون فيه مكانة العرب أقل، وكدولة لديها قوة داخلياً بلا حدود، تستطيع تأبيد السلطة حتى لو تم إجراء الانتخابات… إن نموذج الـ”دولة اليهودية والدكتاتورية”، الذي يقوم نتنياهو بصناعته، لا يحتاج إلى البحث عنه في هنغاريا ولا في بولندا ولا في تركيا ولا في أميركا اللاتينية، على الرغم من تزايد أوجه الشبه بين إسرائيل والأرجنتين على سبيل المثال. لا حاجة إلى الذهاب بعيداً عندما يكون النموذج هنا بجانبنا، في نظام الاحتلال الإسرائيلي في “يهودا” و”السامرة” والقدس الشرقية… بحسب ما يراه بنيامين نتنياهو. كان الأفضل أن يُكتب أن “يهودا” و”السامرة” ستفرضان سيادتهما على إسرائيل، وليس العكس. بدلاً من أن يقال إن تل أبيب ستضم يتسهار، يجب القول إن يتسهار ستضم تل أبيب”. (“هآرتس”، 14/7/2023).

إلى ذلك، فإن إسرائيل في مفترق طرق، بواقع تناقضاتها الداخلية، لكن من المبكر اعتبار ذلك علامة ضعف في المدى المنظور. أيضاً، ليس من المتوقع نجاح نتنياهو في تمرير خطته للتغيير السياسي في إسرائيل، أولاً، بسبب قوة المجتمع المدني في إسرائيل. وثانياً، بسبب وقوف الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة، ضد محاولة نتنياهو تلك. وثالثاً، لأن نتنياهو لا يملك أغلبية وازنة في الكنيست لتمرير انقلابه، إذ إن تأييد 64 عضواً من 120 عضواً في الكنيست لا يعني أغلبية راجحة، وهذا ما ستبيّنه الأيام والحوادث الإسرائيلية الآتية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى