أقلام وأراء

ماجد الشيخ يكتب – قمة المصالح البراغماتية المتنافسة

 

زحمة مواعيد وحراكات سياسية يشهدها هذا الشهر، يأتي في مقدمها القمة التي ستعقد في العاصمة الفنلندية هلسنكي، بعد أيام من قمة حلف شمال الأطلسي التي ستعقد يومي 11 و12 تموز (يوليو) في بروكسيل، وبعد الزيارة المفترض أن يقوم بها ترامب إلى بريطانيا يوم 13 منه أيضاً، وبعد انتهاء المونديال في الخامس عشر من تموز.

وفي وقت رأت الصحافة الأميركية في القمة الروسية– الأميركية، بمثابة تكريس لنوع من براغماتية المصالح المشتركة مرة والمتنافسة مرات، خصوصاً بعد التغييرات التي أجراها ترامب بتعيين مايك بومبيو وزيراً للخارجية خلفاً لريكس تيلرسون قبل أشهر، وجون بولتون مستشاراً للرئيس لشؤون الأمن القومي، وهما من صقور هذه الإدارة، أبدت الأوساط السياسية الأميركية مخاوف من نتائجها، خصوصاً بسبب توقيتها في خضم الأزمات التي عانى منها ترامب داخلياً. ولا تقتصر هذه المخاوف على الداخل الأميركي، إذ ظهرت هواجس في العديد من الدول الأوروبية، وسط خشية من توجهات ترامب وتفضيله التقارب مع روسيا على حساب الحلفاء الأوروبيين.

وبعد خلاف حاد مع الحلفاء الأوروبيين، ونشوء مسلسل من الحروب التجارية بدأها ترامب، قرر البيت الأبيض الذهاب إلى قمة أميركية– روسية، يسود الغموض جدول أعمالها، وتم الترتيب لها بطريقة مستعجلة أثناء مشاركة ترامب في قمة حلف شمال الأطلسي، واصطدامه مع دول الناتو، جراء قصورهم في تلبية متطلبات الإنفاق العسكري، وتمايزه في قمة السبع في كندا في شأن الرسوم الجمركية على صادرات الحديد والألمنيوم.

إلا أن العلاقة مع أوروبا، لن تكون الوحيدة على طاولة مباحثات ترامب وبوتين، اللذين لم يلتقيا سابقاً سوى مرّتين، وكان اللقاء الأول على هامش قمة مجموعة الدول العشرين في ألمانيا قبل نحو عام، بالإضافة إلى محادثات قصيرة على هامش قمة «أبيك» في فيتنام في نوفمبر (تشرين الثاني) 2017.

وقد اعطت تصريحات المسؤولين الأميركيين والروس في الأيام الأخيرة، فكرة أولية عن أجندة القمة، بدءاً من ترامب الذي قال إنه سيتم بحث الحرب في سورية والوضع في أوكرانيا، مروراً ببومبيو الذي قال إنه على ثقة في أن موضوع «التدخلات الانتخابية» سيبحث.

سيدخل ترامب لقاء هلسنكي مع بوتين، وهو أكثر ارتياحاً للموقف الروسي من الحرب في سورية، فالتعاون بين إسرائيل وروسيا يجعل من نظام الأسد «شريكاً استراتيجياً»، طالما يعتمد على موسكو أكثر من نظام الملالي في طهران، ما يخلق وقد خلق وضعاً مريحاً نسبياً لإسرائيل.

بدوره، أعرب بولتون، خلال زيارته موسكو قبل أيام، عن أمله في أن تبحث القمة التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، وذلك فيما تقترب التحقيقات في القضية من دائرة ترامب الضيقة، وهو ما أظهره طلب إصدار مذكرة لتفتيش شقة بول مانافورت، المدير السابق لحملة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانتخابية. وكان بولتون واضحاً بقوله إنه «إذا نظرنا إلى المجالات المحتملة للتعاون، فيعتقد الرئيس ترامب والرئيس بوتين على حد سواء، بضرورة مناقشة المسائل العامة، لأن علاقاتنا الثنائية تؤثر في الاستقرار في العالم أجمع».

كذلك لفت إلى أنه قد يبحث مع بوتين مسألة عودة روسيا إلى مجموعة السبع الكبار، وإن أشار إلى أن موقف الولايات المتحدة في شأن العقوبات ضد روسيا لم يتغير. وكانت المجموعة قد أعلنت تجميد عضوية روسيا في مجموعة «G8»، على خلفية تدهور العلاقات بين موسكو وعدد من العواصم الغربية، بسبب الأزمة الأوكرانية، وضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا عام 2014.

كما ذكر بولتون أنه من بين المواضيع المحتمل مناقشتها بين الرئيسين، معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى والرقابة على التسلح. مع العلم أن مستشار الأمن القومي بحث مع بوتين خلال التحضير للاجتماع قبل ايام، ملفات الاستقرار الاستراتيجي، والسيطرة على السلاح النووي، والأزمة الأوكرانية وكوريا الشمالية، وانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق الخاص بالبرنامج النووي الإيراني.

يبدو الرئيس الأميركي شبه وحيد في قمته المزمعة مع بوتين، فلا الأوروبيون على وفاق تام معه، ولا هو على توافق تام معهم، أما في الداخل الأميركي، فالأمر في السياسة لا يختلف. ذلك أن عدم الانسجام ضمن فريق الإدارة تسبب منذ بداية عهد ترامب بالعديد من الخلافات، وأدى إلى إقالة البعض مثل الجنرال أتش. آر. ماكماستر، والوزير ريكس تيلرسون. ويبدو أن الجنرال جون كيلي، كبير مسؤولي البيت الأبيض، بات هو الآخر على وشك الإقالة أو الاستقالة، وفق تسريبات حصلت عليها جريدة «وول ستريت جورنال». وحتى الجنرال الثالث، جيمس ماتيس، قد لا تطول إقامته في وزارة الدفاع، إذ بدأ البيت الأبيض بإبعاده عن ملفات من صميم اختصاصه، مثل قرار وقف المناورات مع كوريا الجنوبية من دون التشاور معه، وذلك وفق معلومات منسوبة إلى مصادر في البنتاغون.

يعود الوضع السياسي الداخلي إلى مربع التأزيم والاشتباك السياسي الذي ساد في بدايات الفترة الأولى، التي أعقبت إعلان فوز ترامب، حيث شهدت العديد من القضايا خلافات كبيرة غير مسبوقة في عهود الإدارات السابقة، مثل قضية اللاجئين في الجنوب، وقضية الهجرة، وقضايا داخلية أخرى، من الصعب حسمها في ظل عقلية مالية عقارية تشتغل على حساب السياسة والمصالح العامة للدولة، كما عرّفها ويعرّفها الدستور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى