مائة يوم على حكم محمد مرسي
ترجمة: مركز الناطور للدراسات والابحاث 13/10/2012
السفير الإسرائيلي الأسبق في القاهرة
معهد القدس للشؤون العامة والدولة في 11/10/2012
في 8 أكتوبر مضت مائة يوم على حكم محمد مرسي الرئيس الجديد لمصر، وهو وليد حركة الإخوان المسلمين، دون أن تلوح هناك أية علامة على الاتجاه الذي يقود به دولته التي تعاني من الفقر والبطالة.
خلال الحملة الانتخابية وعد مرسي بأنه سيعالج خلال المائة يوم الأولى وبأولوية عليا خمس مشاكل خطيرة من مجموع أمراض كثيرة تعاني منها مصر وهي الأمن الشخصي الاكتظاظ في المدن والاختناقات في المواصلات والنقص في الخبر المدعم والنقص في الوقود والغاز وجمع القمامة والقذارة التي تفشت في كل أنحاء الدولة.
وهكذا كان على مرسي أن يبرهن على تصميمه على الدخول في صميم هذه المشاكل وأن يبرهن جديته في تطبيق مشروع النهضة في مصر، وهو مشروع تمت صياغته من قبل حركة الإخوان المسلمين قبيل الانتخابات.
الإعلام المستقل أقام موقع Morsi meter وراح يقيس في كل يوم قراراته حول القضايا الخمس، وسرعان ما اتضح أن مرسي يتقدم بخطوات بطيئة.
في التصويت الذي جرى في الموقع يوم 7 أكتوبر أي قبل يوم واحد من فترة المائة يوم عبر 57% عن عدم رضاهم من أدائه، وفي 6 أكتوبر في الخطاب الذي ألقاه مرسي بأحد القاعات في القاهرة بمناسبة الذكرى 39 لانتصار مصر في حرب يوم الغفران قال أنه نجح في معالجة القضايا الخمس بمعدل 65% بعد أن تورط في تفسيرات وتوضيحات غير مقنعة لجميع الأطراف، جميع الخطوات مثل جمع القمامة من قبل جناح الشباب في حركة الإخوان المسلمين في كل الأقاليم والمحافظات وتقديم آلاف المخالفات ضد سائقي السيارات والكشف عن 600 جريمة وخطوات جزئية أخرى من هذا النوع.
لكن أحدا لم يقتنع فيما عدا الإعلام الحكومي الذي عاد وأوضح وأشاد بالإنجازات.
مواطنون أجريت مقابلة معهم عن طريق وسائل إعلام محلية وأجنبية صرحوا بأنه أنجزت عدة أمور لكن لم يشاهد أي تغيير جاد بالنسبة لتلك المشاكل، حتى مركز المعلومات والتنظيم التابع للحكومة أكد في بيان رسمي أن الخطوات التي اتخذت حتى الآن بالنسبة لبرنامج المائة يوم لم تؤد إلى نتائج ملموسة.
عدم تحقيق الوفاء بوعد الرئيس بالنسبة لإحداث تحسين بارز في المشاكل الخمس المذكورة أضيف إليها عدم تحقيق وعوده السابقة بتعيين قبطي وامرأة كنائبة للرئيس ناهيك عن الوعود السابقة لحركة الإخوان المسلمين التي تم خرقها مثل عدم تقديم مرشح للرئاسة من الحركة وتحديد عدد المرشحين ب30% من مجموع المقاعد في البرلمان.
مرسي وعد أيضا بحل لجنة صياغة الدستور ذات الأغلبية الإسلامية وتشكيل لجنة جديدة أكثر تمثيلا لكنه لم يفعل ذلك.
الآن يبدو أن الدستور الجديد الذي هو الآن في مرحلة الصياغة النهائية سيكون دستورا إسلاميا إلا إذا أصدرت المحكمة الدستورية العليا قرارا بحل اللجنة بناء على خمس قضايا مرفوعة أمامها.
إذن ما الذي فعله مرسي خلال المائة يوم؟ حسب صحيفة “الدستور” المستقلة التي كانت تتابع خطوات مرسي فقد اتضح أنه كرس وقته للسفر إلى الخارج بصفة أساسية فقد زار ثماني دول في آسيا وأوروبا وإفريقيا لكنه زار فقط أربع محافظات من بين 27 محافظة في بلاده حيث توجه هناك المشاكل الرئيسية لمصر، اتخذ 29 قرارا لكن ليس هناك قرار واحد يمس الوضع حالة الفقر في الدولة، صلى في 12 مسجدا وبذلك تسبب في إزعاجات لا لزوم لها لجمهور كبير من المصلين في أماكن مختلفة في القاهرة الذي عانوا كثيرا من الإجراءات الأمنية الشديدة.
قوافل السيارات التي ترافقه تضم 30 سيارة ذكرت الكثيرين بعهد الرئيس المخلوع، ألقى 51 خطابا تلخصت في 30 ساعة من الحديث.
وادعت الصحيفة أن مرسي يجري مقابلات فقط مع وسائل الإعلام الأمريكية وأن مقابلاته يتم تسجيلها سلفا.
كما أن صحيفة حزب الوفد ناقشت أفعال مرسي على مدى المائة يوم الأولى لحكمه، وحسب الصحيفة مرسي أهمل تماما المشاكل الرئيسية في مصر مثل التعليم والفقر والصحة، كما أشارت الصحيفة أن الفقر المدقع الذي يعانيه قطاع كبير من السكان أدى إلى مظاهر مثل بيع الأطفال وبيع الكلى والانتحار، بينما تحاول الحكومة تطبيق سياسة التقشف تستند على تقليص الدعم.
نفس الصحيفة ادعت أنه تجري عملية “أخونة” منظومة التعليم أي إدخال مناهج إسلامية متطرفة، كذلك ذكرت أن النظام الصحي يواجه خطر الانهيار حيث أن المزيد من الفقراء يموتون بسبب غياب منظومة التأمين الصحي المناسب، وفي هذه الأيام الأطباء مضربون احتجاجا على عدم مبالاة الحكومة.
وتتحدث الصحيفة أيضا عن أن 1.5 مليون من الأطفال يعملون في ظروف مشينة و أن 92% من الأطفال في مصر يعانون من تخلف في نموهم كنتيجة لسوء التغذية.
خلال المائة يوم لم يطرح مرسي أمام مواطنيه في مصر رؤية شاملة أو خطة رئيسية لمعالجة المشاكل الخطيرة في مصر فقد أصبح واضحا لسكان مصر أن مرسي لا يركز على معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية الخطيرة وإنما يطبق خطة السيطرة على جميع مراكز القوة في مصر فبعد إقصاء قادة الجيش يواصل عملية “أخونة” مؤسسات السلطة مثل رؤساء المحافظات والنظام القضائي والمكاتب الحكومية وحتى منظمات غير حكومية مثل منظمات حقوق الإنسان فلقد أقال في الفترة الأخيرة وبصورة مفاجئة رئيس جهاز الرقابة على المؤسسات الحكومية، وما تزال اليد ممدودة لمزيد من الإجراءات في هذا الاتجاه.
وعلى هذه الخلفية حالة الإحباط من مرسي تتزايد ومثلما كان حجم التوقعات جاء حجم الإحباط، وعلى الرغم من أن المصريين صوتوا لصالح الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية والرئاسية فلقد ظلوا يرتابون لمعرفتهم الجيدة بأجندتهم الدينية بشأن تطبيق الشريعة وإقامة الخلافة.
صحيح أن حركة الإخوان المسلمين كانت القوة السياسية الأكثر تنظيما في مصر يبدو أيضا أن الحركة توصلت إلى تفاهم مع المجلس العسكري الأعلى الذي أدار الدولة بعد سقوط مبارك.
المجلس العسكري اعتبر الإخوان المسلمين بر الاستقرار وسط الفوضى السياسية والاجتماعية التي اجتاحت الدولة في تلك الأيام.
الآن الأمور اختلفت ففي استطلاع للرأي العام جرى في الفترة الطويلة عدد الأشخاص غير الراضين عن أداء مرسي اقترب من 50%.
أحد الناشطين في منظمات حقوق الإنسان في مصر المحامي نجاد برعي قال لوسائل الإعلام أنه صحيح من الصعب حتى الآن أن نقيم وبشكل دقيق أداء مرسي بعد ثلاثة أشهر فقط لكن أصبح واضحا أن ليس لديه أية رؤية وهو يدير الدولة باتخاذ قرارات بشكل عشوائي وبدون أية خطة.
الكاتب المعروف علاء الأسواني صرح بأن الوقت قد حان لوضع مرسي أمام تصرفاته وقال الأسواني أن الشرطة تواصل الإساءة وتعذيب المواطنين وأن وسائل الإعلام مغلقة بينما هو يحظى بدعم الإعلام الرسمي.
وقال الأسواني هذه صورة تثير القلق وكأن شيئا لم يتغير في مصر بعد الثورة سوى هوية الرئيس، مبارك ذهب وجاء مرسي.
يبدو أن مرسي يكرس نشاطه في السياسة الخارجية هنا تحققت إنجازات أكثر سهولة، يكفي أنه في عدد من رحلاته إلى الخارج وعدد من التصريحات ومن أجل تحقيق دعاية جيدة في الغرب هو يطرح ويقدم نفسه كمن أعاد مصر إلى مجدها التليد كدولة إقليمية.
مرسي زار الصين وإيران والسعودية وعدة عواصم في أوروبا والولايات المتحدة بل وإفريقيا، أصدر تصريحات ضد الأسد وأيد المتمردين حيث أن أكثرهم من الإخوان المسلمين والسلفيين، ودعا إلى إقامة مجموعة عربية إسلامية تضم مصر والسعودية وتركيا وإيران لمواجهة الوضع السوري لكن فشلت هذه الدول بسبب الخلافات في الرأي خاصة بين إيران والسعودية.
جيشه أجرى في الأيام الأخيرة مناورات مع الأسطول التركي.
وليس من الشك هو أن هدفه هو إقامة كتلة إسلامية سيضطر الغرب إلى الاهتمام بها في المستقبل، وقد عاد وكرر وعلى الأخص في خطابه أمام الجمعية العامة أن القضية الفلسطينية لها أولوية وأنه بدون إيجاد حل لها فإن السلام مع إسرائيل سيتقوض وينهار.
مرسي وضع تحديا أمام الغرب في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز قبيل سفره إلى الولايات المتحدة حيث صرح أن الولايات المتحدة ينبغي أن تغير وبشكل أساسي علاقاتها مع العالم العربي وأن عليها أن تظهر الاحترام لقيمه حتى وإن كانت تتعارض مع قيمها، أي طالب الولايات المتحدة والغرب أيضا باحترام الشريعة بكل ما تنطوي عليه من عقوبات جسدية وتمييز حيال النساء والأديان الأخرى وعدم مقاومتها وهو ما يتعارض مع القيم الديمقراطية التي تشكل أساس الثقافة الغربية.حتى الآن لم يظهر في الغرب من يواجه أو حتى يرد على هذا الطلب.
السؤال هو إلى أي حد تستطيع مصر التي تعاني من مشاكل خطيرة للغاية في المجالات الاجتماعية والاقتصادية والتي تلقي بالشك حول استقرارها السياسي والتي يمكن أن تؤدي إلى انتفاضات اجتماعية في إدارة سياسة خارجية كقوة إقليمية وأن تتحدى الغرب وعلى الأخص الولايات المتحدة وإسرائيل.
ليس من المؤكد أن الرد هو لدى الإخوان المسلمين الذين عملوا على مدى عشرات السنين للوصول إلى السلطة والسيطرة على مصر عن طريق صندوق الاقتراع لكن ظهروا أنهم يفتقدون إلى الخبرة في السلطة وفي الاقتصاد، في هذه المرحلة فبدلا من أن يقرؤوا جيدا ويستدعوا خيرة الخبراء الاقتصاديين في العالم للمساعدة على إخراج مصر من المستنقع، فإن مرسي يفضل تحقيق أهداف حركته في التغلغل في جميع مراكز القوة في الدولة ربما من أجل منع احتمال تغيير السلطة في المستقبل وإظهار قوة لا تتوافر لديه في مواجهة الغرب.
كل هذا لا ينذر بخير لا لمصر ولا لمنطقة الشرق الأوسط.