ترجمات أجنبية

مؤسسة ذي أتلانتك – حرب بوتين في أوكرانيا : هل يستطيع الغرب منع هجوم روسي جديد؟

مؤسسة ذي أتلانتك – بقلم بيتر ديكنسون – 20/4/2021

أثار الحشد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية في الأسابيع الأخيرة مخاوف غربية من احتمالية حدوث تصعيد كبير في الصراع المستمر منذ سبع سنوات بين البلدين. وصرح منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، خلال حديثه في بروكسل يوم 19 أبريل (نيسان)، بأن روسيا نشرت حتى الآن أكثر من 100 ألف جندي على الحدود مع أوكرانيا، وحذر من أن أي «شرارة» قد تؤدي إلى حدوث تصعيد.

يشير بيتر ديكنسون، رئيس تحرير مجلة «بزنس أوكرانيا» في مستهل تقرير نشرته مؤسسة ذي أتلانتك كاونسل البحثية إلى الطريقة الاستعراضية التي نشرت بها روسيا قواتها؛ مما دفع كثيرين إلى استنتاج أن الحشد الحالي هو خطوة ترهيبية تهدف إلى زيادة الضغط على أوكرانيا أثناء مفاوضات السلام الجارية، واختبار ردود فعل إدارة بايدن الجديد. لكن استيلاء روسيا الخاطف على شبه جزيرة القرم في عام 2014 ليس ببعيد؛ ولذلك لا يستبعد كثيرون احتمال أن يشن الكرملين هجومًا جديدًا.

يلفت التقرير إلى أن الخطاب الروسي زاد من حدة القلق؛ إذ حذر كبار المسؤولين في الكرملين من أن أي تصعيد في الأعمال العدائية سيكون بمثابة «بداية نهاية أوكرانيا»، فيما استخدم الإعلامي البارز ديمتري كيسليوف – لسان الدعاية لنظام بوتين – برنامجه التلفزيوني يوم 11 أبريل ليصف أوكرانيا بأنها «دولة نازية»، وادعى أن روسيا قد تُجبَر على التدخل عسكريًا من أجل «اجتثاث النازية» في هذا البلد.

خطط أوروبية لتشديد العقوبات على روسيا

ردًا على زيادة مخاطر التصعيد الروسي الجديد في أوكرانيا، أعرب المجتمع الدولي عن دعمه القوي لسيادة أوكرانيا وسلامتها الإقليمية. واتصل الرئيس الأمريكي جو بايدن بالرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لإعادة تأكيد دعمه، فيما صدرت سلسلة من البيانات الرسمية من العواصم الغربية تدعو روسيا إلى التهدئة. ومنذ بداية الأزمة في أوائل أبريل، التقى زيلينسكي أيضًا عددًا من القادة الدوليين، من بينهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

يخلص تقرير ذي أتلانتك كاونسل إلى ضرورة أن يتبنى العالم الغربي إجراءات مضادة ملموسة وحاسمة لردع بوتين. بيدَ أن التدخل العسكري المباشر للدفاع عن أوكرانيا ليس مطروحًا على طاولة النقاش حاليًا، فيما أثبتت كافة الخطوات غير العسكرية التي اتخذت حتى الآن أنها مخيبة للآمال.

يستشهد التقرير على ذلك بإعلان مسؤولي الاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي عدم وجود خطط لزيادة العقوبات على روسيا، وفشل الدعوات الأخيرة التي أطلقتها أوكرانيا لإحراز تقدم في مساعيها لنيل عضوية الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. والحال هكذا يتزايد قلق كثيرين في أوكرانيا الآن من أن عدم اتخاذ إجراءات ملموسة قد يشجع روسيا على المزيد من العدوان.

دعت مؤسسة ذي أتلانتك كاونسل مجموعة من الخبراء لمناقشة الإجراءات التي يمكن أن يتخذها الغرب لكبح جماح بوتين، وما يمكن فعله للمساعدة في منع هجوم روسي جديد على أوكرانيا. وكانت البداية مع جون هيربست، مدير مركز أوراسيا في أتلانتك كاونسل، الذي أوضح أن رد الولايات المتحدة على حشد موسكو العسكري كان في مجمله متفاوتًا.

كيف تستعيد أمريكا زمام الردع الدبلوماسي؟

كانت الاستجابة الأولية ممتازة، على حد وصف هيربست؛ فقبل أسبوعين، اتصل مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ووزير الخارجية أنتوني بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي والرئيس جو بايدن بنظرائهم الأوكرانيين للتعبير عن دعمهم لأوكرانيا إذا صعَّدت موسكو عدوانها على كييف. وللتأكد من وصول الرسالة إلى موسكو، اتصل ميلي أيضًا بنظيره الروسي.

لكن في الأسبوع الماضي، تراجعت إدارة بايدن، حسبما يرصد التقرير. صحيحٌ أن واشنطن فرضت عقوبات على موسكو – وحُقَّ لها ذلك في رأي الباحث – بسبب عدد من الاستفزازات التي أقدمت عليها روسيا في السنوات الأخيرة، لكنها طلبت أيضًا من وزارة العدل إلغاء الموافقات السابقة للعقوبات على مشروع خط أنابيب نورد ستريم 2.

وبالنظر إلى تأثير إحباط مشروع نورد ستريم 2 على طموحات موسكو الجيوسياسية، فإن هذه الخطوة التي تعكس تهاون الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بالمشروع تنتقص من القيمة الرادعة للعقوبات، وفق التحليل. والأكثر إشكالية – كما يقول الباحث – هو: القرار المريب بإعادة توجيه مدمرتين أمريكيتين متجهتين إلى البحر الأسود، بعد تصريحات متعجرفة صدرت عن وزير الدفاع الروسي سيرجي شويجو.

ولتستعيد واشنطن زمام دبلوماسية الردع، يقترح هيربست التلويح بعقوبات مشروطة إذا صعدت موسكو حربها على أوكرانيا، وتقديم المزيد من المعدات العسكرية لأوكرانيا، من بينها رادار مضادة للبطاريات وصواريخ مضادة للسفن، بالإضافة إلى مشاركة المعلومات الاستخبارية الأمريكية حول العمليات العسكرية الروسية في الوقت المناسب.

كيف يغير الغرب حسابات بوتين؟

أشاد ألكسندر فيرشبو، نائب الأمين العام السابق لمنظمة حلف شمال الأطلسي، بالنهج الدبلوماسي الذي اتبعته واشنطن وحلفاؤها في توجيه تحذيرات رفيعة المستوى حول «التكاليف والعواقب» المترتبة على تصعيد العدوان، بما في ذلك المكالمة الهاتفية التي أجراها بايدن مع بوتين.

لولا أن هذه التحذيرات قوضتها إشارات مختلطة أخرى، مثل: إلغاء نشر السفن الحربية الأمريكية في البحر الأسود بعد شكاوى روسية، وإحجام بايدن عن معاقبة الشركات المشاركة في استكمال مشروع نورد ستريم 2، وعرضه عقد اجتماع قمة بين الولايات المتحدة وروسيا هذا الصيف.

يضيف فيرشبو: يتعين على الولايات المتحدة وأوروبا اتخاذ إجراءات كثيرة لتغيير حسابات بوتين، وردع المزيد من التصعيد، مثل: فرض عقوبات أشد على موسكو إذا انتزعت المزيد من الأراضي، أو تحركت نحو ضم دونباس تحت غطاء نشر «قوات حفظ سلام» روسية.

وينصح أيضًا الولايات المتحدة والحلفاء الآخرين بتسريع تقديم مساعدات عسكرية جديدة لأوكرانيا، تشمل صواريخ الدفاع الجوي، والطائرات المسلحة بدون طيار، والمعلومات الاستخباراتية الفورية، وهذا كفيل بإلحاق خسائر فادحة بالقوات التي تقودها روسيا إذا حاولت الاستيلاء على المزيد من الأراضي.

وبينما لم يزل الحلفاء منقسمين بشأن منح أوكرانيا عضوية الناتو، يتعين عليهم اتخاذ خطوات أخرى لتعزيز وضع الناتو، مثل: تمركز كتيبة عسكرية في منشأة تدريب أوكرانية، أو إنشاء قاعدة بحرية مشتركة على البحر الأسود في أوديسا، حسبما يقترح فيرشبو.

أما أوكرانيا فيتعين عليها دعوة مراقبين دوليين للتأكد من أن القوات الأوكرانية تمارس ضبط النفس في دونباس، وأن روسيا ووكلائها هم من يصعدون التوترات. ويمكن تعزيز ذلك من خلال نشر الولايات المتحدة صور أقمار صناعية غير سرية توثق مسؤولية موسكو وتدحض الدعاية الروسية.

بوتين يستمد جرأته من العجز الغربي

يقول الجنرال الأمريكي المتقاعد بن هودجز، الذي كان قائدا لقوات الجيش الأمريكي في أوروبا من 2014 إلى 2017: أعتقد أن الكرملين عازم على خوض حرب مع أوكرانيا؛ لأن روسيا واثقة أكثر الآن من أن الغرب لن يفعل أي شيء حيال ذلك. لم نفعل أي شيء حيال غزوهم لجورجيا في عام 2008. وشاهدوا عجزنا عن التحرك في سوريا، وفشلنا في معاقبتهم بأي طريقة ذات مغزى بعد غزوهم لأوكرانيا في عام 2014. وكان رد فعلنا حتى الآن (على الأزمة الحالية) غير فعال ومرتبك، وهذا دليل على عدم وجود إستراتيجية شاملة لمنطقة البحر الأسود الكبرى.

يرى بن هودجز أن استجابة ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة كانت مخيبة للآمال تمامًا؛ بسبب عدم بذلهم أي جهد أو ضغط على الكرملين. لكنه يرى أن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن القيادة، ويعترف بـ«أننا كنا ضعفاء أو غائبين حيال تصرفات الكرملين منذ عام 2008. والطريق الوحيد لنزع فتيل الصراع هو التوقف عن التقليل من شأن روسيا كتهديد، وتضافر جهود الولايات المتحدة وحلفائها لمحاسبة الكرملين».

يختم بن هودجز تحليله بالقول: كان تقييم الرئيس بايدن لبوتين أنه «قاتل» دقيقًا، وكان إعلانه القاطع بأن السيادة الأوكرانية ووحدة أراضيها من أولويات الولايات المتحدة قويًا. لكن يبقى أن نرى كيف سيتجسد هذا الكلام على أرض الواقع.

ماذا وراء قعقعة القوات الروسية؟

ينتقل التقرير إلى ستيفن بيفر، زميل أكاديمية روبرت بوش، الذي يقول: بعدما عزز الجيش الروسي قواته بالقرب من أوكرانيا، دعا القادة الغربيون، بمن فيهم الرئيس بايدن والمستشارة ميركل والرئيس ماكرون، موسكو إلى سحب تلك القوات وتهدئة الموقف. ويجب عليهم تشجيع الآخرين على تكرار تلك الدعوات.

لم يتضح بعد ما إذا كانت قعقعة القوات الروسية تهدف فقط إلى إثارة قلق كييف (واختبار رد فعل الغرب)، أو تنذر بعمل عسكري روسي جديد ضد أوكرانيا. وربما لم يقرر فلاديمير بوتين حتى الآن ماذا سيفعل. ولذلك ينصح بيفر الغرب بضرورة بذل كل ما في وسعه الآن ليحذر الكرملين من أن التوغل العسكري سيؤدي إلى تكاليف باهظة لا ينبغي الاستهانة بها.

يضيف التحليل: يتعين على القادة الغربيين إرسال تحذير إلى القيادة الروسية بشأن العقوبات التي ستُفرَض حال شنت موسكو أي هجوم. وقد تركت العقوبات الأمريكية التي أعلنت في 15 أبريل الباب مفتوحًا أمام احتمال اتخاذ إجراءات أشد صرامة. بالإضافة إلى ذلك، يجب على الولايات المتحدة وغيرها من الدول تقديم مساعدات عسكرية، مثل: صواريخ جافلين المضادة للدروع، إلى كييف. وبينما لن يخوض الناتو حربًا مع روسيا بشأن أوكرانيا، يمكنه إظهار استعداده لمساعدة الأوكرانيين في الدفاع عن أنفسهم.

يقول دانيال فرايد، زميل بارز في المجلس الأطلسي: على عكس عام 2008، عندما كانت الولايات المتحدة وأوروبا بطيئتين في إدراك خطر حشد بوتين ضد جورجيا، حذر الغرب الكرملين هذه المرة من أن العدوان المتجدد على أوكرانيا ستكون له عواقب.

صحيح أن العقوبات التي فرضتها إدارة بايدن في 15 أبريل ردًا على تصرفات الكرملين لم تكن لها علاقة بأوكرانيا، لكن واشنطن أثبتت بذلك جديتها، وجعلت تهديدها باتخاذ مزيد من الإجراءات أكثر مصداقية، إذا شن بوتين هجومًا جديدًا أو اتخذ خطوات عدوانية أخرى.

كما أن بايدن لا يحذر بوتين وحده، حسبما يلفت فرايد. ففي 8 أبريل طلبت المستشارة الألمانية ميركل من بوتين أن يتراجع. وفي حديثٍ مع الصحافيين الأمريكيين يوم 18 أبريل، حذر الرئيس الفرنسي ماكرون بوتين من التصعيد ضد أوكرانيا، ولوح بفرض عقوبات إضافية على روسيا إذا أقدم بوتين على ذلك.

يختم فرايد تحليله بالقول: يبدو أن بوتين، مثل أسلافه من القادة السوفييت، في مرحلة تقدير مدى تصميم خصومه. ربما يختبر ما إذا كانت دول الغرب نائمة أو مشتتة لدرجة أنها لا تستطيع التصرف. لكنها ليست كذلك، حسبما يؤكد فرايد. علاوة على ذلك يواصل بوتين استعداء الحكومات الأوروبية (كان التشيك أحدث مثال على ذلك) بعدوانه الطائش. ويمكن أن يكون تضامن الغرب مع أوكرانيا، ومع التشيك، ومع الدول الأخرى الواقعة تحت ضغط الكرملين، فعالًا. ويجب أن نستمر في ذلك.

ما ينبغي على الغرب استيعابه حول نوايا بوتين

ديان فرانسيس، زميل أقدم في المجلس الأطلسي: ألقى الرئيس بايدن خطابًا عقلانيًا أعلن فيه دعم أمريكا «الثابت» لأوكرانيا. وشدد على رغبة الولايات المتحدة في بناء «علاقة مستقرة ويمكن التنبؤ بها» مع روسيا، وسلط الضوء على استخدام أمريكا للعقوبات «بطريقة مدروسة ومتناسبة»، وأنهى خطابه بطلب صارم بـ«التهدئة».

في غضون ذلك سارع الزعماء الأوروبيون للرد على الحشد العسكري الروسي، لكنهم اكتفوا حتى الآن بعقد اجتماعات. وكان رد بوتين هو التصعيد الفوري من خلال إغلاق مضيق كيرتش، وإرسال سفن حربية من بحر قزوين للقيام بدوريات في المياه قبالة لأوكرانيا.

يضيف فرانسيس: لا يستطيع الغرب ببساطة أن يستوعب عدم رغبة بوتين في تدشين علاقة سلمية ومستقرة مع أمريكا أو أوروبا أو أي من جيرانه. وليس لديه نية للتهدئة في مواجهة المزيج الغربي المكون من ضعف الردع والشلل.

ولذلك يرى أن التدابير الأكثر صرامة وحدها هي التي ستؤثر على روسيا. ولذلك ينصح الغرب بتشديد العقوبات ضد الأقلية الحاكمة والشركات الكبرى في روسيا، بموازاة عرقلة مشاريع خطوط أنابيب الطاقة المهمة جيوسياسيًا بالنسبة الكرملين مثل نورد ستريم 2. ويجب أيضًا اتخاذ خطوات عسكرية متناسبة، بما في ذلك نشر السفن الحربية في البحر الأسود، والدفع بعدة آلاف من قوات الناتو دول داخل أوكرانيا حتى تتراجع روسيا.

البحث عن إجابات

من وجهة نظر دبلوماسية، ترى أليونا جتمانتشوك، مديرة مركز أوروبا الجديدة، أن الاستجابة الغربية كانت إيجابية للغاية. فعلى عكس ما حدث في عام 2014، يؤخذ التهديد بتصعيد روسي كبير على محمل الجد، وهذا جيد. على النقيض من ذلك أدت الدعوات الغربية لأوكرانيا إلى عدم القيام بأي شيء في عام 2014 إلى وقوع 7% من البلاد تحت نير الاحتلال الروسي.

ومع ذلك تبقى بعض الأسئلة مطروحة بلا إجابة، ومنها: إلى أي مدى يمكن أن نتوقع ردًا غربيًا موحدًا؟ في الأسابيع الأخيرة تباينت لهجة الرسائل الصادرة عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بدرجة ملحوظة. كما أعطى القادة الأوروبيون الأولوية للتحدث مع بوتين بدلًا عن الاتصال بالرئيس الأوكراني زيلينسكي. والسؤال الرئيس الثاني هو: ما إذا كانت البيانات السياسية ستتبعها أفعال ملموسة. الأيام وحدها كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال.

** نشر هذا المقال تحت عنوان  :  

Putin’s Ukraine War: Can the West prevent a new Russian offensive?

الكاتب  Peter Dickinson

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى