مأمون كيوان يكتب – البدائل الإسرائيليّة … وجوهر «صفقة القرن»
مأمون كيوان 2/10/2018
منذ عهد تيودور هرتسل، يسكن النخب الصهيونية المتبدلة هاجس إقامة دولة لليهود أو الدولة اليهودية. ورافقت هذا الهاجس حالة من الانقسام الحاد وظهور معسكرات وتيارات سياسية يمكن اختزالها في تيارين رئيسيين، تبنى أولهما مبدأ «تكامل أرض إسرائيل»، وتبنى الثاني مبدأ «وحدانية الشعب اليهودي».
وأسفرت حالة السجال المستمر بين أنصار هذين المبدأين عن «فلسفة للسلام» حاولت تفسيرها رزمة خطط ومشاريع وخيارات سياسية مختلفة، منها: خيار «دولتان للشعبين»، خيار «دولة واحدة وسيادة إسرائيلية على «يهودا والسامرة»، خيار الإبقاء على «الوضع القائم»، وخيار «وطن واحد لشعبين» الذي ظهر في العام 2002، وروج له الشاعر إليعاز كوهين، المستوطِن في «كفار عتصيون» لاعتقاده أن «إسرائيل هي وطن واحد للشعبين، وإذا لم تعترف بلاجئي العام 1948 فلن يكون هنالك أي حل».
وتمثلت الرؤى والحلول السياسية في: حل «الكونفيديرالية بين إسرائيل وفلسطين والأردن»، و رؤيا «الدولة والنصف» و «دولة ليفين» و «الدولة ثنائية القومية» و «أربع دول لشعبين»، فضلاً عن تبادل أراض وسكان و»خطة الجيوب» التي طرحها الخبير الجغرافي والباحث في موضوع الحدود من جامعة تل أبيب، غدعون بايغر، الذي وضع هذه الخطة من أجل امتناع إسرائيل عن إخلاء مستوطنات، حتى تلك الواقعة شرق الجدار الفاصل. وتقضي الخطة بنقل السيادة على المناطق في الضفة الغربية التي تقع فيها الكتل الاستيطانية إلى إسرائيل، مقابل نقل مدن وبلدات عربية في المثلث، المحاذية للخط الأخضر، إلى الدولة الفلسطينية.
وأخيراً، شكل إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب «حبه» لحل الدولتين تحريكاً للسجال الإسرائيلي حول هذا الحل. فقد سارع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو إلى طرح الأسئلة التالية: «ما هي الدولة؟ أي نوع من الدولة ستكون؟ هل ستكون هذه كوستاريكا أم إيران؟». لكنه أعرب عن استعداده لإقامة دولة فلسطينية بسيطرة أمنية إسرائيلية. وكرر عملياً موقفه من خطاب بار إيلان في شأن «نصف دولة»: «أنا مستعد لأن تكون للفلسطينيين الصلاحيات لحكم أنفسهم، دون صلاحيات المس بنا. المعنى، أن السيطرة الأمنية غرب نهر الأردن ستبقى في أيدينا». بينما قال عضو الليكود والوزير السابق، جدعون ساعر، إنه «في بلاد إسرائيل لن تكون أبداً دولة فلسطينية، وبعون الرب لن تكون أبداً». وأعلن رئيس حزب البيت اليهودي، نفتالي بينيت، بأنه طالما كان وزيراً في الحكومة فإنه لن تقوم دولة فلسطينية لأنها «كارثة لإسرائيل حتى لو كانت منزوعة السلاح». بينما قال رئيس المعسكر الصهيوني، آفي غباي، إن «حل الدولتين هو الحل السياسي للفصل بيننا وبين الفلسطينيين، بحيث تكون دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وتكون السيطرة الأمنية فيها بيد إسرائيل».
ولعل الفرضية الأساس لليمين الأيديولوجي الإسرائيلي اليوم هي أن عبارة «حل الدولتين» هي الشيء ونقيضه: ففكرة تقسيم قطعة الأرض الضيقة التي بين البحر ونهر الأردن إلى دولتين ببساطة لن تنجح. فالدولتان ليست حلاً، بل مشكلة.
واقترحت قبل سنوات قليلة، بدائل أكاديمية من حل الدولتين تمثلت أبرزها في وثيقة كتبها غيورا أيلاند، وهو الذي شغل سابقاً منصب رئيس مجلس الأمن القومي، وكان من أبرز الحلول البديلة لحل الدولتين في حلين إقليميين: تمثل أولهما في حل «كونفيديرالية أردنية – فلسطينية»، الذي يقضي بإنشاء مملكة أردنية فيديرالية، تتكون من ثلاث «ولايات»: الضفة الشرقية، الضفة الغربية، وغزة. هذه الولايات تكون states بالمفهوم الأميركي، مثلما هي حال بنسلفانيا أو نيوجيرسي، تتمتع باستقلال داخلي كامل، ولها موازناتها، ومؤسساتها الرسمية، وقوانينها الخاصة، وحاكمها وسائر أشكال الاستقلال. لكنها لا تملك أي صلاحية في السياسة الخارجية، والقوات المسلحة.
وبالمقارنة مع حل «الدولتين لشعبين»، وهناك ميزات لهذا الحل بالنسبة الى إسرائيل أهمها هو مسألة الثقة. ففي حل «الدولتين لشعبين»، سيكون على إسرائيل التنازل عن أمور ملموسة مقابل «تعهدات» فلسطينية بالحفاظ على الهدوء. وهناك تخوف إسرائيلي من خسارة مزدوجة: التنازل عن كل المناطق، وعدم الحصول على الأمن. وثمة خطر كبير من أن تعجز السلطة الفلسطينية عن تقديم المطلوب، أو ترفض تقديمه.
ويختلف الأمر عندما يكون المطروح التوقيع على اتفاق سلام إسرائيلي – أردني. وربما ستضطر إسرائيل الى المخاطرة بكثير من الأشياء، لكنها ستكون مخاطرات شبيهة بتلك التي أخذتها على عاتقها عام 1973 عندما وقعت اتفاق السلام مع مصر وتنازلت عن كل سيناء.
ودعا الحل الإقليمي الثاني إلى تبادل مناطق، وذلك على خلفية الاعتقاد أنه يمكن إدخال تحسينات كبيرة على وضع إسرائيل والدولة الفلسطينية. يتناول هذا الفصل كيفية «تكبير الكعكة» بحيث يخرج الجميع رابحين.
ويتم «تكبير الكعكة» من خلال التالي:
1- تنقل مصر الى غزة مناطق مساحتها نحو 720 كيلومتراً. وتشمل هذه المنطقة جزءاً من الشريط المبني الممتد على طول 24 كيلومتراً على طول شاطئ البحر المتوسط. وتؤدي هذه الزيادة الى مضاعفة حجم قطاع غزة البالغ حالياً 365 كيلومتراً، نحو ثلاث مرات.
2- توازي مساحة 720 كيلومتراً نحو 12 في المئة من أراضي الضفة الغربية. ومقابل هذه الزيادة على أراضي غزة، يتنازل الفلسطينيون عن 12 في المئة من أراضي الضفة التي ستضمها إسرائيل إليها.
3- مقابل الأراضي التي ستعطيها مصر الى فلسطين، ستحصل من إسرائيل على منطقة جنوب غربي النقب. ويمكن أن يصل حجم الأراضي التي ستنقلها إسرائيل الى مصر الى 720 كيلومتراً، ويمكن أن تكون أصغر.
لدى المقارنة بين هذا الحل وحل الدولتين، تبرز أربع فوائد بالنسبة الى إسرائيل: هي التالية: 1- الأراضي في ما يسمى «يهودا والسامرة» ستبقى تحت سيطرة إسرائيل، وهذه مساحة ستسمح لإسرائيل بخفض عدد الإسرائيليين الذين سيضطرون الى إخلاء منازلهم من مئة ألف الى ثلاثين ألفاً. يضاف الى ذلك، ستسمح لإسرائيل بالاحتفاظ بالأماكن ذات الأهمية الدينية والتاريخية والبقاء داخل إسرائيل ضمن شروط مريحة. 2- إن التقسيم المتوازن للأرض بين غزة والضفة سيجعل الدولة الفلسطينية أكثر قدرة على الحياة، وبالتالي أكثر قوة وقدرة على احترام الاتفاق. 3- إن مشاركة دول عربية مثل الأردن ومصر في الحل لها أهمية وتجعله ملزماً، ويقدم «ضمانات» قوية لاستمرار الاتفاق. 4- لا يلغي هذا الاتفاق الإقليمي الحاجة الى «معبر آمن» بين غزة والضفة، لكنه يقلل من أهميته.
ويُعتقد أن هذا الحل الإقليمي يشكل جوهر «صفقة القرن» التي يروج أنها ستكون النسخة الشرق أوسطية لاتفاق «ويستفاليا».