أقلام وأراء

مأمون كيوان يكتب – الإسرائيليون ما زالوا يتساءلون حول «المحدال»

مأمون كيوان ٢٠-٩-٢٠١٨

على رغم مرور 45 سنة على نشوب حرب السادس من تشرين الأول (أكتوبر) 1973 التي يدعوها الإسرائيليون يوم الغفران «كيبور»، ما زال الشارع الإسرائيلي يتساءل ماذا عليه أن يتذكر من هذه الحرب؟ «المفاجأة» المصرية والسورية القاسية أم الانتصار العسكري في نهاية المعركة؟. ويتفق الجميع على أنه تم تحطيم الفكرة الخيالية في عام 1973 القائلة إن «الجيش لا يقهر» التي نشأت في حرب عام 1967، ولكن بعد مرور 40 سنة على تلك الحرب، بدأت تُسمع أصوات إسرائيلية متعارضة للذين قالوا بخسارة الجيش الإسرائيلي في السادس من شهر تشرين الأول، فالبعض شدد على إنجازات الجيش الإسرائيلي الاستثنائية التي تحققت بعد مرور أسابيع عدة من انتهاء المعركة.

ويتذكر الإسرائيليون أنه على رغم أن الجانب الإسرائيلي قد خسر أكثر من 2200 جندي، وفي الجانب المصري، كان عدد المفقودين أعلى بكثير مما لدى الإسرائيليين حيث ارتفع عدد خسائر الجنود المصريين إلى 10000 جندي. وعند انتهاء الحرب، وقف الجيش الإسرائيلي على مسافة قصيرة من القاهرة ودمشق، بينما الجيش المصري هو من طلب وقف إطلاق النار.

وفي هذا السياق، تحدث المعلق الإسرائيلي يسرائيل هرئيل في جريدة «هآرتس» عن: “انتصار غير مسبوق، إنقاذ الدولة، كنتيجة لتضحيات الجنود والقادة… فقد كانت الرواية الحقيقية لهذه الحرب. لكن، في الحقيقة، الرواية الكاذبة والمتلاعب بها، تجذرت في الوعي الإسرائيلي- حيث يجب إعادة صياغة هذه الرواية من جديد. وحان الوقت للتخلص من فكرة الصدمة النفسية التي زعزعت ثقتنا بأنفسنا، وحياتنا. علينا أن نتخلص من الرواية الكاذبة، وأن نجذر في أنفسنا الرواية العادلة والتفاؤلية».

ويُلاحظ أنه منذ أن صمتت المدافع في تلك الحرب، صدرت عشرات الكتب، إن لم يكن مئات عنها، ولا يكاد يمضي عام من دون أن يصدر جديد عنها إسرائيلياً وعالمياً. ولعل من أبرزها: تقرير لجنة «أغرانات» الذي تكون من 2200 صفحة، تقع في ستة مجلدات، أما محاضر اللجنة فتكونت من 9000 صفحة، تقع في 43 مجلداً. وسمحت الحكومة الإسرائيلية في عام 2004، بنشر رؤية الجيش الإسرائيلي التاريخية الرسمية للحرب، والتي أعدها د. إلحنان أورن. وكان هذا التأريخ الرسمي للحرب أنجزه د. أورن عام 1990، ولكنه لم يسمح بنشره آنذاك، ولم يسمح لأحد بالاطلاع عليه. كما رصد كتاب «حرب أكتوبر نظرة جديدة» من إعداد وتحرير حاييم أوفاز، يعقوب بار سيمان-توب. من إصدار وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية معهد العلاقات الدولية على اسم لاوندر ديفيس في الجامعة العبرية بالقدس، باللغة العبرية عام 1990، وهو عبارة عن تسجيل لمجموعة من المحاضرات أُلقيت في يوم دراسي عقد في الجامعة العبرية بمناسبة مرور 25 عاماً على حرب أكتوبر في 1998 فحص عدد من التساؤلات حول القضايا المركزية التي ترتبط بـ «حرب تشرين» مثل قضية المفاجأة الاستراتيجية، طبيعة الحرب كحرب محدودة، فتح الطريق من الحرب إلى السلام.

وأكد المحلل البارز لصحيفة «هآرتس» أن ألغازاً لا تزال تلف هذه الحرب وأن دايان أبلغ اللواء احتياط اسحق حوفي الذي كان قائداً للمنطقة الشمالية في تلك الفترة في وقت مبكر من صباح يوم الأحد في السابع من تشرين الأول 73 أنه يقترح «النظر في إمكان هجر هضبة الجولان». وكان «المحدال» (التقصير) استخباراتياً بالدرجة الأولى، هو ما أكده بعد ثلاثة عقود من الزمن رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية آنذاك اللواء أيلي زعيرا في كتابه «أساطير في مواجهة الواقع: حرب يوم الغفران: الإخفاقات والدروس».

واستند العميد المتقاعد يوسي بن آري في تحليله الجذري للتقصير إلى افتراض مفاده: أن شعبة الاستخبارات ليست الجهة الوحيدة التي تستحق النقد وتحمل تهمة التقصير أو الفشل، فالفشل لم يكن مجرد خطأ استخباري، وإنما خلل شامل في كل النظرة الإسرائيلية للصراع. فهناك عشرة إخفاقات تفكير، تظهر في السجال الثقافي حول الصراع وتميّز التفكير العسكري والعام حينها. منها تبخيس قدر الدول العربية عموماً ومصر خصوصاً، وبشكل متطرّف، وتعامل استخفافي مع الرئيس أنور السادات، وبالمقابل إحساس بالثقة بالنفس وبالقوة الإسرائيلية. وبخلاف بن آري فإن داليا جبرائيلي اعتبرت أن الفشل الإسرائيلي في الحرب كان فشلاً متعدّد الوجوه، عسكرياً، استخبارياً، سيكولوجياً وثقافياً أيضاً. وركزت على دور الثقافة في حدوث المباغتة.

وكشف كتاب إسرائيلي بعنوان «حرب يوم الغفران، اللحظة الحقيقية» لمؤلفيه: رونين برغمان وجيل مالتسر عن وثائق سرية من بروتوكولات هيئة الأركان العامة والحكومة الإسرائيلية اتضح خلالها الاستهتار الإسرائيلي بالقوة العربية.

ويفيد أحدث تحليل إسرائيلي للتقصير في حرب 1973 بأن «الخطأ الاستخباري هو أمر حصل ويحصل على مدى كل التاريخ. يكفي أن نتذكر اثنتين من المفاجآت الكبرى للحرب العالمية الثانية، وكلتاهما حصلت في 1941: الاجتياح الألماني للاتحاد السوفياتي والهجوم الياباني على بيرل هاربر. ولكن إذا كان الخطأ نتيجة ضعف إنساني، فالأمر الأخطر الذي حصل في حرب يوم الغفران هو جهل قيادة الجيش الإسرائيلي. وبخلاف الخطأ، فإن الجهل المهني لا يغتفر، كونه نتيجة استخفاف بالمهنة العسكرية وبالواجبات التي تنشأ عنها. فقيادة الجيش الإسرائيلي- رئيس الأركان وقادة المناطق وضباط هيئة الأركان- كانت تنقصهم المعرفة العسكرية الضرورية لمستواهم».

وتطرح استمرارية السجالات الإسرائيلية حول حرب أكتوبر وتداعياتها رزمة أسئلة على النخب السياسية والعسكرية العربية تتجاوز حالة التغني بـ «العبور» و «النصر المبين» إلى البحث في المفاجأة الاستراتيجية الكبرى التي تمثلت في تقلبات خرائط الاشتباك العسكري على الجبهتين المصرية والسورية وتحول خطوط فصل القوات إلى حدود هدنة دائمة غير معلنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى