ترجمات أجنبية

لوموند : ترامب صامد وإقالته مستبعدة

غي سورمان، لوموند 15/8/2018

في الثمانينات، عُرف الرئيس الأميركي رونالد ريغن بـ»الرئيس تفلون» (الرئيس «تيفال»). لم تؤثر الفضائح والتعثر في شعبيته، كأنه مطلي مثل أواني «تيفال» بمادة تحميه من التصاق ما يرتكبه به. لكن، هل ترامب من الطينة نفسها؟ فكل ما فيه يدينه: زعمه النضال، شتمه السود والنساء والمهاجرين والصحافيين، ومواقفه غير المتماسكة في القمم، وازدراء العدالة، وارتكاباته المالية، وعلاقاته الغريبة ببوتين. وإلى اليوم، لم يفتر دعم الأميركيين ممن انتخبوه، وهم ثلث الأميركيين. وليست نسبة مؤيديه غالبية، لكن في وقت المعارضة مشتتة، إطاحته عسيرة.

والحق يقال، هذه الجنح هي وراء شعبيته. فعلى خلاف التوقعات – وربما هي من قبيل التمني- لا يشبه ترامب الرؤساء بل هو أقرب إلى رسم كاريكاتوري وبوق شعبوي يدور كلامه على مصالح الشعب كأنه مرشح وليس رئيساً مسؤولاً. وعشية انتخابه، كان علماً على «انتقام الذكر الأبيض» من الأقليات الثقافية ومناصري حقوق النساء والتقدميين ومؤيدي العولمة. وهو مذاك على هذه الحال، كأنه منيع أمام العالم الفعلي، ويستقي معلومات كاذبة من «فوكس نيوز»، مصدر معلوماته العالمية اليتيم. وناخبوه هم في مثابة أعضاء في نادي معجبين وحماستهم لنجمهم لا تفتر ولا تخبو: فالرئيس يرطن بلغتهم، ويفكر مثلهم، ولا يخفي عنصريته شأنهم. وتترك حال ترامب هذه العالم في حيرة، فما هو فاعل أمام أكاذيبه ورفعه الصوت على الحكومات الغربية وغيرها. فمنذ عام ونصف العام الى اليوم، العالم مختلّ التوازن. ورؤساء العالم يحاولون التعامل معه وتهدئته كمن يهدئ الوحش. لكن محاولاتهم لا ترتجى منها فائدة. وهم عاجزون عن الإجماع على خط دفاع مرصوص في مواجهته، سواء في مسألة الناتو، أو التجارة، أو إيران، أو الصين أو كوريا الشمالية.

وفي الولايات المتحدة، تشعر المعارضة بالذعر وهي تتخبط: ترصد أكاذيبه وتسلط الضوء على تناقضاته، وأخطائه الإملائية. لكن ما تفعله يرص صفوف نادي معجبيه. وهذه المعارضة لا رأس لها وتفتقر الى مشروع واستراتيجية. وتبث هذه الحال البلبلة في صفوف الديموقراطيين، فيلجأون الى جناحهم اليساري، وهو شبه اشتراكي. لكن الميل اليساري هذا، ولو كان طفيفاً، لا يعجب الأميركيين الذين لا يستسيغونه ويرون أن ما يسوقه من نقد في غير محلّه.

ويتساءل سائل ما إذا كانت شعبيته (ترامب) وثيقة الصلة بأداء الاقتصاد الأميركي الباهر. طبعاً، لكن شطراً من شعبيته فحسب يعود الى الازدهار الاقتصادي: النمو يكاد يبلغ 4 في المئة سنوياً، والبطالة تحت عتبة الأربعة في المئة، وهذه معدلات تاريخية. ولا شك في أن دور الحكومة في اقتصاد السوق لا يُذكر، ولا يسعها التأثير في النمو وتوفير فرص عمل. لكن خطابات ترامب، وليست خطواته المحدودة، تلقى استحسان بعض المقاولين المعادين لسياسات حماية البيئة والموظفين. وهؤلاء يستسيغون عودة أميركا الى عصر الرأسمالية المتوحشة والقومية الاقتصادية: لذا يُقبلون على الاستثمار أكثر بقليل مما كانت عليه استثماراتهم قبل العهد الترامبي. ويساهم الازدهار الاقتصادي هذا في ترسيخ التباين الاجتماعي، ومثل هذا التباين يعصى الاحتمال في أوروبا في وقت يتكيف معه أنصار ترامب من غير الميسورين. فهم يرون أن الرئيس الأميركي يجسد حلمهم بارتقاء السلم الاجتماعي والتحول الى أصحاب ملايين. لكن الازدهار الاقتصادي قد لا يدوم وقد تنقلب أحواله بين ليلة وضحاها، على ما حصل في 2008: فالتقلبات الدورية هي من سمات الاقتصاد الأميركي. لكن دعم نادي المعجبين لن يخبو إذا تراجع الاقتصاد: فترامب سيلقي باللائمة لا محالة على وول ستريت. وليست الصلة بين الاقتصاد والشعبية السياسية مؤكدة.

لذا، الأرجح ألا يكون مصير ترامب الإقالة، وأن يواصل ولايته الرئاسية. والحلم بالإطاحة يتبدد: فبعد أشهر من التحقيق في التدخلات الروسية في الانتخابات الروسية والمعاملات المالية المشبوهة في عائلته، الأدلة غير كافية لإدانته. والإقالة تقتضي غالبية ديموقراطية ورضى الرأي العام، وهذا بعيد من واقع الأمور. وسواء كنا من مؤيدي ترامب أو معارضيه، يبدو أن التعايش معه الى نهاية ولايته محتم.

وعلى رغم ثرثرته ونوبات غضبه، لم تكن مساهمة ترامب فعلية في اندلاع نزاعات، اقتصادية أو عسكرية أو مدنية. فالعالم صامد في وجه صدمة انتخابه، شأن المجتمع الأميركي. وترامب ليس ديكتاتورياً فاشياً، ولو في وسعه أن يكون على هذه الحال لفعل. ونادي معجبيه سيسير على خطاه ويتكيف مع تحوله. لكن دستور الولايات المتحدة يحول دون ذلك. فالمؤسسات التي تتحدر من هذا النص المبجل هي الحصن في وجه الترامبية. والعوائق المؤسساتية كثيرة أمام بروز الترامبية الفاشية، ومنها الفيديرالية والكونغرس والقضاة ووسائل الإعلام والمجتمع المدني. وتقتصر قوة الرئيس الأميركي على قدراته الكلامية. ففي وسعه تجييش الجموع، لكنه عاجز عن الإقدام على خطوات استبدادية. ويتعذر عليه انتهاك المؤسسات. ولن تصدع أي مؤسسة أميركية سواء كانت الشرطة أو الكنيسة، أم الإدارة الفيديرالية والمحلية، بأوامر غير مشروعة وغير قانونية. وإذا شاء ترامب أن يحتذي بموسوليني لن يسعه إلا تقليد حركاته، وسيعجز عن اقتراف ما اقترفه.

وليس جبه الشعبوية في الولايات المتحدة وأوروبا يسيراً. فالخطاب الشعبوي يلمس قلوب الناس، في وقت الخطاب الديموقراطي عقلاني ومجرد. لكن، هل المؤسسات الأميركية راسخة رسوخاً يخولها جبه غالبية يمينية أو يسارية؟ ففي فرنسا حيث يُبدل الدستور مع تبدل الفصول، الخشية من تحول فاشي في محلها. وبروز ترامب فرنسي يحمل على القلق أكثر من احتمال ترامب الأميركي.

*

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى