لوموند: الهجوم الإيراني يعزز مأزق إسرائيل في المنطقة
لوموند 15-6-2024: الهجوم الإيراني يعزز مأزق إسرائيل في المنطقة
إن بعض أعضاء حكومة بنيامين نتنياهو يريدون الانتقام من طهران بأي ثمن، على الرغم من تحذيرات الولايات المتحدة التي تخشى اندلاع حريق إقليمي، معتبرة أن إسرائيل ما زالت لا تعرف كيف تستعيد قدراتها الرادعة، بعد ستة أشهر من الحرب الفوضوية في غزة، والتي أسفرت عن مقتل 33 ألف فلسطيني، وحملة من الضربات المكثفة في لبنان وسوريا لم يسبق لها مثيل منذ عقد من الزمان.
لقد أبدى حلفاؤها الغربيون هذه الملاحظة المثيرة للقلق بهدوء، حتى قبل أن تظهرها إيران، ليلة السبت13 أبريل إلى الأحد 14 أبريل، بإطلاق أكثر من 300 طائرة بدون طيار وصاروخ باليستي باتجاه الدولة العبرية.
واعتبرت الصحيفة أن هذا الرد الإيراني المباشر يضع حكومة بنيامين نتنياهو في مأزق، إذ لا يُمكن لإسرائيل الرد على الأراضي الإيرانية دون المخاطرة بالتصعيد، وهو ما ترفضه حليفتها الأمريكية بكل قوة، خوفاً من حرب إقليمية.
وإذا لم يستجب (نتنياهو)، فإنه يسمح لإيران بوضع قاعدة جديد: فقد أصبح من الممكن الآن توجيه ضربات صاروخية باليستية مباشرة، رداً على الهجمات الإسرائيلية ضد مصالحها.
في مواجهة هذه المعضلة يماطل بنيامين نتنياهو. ويبدو أن المحادثة الهاتفية مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، صباح الأحد، قد أعاقت الرد الذي كانت إسرائيل تقترحه منذ عدة أيام بأنه سيكون فوريًا وجوهريًا. ومنذ ذلك الحين، لم يصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي سوى بيان مقتضب: “لقد اعترضنا وأوقفنا، معاً سوف نفوز”. وانتهى اجتماع مجلس الوزراء الحربي مساء دون إعلانات. وبعد ذلك، سُمح للمدارس بإعادة فتح أبوابها يوم الإثنين، في إشارة إلى احتمال تراجع التصعيد.
تراكمت في الصحف، أمس الأحد، تسريبات منسوبة لكبار مسؤولي الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، تشير إلى تخوفهم من الجدل الذي يوصف بالتحريض على الحرب داخل الحكومة منذ أيام. وأعرب هؤلاء الضباط عن تخوفهم من الرد المتسرع وغير المدروس على الضربات الإيرانية، دون التقليل من أهميتها. وأعربوا عن أسفهم بشكل عام لغياب أي رؤية سياسية في هذه الحرب على جبهات متعددة، والتي يرفض نتنياهو تحديد أهدافها، بما يتجاوز وعد النصر الكامل.
تعب وارتياح الإسرائيليين
إن الحليف الأمريكي يخشى من جانبه أن ينجذب رئيس الوزراء إلى توسيع الحرب في غزة إلى صراع إقليمي، وهو الذي حاول مجدداً، نهاية2020 ، إقناع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشن ضربات، خلال الأشهر الأخيرة من ولايته، ضد المنشآت الباليستية والنووية الإيرانية.
ويتعرض نتنياهو لضغوط من جانب حلفائه الأصوليين الدينيين، المستبعدين من الدائرة الضيقة للوزراء المسؤولين عن اتخاذ القرار بمفردهم بشأن متابعة الضربات الإيرانية، داخل مجلس الوزراء الحربي. ومن بين هؤلاء المنتقدين، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي رفض، يوم الأحد، أي منطق للاحتواء والتناسب في مواجهة طهران، معتبراً أن إسرائيل قد ضلت الطريق على مدى خمسة عشر عاماً في مواجهة “حماس” في غزة. ويعبر جزء من حزب “الليكود”، حزب نتنياهو، عن نفس التطرف. هذه الأصوات تتردد في الرأي العام الإسرائيلي، الذي ما يزال يعيش على وقع هجوم 7 أكتوبر 2023 في الوقت الحاضر، والذي يعتبر انهيار القدرات الدفاعية للدولة في ذلك اليوم، أمام هجوم “حماس”، أزمة وجودية. وقد لخص رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت، من اليمين الديني المتطرف، هذا الشعور بشكل جيد، قائلاً إن إسرائيل لا يمكن أن تكون راضية عن “النصر الدفاعي الذي تشجعه واشنطن ضد طهران: “أنت لا تربح الحروب بمجرد اعتراض نيران أعدائك، ولا تردعهم بهذه الطريقة”.
و يوم الأحد، رددت نشرات الأخبار التلفزيونية المسائية تعب وارتياح الإسرائيليين الذين هرعوا إلى محلات السوبر ماركت لتخزين المواد الغذائية، تحسباً للهجوم الإيراني. لكن هذه النشرات تبنت أيضاً لهجة الرضى للمتحدثين باسم الجيش، الذين أشادوا بالقدرات الدفاعية وسلطوا الضوء على التناقض مع انهياره في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، ما يشير إلى أن صفحة قد طويت.
تعزيز العلاقات مع الدول العربية
داخل الحكومة، أعرب عن هذه الثقة رئيس الأركان السابق بيني غانتس ووزير الدفاع يوآف غالانت. خلال ليلة السبت إلى الأحد، بحسب موقع أكسيوس، فقد اقترح الأول في مجلس الحرب، قيام إسرائيل بتنفيذ ضربات في إيران، حتى قبل وصول الطائرات بدون طيار التي أطلقتها طهران إلى شركة الطيران الوطنية الفضائية.
ويوم الأحد، تحدث غانتس علناً عن ضرورة الرد على إطلاق الصواريخ الإيرانية، لكنه كان أكثر صبراً. وعلى غرار غالانت، دعا غانتس إلى إتاحة الفرصة لإحياء الدعم الأمريكي والغربي لإسرائيل، في حين وعدت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بإعطاء الأولوية للعمل الدبلوماسي من أجل عزل طهران.
وفي الوقت نفسه، عبّر غانتس عن أمله في تعزيز العلاقات مع الدول العربية: “إن هذا الحادث لم ينته بعد- فالتحالف الإستراتيجي ونظام التعاون الإقليمي الذي بنيناه، والذي صمد أمام هذا التحدي الهائل، يجب أن يتم تعزيزه اليوم أكثر من أي وقت مضى. وفي مواجهة التهديد الإيراني، سنبني تحالفًا إقليميًا ونضمن أن تدفع إيران الثمن بالطريقة، وفي الوقت الذي يناسبنا”.
وكان الجنرال يشير إلى معاهدة السلام الموقعة في عام 1994 مع الأردن، الذي أسقطت قواته الجوية طائرات إيرانية بدون طيار على أراضيه، وكذلك إلى اتفاقيات التطبيع الدبلوماسي المبرمة في عام 2020، ولا سيّما مع الإمارات العربية المتحدة والبحرين. ويرتكز هذا التفاؤل على أن دول الخليج تمكنت من رصد الطلقات الأولى والإبلاغ عنها يوم السبت، بالتعاون مع واشنطن. ولكن هؤلاء الجيران ظلوا رغم ذلك يعبرون عن انزعاجهم طيلة أشهر، في كل مرة يزعم المسؤولون الإسرائيليون أنهم يستشعرون فرصة للتقارب الإقليمي، في حين يواصلون حرباً لا نهاية لها في غزة.
وهم يشعرون بالقلق بشكل خاص إزاء الطريقة التي تقود بها إسرائيل الصراع على الحدود اللبنانية، وفي سوريا، من خلال مضاعفة الضربات ذات الكثافة غير المسبوقة منذ عام 2006، ضد “حزب الله” و”الحرس الثوري” الإيراني.. وتوج هذا التصعيد في السلطة باغتيال الجنرال الإيراني محمد رضا زاهدي، في القسم القنصلي بالسفارة الإيرانية في دمشق، في الأول من نيسان/أبريل الجاري، وهو ما ردت عليه طهران بإطلاق الصواريخ.