ترجمات أجنبية

لوفداي موريس: وراء مسيرات غزة … بؤس اقتصادي وأكوام من الديون

لوفداي موريس *، واشنطن بوست ٢٣-٤-٢٠١٨م
تجمع آلاف الفلسطينيين كل نهار جمعة من الشهر الماضي، أمام بوابة غزة الحدودية مع إسرائيل، ورمى بعضهم الحجارة وقنابل المولوتوف، ووقف بعضهم موقف المتفرج. «الشباب لا يملكون ما يخسرونه»، قال محمد سكر، على بعد أميال من البوابة في اليوم الأول من الاحتجاجات حين كان الجمع ينكفئ على وقع أصوات طلقات نارية. فهذا الشاب عاطل عن العمل، ويشعر بضغط كبير. فهو يسعى إلى إعالة أولاده الستة.
فأهالي غزة يكافحون لتأمين سبل العيش. والشباب عاجزون عن دفع كلفة زفاف أو شراء بيوت خاصة بهم. وهم يؤجلون الزواج، وتعاظمت في أوساطهم نسب الانتحار، وهي ما لا عهد لغزة به من قبل. وطلاب الجامعة يغادرون صفوفها، فهم عاجزون عن سداد تكاليفها. وفي الجامعة الإسلامية بغزة، ثلث الطلاب لم يعودوا إلى مقاعدهم ولم يتسجلوا هذا الفصل. ولا أمل للمتخرجين في العثور على عمل في مجال تخصصهم. وشارفت البطالة في غزة عتبة الـ50 في المئة، و68 في المئة ممن هم في سن بين العشرين والرابعة والعشرين عاطلون عن العمل، وفق أرقام «مركز التجارة الفلسطيني». وعجلة اقتصاد القطاع لا تدور بعد أكثر من عقد من الحصار الإسرائيلي المحكم على التجارة وحركة المغادرة والدخول من وإلى غزة. ويشعر أهالي غزة بالإحباط، على حد سواء، من حكّام القطاع، أي حركة «حماس» التي أخفقت في توفير الخدمات الأساسية، ومن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية التي قطعت رواتب موظفي غزة.
وحذرت الأمم المتحدة من بقاء الأمور على حالها. ودق مسؤولون أمنيون إسرائيليون ناقوس الخطر في الأشهر الأخيرة، ونبّهوا إلى أن تفاقم الأزمة الإنسانية قد يؤدي إلى انفجار العنف، وتهديد إسرائيل. «نحن على شفير الانهيار الاقتصادي»، يقول القاضي محمد نوفل، وهو ينظر في قضايا محكمة في وسط غزة حيث يتواجه المديونون والدائنون. وغرفة القاضي نوفل القضائية، وهي في مثابة مكتب صغير مليء بالملفات، هي مرآة مصاعب غزة الاقتصادية. فهو واحد من قاضيين في الشؤون المالية في محكمة غزة، ويقول إنه نظر في 12 ألف قضية، في 2017. فعدد الشكاوى ارتفع 50 في المئة عما كان عليه في 2016.
والغزيون في حاجة ماسة إلى قروض صغيرة، لذا، يقتنصون فرص مثل هذه القروض. وغالباً ما يقصد الناس متاجر الأجهزة الإلكترونية. فيشترون بالتقسيط أجهزة تلفزيون أو غسالات، ويبيعونها على الفور ليحصلوا على السيولة. ثم يتأخرون عن سداد ديونهم، وتتفاقم قيمتها وتكبر كرة الثلج. ودرج نبيل أبو عفش على بيع الأثاث في متجره مقابل أقساط أو دفعات شهرية. ولكن الزبائن توقفوا عن تسديد ثمن ما أخذوه، واضطر إلى الاستدانة للتعويض عن خسائره. وباع منزله ليسدد ديونه الخاصة، 90 ألف دولار. واليوم هو مدين لصاحب المنزل ببدل الإيجار. وأمام المحكمة حيث كان ينتظر دوره للدخول، صادف أبو عفش صاحب المنزل، وأشار إليه وهو يتوجه إليّ بالقول: «أنا مدين له بـ3 آلاف دولار»، فصحح صاحب المنزل الرقم وقال: لا بل 4 آلاف دولار». وروى أنه في المحكمة لتقديم شكوى على المتخلفين عن سداد ديونهم ورميهم في السجن. «كنت أملك 100 ألف دولار، ولكن قروضي وصلت اليوم إلى 30 ألف دولار. فاقتصاد غزة ينهار».
وتنسب فكرة التظاهرات الأسبوعية المسماة «مسيرة العودة» إلى أحمد أبو أرتيمة، وهو مناضل شاب مستقل «من دون انتماءات سياسية». ويقول أبو أرتيمة إنه يؤيد حل الدولة الواحدة وتسوية تمنح الفلسطينيين حقوقهم جنباً إلى جنب الإسرائيليين في دولة ديموقراطية. ويقول إن لا غنى عن دعم الأحزاب السياسية الحاكمة في غزة لمسيرة العودة. فهذه الأحزاب «جزء من المجتمع». ولكن حركة «حماس» ترى أن المسيرة جاءت في الوقت المناسب. «وهي قررت قيادة المسيرة من أجل حرف الأنظار عنها أو توجيهها إلى إسرائيل في وقت يتعاظم الغضب والخيبة منها في غزة»، يقول مخيمر أبو ساده، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر في غزة. «حماس تختبر استراتيجية جديدة، بعد أن أدركت متأخرة أننا في المواجهة العسكرية خاسرون. ولكن الحركة لا تتخلى عن المقاومة العسكرية، بل تحاول الجمع بين المقاومة السلمية والمقاومة العسكرية»، يقول أبو ساده.
وعلى رغم أن أعداد المتظاهرين تنحسر مع مرور الأسابيع، عدد التظاهرات يزيد. وإلى اليوم أصيب 1500 فلسطيني بالرصاص في هذه المسيرات. ولكن الأمور على حالها في غزة، والاقتصاد على حاله من الشلل. ويلوح وسام صباح صاحب متجر في غزة يستورد مواد البناء إلى رفح، جنوب غزة، برزمة شيكات استلمها من أشخاص مدينين له بالمال. «هذه أوراق كثيرة، ولكنها من دون رصيد» يقول وهو يتوجه إلى الشرطة للادعاء على أصحابها. وحركة البناء في القطاع متوقفة. فالمساعدات الدولية تتراجع. واستناداً إلى البنك الدولي، لم تتسلم غزة إلا نصف مبلغ 5.4 بليون دولار الذي خصص لإعادة إعمارها في 2014. ولكن وسام صباح وغيره من الغزيين يرون أن الحل الاقتصادي في المتناول. «فحين تقع الحرب، يرانا المجتمع الدولي. وحين يعم الدمار، يبدأ البناء». وهذا حل أقرب إلى فاجعة.
* مراسلة «واشنطن بوست» 23/4/2018، 1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى