شؤون مكافحة الاٍرهاب

لماذا تصاعدت الهجمات الإرهابية في مالي مجدداً؟

 

رغم الجهود التي تبذلها دول منطقة الساحل والصحراء، بالتعاون مع بعض القوى الدولية وفي مقدمتها فرنسا، من أجل تحجيم نفوذ التنظيمات الإرهابية، إلا أن الأخيرة ما زالت لديها القدرة على تنفيذ عمليات إرهابية جديدة، وهو ما بدا جلياً في الهجوم الأخير الذي استهدف معسكراً في ولاية سيغو بوسط مالي، في 26 يناير 2020، وأسفر عن مقتل 20 جندياً من الجيش المالي، على نحو يطرح تساؤلات حول دلالات تصاعد العمليات الإرهابية مرة أخرى في مالي خلال الفترة الأخيرة.

توقيت لافت:

جاء هذا الهجوم الخاطف عقب هجومين وقعا في وسط مالي، في 23 يناير 2020، واستهدفا مجموعة من عناصر الجيش في قرية ديونجان ومعسكراً في قرية بوري بالمنطقة نفسها، على نحو أدى إلى مقتل 11 شخصاً، وذلك حسب البيان الصادر عن الجيش المالي.  كما أنه وقع بعد أقل من أسبوع من التصريحات التي أدلت بها وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، في 21 يناير 2020، والتي أشارت فيها إلى أن “مثلث الحدود بين كل من مالي وبوركينافاسو والنيجر سوف يشهد قريباً عمليات عسكرية جديدة ضد الإرهابيين”، وذلك خلال زيارتها للعاصمة المالية باماكو، في إطار التنسيق الأمني المستمر بين فرنسا ودول المنطقة.

وقد دفع ذلك اتجاهات عديدة إلى ترجيح أن تكون تلك الهجمات التي شنتها التنظيمات الإرهابية بمثابة محاولة من جانبها لإثبات قدرتها على ممارسة أنشطتها وتنفيذ عملياتها رغم كل الإجراءات الأمنية والعسكرية التي تتخذها الدول المعنية بالحرب ضدها.

وقد باتت هذه الحرب تكتسب أهمية خاصة من جانب تلك القوى، وهو ما انعكس في قمة “بو” التي استضافتها فرنسا، في 12 يناير الجاري، وشارك فيها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وقادة دول الساحل الخمس (موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد وبوركينافاسو)، والتي انتهت بإصدار بيان مشترك تضمن الاتفاق على تعزيز التعاون العسكري لمواجهة التهديدات التي تفرضها أنشطة تلك التنظيمات.

دلالات متعددة:

يطرح الهجوم الأخير الذي شهدته مالي دلالات عديدة ترتبط بالمسارات المحتملة للحرب ضد التنظيمات الإرهابية ويتمثل أبرزها في:

1- اتساع نطاق النفوذ “القاعدي”: رغم عدم إعلان أية جماعة إرهابية مسئوليتها عن هذا الهجوم حتى الآن، إلا أن مؤشرات عديدة توحي بأن “حركة تحرير ماسينا” هى التي نفذته، لاسيما أنها تعد من أبرز المجموعات الموالية لتنظيم “القاعدة”، كما أنها عضو في تحالف “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” التي تمثل أكبر تحالف “قاعدي” في العالم، ويمتد نفوذها من وسط مالي إلى الحدود مع موريتانيا في الغرب وبوركينافاسو في الجنوب الشرقي، حيث تمكنت من استغلال الصراعات المتعددة في تلك المنطقة، لاسيما العرقية، في استقطاب أكبر عدد من ممكن من العناصر للانضمام إليها.

وقد أشارت تقارير محلية إلى أن منفذي الهجوم الأخير استولوا على بعض الأسلحة والذخيرة والمعدات العسكرية، وأضرموا النيران في المعسكر الذي استهدفوه قبل انسحابهم، بما يوحي بأن الهجوم كان مخططاً له بشكل مسبق، وأن الجهة المنفذة كانت لديها معلومات وافية عن الموقع المستهدف وربما عدد العسكريين وكمية الأسلحة والمعدات الموجودة فيه، وهو ما يوفره لها الظهير القبلي والاجتماعي الذي تقوم بتكوينه في هذه المنطقة.

2- مهمة صعبة: تواجه الجهود التي تبذلها أطراف عديدة لمحاربة التنظيمات الإرهابية عقبات مختلفة، بدت جلية في التقرير الذي أصدرته الأمم المتحدة، في 15 يناير 2020، والذي أشار إلى أن “الوضع الأمني في مالي ومنطقة الساحل بأكملها يتدهور بمعدل ينذر بالخطر”، بسبب الخبرة التي اكتسبتها تلك التنظيمات التي تسعى إلى تكريس وجودها وسط السكان المحليين. ولا ينفصل ذلك، دون شك، عن إصابة 18 شخصاً من عناصر حفظ السلام التابعين لبعثة الأمم المتحدة في مالي (مينوسما) في هجوم صاروخي استهدف قاعدة عسكرية تضم قوات من الأمم المتحدة وفرنسا ومالي في تيساليت شمالى البلاد، في 9 يناير الجاري. وقد عبر عن ذلك الرئيس البوركيني روش مارك كريستيان كابوري، خلال انعقاد قمة “بو” في فرنسا، حيث قال في هذا السياق أن “النتائج التي تحققت على الأرض لا تسمو إلى مستوى تطلعات السكان”.

3- تداعيات الرفض المجتمعي: ما زالت اتجاهات عديدة داخل دول الساحل تبدي تحفظات مختلفة على الإجراءات الأمنية التي تتخذها الحكومات للتعامل مع التهديدات التي تفرضها التنظيمات الإرهابية، لاسيما فيما يتعلق بالتعاون الأمني مع بعض القوى الدولية، على نحو قد يقيد من الخيارات المتاحة أمام تلك الدول لاحتواء أنشطة التنظيمات الإرهابية خلال المرحلة القادمة. إذ ما زالت بعض المناطق في تلك الدول تشهد مظاهرات ضد الوجود العسكري الفرنسي على سبيل المثال.

4- التنافس “الجهادي”: مع أن تنظيم “القاعدة” ما زال هو الأكبر في منطقة الساحل والصحراء من بين كل التنظيمات الإرهابية الأخرى، إلا أن تنظيم “داعش” أصبح ينافسه بقوة خلال العامين الماضيين، حيث يعد تنظيم “داعش في الصحراء الكبرى”، الذي يبرز نشاطه بشكل واضح في المنطقة الحدودية التي تقع بين النيجر ومالي وبوركينافاسو، هو المنافس الذي يتسع نطاق نشاطه تدريجياً، خاصة بعد أن تمكن من ضم العديد من العناصر الإرهابية التي عادت مرة أخرى من المناطق التي سبق أن سيطر عليها “داعش” في كل من العراق وسوريا خلال الأعوام الخمسة الماضية.

وربما يدفع هذا التنافس التنظيمات الإرهابية إلى رفع مستوى عملياتها الإرهابية خلال المرحلة القادمة للحفاظ على مواقعها ونفوذها الحالي، وتعزيز قدرتها على مواجهة الضغوط التي يتوقع أن تتعرض لها خلال المرحلة القادمة، في حالة ما إذا اتجهت دول المنطقة إلى توسيع نطاق التنسيق فيما بينها، على المستوى الأمني تحديداً.

من هنا، ربما يكتسب تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية في منطقة الساحل والصحراء مزيداً من الاهتمام من جانب القوى الدولية المعنية بالحرب ضدها، لاسيما في حالة ما إذا اتجهت تلك التنظيمات إلى استهداف مصالحها رداً على الضربات القوية التي تتعرض لها من جانبها.

عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة  – 29/1/2020

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى