ترجمات أجنبية

لا مفر من التصادم بين الولايات المتحدة والصين!

  Minxin Pei – The Diplomat

قسم الترجمة * 5/3/2012

بعد أربعين عاماً على زيارة نيكسون الفريدة من نوعها إلى الصين، يبرز تصادم واضح بين البلدين على مستوى الأنظمة السياسية ولا يمكن أن تخفيه المصالح الاقتصادية المشتركة.

 تقل الأحداث الجيوسياسية التي حصلت في القرن العشرين ويمكن مقارنتها بالزيارة التاريخية التي قام بها ريتشارد نيكسون إلى الصين منذ 40 عاماً. اليوم، يتذكر الجميع أن “ذلك الأسبوع الذي غيّر وجه العالم” كان رهاناً جريئاً ضمن ثورة دبلوماسية كانت ناجحة جداً بالنسبة إلى الرئيس الأميركي والولايات المتحدة عموماً. لكن يتضح اليوم أن زيارة نيكسون أطلقت عملية أدت في نهاية المطاف إلى إنهاء العزلة التي فرضتها الصين على نفسها ومهدت لعودة ظهور تلك “المملكة الوسطى” كقوة عظمى. خلال الأربعين سنة الماضية، حققت الصين مكاسب تفوق تلك التي حققتها الولايات المتحدة نتيجة التقارب الصيني الأميركي الاستراتيجي.

 على المستوى الأمني، ساهم هذا التحالف النسبي القائم بين الولايات المتحدة والصين غداة الزيارة الشهيرة في تعزيز قدرة الصين على التصدي للاتحاد السوفياتي الذي حشد بين 30 و40 وحدة عسكرية ضد الصين وكان يفكر بشن ضربة استباقية على منشآت الصين النووية قبل زيارة نيكسون بفترة قصيرة. لا شك أن إشراك الصين في الصراع لإعادة التوازن إلى الوضع والتصدي للاتحاد السوفياتي ساعد الولايات المتحدة على شن الحرب الباردة. لكن الولايات المتحدة كانت لتهزم الاتحاد السوفياتي في نهاية المطاف حتى من دون مساعدة الصين التي كانت محدودة.

 نظراً إلى الاضطرابات السياسية التي رافقت “الثورة الثقافية” (1966-1976)، لم تتضح المكاسب الاقتصادية الناجمة عن التقارب الأميركي الصيني قبل بضع سنوات. لم تبدأ الصين بتقدير الأهمية الاقتصادية التي تطبع روابطها بالولايات المتحدة قبل وصول دينغ زياو بينغ إلى السلطة وقبل الثورة الاقتصادية التي أطلقتها إصلاحاته. لا شك أن دينغ الذكي استوعب تلك الأهمية الاقتصادية تلقائياً. لهذا السبب، كانت الولايات المتحدة أول بلد خارجي يزوره بعد كسبه السلطة السياسية في ديسمبر 1978 (وهو الشهر الذي شهد تطبيع العلاقات رسمياً بين بكين وواشنطن). كان دينغ يدرك أن الإصلاح الاقتصادي وسياسة الانفتاح في الصين لا يمكن أن ينجحا من دون كسب الاستثمارات والتكنولوجيا من الولايات المتحدة. ما كان النموذج الذي ساهم في تقوية الاقتصاد الصيني (زيادة الاستثمار، والانفتاح على الاستثمارات والتجارة الخارجية المباشرة، وتطبيق مبدأ اللامركزية) ليضمن النتائج الإيجابية نفسها لو أغلقت الأسواق الأميركية أبوابها أمام السلع الصينية أو منعت الشركات الأميركية الاستثمار في الصين (كان الوضع كذلك قبل زيارة نيكسون).

في الأسبوع الماضي، بعد أربعة عقود على زيارة نيكسون، صدر الحكم النهائي: تبين أن الصين هي الرابحة الكبرى. لحسن الحظ، لم تخسر الولايات المتحدة بل فاز الفريقان باللعبة الجيوسياسية. لكن حتى في ظل هذا الوضع، لا شك أن الصين حققت مكاسب أكثر من الولايات المتحدة. نظراً إلى تدفق هذه المكاسب النسبية، لا بد من التساؤل عن سبب انتشار مشاعر العداء تجاه الولايات المتحدة في أوساط بعض النخب الصينية اليوم.

كان السبب الذي يفسر العلاقات الأميركية الصينية المشتركة والمفيدة منذ زيارة نيكسون واضحاً جداً: تشارك البلدان مصالح مهمة مثل الحفاظ على الأمن في وجه التهديد السوفياتي خلال الحرب الباردة وتنامي المكاسب الاقتصادية نتيجة التجارة والاستثمارات بعد الحرب الباردة.

في الحالة الطبيعية، يكون الخوف والجشع عاملين كافيين لتعزيز العلاقات الثنائية بين معظم البلدان، لكن لا تنطبق هذه القاعدة على القوى العظمى. من المعروف أن ترسيخ الثقة الاستراتيجية استناداً إلى القيم المشتركة والمؤسسات السياسية المتشابهة هو العامل الأهم لتحديد طبيعة العلاقة بين القوى العظمى. قد تبرز بعض الاستثناءات كما حصل في زمن زيارة نيكسون التي حدثت عندما كانت الصين والولايات المتحدة تواجهان تهديداً أمنياً خطيراً من الاتحاد السوفياتي. لهذا السبب، لم ينزعج نيكسون وهنري كيسنغر (كانا من مؤيدي سياسة إبداء المصالح الوطنية) من طبيعة النظام الصيني في ذلك الوقت. كانت غريزة البقاء (وليس الثقة الاستراتيجية الدائمة) هي التي أجبرت البلدين على التعاون.

أما اليوم، فقد تغيرت بنية العلاقات الأميركية الصينية. على المستوى الأمني، أصبح البلدان أشبه بالمنافسَين بدل أن يكونا حليفين، إذ يعتبر كل فريق أن الطرف الآخر يطرح تهديداً محتملاً عليه ويخطط لاستراتيجيات دفاعية وطنية بناءً على هذا المنطق. لقد أصبحت علاقاتهما الاقتصادية متداخلة وشكلت أساساً صلباً لاستمرار التعاون الثنائي. لكن رغم ذلك برزت بعض المشاكل، وتحديداً بسبب عجز التجارة الثنائية الناجم جزئياً عن تراجع قيمة العملة الصينية والضوابط التي فرضتها الشركات الأميركية لدخول السوق.

 لقد احتدم الصراع الإيديولوجي بين الديمقراطية الليبرالية الأميركية ودولة الحزب الواحد الصينية في السنوات الأخيرة. كل من دافع عن التواصل مع الصين ارتكز في رأيه على الافتراض القائل إن العصرنة الاقتصادية والتكامل الصيني مع الغرب سيساهمان في إحداث تغيير سياسي وتوسيع هامش الديمقراطية في دولة الحزب الواحد. لكن لم تتبلور نظرية “التطور الليبرالي” على أرض الواقع للأسف. بدل تبني سياسة التحرر السياسي، أصر الحزب الشيوعي الصيني على رفض إرساء الديمقراطية وزاد خوفه من الغرب وعدائيته تجاه القيم الليبرالية.

نتيجةً لذلك، لم يبقَ إلا عنصر المصالح الاقتصادية المشتركة فقط من الركائز الثلاث التي تقوم عليها العلاقات الأميركية الصينية (الأمن والاقتصاد والإيديولوجيا). على مستوى الأمن والإيديولوجيا، تزداد حدة التنافس والعداء في العلاقات الصينية الأميركية. من المتوقع أن تتحول المنافسة الاستراتيجية إلى أبرز عنصر يطبع العلاقات الأميركية الصينية في المستقبل المنظور طالما تسيطر دولة الحزب الواحد على السلطة في الصين. لا يصعب تحديد السبب الكامن وراء هذا الوضع. بما أن الثقة الاستراتيجية الحقيقية مستحيلة بين الولايات المتحدة المبنية على القيم الديمقراطية الليبرالية والصين القائمة على دولة الحزب الواحد، ستزداد حدة المنافسة الأمنية بين الولايات المتحدة والصين. يجب ألا يتذمر القادة الصينيون من مشكلة “نقص الثقة” لأنهم يدركون سبب وجودها. على صعيد آخر، تختلف الأنظمة الاقتصادية السياسية في الديمقراطية الليبرالية (التي تفضل المنافسة الحرة) عن تلك المعتمدة في الأنظمة الاستبدادية (التي تفضل فرض سيطرة الدولة). من المعروف أن هذه الاختلافات المؤسساتية مسؤولة عن السياسات الاقتصادية التي ستتصادم في ما بينها لا محالة. بالتالي، يبدو أن خطر انهيار المصالح الاقتصادية المشتركة بين الولايات المتحدة والصين نتيجة تصادم أنظمتهما السياسية هو واقع ملموس.

 قد لا تكون هذه التوقعات التشاؤمية بشأن مستقبل العلاقات الأميركية الصينية مناسبة لإحياء الذكرى الأربعين لزيارة نيكسون إلى الصين. لكن إذا اقتنع الجميع بأن استمرار حكم الحزب الواحد في الصين (وليس الرغبة الأميركية في احتواء هذه القوة الناشئة) هو العائق الأساسي أمام متابعة التعاون وعلاقات الصداقة بين الصين والولايات المتحدة في المستقبل المنظور، سيستفيد الصينيون كثيراً لأنهم سيدركون هذا الواقع ويحاولون تغييره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى