لا تستطيع أميركا التعامل مع الملف الإيراني وحدها
ريتشارد هاس* – نيويورك – 27/11/2017
في مسألة الاتفاق النووي الإيراني، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ما كان متوقعاً: أنه لن يصدق على أن إيران تمتثل لخطة العمل الشاملة المشتركة التي وقعت عليها الولايات المتحدة، والصين، وروسيا، وفرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة، وإيران في تموز (يوليو) 2015، ولن يشهد بأن تعليق العقوبات الأميركية كجزء من الاتفاق له ما يبرره ويصب في المصلحة الوطنية الأساسية للولايات المتحدة.
من المهم إيضاح أن مثل هذه التصديقات أو الشهادات غير مطلوبة بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة. ولكنها مطلوبة كل تسعين يوماً بموجب قانون استنه الكونغرس الأميركي فور توقيع الاتفاق. ومن الضروري أن نؤكد أيضاً أن ترامب لم ينسحب من خطة العمل الشاملة المشتركة ذاتها، بل اختار حلاً وسطاً: فهو يبين بوضوح ازدراءه للاتفاق بدون أن يتركه أو يعيد فرض العقوبات التي أزيلت كجزء منه (وهي الخطوة التي تساوي عملياً انسحاب الولايات المتحدة).
من غير الواضح ما الذي قد يحدث بعد ذلك. ومن المفترض أن يقرر الكونغرس في غضون ستين يوماً ما إذا كان سيعيد فرض بعض أو كل العقوبات المعلقة، ولكن من غير المرجح أن يفعل الكونغرس ذلك. ولكنه ربما يستحدث عقوبات جديدة ترتبط بسلوك إيران في سورية أو أي مكان آخر في المنطقة. وتماشيا مع هذا الاتجاه، أعلن ترامب اعتزامه فرض عقوبات إضافية على الحرس الثوري الإسلامي في إيران.
ولكن، في حال فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة لأي غرض في أي وقت، فمن المحتمل أن تجد نفسها وحدها. فمن غير المرجح على الإطلاق أن ينضم إليها الأوروبيون أو الصين أو روسيا، ليس فقط بسبب المصلحة الذاتية المالية، بل وأيضا لأن إيران تمتثل لخطة العمل الشاملة المشتركة. وهي النقطة التي أثبتها المفتشون الدوليون العاملون تحت رعاية الأمم المتحدة، فضلا عن مجموعة من كبار المسؤولين الأميركيين، وبينهم وزير الدفاع جيمس ماتيس.
من الحماقة أن نزعم، كما يفعل بعض الأميركيين، أن إيران لا تمتثل لروح خطة العمل الشاملة المشتركة: ذلك أن “الروح” تعبير بلا مركز قانوني. وفي حين أنه من الإنصاف أن نقول إن الكثير من تصرفات إيران في المنطقة هي سبب مشروع للقلق، فإن هذا ليس أساساً معقولاً لإعادة فرض العقوبات بموجب الاتفاق.
ربما يكون من المغري كفكرة مجردة إعادة التفاوض على خطة العمل الشاملة المشتركة لتمديد سريان العديد من القيود التي تفرضها، وجعل التفتيش أكثر تطفلاً، وتوسيع نطاق تغطيتها بحيث تشمل الصواريخ. ولكن هذا غير قابل للتطبيق في الممارسة العملية على الإطلاق، ذلك أن إيران وأغلب (أو كل) الأطراف الأخرى الموقعة على خطة العمل الشاملة المشتركة سوف ترفض هذه المطالب. وبالتالي فإن التهديد بإنهاء مشاركة الولايات المتحدة في خطة العمل الشاملة المشتركة، في حال عدم إجراء هذه التغييرات، فارغ أو متعارض تماما مع المصلحة الذاتية إذا جرى تنفيذه.
ليس المقصود من أي من هذا الزعم بأن خطة العمل الشاملة المشتركة اتفاق جيد. ومع ذلك فإن قرار ترامب بعدم التصديق كان غير مبرر وغير مدروس. كان الاتفاق نتيجة جهد جماعي. والآن ربما يتسبب الانفراد الأميركي بالقرار في زيادة محاولات تشكيل جبهة مشتركة ضد إيران صعوبة في المستقبل.
كما يُعَد هذا التحرك من قِبَل ترامب ضارا بالسياسة الخارجية الأميركية. فلابد أن يكون افتراض الاستمرارية قائما إذا كان لأي قوة عظمى أن تظل عظمى. وربما يوفر عدم القدرة على التنبؤ بتصرفات هذه القوة نوعا من الميزة التكتيكية، ولكنه يمثل أيضاً عائقاً استراتيجياً.
وهنا، بوسعنا أن نتبين صلة واضحة بقضية كوريا الشمالية. فعند نقطة ما، ربما تقرر الولايات المتحدة أن الدبلوماسية يمكن أن تلعب دوراً في إدارة التحديات النووية والصاروخية الكورية الشمالية. ولكن قدرة أميركا على تقديم مسار دبلوماسي جدير بالثقة ربما تتقوض بشكل خطير إذا رأى آخرون أنها ليست محل ثقة عندما يتعلق الأمر بالتزامها باتفاقاتها.
وهناك أيضا مشكلة أكثر إلحاحاً: فإذا حركت الولايات المتحدة ديناميكية تُفضي في النهاية إلى فسخ خطة العمل الشاملة المشتركة، فاستأنفت إيران أنشطتها النووية المحظورة الآن بموجب الاتفاق، فسوف تندلع أزمة طاحنة في وقت تنشغل فيه الولايات المتحدة بشكل كامل مسبقاً بمسألة كوريا الشمالية.
ومن الخطأ أيضاً، على الرغم من هذه الاعتبارات، أن نصب كل تركيزنا على الإعلان الأميركي وليس أيضاً على السلوك الإيراني. ففي الأمد القريب، يحتاج العالَم إلى التعامل مع إيران بوصفها قوة إمبراطورية تسعى إلى إعادة تشكيل مساحات شاسعة من الشرق الأوسط على هيئتها. ومن الأهمية بمكان في هذا الصدد الاستعانة بسياسة الاحتواء في التعامل مع إيران في مختلف أنحاء المنطقة -بما في ذلك دعم الأكراد في شمال العراق وسورية، فضلا عن مجموعات ودول أخرى تقاوم إيران.
في الأمد الأبعد، يتمثل التحدي في التعامل مع العيوب التي تشوب خطة العمل الشاملة المشتركة، وفي المقام الأول من الأهمية الفقرات الخاصة بانتهاء العمل بها. فقد “أوقف” الاتفاق المشكلة النووية ولكنه لم يحلها. وسوف ينتهي العمل ببنود مهمة في الاتفاق في غضون ثماني سنوات إلى ثلاثة عشر عاماً. وعندما يحين ذلك الوقت، لن تمنع عمليات التفتيش إيران من إنشاء العديد من ضروريات برنامج الأسلحة النووية التي يمكن تشغيلها في غضون فترة وجيزة.
لا يجوز لنا أن نفترض، كما يفعل بعض الناس، أن نوايا إيران وسلوكياتها ربما تعتدل على مدار العقد المقبل أو ما إلى ذلك. فعلى العكس من ذلك، من المرجح أن تظل إيران نظاماً مختلطا حيث تتعايش الحكومة مع سلطة دينية دائمة ومع قوات عسكرية عاتية ووحدات استخباراتية تمارس قدراً كبيراً من النفوذ السياسي وتعمل خارج سيطرة الحكومة إلى حد كبير.
وهكذا، فإن التعامل مع إيران الطموحة القوية ينطوي على طائفة واسعة من التحديات المفتوحة الأخرى التي تحدد معالم الشرق الأوسط المضطرب دوماً. ولكن، في غياب خطة العمل الشاملة المشتركة، تُصبِح هذا التحديات أشد صعوبة.
*رئيس مجلس العلاقات الخارجية. عمل سابقاً مديراً لتخطيط السياسة في وزارة الخارجية الأميركية، من بين مناصب أخرى.
*خاص بـ “الغد”، بالتعاون مع “بروجيكت سنديكيت”.