#شوؤن دولية

كيف نفسر الانهيار التاريخي لأسعار النفط الخام الأمريكي؟

  • يستمر انهيار سوق النفط بالاتساع والتضخم وإدارة وجهه السيء للمتداولين. ولم يقتصر الانهيار على عقود مايو التي تنتهي صلاحيتها اليوم والتي انهارت لمنطقة سلبية بضغط من مخاوف تراجع السعة التخزينية للعالم.
  • في سابقة تاريخية من نوعها، هبط خام غرب تكساس الوسيط حد -37 دولار للبرميل، قبل التعافي قليلًا نحو سعر 1.5 دولار. أمّا بالنسبة لعقود يونيو الجديد انهارت هي الأخرى خلال تداولات يوم الثلاثاء لتسجل سعر 11.79 دولار للبرميل، قبل التعافي نحو 14.35 دولار للبرميل، بنسبة هبوط تتجاوز 22%.
  • وبامتداد الصدمة لخامي برنت وغرب تكساس بعقوده الجديدة يوضح عمق الصدمة والاضطراب في سوق النفط الآن. استمر السوق طوال شهر مارس مع فائض إنتاجي يومي يصل لـ 14 مليون برميل، وترى الشركة البحثية ريستاد إنيرجي أن المستودعات الأمريكية ستنفذ مساحاتها التخزينية بحلول منتصف مايو، في حين تتوقع جهات بحثية أخرى امتلائها خلال الأسبوع الأول من شهر مايو.
  • سيشعر المنتجون بالألم طويلًا مما حدث يوم الاثنين من سقوط حر لسوق النفط لو يوقفه أحد، والدليل على هذا ما يشهده السوق من هبوط خلال اللحظات الحالية. وبالتالي فالقادم أسوأ.
  • يقول أوليفر جايكوب من بيتروماتريكس: “لدى رؤيتنا الأسعار السلبية للمرة الأولى تاريخيًا ستتغير حدود الهبوط تمامًا من الآن فصاعدًا.” “ما حدث يوم أمس بالغ السوق بما سيعكسه من تضرر للثقة في سوق العقود الآجلة على المدى الطويل. لن يعود التداول لطبيعته، فما حدث هو صدمة للثقة.”

كيف نفسر الانهيار التاريخي لأسعار النفط الخام الأمريكي؟

الإجابة بقلم الخبير الاقتصادي عبد الحميد ماهر ٢١-٤-٢٠٢٠

يمكن تفسير الانهيار التاريخي في أسعار النفط الخام الأمريكي يوم الإثنين إلى ما دون الصفر، صدق أو لا تصدق بكلمة “عدم المرونة”.
أي ان الطلب على النفط غير مرن، ولا يستجيب بشكل كبير للتغيرات في الأسعار على المدى القصير.
حيث يعد إغلاق بئر منتجة أمراً مكلفاً لذا فإن بعض المنتجين على استعداد لمواصلة ضخ النفط الخام مؤقتاً حتى عند الخسارة.
عادةً ما يكون التخزين هو المخزن المؤقت الذي يعمل على استقرار الأسواق غير المرنة، وإذا تجاوز العرض الطلب يذهب الفائض إلى الخزانات.
لكن الإنتاج الزائد استمر لفترة طويلة بحيث لم يعد هناك مكان تقريباً لتخزين الخام، وهو ما حدث بسبب تراجع الطلب مع أزمة فيروس كورونا.
تحطمت الأسعار إلى ما دون الصفر للمرة الأولى في التاريخ حيث تسبب جائحة فيروس كورونا في انهيار الطلب العالمي، وهذا وضع البائعين في حالة الدفع للمشترين المستعدين لاستلام النفط الخام لأنه لا يوجد مكان لتخزينه.

إنهيار تاريخي لأسعار النفط الخام الأمريكي الآجلة بالمستويات السلبية بعد ارتفاع تخمة المعروض

إنهيار تاريخي لأسعار النفط الخام الأمريكي الآجلة بالمستويات السلبية بعد ارتفاع تخمة المعروض

استعادت أسعار النفط للعقد الآجل لشهر مايو بعض الخسائر لكنها بقيت في المنطقة السلبية قلب انتهاء صلاحيتها اليوم الثلاثاء، وذلك بعد أن لمست أدنى مستوى قياسي عند سالب 40.32 دولار للبرميل في الجلسة السابقة. بينما تستمر سلسلة الإنهيار مع تداول عقد شهر يونيو الذي تداول بالقرب من 11.80 دولاراً للبرميل مع هبوط ما يقارب 43% خلال جلسات اليوم. كذلك تراجع نفط برنت أكثر من 27% خلال جلسات اليوم ليتداول عند مستوى 18.10 دولاراً للبرميل، وهو أقل مستوى يشهده منذ عام 2002.
هذا الانهيار التاريخي في أسعار النفط الخام يغلق الباب أمام انتعاش سوق الائتمان، وتراجع المستثمرين بينما يحاولون التعامل مع أحدث ضربة للمشاعر. حيث تراجعت سندات شركات النفط الأوروبية الكبرى بما في ذلك Total SA و Royal Dutch Shell Plc و BP Plc في منتصف التعاملات الصباحية.

انهيار الأسعار يطول عقد النفط الخام لشهر يونيو ويضغط على نفط برنت أيضاً خلال جلسات اليوم

انهيار الأسعار يطول عقد النفط الخام لشهر يونيو ويضغط على نفط برنت أيضاً خلال جلسات اليوم

أما الخطر الأكبر حالياً سيكون على المدى الطويل في حالة استمرار تلك الأزمة الصحية، وعدم التراجع عن حرب اسعار النفط الدائرة بين أكبر المنتجين مما سيكون كل من العرض والطلب أكثر مرونة.
يمكن أن تكون الأسعار سلبية تماماً في الأسواق غير المرنة ويدفع البائعون للمشترين لأخذها، ولكن الرهان على سوق النفط غير المرن هي لعبة خطيرة. فليس هناك ما يضمن بقاء أسعار الأشهر الأخيرة مرتفعة ما لم ينخفض ​​الإنتاج بشكل حاد، أو يرتفع الطلب مما سيكون هناك ضغط هبوطي قوي. حيث لن يشتري احد النفط الذي لا يمكنهم استخدامه على الفور إذا لم يكن لديهم مكان لتخزينه، وهذا بغض النظر عن مدى انخفاض السعر.
لذلك نوضح للمتداول بعض الأجوبة الخاصة بما يحدث حالياً بسوق النفط، وهي العامل الأساسي بما يحدث حالياً:

ماذا يعني أسعار سلبية للنفط؟
قد هلكت أسعار النفط مع انهيار الطلب على النفط بعد عمليات الإغلاق بسبب وباء فيروس كورونا، وحرب الأسعار بين أكبر المنتجين في العالم التي أغرقت السوق. أيضاً مع إمتلاء مرافق التخزين التي اقتربت من قدراتها النهائية، والإيقاعات الشهرية لسوق العقود الآجلة التي تلعب دوراً في تلك التنمية المذهلة. مع ذلك، فإن ما حدث في سوق النفط كان بمثابة تحول سلبي هائل وغير مسبوق حيث انخفض سعر العقود الآجلة لخام غرب تكساس تسليم شهر مايو إلى سالب 40.32 دولار للبرميل. حيث نظراً للظروف القاسية دفعت بعض الشركات المنتجة والبائعة للنفط الدفع للمشترين نفطها، وهذا بسبب عدم توفر إمكانية لتخزين منتجها.

لماذا يدفع البائع للمشتري ليأخذ نفطه؟
بالنسبة لبعض المنتجين على المدى الطويل أنه من الأرخص أن يدفع لشراء نفطه بدلاً من وقف الإنتاج، أو أن يعثر على مكان لتخزين المنتج المتدفق خارج الأرض. كما يشعر الكثيرون بالقلق من أن إغلاق آبارهم قد يؤدي إلى تلفها بشكل دائم مما يجعلها غير اقتصادية في المستقبل. هناك أيضاً متداولون يشترون العقود الآجلة للنفط كمراهنة على تحركات الأسعار، وهم الذين ليس لديهم نية استلام البراميل. وهم من قد يواجهون انخفاض حاد في الأسعار ليكونوا أمام خيار العثور على التخزين أو البيع بخسارة، وذلك بسبب وفرة النفط المتصاعدة التي جعلت مساحة التخزين شحيحة ومكلفة بشكل متزايد.

كيف حدثت هذه التخمة بالمعروض؟
إما أن يكون الوباء أو حرب الأسعار في حد ذاتها قد هزت أسواق الطاقة معاً، وانقلب هذا عليهم رأساً على عقب.
حيث عندما بدأ الفيروس ينتشر في جميع أنحاء العالم ليبدأ تآكل الطلب على النفط على مراحل وزيادة تخمة المعروض، (..). فمن جهة الوباء رأينا هذا على الإقتصاد الصيني وما أحدثة الإغلاق الإقتصادي ليتراجع معدل النمو السنوي بالربع الاول من عام 2020 إلى أقل مستوى قياسي. الذي أدى أيضاً لتراجع الطلب على النفط الخام من أكبر مستورد في العالم وهي الصين، وذلك بسبب توقف النشاط الصناعي بسبب فيروس كورونا.

تراجع معدل النمو في الصين لأقل مستوى بسبب أزمة فيروس كورونا مما يظهر تراجع الطلب على النفط

تراجع معدل النمو في الصين لأقل مستوى بسبب أزمة فيروس كورونا مما يظهر تراجع الطلب على النفط

أما من جهة حرب الأسعار رأينا هذا مع السعودية وروسيا أحد أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم بعد لعبة تكسير الرؤوس. حيث انهارت الاتفاقية التي قيدت الإنتاج وفتح كلا البلدين الصنابير على أكمل وجه، وأطلقا كميات قياسية من الخام في السوق.

ماذا حدث للتخزين؟
منذ أن بدأت وفرة الإنتاج وبدأت الأسعار في الانخفاض كانت مرافق التخزين تتجه نحو السعة القياسية، وقفزت مخزونات الخام في كاشينغ في أوكلاهوما.
حيث تعتبر منطقة أكبر مركز تخزين رئيسي في أمريكا ونقطة التسليم لعقد غرب تكساس الوسيط بنسبة 48٪ إلى ما يقرب من 55 مليون برميل منذ نهاية فبراير حتى بداية أبريل.

مخزونات النفط في مركز التخزين بأكلاهوما تتراكم بسرعة وسط تدمير الطلب

مخزونات النفط في مركز التخزين بأكلاهوما تتراكم بسرعة وسط تدمير الطلب

أيضاً تقوم بتجميع الإمدادات على متن السفن ووصولها لمستويات كبيرة، والذي وسع التفكير في خيارات إبداعية أخرى مثل تخزين النفط على متن ناقلات السكك الحديدية.
سعى الرئيس “دونالد ترامب” لمساعدة شركات النفط الأمريكية من الأسعار المنخفضة القياسية، وقال إنه يريد إضافة ما يصل إلى 75 مليون برميل من النفط إلى احتياطي البترول الاستراتيجي في البلاد. مستفيداً بهذا من انخفاض الأسعار القياسية للخام، وأنه أيضاً سينظر في حظر واردات الخام من المملكة العربية السعودية.
بعد ان بلغت صادرات المملكة العربية السعودية من النفط الخام هذا الشهر حوالي 9.7 مليون برميل في اليوم حتى 16 أبريل. حيث أن المملكة تحافظ على شحنات عالية قبل بدء تخفيضات “أوبك +” الجديدة في مايو، وهذا الانتاج شهد زيادة كبيرة مقارنة بمقدار 6.9 مليون برميل في اليوم خلال نفس الفترة من مارس. كما تتطلع إدارة “ترامب” التي تشعر بالقلق من التأثيرات المحتملة المترتبة على إفلاس النفط الأمريكي، وحدوث هذه الوفرة بعقود نفط مايو فماذا ممكن ان يحدث مع العقد الجديد في يونيو. مما يزيد الضغط أيضاً على حفارات النفط الصخري الأمريكي لخفض الانتاج مع إمتلاء المخزون، وإلا لن يكون هناك سيناريو واحد وهو الإفلاس مع استمرار انخفاض الاسعار لتلك المستويات. حيت تراجعت معدل الحفارات للنفط الصخري الأمريكي بشكل كبير من منتصف مارس مع ما يقارب نسبة 36%.

حفارات النفط الصخري الأمريكي تتراجع لأقل مستوياتها في 4 منذ 2016 بسبب تراجع اسعار النفط الخام

حفارات النفط الصخري الأمريكي تتراجع لأقل مستوياتها في 4 منذ 2016 بسبب تراجع اسعار النفط الخام


ماذا حدث لإتفاق “أوبك+”؟

نعم تم التوصل إلى التوصل لإتفاق تاريخي من قبل أوبك وحلفائها مع وروسيا والولايات المتحدة ومجموعة الدول العشرين، ولكن اتفاقهم لخفض الإنتاج الكلي ما يقارب بنسبة 10٪ سوف يبدأ سريانه في بداية شهر مايو.
أصبحت الأسعار في مستويات سلبية لتستقر في الزوايا الغامضة، وهو ما يضع تلك الإتفاقية ونسبة خفض الانتاج محل شك أي أنها قليلة جداً ومتأخرة أيضاً.
أيضاً يبدو انه حتى لو نفذ أعضاء “أوبك+” بالكامل حصتهم من التخفيضات المتفق عليها، وهو افتراض هش نظراً لأن الكثيرين يميلون إلى الغش فسيظلون ينتجون أكثر مما تتطلبه السوق في الربع الثاني.
ووفقاً لتقرير شهري صادر عن أوبك سيكون هناك إستهلاك ما يقل قليلاً عن 20 مليون برميل يومياً في المتوسط ​​من منظمة البلدان المصدرة للنفط في الربع الثاني، وهو ما يعتبر أدنى مستوى في 30 عاماً.
في حين خفضت مجموعة أوبك توقعات الطلب العالمي على النفط هذا العام إلا أن تقديراتها لا تزال أكثر تفاؤلاً بكثير من تقديرات وكالة الطاقة الدولية.
حيث توقعت أوبك انكماش الطلب العالمي على النفط بمقدار 6.8 مليون برميل يومياً في عام 2020، وبينما توقعت وكالة الطاقة الدولية انخفاضاً يزيد قليلاً عن 9 ملايين برميل يومياً.

إختلاف التقديرات بين وكالة الطاقة الدولية وأوبك وأكبر شركات الطاقة على طلب النفط في 2020

إختلاف التقديرات بين وكالة الطاقة الدولية وأوبك وأكبر شركات الطاقة على طلب النفط في 2020

من هنا نوضح ان الوضع الإقتصادي العالمي الحالي مع إستمرار جائحة فيروس كورونا يضرب بعرض الحائط تلك الإتفاقية، وذلك بسبب ان الإغلاق الإقتصادي يقتل الطلب على النفط. وقد لا نرى ارتداد سريع بالأسعار في الربع الثاني إلا مع عودة الطلب بشكل كبير، والتحرك للزيادة من مستويات خفض الإنتاج والألتزام بشكل جماعي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى