كيف تمهد واشنطن لغزو دمشق
مركز الناطور للدراسات والابحاث احتلت فعاليات الحدث الاحتجاجي السياسي السوري موقع الصدارة في كافة المجالات الإقليمية والدولية، وفي هذا الخصوص، فقد سعت الأغلبية العظمى من الخبراء والمراقبين والمحللين السياسيين لجهة إعداد الدراسات والبحوث والتحليلات التي حاولت فهم حقيقة خلفيا ووقائع وتطورات فعاليات هذا الحدث، ومن أبرز الأمثلة، نشير إلى مساهمات الخبير الكندي بروفيسور الاقتصاد السياسي ميشيل خوسودوفيسكي، فكيف نظر خوسودوفيسكي إلى الحدث السوري، وإلى أي مدى نجحت جهوده في تسليط الضوء على أبعاد الحدث السوري. * المقاربة الأولى: حرب الشرق الأوسط ـ آسيا الوسطى تحدث البروفيسور خوسودوفيسكي في مقدمة مقاربته الأولى، مشيراً إلى حديث مسؤول عسكري رفيع المستوى في البنتاغون (وزارة الدفاع الأمريكية) وتحديداً في عام 2005م، والذي أكد فيه بشكل صريح لجهة أن واشنطن قد بدأت مشروع حرب واسعة، شكلت أفغانستان محطتها الأولى والعراق محطتها الثانية وتبقت حروب سوريا ـ لبنان ـ ليبيا ـ الصومال ـ والسودان، وأضاف خوسودوفيسكي بأن صاحب هذا الحديث هو الجنرال الأمريكي ويسلي كلارك. ركز خوسودوفيسكي في هذه المقاربة على توصيف أجندة سيناريو الحرب الذي تم إعداده قبل بضعة سنوات بواسطة خبراء البنتاغون، وفي هذا الخصوص فقد تضمنت خارطة طريق حرب البنتاغون، النقاط الآتية: • بدأ البنتاغون في التخطيط للحروب التدخلية العدوانية المحتملة ضد سبعة دول (أفغانستان ـ العراق ـ سوريا ـ لبنان ـ ليبيا ـ الصومال ـ السودان) في منتصف تسعينيات القرن الماضي. • ركزت مخططات عملية تعبئة الموارد الحربية على الجمع بين قدرات الولايات المتحدة وقدرات حلف الناتو. • بناء عمليات التعبئة الفاعلة السلبية ضد الدول السبع عن طريق استخدام حملات بناء الذرائع، وبناء عمليات التصعيد العدوانية. • سعت المخططات إلى اعتماد خارطة طريق تتضمن السيناريوهات الحربية ضد كل واحدة من الدول السبعة ضمن سياق تراتبي متسلل بحيث كلما انتهت واحدة من هذه الحروب، يتم التحكم في نتائجها لتقود تلقائياً إلى الحرب ضد الدولة التالية لها. هذا، وبالنسبة لسوريا، فقد أشار خوسودوفيسكي إلى النقاط الآتية: • التحضيرات والترتيبات لجهة شن حرب عدوانية ضد سوريا وصلت إلى مرحلة متقدمة منذ بضعة سنوات. • تم ربط مخطط الحرب ضد سوريا بمخطط الحرب ضد إيران. • تم إعداد وإجازة قانون محاسبة سوريا وسيادة لبنان، بواسطة الكونغرس الأمريكي كخطوة أولى توفر الإسناد لآليات السلوك السياسي الاقتصادي الدبلوماسي العدواني ضد سوريا. • الربط بين مفهوم محاسبة سوريا ومفهوم سيادة لبنان فالقصد منه إدخال سوريا ولبنان ضمن مسرح حربي واحد، وهو المفهوم الإجرائي الذي يخدم فعاليات الخطة القائمة على استهداف دمشق وحلفاءها اللبنانيين في وقت واحد وبشكل متزامن. تأكيداً لهذه النقاط، أشار البروفيسور خوسودوفيسكي إلى أن الرئيس الأمريكي الجمهوري السابق جورج دبليو بوش، أشار صراحة في مذكراته التي نشرها مؤخراً لجهة أنه أصدر الأمر التنفيذي للبنتاغون، لجهة القيام بوضع خطة الهجوم العسكري الأمريكي ضد إيران. وفي نفس الوقت يجب أن تتضمن خطة الهجوم، خطة متزامنة معها لجهة القيام بمهاجمة سوريا. وإضافة لذلك أشار البروفيسور خوسودوفيسكي قائلاً بأن خطة الهجوم العسكري الأمريكي ضد إيران، والتي سوف تتزامن بعمليات عسكرية أمريكية موجهة ضد سوريا ولبنان، هي خطة أكدت على أن تنتهي هذه الحرب بعملية غزو عسكري برية تقوم فيها القوات الأمريكية باحتلال سوريا ولبنان. * المقاربة الثانية: نشر فرق الموت في سوريا والعراق سعى البروفيسور خوسودوفيسكي في هذه المقاربة، لجهة الربط المنهجي بين فعاليات المسرح العراقي الجارية، وفعاليات المسرح السوري التي تشكلت بداياتها على خلفية الحدث الاحتجاجي السوري الجاري حالياً، وفي هذا الخصوص أشار خوسودوفيسكي إلى وجود عاملين يجري استخدامهما حالياً وبشكل مكثف من أجل توسيع نافذة انكشاف دمشق، وصولاً إلى إضعاف قدراتها بأكبر ما يمكن، وفي نفس الوقت تعبئة الرأي العام الداخلي والخارجي ضدها بأكبر ما يمكن، والعاملين هم: • متغير الاستهداف الإعلامي السلبي المرتفع الشدة. • متغير الاستهداف المجتمعي الداخلي السلبي المرتفع الشدة، بما يتضمن انتشار الأسلحة وإنفاذ عمليات القتل بواسطة فرق الموت السرية بما يتيح رفع مستويات مخزونات الكراهية والبغضاء. هذا، ووصف خوسودوفيسكي وجود السفير الأمريكي روبرت فورد في دمشق على أساس اعتبارات أنه مؤشر يفيد لجهة أن مخطط استهداف سوريا قد أصبح عند نقطة مفترق الطرق، وذلك لأن السفير روبرت فورد هو أحد الدبلوماسيين الأمريكيين الذين يتميزون بالخبرات الكبيرة في مجالات تقنيات التضليل الإعلامي ونشر فرق الموت وإدارة فعاليات العمليات السرية، وذلك لأنه أولاً وقبل كل شيء التلميذ النجيب الذي تلقى التدريب على يد السفير الأمريكي جون نيغروبونتي الذي روع السلفادوريين والعراقيين بفعاليات فرق الموت، إضافة إلى أن وجود روبرت فورد في دمشق يتزامن مع حدث آخر لا يقل خطورة عنه وهو وجود الجنرال ديفيد بترايوس على قيادة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، الأمر الذي يعزز فرصة الجنرال بترايوس في تنفيذ العمليات السرية التي سبق أن وضع نماذجها السفير نيغروبونتي ومساعده روبرت فورد في العراق. وقام قائد القوات الأمريكية في العراق آنذاك الجنرال ديفيد بترايوس بتنفيذها على أرض الواقع العراقي. * المقاربة الثالثة: تحالف تنظيم القاعدة ـ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ضد سوريا أكد البروفيسور خوسودوفيسكي قائلاً بأن فعاليات الحدث الاحتجاجي السوري، تحمل بعض الملامح لجهة التشابه مع فعاليات الحدث الاحتجاجي الليبي، وفي هذه الخصوص يمكن ـ برغم الخلافات والتباينات ـ الإشارة إلى نقاط التشابه الآتية: • الدوافع: شكلت وقائع الحدث الاحتجاجي التونسي، والحدث الاحتجاجي المصري، قدراً كبيراً من محفزات حركة الاحتجاجات الليبية وحركة الاحتجاجات السورية. وبكلمات أخرى، فقد انتقلت عدوى الاحتجاجات التونسية والمصرية إلى معظم دول الشرق الأوسط، والتي بالضرورة من بينها ليبيا وسوريا. • التوقيت: اندلعت فعاليات حركة الاحتجاجات الليبية والسورية بشكل متقارب. • المذهبية: القوى التي نفذت الاحتجاجات الليبية تتميز بانتماءاتها الدينية الإسلامية ذات التوجهات والنزعات السلفية الوهابية، ونفس الشيء ينطبق على القوى التي نفذت حركة الاحتجاجات السورية. • المساندة: وجدت الاحتجاجات الليبية مساندة السعودية ودول الخليج، إضافة إلى مساندة أمريكا وفرنسا وبريطانيا، ونفس الشيء ينطبق على الاحتجاجات السورية. • التدخل الخارجي: تم تنفيذ عملية تدخل خارجي دولي ـ إقليمي لجهة تعزيز فعاليات الاحتجاجات الليبية وذلك بواسطة جامعة الدول العربية، ومجلس الأمن الدولي، والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى تدخل حلف الناتو عسكرياً. وبالنسبة للاحتجاجات السورية، سعت القوى الخارجية لإنفاذ نفس فعاليات سيناريو تدخلها في ليبيا، ولكن ذلك لم يحدث بسبب معارضة روسيا والصين داخل مجلس الأمن. إضافة إلى قدرة التماسك العالية التي تميز بها الجيش السوري، والذي لم تنجح كل الضغوط الداخلية والإقليمية والدولية في المساس بوحدته، بعكس ما حدث في ليبيا. والتي شهدت عمليات انشقاق واسعة في صفوف المؤسسة العسكرية ـ الأمنية الليبية، فقد انشق وزير الدفاع الليبي عبد الفتاح يونس، وموسى كوسا وزير الخارجية ومصطفى عبد الجليل وزير العدل، إضافة إلى نخبة كبيرة من قادة الجيش والشرطة والأمن. تحدث البروفيسور خوسودوفيسكي قائلاً بأن تحالف تنظيم القاعدة ـ وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قد قطع شوطاً كبيراً من خلال تنفيذ سيناريو التدخل الخارجي في الحرب ضد ليبيا، فقد شكلت عناصر القاعدة قوام القوات البرية، وشكل حلف الناتو قوام القوات الجوية. تقول المعلومات والتسريبات، بأن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، قد سعت إلى تنسيق تحالفها مع تنظيم القاعدة عن طريق المنظمات الخيرية الوهابية ـ السلفية الناشطة في باكستان وأفغانستان وبعض الدول العربية ودول آسيا الوسطى، وفي هذا الخصوص فقد سعت هذه المنظمات لجهة القيام بدور حث العناصر الجهادية السلفية لجهة الانخراط في فعاليات الجهاد ضد نظام القذافي العلماني ـ الليبي، وتمت عمليات النقل والترحيل والدعم تحت رعاية وإشراف وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ونفس الشيء يتم حالياً ضد سوريا. إضافة إلى المزيد من التوقعات بأن يتم نقل عدد أكبر من الجهاديين من مسارح المواجهة القريبة من سوريا، وعلى وجه الخصوص: المسرح العراقي، والمسرح اللبناني، والمسرح الأردني، والمسرح الفلسطيني. إضافة إلى المناطق الأخرى التي توجد فيها فعاليات تنظيم القاعدة وحلفاءه السلفيين. وإضافة لذلك، فما هو جدير بالاهتمام يتمثل في إشارة مقاربة البروفيسور خوسودوفيسكي إلى الدور التركي، قائلاً بأن أنقرا سوف تقوم خلال الفترة القادمة بدور مركز القيادة والسيطرة الذي سوف يشرف على إدارة فعاليات استهداف دمشق. ولجهة التأكيد أكثر فأكثر على ذلك أشار خوسودوفيسكي إلى أن التغييرات الأخيرة المفاجئة في قيادة المؤسسة العسكرية التركية قد تمت ضمن سيناريو يعكس محتواه بشكل واضح نوايا أنقرا الجديدة إزاء المنطقة وعلى وجه الخصوص سوريا وإيران. نقلا عن: الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة * 7/9/2011