كريستيان ساينس مونيتور – ند تيمكو يكتب – السلام مع إسرائيل .. وتحولات السياسة في الشرق الأوسط
كريستيان ساينس مونيتور – ند تيمكو *- 13/9/2020
الكُتّاب الذين تحدثوا عن الاتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل وصفوه بكلمات مثل «انفراجة. وتاريخي». وهذه الصفات أطلقها حتى الكُتاب الأكثر انتقاداً للنهج غير التقليدي للرئيس دونالد ترامب في السياسة الخارجية. والإشادة بالاتفاق مستحقة. ليس لأن الوعد العلني بالسلام لا يعني فقط إبرام ثالث معاهدة رسمية بين إسرائيل ودولة عربية، وأول معاهدة من هذا النوع منذ أكثر من ربع قرن. بل لأن الاتفاق اتبّع أيضاً مسعى مدروساً من إدارة ترامب للتخلي عن افتراضات دبلوماسية عمرها عقود عن صناعة السلام في الشرق الأوسط. ولا مفاجأة في أن يعلن الرئيس ترامب الانتصار في المؤتمر القومي للحزب الجمهوري في الأيام القليلة الماضية أو يعلن ذلك وزير الخارجية مايك بومبيو الذي توجه لزيارة إسرائيل والإمارات العربية المتحدة.
لكن السياق السياسي معقد كما هو الحال عادة في الشرق الأوسط، وهي المنطقة التي قمت بتغطيتها منذ أول انفراجة سلام عربية إسرائيلية بين إسرائيل ومصر في نهاية سبعينيات القرن الماضي. والأسئلة الكبيرة مازالت قائمة وفي مقدمتها تلك التي تتعلق بالصراع الذي لم يُحسم بين إسرائيل وجيرانها الفلسطينيين ومستقبل أراضي الضفة الغربية التي ضمتها إسرائيل في حرب الأيام الستة قبل أكثر من 50 عاماً.
بالنسبة لإسرائيل، من المهم للغاية أن يكون هناك قبول شعبي لتطبيع العلاقات. فعلى مدار عقود، منذ تأسيس إسرائيل الحديثة عام 1948، لم يرفض العرب فكرة السلام فحسب بل شككوا في مشروعية إسرائيل أصلاً، وهو تحد يؤثر على الإسرائيليين من كل الأعمار والمشارب السياسية. وأقوى لحظة في أول انفراجة سلام كانت حين قال الرئيس المصري في ذاك الوقت، أنور السادات، أمام الكنيست الإسرائيلي عام 1977 «لقد كنا نصفكم بإسرائيل المزعومة، نعم… لكني أقول لكم اليوم وأعلن للعالم كله إننا نقبل بالعيش معكم في سلام دائم وعادل». لكن مبادرة السادات، حتى أغسطس المنصرم، لم يتبعها إلا اتفاق واحد مع رئيس دولة عربية أخرى وهو العاهل الأردني الراحل، الملك حسين.
وحدث تغيران في السياق السياسي، الأول كان في الشرق الأوسط نفسه. فقد أصبح الصراع مع إسرائيل يحتل موقع اهتمام متأخر لدى كثير من الدول العربية المسلمة ذات الغالبية السنية. وفي الوقت نفسه، تآكلت العقبة الرئيسية التي كانت تقف أمام إقامة علاقات مع إسرائيل من قبل والمتمثلة في التزام العالم العربي تجاه الفلسطينيين. فعملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية انتهت فعلياً. والقيادة الفلسطينية منقسمة بين ورثة حركة «فتح» التي كان يتزعمها ياسر عرفات في الضفة الغربية وحركة «حماس» في غزة. وفي غمرة شكاوى من سوء الإدارة والفساد، ضعفَ الدعم الشعبي للقيادة الفلسطينية.
ومن المهم بالمثل، التغير السياسي الكبير الذي حدث في الولايات المتحدة وفي نهج واشنطن في التعامل مع المنطقة. فالمبادرة الأميركية التي أدت إلى اتفاقية إماراتية إسرائيلية بدأت برسالة أميركية صريحة لكل الأطراف. فقد جاء في الرسالة أن الفلسطينيين لم يعودوا في موقع يمكنهم من إملاء شروط صفقة جديدة بعد أن رفضوا مقترحات تفاوضية سابقة تستهدف إقامة سلام يستند على إقامة دولتين. وقطعت إدارة ترامب شوطاً أكبر في هذا النهج بخطتها للسلام في الشرق التي أعلنتها في وقت مبكر من هذا العام. فقد أوضحت أن لا مانع لديها من أن تضم إسرائيل رسمياً أجزاء من الضفة الغربية، وهو ما ثبت لعدد كبير من الدول العربية ومن بينها الإمارات التي تحركت علناً وسراً لمنع عملية الضم.
واتضح أن هذا هو مفتاح الوجه الآخر لنهج ترامب. وهذا النهج يتمثل في السعي إلى إبرام اتفاق أكثر تحديداً وتبادلي المنفعة من ذاك النوع الذي يجري تقليدياً بين الأنشطة الاقتصادية الكبيرة، ليحصل كل طرف على شيء ما من الصفقة. فتحصل الإمارات العربية المتحدة على تعاون أوثق مع إسرائيل في القدرات الرقمية. والأهم من هذا هو احتمال تمكنها من شراء عتاد عسكري أميركي متقدم مثل طائرات إف-35 المقاتلة التي طالما حُرمت منها الدول العربية. وحصلت الإمارات أيضاً على بعض الغطاء السياسي الإقليمي في صورة تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن أي عمليات لضم الضفة الغربية.
وحصلت إسرائيل على وعود بإبرام ثالث اتفاق سلام مع دولة عربية واحتمال اتباع دول أخرى هذه الخطى في نهاية المطاف. والبحرين بدأت السير في الاتجاه نفسه. والاتفاق جاء في وقت ملائم بشكل خاص لنتنياهو. لقد كان تراجع بالفعل عن فكرة الضم بسبب إعادة واشنطن النظر في الموضوع، بالإضافة إلى فتور حماس معظم الإسرائيليين الذين انشغلوا أكثر بالتأثيرات الاقتصادية الوخيمة لجائحة كوفيد-19.
وأخيراً حصلت إدارة ترامب نفسها على انتصار دبلوماسي لا يستطيع أحد إنكاره.
*صحفي أميركي