#شؤون اقليمية

كرم سعيد: لماذا يتزايد اهتمام تركيا بقطاع الغاز والنفط السوري؟

تحركات مكثفة

مع سقوط نظام “الأسد”، بدأت تركيا بعض التحركات اللافتة في سبيل تأمين دور محوري لها في قطاع الطاقة السوري خلال المرحلة المقبلة، ويتمثل أبرزها فيما يلي:

1– رغبة تركيا في ترسيم الحدود البحرية مع سوريا: تسعى تركيا إلى استنساخ نموذج الاتفاق الذي وقَّعته مع حكومة الوفاق الوطني الليبي في عام 2019، والاتفاق الذي وقعته مع الحكومة الصومالية في عام 2024، في الحالة السورية، بما يسمح لها بالتوغل في قطاع الطاقة السوري؛ حيث أعلن وزير النقل التركي “عبد القادر أورال أوغلو”، في 25 ديسمبر 2024 عن أن بلاده تهدف إلى التوصل لاتفاق مع سوريا بشأن ترسيم الحدود البحرية بعد تشكيل حكومة دائمة في دمشق، وأضاف: “بالطبع تجب إقامة سلطة هناك أولاً. سيكون الأمر على جدول أعمالنا بالتأكيد، لكن من الصعب القول إنه على جدول الأعمال الحالي”. وفي رؤية تركيا، فإن ترسيم الحدود البحرية مع سوريا، قد يسمح لها بزيادة انخراطها في عملية التنقيب والنفط قبالة السواحل السورية.

2– التطلع لإحياء مشاريع الطاقة المشتركة مع سوريا: يبدو أن أنقرة تستهدف تعزيز حضورها في سوريا خلال الفترة المقبلة، في ظل اتجاهها لإحياء مشاريع الطاقة المشتركة مع سوريا، وتجلى ذلك في إعلان وزير الطاقة التركي، في 27 ديسمبر 2024، عن حرص بلاده على إنشاء خط لأنابيب النفط من سوريا إلى تركيا وإدماجه مع خط الأنابيب بين العراق وتركيا، وتابع أن “أنقرة ودمشق يمكن أن تتعاونا في مجالي النفط والغاز الطبيعي في المستقبل القريب”. وتسعى تركيا بعد سقوط الأسد، وفقاً للعديد من التقديرات، لاستغلال موارد النفط والغاز الطبيعي في سوريا لإعادة إعمار سوريا.

بالتوازي، تسعى تركيا لإحياء مشروع خط الغاز الطبيعي، الذي يستهدف نقل الغاز القطري إلى تركيا عبر المملكة العربية السعودية والأردن وسوريا، وصولاً إلى أوروبا. وكان وزير الطاقة التركي قد أعلن في 14 ديسمبر 2024 عن أن استئناف هذا المشروع ممكن بمجرد تحقيق الاستقرار السياسي في سوريا. ويتضمن المشروع الذي تم طرحه في عام 2004 وتم تأجيله مرة أخرى في عام 2009 إنشاء خط أنابيب بطول 1500 كيلومتر.

3– السعي للاستحواذ على مشاريع تطوير قطاع الكهرباء: تسعى الشركات التركية للاستحواذ على مشاريع إعادة البنية التحتية لقطاعات الكهرباء السوري، وكان لافتاً قيام وفد تركي من وزارة الطاقة والموارد الطبيعية، في 28 ديسمبر 2024، بزيارة سوريا للنظر في احتياجات البنية التحتية للكهرباء. وتركز تركيا على تطوير مشاريع جديدة في قطاع الكهرباء، التي تشهد سوريا نقصاً حاداً في مواردها.

4– تواصل جهود أنقرة لتحييد مشروع الإدارة الذاتية الكردية: لا تنفصل التحركات العسكرية التركية شمال شرق سوريا ضد وحدات حماية الشعب الكردية عن رغبتها في تأمين السيطرة على منابع النفط في سوريا؛ حيث تسيطر الإدارة الذاتية الكردية التي تصنفها أنقرة ككيان إرهابي، على غالبية حقول نفط الشمال السوري، وأهمها حقول السويدية ورميلان والعمر، بالإضافة إلى 10 حقول أخرى تتوزع بين محافظتَي الحسكة ودير الزور.

أهداف منشودة

يرتبط حرص تركيا على الانخراط المكثف في مشاريع صناعة النفط والغاز السوري بجملة من الأهداف تسعى أنقرة إلى تحقيقها، ويمكن بيانها على النحو التالي:

1– التأثير على مقاربات الخصوم شرق المتوسط: في رؤية تركيا، يمثل تعيين الحدود البحرية مع سوريا شرق المتوسط فرصة للتأثير على مقاربات خصوم أنقرة في حوض شرق المتوسط، وخاصة اليونان وقبرص، خصوصاً أن هذا الترسيم يمنح تركيا موطئ قدم بالقرب من مناطق النفوذ البحري لخصومها الإقليميين، بالإضافة إلى دعم تحركاتها للتنقيب عن مكامن الطاقة شرق المتوسط، التي تعتبرها قبرص واليونان غير قانونية؛ ولذلك تعي تركيا أهمية الإمساك بمفاصل قطاع الطاقة السوري، باعتباره فرصة من جانب آخر لتكوين أوراق ضاغطة على القوى الغربية في الملفات الخلافية، وبخاصة القوى الداعمة لقبرص واليونان في خلافاتهما البحرية مع تركيا في شرق المتوسط.

2– الإمكانات الواعدة لقطاع الطاقة السوري: يرتبط إعلان تركيا، خلال الفترة الماضية، عن رغبتها في إنعاش قطاع الهيدروكربونات السوري، بالإمكانات الواعدة لهذا القطاع، التي دفعت العديد من الشركات الأجنبية للاستمرار في التنقيب والاستكشاف عن النفط والغاز السوري قبل فرض العقوبات الأمريكية على سوريا في عام 2019 بموجب قانون قيصر. ووفقاً للعديد من الدراسات، تُقدر قيمة احتياطي سوريا من النفط البالغ 2.5 مليار برميل، نحو 203 مليارات دولار بمتوسط سعر 2024، وتصل احتياطيات الغاز الطبيعي إلى نحو 8.5 تريليون قدم مكعبة؛ أي 0.1% من الاحتياطي العالمي. وهنا، يمكن تفسير التحركات التركية لرفع العقوبات المفروضة على سوريا.

3– الرغبة في تعزيز دور تركيا كناقل للطاقة: في رؤية تركيا، فإن تعيين الحدود البحرية مع سوريا، والتغلغل في قطاع الطاقة، قد يسمح لها بتسويق دورها كناقل للطاقة من دول شرق المتوسط إلى الأسواق المحلية والقارة الأوروبية، وهو ما يعني ترسيخ مكانتها كمركز رئيسي للطاقة في المنطقة، وتثبيت موقعها كنقطة عبور رئيسية بين منتجي الغاز والأسواق المستهلكة في الغرب.

4– تطلع أنقرة لإنعاش الاقتصاد التركي: يمثل حضور تركيا في قطاع الطاقة السوري أولوية للاقتصاد التركي في التوقيت الحالي؛ إذ يمكن أن يساهم في إنعاش الاقتصاد بالنظر إلى إمكانية استفادة تركيا من العمولات التي تحصل عليها من سعر الغاز المتدفق من سوريا عبر خطوط الأنابيب التي تمر عبر أراضيها لتصل إلى أوروبا. وعلى ضوء ذلك، فإن انتعاش قطاع الهيدروكربونات السوري، وخاصةً مع نقل إنتاجه عبر الأنابيب التركية، قد ينعكس إيجابياً على الاقتصاد التركي في الأجل المتوسط، فضلاً عن توفير فرص أكبر لتركيا لفرض نفسها كقوة اقتصادية في سوق الغاز والطاقة، رغم أنها تفتقر إلى مكامن الطاقة.

5– توفير استثمارات لشركات الطاقة التركية:يُرجح أن يساهم هذا الحضور في قطاع الطاقة السوري في تقليل الاستيراد وخفض تكلفة الإنفاق على الطاقة؛ حيث ستحصل تركيا، بفضل نقل الغاز والنفط، على كمية كبيرة من الغاز السوري بسعر مخفض، ومن ثم تأمين جانب من احتياجات تركيا الغازية، خصوصاً في ظل الأسعار المرتفعة للطاقة، بجانب استمرار أزمة الطاقة العالمية بفعل العقوبات الغربية المفروضة على قطاع النفط الروسي، ناهيك عن احتمال عودة سياسة الضغوط القصوى على قطاع الطاقة الإيراني بعد تنصيب “ترامب”.

6– فتح مجال جديد لشركات الطاقة التركية: تَعتبر أنقرة أن ضخ مزيد من الاستثمارات في التنقيب وتطوير حقول الطاقة السورية خلال المرحلة المقبلة، من شأنه أن يُعزز حضور الشركات التركية في معادلة الطاقة السورية، كما أن تطوير الخطط التركية تجاه صناعة النفط والغاز في سوريا، وفقاً لتلك الرؤية التركية، من شأنه أن يفتح المجال أمام مزيد من النشاط والاستثمار للشركات التركية العاملة في مجال استكشاف وتطوير حقول النفط والغاز الطبيعي.

7– دعم نفوذ تركيا لدى السلطة الجديدة بسوريا: في قناعة تركيا، يصب تسريع وتيرة الإمساك بمفاصل صناعة الغاز والطاقة في سوريا في مصلحة ترسيخ نفوذها في الدولة السورية الجديدة، ويسمح لها بالتأثير على المقاربات السياسية للسلطة السورية ما بعد “الأسد”. ويُشار في هذا الصدد إلى أن الإدارة الانتقالية تعول على الاستثمارات التركية المحتملة في قطاع الطاقة السوري لزيادة عوائدها المالية، ومن ثم إضفاء مزيد من الشرعية عليها، خاصةً في ظل تردد قوى إقليمية ودولية في تكثيف الانخراط في التوقيت الحالي مع إدارة “الجولاني”، انتظاراً لما ستؤول إليه ترتيبات المشهد السوري الجديد، وللتأكد من أن التحول الحاصل في فكر هيئة تحرير الشام ليس تكتيكاً مؤقتاً، وإنما يعبر عن قناعة بأهمية التخلي عن الأطر الأيديولوجية.

تحديات ضاغطة

وفي الختام، يمكن القول إن مساعي تركيا لاستغلال موارد الغاز الطبيعي والطاقة السورية بعد سقوط “الأسد”، يمثل أولوية استراتيجية لتعزيز النفوذ التركي على الساحة السورية، وتأمين السيطرة على الإدارة الجديدة، بيد أن حالة السيولة الأمنية التي تعانيها سوريا، واستمرار سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية على مكامن الطاقة الرئيسية شمال شرقها، بالإضافة إلى الشكوك الإقليمية والدولية في قدرة الإدارة السورية الجديدة المدعومة من تركيا، تمثل تحديات مركبة أمام خطط أنقرة تجاه قطاع الطاقة السوري.

 

انترريجونال للتحليلات الاستراتيجية

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى