كرم سعيد: حسابات واشنطن: رسائل استهداف “أبو عبد الرحمن المكي” القيادي بتنظيم “حُرّاس الدين”
كرم سعيد 28-8-2024: حسابات واشنطن: رسائل استهداف “أبو عبد الرحمن المكي” القيادي بتنظيم “حُرّاس الدين”
أعلنت القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم”، في 23 أغسطس 2024، عن اغتيال القيادي البارز في تنظيم “حراس الدين”، أبو عبد الرحمن المكي، في جنوب إدلب. وقدمت القيادة المركزية بعض التفاصيل بشأن عملية استهداف “المكي”، حيث ذكرت أنه كان عضواً في مجلس شورى تنظيم “حراس الدين” – المرتبط بتنظيم “القاعدة” – وزعيماً كبيراً مسؤولاً عن الإشراف على العمليات الإرهابية من سوريا.
وجاء الإعلان عن اغتيال “المكي” في خضم مخاوف متصاعدة بشأن عودة نشاط التنظيمات الإرهابية في سوريا. كما جاء في سياق تعزيز مستمر للقدرات العسكرية للقواعد الأمريكية في سوريا، وذلك في ضوء القلق من احتمال اندلاع مواجهة عسكرية بين إيران وإسرائيل، على نحوٍ كان له دور في رفع درجة الاستعداد في صفوف القوات الأمريكية في المنطقة، والتي يمكن أن تتعرض لهجمات على ضوء هذا التصعيد المحتمل بين طهران وتل أبيب.
أهداف مختلفة
سعت واشنطن من خلال عملية استهداف “المكي” إلى تحقيق جملة من الأهداف، والتي يمكن بيانها على النحو التالي:
1– توجيه رسائل داخلية قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية: يبدو أن إدارة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” تسعى إلى توظيف تصفية “المكي” داخلياً، خاصةً مع قُرب إجراء الانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر 2024. ومن ثم، فإن لتصفية “المكي” دلالة رمزية في الداخل الأمريكي، حيث يرغب الحزب الديمقراطي في تعزيز حضوره السياسي من خلال إثبات قدرة الإدارات الديمقراطية على تحييد الجماعات الإرهابية التي طالما استهدفت المصالح الأمريكية. وفي رؤية الإدارة، فإن هذه النوعية من العمليات يمكن أن تعزز فرص مرشحة الحزب نائبة الرئيس كامالا هاريس في مواجهة الرئيس السابق “دونالد ترامب” مرشح الحزب الجمهوري.
2- عرقلة تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية في الإقليم: ترتبط عملية استهداف المكي، في قسم منها، برغبة الولايات المتحدة في تحييد فرص تصاعد نشاط التنظيمات الإرهابية من جديد، خاصة أن الآونة الأخيرة شهدت بعض العمليات النوعية التي نفذتها تلك التنظيمات في سوريا والعراق. وتجدر الإشارة إلى أن بعض هذه التنظيمات، وخاصةً “حراس الدين”، سعت خلال الفترة الماضية لاستغلال الانشغال بالحرب على غزة وتطورات التصعيد على جبهة لبنان لتنفيذ عمليات نوعية في مناطق الصراعات، من خلال استهداف المصالح الأمريكية، وخاصةً على الجبهة السورية. ولذلك أكدت “سنتكوم” على أن “حراس الدين هو قوة مرتبطة بتنظيم القاعدة ومقرها سوريا وتشارك القاعدة في تطلعاتها العالمية لشن هجمات ضد المصالح الأمريكية والغربية”.
3- العمل على تعزيز الدور الأمني الأمريكي في المنطقة: يرتبط تركيز الولايات المتحدة في المرحلة الحالية على تصفية قيادات التنظيمات الإرهابية في سوريا، برغبتها في تعزيز دورها كقوة دولية لها حضور أمني وعسكري لا يمكن تجاهله في المنطقة، خاصةً بعد موافقة بغداد على استمرار مهمة التحالف الدولي لمكافحة “داعش” في 15 أغسطس 2024. وتمثّل مناطق شمال شرق سوريا إحدى الساحات المهمة لتموضع الوجود العسكري الأمريكي، وبالتالي فإن تطهيرها من التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة المناهضة لواشنطن يمثل ضرورة ملحة لتأمين التحركات الأمريكية التي تستهدف تعزيز الحضور في الجغرافيا السورية، باعتبارها مدخلاً لتوسيع نطاق النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام.
4- تعميق الانقسامات داخل التنظيمات الإرهابية والمُسلحة: ربما تستهدف واشنطن من وراء عملية اغتيال “أبو عبد الرحمن المكي” توسيع نطاق الانقسامات بين التنظيمات الإرهابية والمسلحة في مناطق الشمال السوري، وكذلك إرباك المشهد الأمني في المنطقة، وهو أمر من شأنه تأجيج التوترات المحلية بين “هيئة تحرير الشام” (هتش) و”حراس الدين”، خاصة أن “حراس الدين” يتهم “هيئة تحرير الشام” بالعمل من وراء ستار مع التحالف الدولي بقيادة واشنطن، وأنها تسعى إلى توظيف هذه العلاقة للقضاء على التنظيمات المناوئة لها، وخاصة روافد تنظيم “القاعدة”.
دلالات عديدة
يطرح تنفيذ العملية الأمريكية لاستهداف القيادى البارز بتنظيم “حراس الدين” أبو عبد الرحمن المكي، دلالات عديدة، يتمثل أبرزها فيما يلي:
1- تورُّط محتمل لــ”هيئة تحرير الشام”: يُلاحظ أن استهداف” المكي” جاء في جنوب إدلب، التي تقع ضمن نفوذ وسيطرة “هيئة تحرير الشام”، والتي اتسع نطاق خلافاتها مع تنظيم “حراس الدين” المرتبط بتنظيم “القاعدة”. وهو ما يُشير، وفقاً لبعض التقديرات، إلى دور محتمل لـ “هتش” في تنفيذ عملية مقتل المكي. وتُرجح هذا السيناريو مؤشرات عدة، منها أن السنوات الماضية شهدت توتراً واضحاً بين “حراس الدين” و”هيئة تحرير الشام”، وتجلى ذلك في اعتقال “المكي” في سجون “هتش” منذ يونيو 2020 وحتى أبريل 2022، بالإضافة إلى اتهام “حراس الدين” لـ “هتش” بأنها تقف وراء عمليات اغتيال قادة وعناصر “حراس الدين”، وأنها تُعطي معلومات استخباراتية للتحالف الدولي للخلاص من التنظيم..
2- تأكيد القدرة على تحييد الإرهابيين:سعت واشنطن عبر تلك العملية إلى إثبات قدرتها على تحييد نشاط التنظيمات الإرهابية والمسلحة في سوريا، بالإضافة إلى التأكيد على أن انشغالها بتطورات الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، والمواجهة العسكرية المحتملة بين طهران وتل أبيب، وحرصها على دعم إسرائيل؛ لن يشكل عائقاً أمام مواصلة استهداف المطلوبين على قوائم الإرهاب، وخاصة قادة “حراس الدين”. وقد تمكنت الولايات المتحدة خلال الآونة الأخيرة من تثبيت حضورها العسكري في الإقليم، بعد قرار العراق في 15 أغسطس 2024 بتأجيل إنهاء مهمة التحالف الدولي لمحاربة “داعش”.
3- الحرص على توظيف الأسلحة الذكية:في إطار حرص واشنطن على احتواء أي تداعيات عسكرية أو إنسانية محتملة لعمليات استهداف قادة العناصر الإرهابية في سوريا، فإن بعض التقديرات أشارت إلى أن القوات الأمريكية نفذت عملية استهداف “المكي” عبر ضربة دقيقة، من خلال استخدام ذخيرة ذكية تتيح تنفيذ العمليات وتقليل حجم الخسائر البشرية والأضرار الجانبية لعملية القصف. وفي ضوء ذلك، استخدمت واشنطن طائرة مُسيرة تابعة للتحالف الدولي من طراز MQ9، استهدفت الدراجة النارية التي كان يقودها المكي بصواريخ من نوع “Hell Fire”، التي تتسم بالدقة والقدرة على إصابة الهدف من دون وقوع ضحايا آخرين.
4- تراجُع نفوذ تنظيم “حراس الدين”:تعرّض تنظيم “حراس الدين” خلال السنوات الثلاث الماضية لهزات عنيفة متوالية منذ اعتقال عدد من عناصره في عام 2020، ومنهم المكي، ووضعهم قيد الإقامة الجبرية بسجون “هيئة تحرير الشام” في إدلب، وهو ما أدى إلى تراجع سيطرته المكانية والعملياتية بشكل مضطرد، وكان له دور في تراجع قدرة التنظيم على فرض رقابة أمنية مشددة على قادته، وإضعاف قدرة التنظيم على تأمين قياداته. وتشير تقارير عديدة إلى أن قوات “سنتكوم” تمكنت من تنفيذ العملية بسهولة وسرعة فائقة. ولذلك، يُتوقع أن تُسفر عملية استهداف “المكي” عن تصاعد الضغوط على التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة في المنطقة، وخاصة تنظيم “القاعدة” الذي يُعد “حراس الدين” أحد فروعه. وبالتالي، فإن اغتيال “المكي” في هذا التوقيت يمكن أن يؤثر على تماسُك “حراس الدين” الذي قد ينقسم إلى مجموعات إرهابية أصغر.
إضعاف التنظيم
إجمالاً، يمكن القول إن عملية اغتيال “المكي” ستفرض في طياتها ارتدادات سلبية على تنظيم “حراس الدين”، وهي خسارة تتجاوز تقويض حضور وفاعلية التنظيم في الشمال السوري إلى حد طرح الشكوك بشأن قدرة التنظيم على التماسك أمام احتمالات تفككه، أو على الأقل خضوعه لسيطرة ونفوذ “هيئة تحرير الشام” التي تُسيطر على جانب رئيسي من إدلب السورية. ومن المحتمل أن تلجأ واشنطن إلى عمليات نوعية من هذا النوع في الفترة المقبلة لإثبات قدرتها على السيطرة في الجغرافيا السورية من جهة، وتحييد أية تحركات محتملة تستهدف إسرائيل، خاصةً حال نشوب المواجهة المحتملة بين طهران ووكلائها الإقليميين وإسرائيل من جهة أخرى.
https://www.interregional.com/article/%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%88%D8%A7%D8%B4%D9%86%D8%B7%D9%86:/2671/Ar