كرم الدين حسين: تدبير الأزمات السياسية في العالم العربي: الأزمة الحالية في فلسطين ولبنان كنموذج

كرم الدين حسين 13-102-2024: تدبير الأزمات السياسية في العالم العربي: الأزمة الحالية في فلسطين ولبنان كنموذج
تشهد المنطقة العربية منذ عقود أزمات سياسية متكررة، تتفاقم اليوم مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على فلسطين ولبنان. هذه الأزمات تُعَرّي ضعف الأنظمة العربية في تدبير الأزمات وغياب التنسيق الفعّال بين الحكومات وشعوبها. يأتي ذلك في ظل افتقار معظم الدول العربية إلى خلايا إدارة أزمات متخصصة، فضلًا عن غياب التواصل السياسي الحكومي في قضايا مصيرية تتعلق بالشعوب العربية.
فشل تدبير الأزمات السياسية
أظهرت الأزمات الحالية في فلسطين ولبنان أن معظم الأنظمة العربية لا تمتلك استراتيجيات واضحة لإدارة الأزمات، سواء السياسية أو الإنسانية. ما يزيد من تعقيد الموقف هو غياب الهياكل التنظيمية الكفيلة بمواجهة التحديات الطارئة. ففي معظم الدول، لا توجد خلايا أزمة تستجيب بسرعة وتتعامل بفعالية مع الأوضاع المتفجرة، سواء عبر الدبلوماسية أو توفير الدعم المادي واللوجستي للشعوب المتضررة.
يعود هذا الفشل إلى عدة عوامل، منها:
- انعدام التخطيط المسبق: الكثير من الدول العربية تتخذ مواقف ردود فعل بدلاً من سياسات استباقية. تنتظر الأزمة حتى تحدث، ثم تتخذ مواقف متأخرة وغير فعالة.
- الفساد الإداري والسياسي: ما يعرقل اتخاذ القرارات المناسبة وتطبيقها بسرعة هو تفشي البيروقراطية والفساد في أجهزة الدولة، مما يؤثر على جودة القرارات السياسية ومدى فعاليتها.
- غياب الخبرة المتخصصة: قلة الخبراء المتخصصين في إدارة الأزمات أو الاعتماد على رجال سياسة غير مؤهلين للتعامل مع الأوضاع الطارئة.
ضعف التواصل الحكومي مع الشعوب
في خضم هذه الأزمات، يظل المواطن العربي في كثير من الأحيان في الظلام، حيث تفتقر الحكومات إلى استراتيجيات تواصل واضحة وشفافة مع شعوبها. تغيب المعلومات الدقيقة، ويزداد الغموض حول المواقف الرسمية. من هنا، تتفاقم حالة عدم الثقة بين الحكومات والمواطنين، مما يؤدي إلى مزيد من الانقسامات الداخلية وزيادة الاحتقان الشعبي.
هناك عدة أسباب وراء ضعف التواصل السياسي بين الحكومات والشعوب:
- الحذر السياسي: تعتمد العديد من الأنظمة العربية على سياسة التحفظ في التواصل السياسي، خوفاً من إثارة الرأي العام أو كشف الضعف الداخلي.
- غياب المنصات الرسمية الفعالة: غياب منصات رسمية تقدم المعلومة بشفافية وبشكل دوري يزيد من فجوة التواصل. معظم الأنظمة تعتمد على وسائل إعلام تقليدية أو محطات رسمية غير موثوقة في نظر الجمهور.
- التحكم في الإعلام: يتم في العديد من الدول العربية تقييد الإعلام المستقل، مما يجعل من الصعب على الشعوب الوصول إلى معلومات موثوقة حول الأزمات، خاصةً عندما تتعلق بالقضايا الدولية المصيرية مثل فلسطين أو لبنان.
أزمة فلسطين ولبنان كنموذج
في أزمة العدوان الإسرائيلي المستمر على فلسطين ولبنان، يتجلى بوضوح غياب التنسيق العربي المشترك. ففي الوقت الذي تتحرك فيه بعض الدول لإصدار بيانات إدانة، تبقى معظم الأنظمة مترددة في اتخاذ مواقف ملموسة، سواء عبر العمل الدبلوماسي المكثف أو تقديم الدعم المباشر.
من جهة أخرى، نرى تفاعلًا شعبيًا قويًا في عدة دول عربية، حيث تنطلق المبادرات الشعبية لجمع التبرعات وتنظيم المظاهرات لدعم القضية الفلسطينية. هذا التباين بين الحراك الشعبي والمواقف الرسمية يعكس الفجوة العميقة بين الحكومات ومواطنيها. الشعوب ترى في القضية الفلسطينية قضية مركزية، في حين تتعامل الحكومات مع الأوضاع بحذر شديد، متأثرةً بتوازنات دولية وإقليمية معقدة.
إن أزمة تدبير الأزمات السياسية في الدول العربية ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج لعقود من الفشل في بناء أنظمة إدارية فعّالة واستراتيجيات تواصل شفافة مع الشعوب. في ظل الأوضاع الراهنة في فلسطين ولبنان، يتعين على الحكومات العربية إعادة النظر في سياساتها الداخلية والخارجية وتطوير خلايا متخصصة لإدارة الأزمات، فضلاً عن فتح قنوات تواصل فعّالة تضمن للشعوب المشاركة في صناعة القرار ودعم القضايا التي تمسها بشكل مباشر.