كرستيان سينس مونيتور – كيف أضعف المغرب صحافته ودفع القراء إلى وسائل التواصل الاجتماعية لطلب الأخبار
كرستيان سينس مونيتور – جاكي سبينر – 2/1/2018
لم توقف قوانين حرية الرأي المتساهلة بعض أذرع الحكومة عن شن حملة على الصحفيين بذريعة الأمن. وعملت رقابتهم الذاتية نتيجة لذلك المزيد من خفض الثقة في الإعلام، مما دفع المغاربة المتعطشين للأخبار إلى البحث في أماكن أخرى.
* * *
بالنسبة لديفيد الفارادو، الصحفي الإسباني الذي كان يغطي شمال إفريقيا منذ أكثر من عقد، فإن المؤشر على الكيفية التي يغطي بها الصحفيون الأحرار في المغرب يكمن في أي وزارة حكومية تراقب أكثر ما يكون.
رسمياً، هي وزارة الإعلام التي تصدر البطاقات الصحفية وتستطيع طرد الصحفيين أو منعهم من العمل هنا، كما يقول السيد الفارادو، مراسل شمال إفريقيا لمحطة “سي. إن. إن، الناطقة بالإسبانية.
ولكن، في الأعوام القليلة الماضية، كما يقول، كانت وزارة الداخلية القوية والمسؤولة عن الأمن الوطني تتعقبه من خلال فرض مراقبة شديدة عليه، بينما تتصل به لتجعله يعرف أن عملاءها رأوه وهو يتحدث مع أناس لا يحبونهم.
ويقول الفارادو في مكتبه المرتب في العاصمة، حيث يدير نشاطاً تجارياً للاستشارات الإعلامية: “إننا نعيش في ديمقراطية. ونحن أحرار في التصويت في الانتخابات. لكن النظام يضع قيوداً على الكثير من الأشياء التي لا يريدها”.
في العام الماضي، أعاد المغرب صياغة قوانين الرأي والصحافة، فيما قدمه البلد على أنه خطوة رئيسية نحو صحافة حرة. وكانت النية هي نزع صفة الجنائية عن كل رأي لا يحرض على العنف.
ولكن، وكما أشار تقرير منظمة “هيومان رايتس ووتش، فإن قانون العقوبات المغربي يتضارب مع قوانين الأخبار. ويقضي النظام القضائي بأحكام بالسجن بسبب التغطية الصحفية الذي يعتبرها مسيئة للإسلام، وللملك أو للبلد، مما لا يترك فسحة كافية لتغطية منتقدة لمعظم القضايا المؤثرة في المغرب.
وفي الأثناء، أفضى التهديد بالمضايقة وبالاعتقال وبالتغريم والإيقاف عن العمل -بالإضافة إلى الضغط الاقتصادي الذي يمارسه المعلنون المقربون من النظام- إلى خنق تغطية الحكومة واحتجاجات المواطنين، بما في ذلك المظاهرات السلمية في معظمها التي نظمت في منطقة الريف المغربية الشمالية منذ تم سحق صائد سمك حتى الموت في العام الماضي في ماكينة شاحنة للنفايات عندما حاول استعادة أسماك صادرتها منه الشرطة.
رقابة ذاتية
حكم على حميد المهداوي، وهو مؤسس ورئيس التحرير لموقع إخباري ناطق بالعربية أُغلق منذئذٍ، بالسجن لمدة ثلاثة أشهر بعد اعتقاله في تموز (يوليو) الماضي بينما كان يغطي احتجاجاً محظوراً. كما تم اعتقال صحفيين آخرين عدة، وإبعاد صحفي أجنبي واحد على الأقل بعد نشر تغطيته. وقد دعت منظمات حقوق إنسان دولية إلى الإفراج عن الصحفيين المعتقلين.
كنتيجة لهذه الإجراءات، كما يقول عبد المالك القدوسي، أستاذ الإعلام في مكناس، عمدت أغلبية من الصحفيين إلى ممارسة الرقابة على الذات لتجنب الوقوع في المتاعب في المقام الأول. وفي الأثناء، تزايد طول قائمة القصص الإخبارية التي أصبحوا يتجنبون الخوض فيها في الأعوام الأخيرة.
ويقول الأستاذ القدوسي الذي حلل موضوع الرقابة الذاتية في الإعلام المغربي في الفترة بين العامين 2011-2016: “الآن، لم يعد الملك والعائلة المالكة هم الخطوط الحمراء الرسمية الوحيدة. فالمؤسسات الأخرى، مثل الجيش والنظام القضائي والأجهزة الأمنية، أصبحت كلها أيضاً خطوطاً حمراء”.
في أيلول (سبتمبر)، حكم على مدون للفيديو بالسجن 10 أشهر بعد نشره تقارير عن الفساد عند الشرطة. وفي العام الماضي، مثل سبعة صحفيين ومدرسين أمام المحكمة في أعقاب تنظيمهم دورة ممولة من هولندا حول كيفية استخدام المواطنين لتطبيق آمن لنشر القصص بواسطة الهاتف النقال. وتكرر تأجيل المحكمة على مدى سنتين.
ويقول القدوسي إن تداعيات الرقابة الذاتية مخيفة بالنسبة للصحفيين والمواطنين على حد سواء. وقد تراجعت نسبة قراءة الصحف لأنه لا ينظر إلى المنافد الإخبارية ببساطة على أنها مصادر موثوقة للمعلومات. وأضاف: “لقد هاجر المواطنون على نحو ملحوظ إلى الفضاء الرقمي الذي يعرض في الحقيقة الكثير من المساحات الأقل تقييداً ومنصات النقد والاستقصاء”.
نزع الصدقية عن الصحفي
كان الصحفيون في المغرب قد نعموا بشهر عسل قصير بعد اعتلاء ملك شاب وتقدمي إلى سدة العرش، الملك محمد السادس، في العام 1999 بعد وفاة والده الملك الحسن الثاني، الذي كان يحكم بقبضة من حديد. لكن شهر العسل لم يدم طويلاً. فعندما بدأ صحفيون يحومون حول مصالح النظام المالية الخاصة، ويعرون الفساد المحتمل أو يكتبون عن بطء وتيرة التغيير، تم إسكاتهم على الفور.
في الأعوام الأخيرة، وعندما كانت وزارة الإعلام لا تحب قصة في الصحافة، كانت تسعى إلى نزع المصداقية عن الصحفي عبر تسريب معلومات عنه إلى وسائل إعلام أخرى، وفق صحفيين ومدافعين عن حرية الصحافة، ممن أجريت معهم مقابلات من أجل هذا المقال.
يقول أبو بكر جماعي، المؤسس المشارك لمجلة الأخبار المغربية “لو جورنال” التي أغلقت في العام 2010: “ما يحدث في المغرب هو أنهم يدفعون أي نوع من (التغطية والمناقشات المنتقدة) نحو الإعلام الاجتماعي. هذه المغالطة في التفكير مجنونة وخطيرة جداً. الناس يضطرون للذهاب إلى فيسبوك ليعرفوا ماذا يجري في المغرب. إنهم لا يستطيعون القراءة أو مشاهدة محطة التلفزيون لمعرفة ما يجري هنا”.
تتفاقم المشكلة بمعرفة كيفية تمويل الإعلام ودعمه في المغرب. فالشركات التجارية التي تحتفظ بروابط مع النظام تتحكم في دولارات الإعلان التي تمول المنافذ الإخبارية. وعندما ينشر منفذ إخباري محتوى يعد غير محبب للحكومة أو منتقداً لها، يقوم المعلنون بسحب الدعم. وتعد هذه العصا والجزرة المالية أداة قوية تستخدمها الحكومة للتحكم في الصحافة، وفق ما يقوله مآتي منجب، الصحفي المغربي البارز والأستاذ الجامعي الذي كان قد أضرب عن الطعام في العام 2015 احتجاجاً على تدني حرية الصحافة في البلد.
كانت مجلة “لو جورنال” قد واجهت وضعاً صعباً بسبب دعاوى قانونية ومقاطعة الإعلان لها نتيجة لتغطيتها المنتقدة للحكومة، مما دفع السيد الجماعي إلى مغادرة البلد في نهاية المطاف. وفي مقابلة عبر “سكايب”، قال السيد الجماعي، وهو الآن عميد كلية لإدارة الأعمال والعلاقات الدولية في فرنسا، أنه لم يعد يستطيع التعهد للممولين بأن ينتقل إلى نموذج عمل مستدام بسبب الضغوط الاقتصادية من الحكومة. ويضيف: “لا توجد قدرة لدى الصحافة لمساءلة نخبة البلد وتحميلها المسؤولية”.
روابط الإعلام مع العائلة المالكة
تم إلقاء الضوء على ذلك الضغط المالي من خلال التكشفات التي أماط اللثام عنها في مسح عن مُلكية الإعلام المغربي نشرته في الشهر الماضي منظمة مراسلون بلا حدود. ووجد المسح أن العائلة المالكة في المغرب هي المالك الأبرز للإعلام في المغرب. ووجد المسح أن 9 من أصل 36 شركة إعلامية هي الأكثر نفوذاً في البلد مرتبطة مع الحكومة أو العائلة الملكية. ويتم توجيه دولارات الإعلام التي تمول العمليات الإعلامية إلى هذه الشركات.
تقول ياسمين كاتشا، مديرة شمال إفريقيا في منظمة مراسلون بلا حدود: “لا يوجد لدينا فهم واضح عن كيفية توزيع هذا الإعلان، خاصة عندما ترى وسائل الإعلام وهي تتسلم الأموال”. وتضيف أن المعلنين لا ينساقون إلى الإعلام الأكثر شعبية أو المتداول، وإنما يذهبون إلى المنافذ التي تعرض التغطية المحبذة أكثر للمملكة، “إنه يعطى للإعلام المقرب من الوزارات المغربية. وبهذا، يكون هذا هو المكان الذي تصبح فيه حرية الصحافة قضية”.
17 فقط من أصل 46 شركة إعلامية تم الاتصال معها لغاية هذا المسح، الذي أجري بالاشتراك مع المنفذ الإخباري المغربي “لو ديسك”، وهو منفذ إخباري يستند إلى المشتركين، وافقت على تقاسم المعلومات حول ملكيتها، كما تقول السيدة كاتشا. ومع أن القانون المغربي يطلب من شركات الإعلام التسجيل فدى الحكومة، فإن المعلومات في السجل التجاري مفقودة أو أن لم يتم تحديثها.
ويعنى ذلك معاملة الصحفيين معاملة ظلية، والتي غالباً ما تكون غير قابلة للتنبؤ بها.
أما المراسلون الأجانب أو أولئك الذين ينشرون موادهم باللغة الإنجليزية، فغالباً ما يعيشون ظروفاً أسهل، على الرغم من أن العديد منهم يظلون يتوخون الحذر في الكتابة والإنتاج عندما يتعلق الأمر بقضايا حساسة، مثل مسألة الصحراء الغربية.
كان الفارادو، الذي يعيش في المغرب منذ العام 2003، قد نشر كتاباً الشهر الماضي عن الاحتجاجات في الريف، وغطى من المنطقة الجبلية من دون أن يتعرض لحادث بينما كان يغطي الحركة المعروفة باسم “حراك”. ويشير إلى أنه لا يغطي من الريف لأول مرة. ويقول مشيراً إلى منطقة شمال إفريقيا: “لقد عملت على العديد من المواضيع في مناطق وبلدان عديدة أخرى في المغرب. الأخبار الجيدة والأخبار الأسوأ. وأعتقد أنني ألقى الاحترام لهذا العمل”.
“أنا متحفظة كثيراً، وهو ما يساعد”
الصحفية الحرة المغربية عايدة العلمي التي كانت قد درست في كلية الصحافة في جامعة كولومبيا في الولايات المتحدة، والتي تكتب لصالح شبكة بلومبيرغ وصحيفة نيويورك تايمز، من بين نشرات أخرى، يتم تركها لشأنها إلى حد كبير.
ولا تبتعد السيدة العلمي عن الخوض في تغطية الأخبار التي قد تحرج المغرب، والتي تدير بحذر الصورة التي ترسمها للغرب. وقبل أسابيع قليلة، كتبت قصة لصحيفة نيويورك تايمز عن تدافع بشري خلال توزيع غذاء في مراكش، والذي تسبب في مقتل 15 شخصاً. وكتبت أيضاً عن احتجاجات الريف للتايمز ولقناة الجزيرة.
وتقول إن تغطيتها ظلت معتمدة على الحقائق ولا تحاول التحريض، وهو أحد الأسباب التي تجعلها لا تتعرض للمضايقة. وتضيف: “أنا متحفظة كثيراً، وهو ما يساعد. أنا لا أحاول وسم نفسي بأنني صحفية معادية للمغرب”.
كما أن المغرب لا يمتلك وسائل ضغط مالية يمارسها على نيويورك تايمز بالطريقة التي يفعلها مع المنشورات التي تنشر في المملكة. ولا ترى أغلبية المغاربة المستهلكين للأخبار التغطية المنتقدة التي تظهر خارج البلد.
يقول أشرف الباهي، مترجم اللغة الانجليزية الذي عمل مع صحفيين أجانب ومنظمات أخرى: “أنا لا أستطيع الوثوق بأي شيء أقرؤه في المغرب”.
على الرغم من ذلك، وربما بسبب ذلك، يرى السيد الباهي فرصة. وهو بصدد نشر مجلة ناطقة بالإنجليزية من الرباط في العام المقبل. ويقول إنه يعي تماماً أن بإمكان الضغوط من الحكومة صنع أو كسر أي منفذ إخباري. وسوف تركز مجلته على الثقافة، ولن تخوض في مشاريع سياسية. وعموماً، كما قال مع احتساء قدح من الشاي في إحدى الأمسيات بالقرب من متحف الفن الحديث المسمى باسم الملك محمد السادس، إنه يعرف أن مهمته لن تكون سهلة.
وقال السيد الباهي: “حتى يتغير أي شيء، وحتى تتحقق كرامة الإعلام، فإن ذلك سوف يكون وظيفة المجتمع المدني. الصحافة في المغرب تحتاج إلى وجود أناس راغبين في دعمها”.
*تلقت هذه القصة الدعم من منحة من مركز بوليتزر لتغطية الأزمات.
*نشر هذا التقرير تحت عنوان:
How Morocco has Weakened its Press, Pushing Readers to Social Media for News
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 18/1/2018
abdrahaman.alhuseini@alghad.jo