كرستيان سينس مونيتور – سورية : هل تنجح استراتيجية ترامب المعادية لإيران بوجود العداء مع تركيا؟
كرستيان سينس مونيتور – سكوت بيترسون؛ ونيكولاس بلانفورد – 22/1/2018
بينما تكافح روسيا وإيران والولايات المتحدة لخلق الحقائق على الأرض من أجل تعظيم فرصها في تشكيل سورية ما بعد الحرب إلى الحد الأقصى، تشكل تركيا تحدياً لجزء رئيسي من سياسة إدارة الرئيس دونالد ترامب الناشئة.
* * *
لندن وبيروت- هدرت الدبابات التركية بينما تشق طريقها إلى داخل شمالي سورية الشهر الماضي، وتشن هجوماً على القوات السورية الكردية التي كانت تشكل حليفاً مهماً للولايات المتحدة في القتال ضد متشددي تنظيم “داعش”.
ويشكل هذا الهجوم التركي المعاكس أحدث خطوة في تراكم الأحداث التي تؤشر على بدء مرحلة جديدة من الصراع السوري الذي دخل عامه السابع. وبينما يكافح اللاعبون الرئيسيون لتأسيس حقائق على الأرض لزيادة فرصهم الخاصة بتشكيل سورية ما بعد الحرب إلى أقصى حد، فإن تركيا، على وجه الخصوص، تعمد إلى تحدي مكونات جوهرية في السياسة الخارجية للرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وكان العامل المساعد للاشتباك في المدى القصير هو إعلان وزارة الدفاع الأميركية مؤخراً عن أن الولايات المتحدة تخطط الآن لإطالة أمد تواجدها العسكري في شمال شرق سورية إلى أجل غير مسمى، وبناء قوة من 30.000 رجل والتي ستكون كردية في معظمها للمساعدة في تحقيق أهدافها. وقد تم إخراج “داعش” من معظم أراضيه في سورية بفضل القوة الكردية في جزئها الأكبر، والتي تتلقى الدعم من الولايات المتحدة، لكن الزخم في الحرب يميل لصالح الرئيس بشار الأسد وحلفائه الإيرانيين والروس.
تسبب الإعلان الأميركي في إغضاب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي وصف القوات الكردية في شمالي سورية بأنها “جيش إرهابي” أسسته الولايات المتحدة. وتعهد بأن يجتاز الجيش التركي الحدود ويعبر إلى داخل الأراضي السورية من أجل “خنق” القوة الجديدة المدعومة أميركياً “في مهدها”.
وتشكل هذه القوة الجديدة قطعة رئيسية بالنسبة لإدارة ترامب بينما تحاول تطبيق سياسة سورية طموحة تتكون من ثلاث شعب، والتي تهدف إلى منع إعادة انبعاث “داعش”؛ والمساعدة على هندسة سورية ما بعد الحرب من دون الرئيس الأسد؛ واحتواء النفوذ الإيراني.
لكن محللين يشيرون إلى أن روسيا وإيران أحرزتا قصب السبق فعلياً في سورية، وإلى أن الولايات المتحدة تتصرف من موقف ينم عن ضعف نسبي. وهم يتساءلون عما إذا كانت الإدارة الأميركية، التي لها تاريخ في إرسال رسائل غير متساوقة عن السياسة الخارجية، تمتلك القدرة والصبر اللازمين لتحقيق تلك الأهداف.
سوف يكون العمود الفقري للميليشيا الجديدة، مظلة قوات سورية الديمقراطية؛ المجموعة المدعومة أميركياً بقيادة وحدات حماية الشعب الكردية، والتي تضم أيضاً بعض القوات العربية. وسوف تنتشر الميليشيات الجديدة على الحدود السورية الشمالية المتاخمة لتركيا وعلى الحدود السورية الشرقية مع العراق وعلى طول نهر الفرات.
وكانت تركيا غاضبة منذ وقت طويل من الدعم الأميركي الظاهر لوحدات حماية الشعب الكردية، وبسبب ارتباط هذه الوحدات الوثيق مع حزب العمال الكردستاني الذي يشن تمرداً مميتاً ضد أنقرة.
في محاولة لنزع فتيل الاشتباك مع أنقرة بسبب القوة المذكورة، أقر وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، مؤخراً، بأن لتركيا مخاوف أمنية “مشروعة”. لكن إشارات تركيا اللاذعة تؤشر على مستوى منخفض جديد في العلاقات الأميركية-التركية.
وفي الوقت نفسه، بينما تتقدم القوات التركية لإقامة ما تصفها أنقرة بأنها “منطقة أمنية” بعمق يصل إلى 20 ميلاً في شمالي سورية، يتساءل محللون عما إذا كانت إدارة ترامب ستتمكن من رؤية سياستها السورية الجديدة وهي تثمر.
يقول جوليين بارنس-داسي، زميل السياسة الرفيع في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في بروكسل: “يبدو أن هناك عنصراً في واشنطن يستسلم بخصوص تركيا ويدفع قدماً بموقعها في سورية مع منح الأولوية لمعاداة إيران. ولكن، وكما هو واقع الحال دائماً مع إدارة ترامب، يبدو أن التيار يتحول بسرعة كبيرة، ومن الصعوبة بمكان، معرفة كم يبدو سيكون هذا النهج مستنداً إلى أي شيء حقيقي أو قابل للإدامة في حقيقة الأمر”.
“موقف ضعيف جداً”
على مدى أعوام، دعمت واشنطن وحلفاؤها، بمن فيهم تركيا ودول الخليج، الثوار المعادين للأسد في حرب بالوكالة. لكن الأميركيين اليوم “يبدون في موقف ضعيف جداً”، وتحقيق نتائج تضايق كلا من دمشق وطهران “سيتطلب دفعة عسكرية أوسع وأعمق بكثير مما سيكون ترامب مستعداً للقيام به”، وفقا للسيد بارنس-داسي.
كما يلاحظ أيضاً “تناقضاً متأصلاً” في السياسة التي تشترك فيها الولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، بحيث أن روسيا -التي ساعدت قوتها الجوية على ضمان استدامة الأسد- تستطيع الضغط على الأسد على تقديم تنازلات على طاولة المفاوضات. ويقول بارنس-داسي، إن ذلك يمكن أن يحدث فقط عندما يكون هناك دفع من روسيا وإيران. لكن النهج الأميركي المعلن والمعادي لإيران سوف “يقتل أي أمل” في حدوث المحصلة على الأرجح.
وكان وزير الخارجية الأميركية، ريكس تلرسون، الذي حاول تهدئة الخلاف مع تركيا، أعلن عن السياسة الأميركية الجديدة على الملأ مؤخراً. وهي سياسة معادية لكل من “داعش” والأسد و-مع التشديد لأول مرة على ميدان المعركة ذاك- معادية لإيران.
وقال تلرسون إن إيران “قوت بشكل كبير” دورها في سورية، وهو وضع سيتعزز “أكثر” بأي فك ارتباط أميركي، ويمكن إيران من “الاستمرار في مهاجمة المصالح الأميركية وحلفائنا وجنودنا”. وقال إن استمرار التواجد الأميركي سوف يستهدف “خفض وطرد النفوذ الإيراني الخبيث”.
مع ذلك، سواء كانت تركيا والولايات المتحدة متحالفتين ضد “داعش” والأسد أم لا، فإن رد فعل تركيا يأتي بدفع من احتمال حدوث تواجد أميركي مستدام في سورية، والذي يرقى إلى توفير “ضمانة أمنية” للميليشيات الكردية السورية، كما يقول أرون شتين، الزميل الرفيع في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط في مجلس الأطلسي.
لقد اختارت تركيا الحط من منزلة “ما تبقى من العلاقات الأميركية التركية” بخطابها وتوغلها عبر الحدود، بينما كانت الولايات المتحدة أيضاً فاقدة للحساسية حين أعلنت أنها سوف تؤسس قوة جديدة في سورية في حين أن لديها قوة موجودة فعلاً، كما يقول السيد شتين.
عملية غصن الزيتون
أعلنت تركيا عن بدء عملية “غصن الزيتون”؛ حيث قامت بقصف مواقع وحدات حماية الشعب. وبدأ الهجوم البري في اليوم التالي. وذكرت وسائل الإعلام التركية بعد ذلك أن القوات التركية تقدمت أكثر من ثلاثة أميال في داخل جيب عفرين الكردي شمال حلب. وادعت وحدات حماية الشعب بأنها تمكنت من إفشال الهجوم.
ووفق مسئول تركي علق على الوضع شريطة عدم ذكر هويته، فإن الهدف من العملية هو “تحرير المنطقة من خلال القضاء على الإدارة المرتبطة بحزب العمال الكردستاني وقوات حماية الشعب”. وأضاف أن العملية سوف تستمر شرقاً باتجاه المدينة الأكبر، منبج. وتوجد وحدات قوات سورية الديمقراطية التي تتمتع بدعم أميركي مباشر أبعد إلى الشرق عبر نهر الفرات.
يقول فردريك هوف، مدير مركز رفيق الحريري في مجلس الأطلسي: “أفترض أن واشنطن تحاول أن تبقي عفرين منفصلة تماماً عن الحالة إلى الشرق من الفرات. والمنطق يقول إن قوات سورية الديمقراطية هي قوة شريكة في الائتلاف المعادي لتنظيم ’داعش‘، وإن الشراكة موضوع البحث لا تمتد إلى عفرين أو أي مكان وراء منطقة العمليات المعادية لـ’داعش‘”. بينما يتكشف الصراع الأميركي-التركي حول السيطرة الكردية، فإن إضافة الاستراتيجية الأميركية المعادية لإيران تنبع من رغبة لدى البعض في مجلس الأمن القومي الأميركي في “التحول إلى التشدد وتحذير إيران”، كما يقول شتين.
ويضيف: “أي شخص يعرف كيف تعمل إيران… يعرف أن هذا لن يحذر إيران ويخيفها. لقد كسبت إيران وروسيا والنظام (السوري) هذه الحرب، وسوف يعملون على تسوية الأمور وفق شروطهم. وتتعلق الولايات المتحدة بالحياة العزيزة وتحاول تغيير محصلة ربما تكون غير قابلة للتغيير”.
لكن ذلك لا يوقف واشنطن عن المحاولة. فقد كانت إيران مدرجة عالياً في قائمة الأولويات خلال الاستماع إلى شهادة أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، عندما سئل ديفيد ساترفيلد، القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، عن دور القوات الأميركية المستمر في سورية.
وقال السيد ساترفيلد: “نحن قلقون بعمق من نشاطات إيران، ومن قدرتها على تعزيز هذه النشاطات بامتلاكها قدرة أكبر على نقل المواد إلى داخل سورية”.
موازنة أهداف السياسة
يقول محللون إنه إذا تمكنت القوات الإيرانية وحلفاؤها من التحرك بلا معيق إلى داخل شرق سورية، فإن ذلك قد يتسبب بضربة ارتدادية من السكان السنة الذين يكرهن النكهة الشيعية لتواجد إيران العسكري.
ويقول أندرو تابلر، الخبير في الشأن السوري في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: “مشكلة الولايات المتحدة مع إيران تتمثل في أنها تستخدم الأجندة الطائفية (الشيعية) لرفع هذه الدول المضطربة، مثل العراق وسورية وغيرهما، وهو ما يخلق أشكالاً أقوى وأقوى من ’داعش‘ والقاعدة”.
سوف تحاول السياسة الأميركية الجديدة موازنة أهداف السياسة المتعددة بطريقة لم يسبق لواشنطن أن فعلتها طيلة النزاع السوري. وبدلاً من ذلك، فإن التركيز المباشر على المكاسب التكتيكية -مثل استخدام الأكراد السوريين كمكون رئيسي ضد “داعش”، على الرغم من غضب حليف في الناتو- خلق غالباً معضلات جديدة.
في هذا الصدد، يقول نوح بونسي، المحلل الرفيع للشأن السوري في مجموعة الأزمات الدولية: “لقد فشلت إدارات أميركية متعاقبة في إيجاد سبل للأخذ بعين الاعتبار اعتراضات تركيا الحقيقية جداً والمفهومة الى حد ما على دعم مجموعة مرتبطة عن قرب بحزب العمال الكردستاني”.
ويضيف: “وفي الوقت نفسه، فإن انسحاباً أميركياً طائشاً من شمال شرق سورية يمكن أن يمهد الطريق إلى حد بعيد أمام إشعال فتيل حرب جديدة”، والتي قد يتحرك فيها الأعداء الكثر لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري ضد الميليشيات الكردية.
ويخلص السيد بوسني إلى القول: “ربما يبالغ الخطاب في تصوير يمكن إنجازه، و(لكن) وإلى حد ما من خلال الإبقاء على تواجد أميركي، فإنك تزيل احتمالي تحقق ذلك السيناريو المزعزع للاستقرار، مؤقتاً على الأقل”.
*نشر هذ المقال تحت عنوان:
Syria: Can Trumps anti-Iran strategy survive hostilities with Turkey?
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 9/2/2018
abdrahaman.alhuseini@alghad.jo