ترجمات أجنبية

كاونتربنتش – الترامبية : الخطر الحقيقي ليس دونالد ترامب

كاونتربنتش – إيريك دريستر – 2/8/2018

ما الذي يحدث عندما ينزلق ترامب نازلا عن المسرح السياسي؟ ليس من الصعب كثيرا التنبؤ بأن ذلك التحالف شبه المترابط من عبَدَة الشخصية الذي سيخلّفه وراءه سيسعى إلى التوحُّد خلف ممثل آخر لمخاوفهم، ومواطن عدم ثقتهم، وكراهياتهم. وإذا كان ذلك الشخص يعرف كيف يكون ديماغوجياً بالطريقة التي يفعلها ترامب، فإن حركة فاشستية ستكون قد خرجت إلى الوجود عند ذاك.

*   *   *

منذ اللحظة التي انتُخب فيها دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، تملكني خوف كبير مقيم. وهو خوف لا يعبر عنه أحد في وسائل الإعلام السائدة مطلقا، لأنه التعبير عنه سيئ للغاية من حيث تعريض صاحبه للتصنيفات. ولا يكاد يناقشه أحد في وسائل الإعلام البديل أيضا، بل ولا يكاد أحد يتأمله. وهو خوف يطارد مستقبلنا.

خوفي هو أن الولايات المتحدة تسقط في المستنقع الأيديولوجي للفاشية. وليس بالضرورة  على غرار استعراضات الخطوة العسكرية والحشود الشعبية النازية، أو ماركة حجرات الغاز من الفاشية، وإنما هو شيء شبيه بها، أميركي بفرادة، لكنه فاشي بطريقة لا لبس فيها. فطيرة تفاح مزينة بشريط من السيانيد، تماما مثل تلك التي كانت تصنعها جدتي.

يمكنني أن أسمع مُسبقا أنات بعض زملائي اليساريين من الإشارات المُنذرة، أو جرأة على قول أن مشروعا تفوقيا أبيض، أبويا، إمبرياليا، واستعماريا-استيطانيا مثل الولايات المتحدة، مبنيا على العبودية، والنهب، والإبادة الجماعية كما كان حاله، يمكن أن ينزلق أكثر إلى الهاوية. لكن هذا صحيح تماما.

على حد تعبير بيزارو رونالد ريغان: “أسوأ أيام أميركا ما تزال تنتظر في الأمام. إنكم لم تروا شيئا بعد”.

ولكن، لماذا أقول أن أحدا في الإعلام السائد لن يقول هذا في حين يظهر كل يوم، في كل أركان الإعلام التقليدي والاجتماعي، أن ترامب هو شخص فاشي. كيف يمكنني اقتراح أن أحدا لا يناقش تهديد الفاشية في أميركا عندما يتم تخصيص الكثير من الحِبر لمغازلة ترامب، أو احتضانه للكثير من عناصر الفاشية الكلاسيكية؟

الجواب بسيط للغاية: ليس ترامب في شخصه هو التهديد الفاشي، وإنما الترامبية، كاتجاه.

يبدو دونالد ترامب، كرئيس وككائن بشري على حد سواء، معني بشكل أساسي وفقط بدونالد ترامب، حتى أن لديه أيديولوجية؛ واحدة عن النجاح الشخصي والأوهام النرجسية. ومع ذلك، ومهما تكن جيناته البشرية كريهة، فإنه يظل فردا لا يشكل تهديدا أبعد من العواقب عريضة النطاق لسياساته (إنكار تغير المناخ، والتطبيق العنصري لقوانين الهجرة، إلخ). وإذا كان هذا هو مكمن القلق الوحيد منه، فإننا نستطيع العودة إلى سياساتنا التي تقوم بإعادة برمجتها بانتظام الإمبريالية والمؤسسة النيو-ليبرالية.

مع ذلك، كان ما فعله ترامب هو أنه حشد معاً مجموعة من القوى السياسية اليمينية الرجعية الغاضبة التي شرعت في تنظيم نفسها. فما الذي سيحدث لهذه القوى عندما يغادر دونالد ترامب المشهد السياسي؟ هل ستتبدد ببساطة في الأثير، وتحيل سياساتها الفاشية إلى ذاكرة بعيدة ما بينما تجمع “أعلام غادسين”، ودبابيس “الأرواح تهم”، وملصقات “جمجمة المنتقم” خاصتها وتضعها في صندوق في العلية؟

كلا، وإنما سوف تكون بصدد التطلع بدلا من ذلك إلى زعيمها التالي، الديماغوجي التالي الذي سيكون، على النقيض من ترامب، منظِّرا أيديولوجيا ناعما، مناسبا للتصوير، مفصلا جيدا وبليغا. وليس فاشيا فحسب، وإنما مؤمن حقيقي. وهذا الشخص موجود هناك الآن، في مكان ما، يراقب التطوُّر البيولوجي لهذه الحركة الوليدة، ويفكر فقط في كم يستطيع أن يُنجز إذا ما استخدم عناوين الحديث المناسبة، وصورة عائلية نظيفة وصحيّة. وهو هناك. يستعد لقدوم زمنه. منتظراً دوره الذي يشعر، لأسباب وجيهة، بأنه حتمي.

من عبادة الشخصية إلى “الكنيسة الكبيرة”

لعل الشيء الذي يميز المؤيد السياسي النمطي والعضو النمطي في طائفة دينية هو الإيمان؛ ويؤمن المنتمي إلى طائفة بلا سؤال بأن الحقيقة هي فقط تلك التي تعزز، وتؤيد، وتطري على زعيمه الموقَّر. وفي حين أن السياسي يصنع القواعد الشعبية ويخوض الحملات ويبني شبكات من المؤيدين، فإن قادة الطوائف الدينية والعقائد يصنعون جيوشا من المتعصبين المستعدين للتضحية برفاههم الخاص من أجل مصلحة القائد العزيز.

من الواضح أن الترامبية ليست أيديولوجية بقدر ما هي عقيدة شخصية. ويتم إبقاؤها متماسكة معاً بطرق كثيرة، بواسطة بعض المواقف السياسية والمبادئ الأيديولوجية –القومية المتطرفة، والحصرية العنصرية، وكراهية المسلمين، والكيانية البيضاء، إلخ- لكنها تصبح قوة فاعلة من خلال قوة كلمات ترامب. وبقدر ما قد يبدو ذلك غرائبياً، فإن هذه الكلمات تحمل قدراً هائلاً من الوزن والتأثير.

وجد استطلاع حديث أجراه “باتل غراوند تراكر” في محطة “بي. بي. “سي” أنه من بين الناس الذين يعرّفون أنفسهم بأنهم مؤيدون لترامب، فإن 91 في المائة يثقون بأن ترامب يعطيهم معلومات دقيقة –الحقيقة. 91 في المائة! الحقيقة؟! وجاء الأصدقاء والعائلة في المركز الثاني بنسبة 63 في المائة. ولنتوقف قليلاً مع هذه الأرقام . يصدِّق أكثر من 9 من كل 10 من مؤيدي ترامب، بشكل قبْليّ فيما يبدو، كل شيء يخرج من فم ترامب. ويخبرنا هذا الكثير عن ترامب وسلطته. ولكن، ربما يكون الأكثر شؤماً هو ما يخبرنا به عن الترامبية. “تذكروا فقط، إن ما ترونه وما تقرأونه ليس هو ما يحدث”، هكذا يقول صاحب القداسة، الكاهن الأكبر، دونالد جيه. ترامب.

بالنسبة لعابديه، فإن موسوليني وسط المدينة هذا هو سيد الحقيقة نفسها، القاضي الذي يحكُم ويقرر ما هو، وما هو ليس حقيقيا، وصحيحا، وصائبا.

وإذن، ما الذي يحدث عندما ينزلق ترامب نازلا عن المسرح السياسي؟ ليس من الصعب كثيرا التنبؤ بأن ذلك التحالف شبه المترابط الذي سيخلفه وراءه سيسعى إلى التوحد خلف ممثل آخر لمخاوفهم، ومواطن عدم ثقتهم، وكراهياتهم. وإذا كان ذلك الشخص يعرف كيف يكون ديماغوجيا بالطريقة التي يفعلها ترامب، فإن حركة فاشستية ستكون قد خرجت إلى الوجود عند ذاك.

رسم صورة مرعبة

على الرغم من الفضائح التي لا تُعد ولا تُحصى، وتغريدات ديقراطيين والليبرالين التي تتهمه بالخيانة وارتكاب جرائم عليا أخرى، والسيل المستمر من التصريحات عن أفول ترامب السياسي، فإن قاعدة “الوحش البرتقالي” نمت فعلا.

وفقاً لبيانات “غالوب” الأخيرة، فإن معدل تأييد “الحزب الخاص” لترامب –الدعم الذي يتمتع به بين الناخبين الجمهوريين- هو ثاني أعلى معدل يناله أي رئيس منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وهو يأتي فقط بعد جورج دبليو بوش الذي كان قد تلقى دفعة اصطناعية هائلة من دعم الرأي العام في أعقاب 11/9. وبالإضافة إلى ذلك، يبدو أن ناخبي ترامب منذ العام 2016 ظلوا ثابتين على دعمهم الذي لا يهتز له، على الرغم من كل الفضائح المذهلة والتكشفات المتعاقبة. ولذلك علاقة بالنفسية الترامبية أكثر مما له بأي شيء فعله ترامب نفسه.

وإذن، دعونا نتأمل في ما سيأتي تاليا…

يصنع ترامب حجما من الكراهية من الديمقراطيين والآخرين بحيث تؤذِن انتخابات العام 2020 بهزيمة ترامب على يد مرشح تقدمي، مثل بيرني ساندرز، أو حتى وسطي من النيو-ليبراليين، مثل كامالا هاريس أو هيلاري كلينتون. ولن يُفرق مَن يكون المرشح على الأغلب، لأن أي أحد يقف على يسار جنكيز خان سيكون شيوعياً محباً للمسلمين في عيون الترامبيين. وسوف تكون قاعدة ترامب غاضبة، ويرجح أن تقترح أن “الدولة العميقة” تآمرت من أجل تدمير ترامب وسرقة الانتخابات منه حتى تقوم بتسليم السلطة إلى يساري، اشتراكي، محب للمسلمين، وعاشق للمهاجرين، والذي سوف يجبر كل الفتيات الصغيرات على إجراء عمليات إجهاض، وكل الأولاد على استخدام الضمائر غير المحدَّدة للجنس واللعب بدمى البنات.

الذي سيحدث هو صعود حاد للمجموعات اليمينية الفاشية شبه العسكرية. وفي حين أن نمو هذه الحركة أقلَع وانطلق في عهد أوباما (لأسباب ليس من الصعب تصورها)، فإنها سوف تتضاعف بطريقة غير عادية في حقبة ما بعد ترامب -بشكل خاص عندما سيكون السرد السائد هو أن ترامب كان مقاتلاً شرساً من أجل أميركا، والذي كانَ يجد العراقيل عند كل منعطف، والتي يضعها الليبراليون، ومحطة “سي. إن. إن”، وحركة “أنتيفا” المناهضة للفاشية، وكل غير المرغوب فيهم الآخرين الذين يسعون إلى تدمير الولايات المتحدة. كان ترامب بطلُنا، والذي أرسله الله لتنظيف هذا البلد، وبدلاً من ذلك صلبوه فقط بسبب روسيا، والنجمات الإباحيات، والأخبار الزائفة.

والآن، تأملوا الأعداد، وما الذي قد يبدو عليه الذهاب إلى التطرف على هذا النحو.

في انتخابات العام 2016، تلقى دونالد ترامب نحو 63 مليون صوت على المستوى الوطني. وفي حين أن بعض مؤيديه السابقين تخلوا عنه منذ ذلك الحين، فإن العديد من الجمهوريين الذين كانوا في الأساس متشككين في ترامب تحولوا إلى ترامبيين متشددين. وفي حين أن من الصعب تحديد كم يوجد بالضبط من الترامبيين المتشددين، فإننا نستطيع أن نقول –بتحفظ- أن ما يقرب من 50 إلى 75 مليون أميركي يتناسبون مع هذه الفئة.

والآن، لنتأمل لو أن واحدا من بين كل 10 ترامبيين أصبح متطرفا إلى حد الانخراط في أشكال غير انتخابية من العمل السياسي. سوف يعني ذلك أنه سيكون هناك ما بين 5 إلى 7.5 مليون أميركي ينضمون إلى مجموعات ميليشيا متطرفة (مثلاً، “جماعة الثلاثة في المائة” أو “حفَظة القسَم”)، والعصابات الفاشية مثل “الولد الفخور”، والتشكيلات الأخرى من اليمين المتطرف. وسوف تقوم مثل هذه الأعداد من المتطرفين بتحويل سياساتنا الوطنية والمحلية جذرياً، وستخلق كتلة سياسية فاشية حقيقية في تاريخ الولايات المتحدة الحديث.

في أعقاب تجمُّع التفوقيين البيض في تشارلوتسفيل في آب (أغسطس) 2017، الذي أسفر عن مصرع هيذر هاير، وجد استطلاع أجرته صحيفة “الواشنطن بوست” ومحطة “إيه. بي. سي” أن 9 في المائة من الأميركيين تقريباً (نحو 22 مليون شخص) يعتقدون أن من المقبول اعتناق وجهات نظر النازيين الجدد والتفوقيين البيض. ولنتأمل احتمال أن تتكرس وجهات النظر هذه أكثر فحسب بينما ينتقل “قطار ترامب” من كومة قمامة محترقة إلى أخرى.

بعبارات أخرى، قبِلت ملايين فوق الملايين من الأميركيين مسبقاً بنوع من السياسات الفاشية التي تقوم بتشكيل نظرتهم العالمية المُرشِدة -واحدة ستذهب إلى مزيد من التطرف فقط بقدوم رئيس تقدمي يأتي بعد ترامب وينقض الكثير مما فعله. سوف يكون من شأن هكذا تطرف أن يعزز المزيد من التنظيم الذاتي، عندما لا يتقبل الفاشيون حدوث ذلك بلا حراك. وسوف يواصلون تنظيم أنفسهم في كل زاوية من البلد. وبأعدادها التي بالملايين، سوف تحتاج مثل هذه الحركة الفاشية فقط إلى رجل واحد ليحشدها ويسلِّحها.

وهذا الرجل قادم. سوى أننا لم نقابله بعد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى