ترجمات أجنبية

كارل بيليدت يكتب – الملاحة في خضم نهاية اللعبة السورية

كارل بيليدت* – ستوكهولم – 1/9/2018

في تحول مفاجئ مثير للريبة، زعم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً أنه قلق بشأن مصير ملايين اللاجئين الذين فروا من المذبحة في سورية. وفي اجتماع عقد مؤخراً مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، أعرب بوتين عن أمله في أن يساعد الاتحاد الأوروبي في إعادة بناء سورية حتى يتمكن النازحون من العودة إلى ديارهم. وفي الأسابيع الأخيرة، حمل الدبلوماسيون الروس نفس الرسالة عبر العواصم الأوروبية.

من المؤكد أن الحرب الأهلية في سورية بدأت بالانحسار بعد أن استعاد نظام بشار الأسد معظم أراضي البلاد. لكن هذه النتيجة ليست حتمية. بل على العكس من ذلك، كان الجيش السوري قريباً جداً من الانهيار في وقتٍ سابق. وقد تمكن الأسد من قلب وجهة الأحداث فقط بمساعدة حاسمة من الميليشيات المدعومة إيرانيا ومن الدعم الجوي الروسي.

في هذه الأثناء، لم تحقق الجهود الأميركية لتشكيل قوات معارضة مسلحة “معتدلة” الكثير، باستثناء قيام وحدات حماية الشعب الكردية، وهي فرع من حزب العمال الكردستاني، بالسيطرة على قطاع شمال سورية المتاخم للحدود التركية. وأصبح الشيء الوحيد المتبقي الآن هو تدمير جيب جبهة النصرة المتبقي في إدلب والتوسط في نوع من التسوية بين وحدات حماية الشعب ونظام الأسد.

لقد نجا الأسد بتكلفة باهظة. فقد نزح أكثر من نصف السكان السوريين داخلياً أو أجبروا على الفرار إلى البلدان المجاورة أو إلى أوروبا. كما أصبح جزء كبير من البنية التحتية السورية -من المجمعات السكنية إلى المستشفيات- يرقد في الأنقاض. وغني عن القول أن اقتصاد البلد قد تم تدميره، بسبب الآثار المباشرة للصراع والعقوبات التي فُرضت على البلد كجزء من الجهود الفاشلة لإجبار الأسد على تقديم تنازلات سياسية.

لم يعان أي بلد آخر في نصف القرن الماضي من خسائر فادحة في الأرواح البشرية والدمار المادي مثلما عانت سورية. ولا شك أن المسؤولية عن هذه المأساة تقع على عاتق نظام الأسد ومؤيديه من الروس والإيرانيين. وسيقول هؤلاء، بطبيعة الحال، أنهم يحاربون الإرهاب، كما لو أن ذلك يعفيهم من المسؤولية عن أساليبهم العشوائية واستهتارهم المتهور بأرواح المدنيين. لكن الأجيال القادمة سوف تتذكر المصدر الحقيقي للإرهاب الذي تم فرضه على المشرق خلال السنوات السبع الماضية.

تختلف التكلفة المقدرة لإعادة إعمار سورية على نطاق واسع. ففي حين وضعت دراسة للبنك الدولي في العام 2017 التكلفة عند 225 مليار دولار، تشير التقييمات الأخيرة إلى إجمالي يقترب من 400 مليار دولار. ويتوقع آخرون أن يصل المبلغ إلى تريليون دولار. هذا من دون احتساب التكاليف البشرية للحرب.

من الواضح من هجوم بوتين الأوروبي الساحر أن روسيا لا تنوي تحمل أي جزء صغير من الفاتورة. وعلى ما يبدو، لا يشعر الكرملين بأن من الواجب عليه إعادة بناء المدن واستعادة سبل العيش التي دمرتها قنابله.

كما أن الولايات المتحدة غير متحمسة بشكل خاص للمساعدة. وفي الأسابيع الأخيرة، ألغت إدارة ترامب مبلغ 230 مليون دولار كانت مخصصة لتمويل إعادة إعمار الرقة وبعض المناطق الأخرى المحررة من “داعش”. وهي تأمل الآن في أن تدفع السعودية الفاتورة بدلاً عنها. ويبقى أن نرى ما إذا كانت هذه الخطوة حكيمة.

مع تراجع الولايات المتحدة، يصبح من الواضح لماذا يريد بوتين فجأة التحدث إلى الأوروبيين حول محنة اللاجئين السوريين. ولم يكن يهتم لأمرهم عندما كانت قنابله تسقط على أحيائهم مجبرة إياهم على الفرار. لكنه يريد الآن أن تقوم أوروبا بإنقاذ الأسد، وقد يجد بعض التعاطف.

ولكن، ليس من الواضح أن الأسد يريد حتى عودة النازحين السوريين. وإذا كان هناك أي شيء، فهو أنه يبدو مستعداً لاستغلال الوضع لإعادة تشكيل التركيبة العرقية والسياسية للبلد، على نحو سيجعله أكثر أماناً لطائفة الأقلية الخاصة به، العلويين. ولذلك، يمنح قانون جديد اللاجئين سنة واحدة فقط لاستعادة ممتلكاتهم قبل أن تصادرها الحكومة؛ ويبدو أن المتطلبات البيروقراطية الأخرى مصممة للسماح للسلطات السورية برفض دخول أي شخص لا يعجبها.

علاوة على ذلك ، أعلن الأسد صراحة أن الشركات الأوروبية غير مرحب بها للمساعدة في إعادة الإعمار، وأنه ينبغي إعطاء الأفضلية للشركات الروسية. ومن الواضح أن النظام يستعد للاستفادة من أي مساعدة لإعادة البناء تأتي في طريقه. ولكل هذه الأسباب، فإن آخر ما ينبغي على الأوروبيين فعله هو إرسال الأموال مباشرة إلى الأسد. ولعل الخيار الأفضل بكثير هو تقديم الدعم المالي المباشر للأفراد والأسر المستعدة والقادرة على العودة إلى بلدها.

في الوقت نفسه، لا ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يرفع العقوبات حتى يتم التوصل إلى تسوية سياسية ذات مصداقية بين النظام وقوات المعارضة. والسؤال المطروح هو ما إذا كانت هذه التسوية ممكنة. وقد تم حتى الآن إفشال كل اقتراح واقعي من خلال إصرار الأسد على بقائه في السلطة.

من الجيد أن يتذكر الأسد أنه أصبح يحكم الآن حطام بلده. وأن نظامه لن يكون آمنا، حتى عندما تسكت المدافع. وسوف يتركه عدم قدرته على إحياء وإعادة بناء سورية عرضة للخطر بنفس الطريقة التي رفض بها إجراء الإصلاحات السياسية قبل ثماني سنوات. وليس لأوروبا مصلحة في إنقاذ الأسد من هذه الورطة. ولمساعدة سورية، ينبغي إيجاد حل سياسي حقيقي. ولا يوجد أي طريق آخر إلى الأمام بعد الدمار الذي أحدثه نظام الأسد في البلد.

*كان وزير خارجية السويد من 2006 إلى 2014 ورئيس وزرائها في السنوات 1991-1994، عندما تفاوض على انضمام السويد إلى الاتحاد الأوروبي. وهو دبلوماسي دولي شهير، شغل منصب المبعوث الأميركي الخاص ليوغوسلافيا السابقة، والممثل السامي للبوسنة والهرسك، والمبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى البلقان، والرئيس المشارك لمؤتمر دايتون للسلام. وهو رئيس اللجنة العالمية لحوكمة الانترنت وعضو في مجلس الأجندة العالمية للمنتدى الاقتصادي العالمي حول أوروبا.

*خاص بـ”الغد”، بالتعاون مع “بروجيكت سنديكيت”.

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى