قــرار ترامب الأخير بشان القدس دوافعـــه وآفاقـــه…! كما يكتب د. زاهر زكار
(الكاتب/ د.زاهـرزكار)
أثار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب،في يوم 6 كانون الأول(ديسمبر)2017 بأن القدس عاصمة لإسرائيل،موجة من الانتقادات الشديدة في العالم بأسره،وخاصة من قبل حلفاء واشنطن.
لقد تفاجأ العالم من هذا القرار الأرعن،والذي أثار التوتر في منطقة الشرق الأوسط،ولكن لا بد من القول أن ترامب تلقى دعماً لقراره.
وحسب ما تردد بشان ذلك،بأن الانجليون ربما من يقف خلف حث ترامب على اعلان القدس عاصمة لإسرائيل،وبحسب بعض المحللين الغربيين،فإنهم يعتقدون بأن الجماعات الانجيلية المسيحية من المحتمل، بأنها كانت وراء اعلان ترامب واعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وعليه،فإن تلك الجماعات الانجيلية تعد أحـد العوامل المهمة التي دفعت بالرئيس الأمريكي إلى الإعلان رسمياً عن الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وكان الكل يعلم بقرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس منذ العام1995،عندما أعلن الكونغرس الأمريكي(حينذاك)عن قرار يؤيد نقل السفارة إلى القدس،ولكن القرار كان يؤجل من قبل الرؤساء الأمريكيين السابقين،فالكونغرس أرغم كل رئيس أمريكي على تلبية مطالب اللوبي اليهودي ،فلا شك بأن تأثير اللوبي اليهودي والانجيليين،الذين بلغ تعدادهم حوالي”80″مليون في الولايات المتحدة،كان له الأثر في قرار ترامب الأخير بشأن القدس،والذي ينص على الاعتراف بالقدس على أنها عاصمة لإسرائيل،وكأن “القدس”أصبحت ملكا خاصا لترامب أو لأمريكا.
ولا بد من التذكير هنا،بأن ترامب قد أوفى بوعده،الذي قطعه أثناء حملته الانتخابية للانجيليين والصهاينة القاطنين في الولايات المتحدة.
وكان الرئيس الأمريكي الأرعن دونالد ترامب،قد تفاخر منذ اليوم الأول لرئاسته،بأنه سيحل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني،زاعما بأنه قادر على فعل ما لم يفعله أي رئيس أمريكي واصفا إياه بـ”الصفقة النهائية”.
والواقع ان سياسة الولايات المتحدة الأمريكية الخارجية،بدأت تاخذ منعطفاً جديداً خلال العقود الماضية،من جراء الضغط التي تمارسه جماعات مؤيدة لإسرائيل وتنشط في الولايات المتحدة،وهنا يجدر التذكير بمجموعة”إيباك” الضاغطة على الإدارة الأمريكية،كما ان هناك الجماعة الانجيلية التي تعد من الجماعات الضاغطة،والصهاينة القاطنين في الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد تضمن قرار ترامب الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل،عناصر أهم محاورها مايلي:
ـــ ان القدس عاصمة لإسرائيل،فحسب”ترامب”فإن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل هو الشيء(من وجهة نظره)الصحيح الذي ينبغي فعله”ولكن مع ذلك فقد حرص(ترامب)في خطابه الأخير على تأكيد،أن إعلانه هذا لا ينبغي ان يمس بقضايا الوضع النهائي.وفي هذا السياق بعثت الخارجية الإمريكية برسالة إلى سفاراتها في العواصم الأوروبية تطلب فيها من الدبلوماسيين الأمريكيين،ضرورة التوضيح للمسؤولين الأوروبيين”ان القدس ما زالت قضية من قضايا الوضع النهائي بين الإسرائيليين والفلسطينيين،وأنه يجب على الطرفين تقرير أبعاد سيادة اسرائيل في القدس خلال مفاوضاتهم،وهذا ما أكده وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون مرة أخرى،بقوله كان الرئيس كان واضحا للغاية ان الوضع النهائي(بالنسبة إلى القدس)بما في ذلك الحدود،سيترك للتفاوض واتخاذ القرار بين الطرفين، وذلك في اشارة ضمنية إلى أنه يمكن تقسيم المدينة(القدس)إلى عاصمتين إذا توافق الطرفان.
وكانت اسرائيل قد احتلت القدس الغربية عام1948،وأعلنتها عاصمة لها عام1949 في خطوة رفضها المجتمع الدولي،بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية،ثم احتلت القدس الشرقية عام1967، وقد نصت القرارات الدولية على ان القدس الشرقية التي تقع ضمن حدودها الأماكن المقدسة لليهود والمسيحيين والمسلمين”أرض محتلة”وهي الجزء الذي يريده الفلسطينيون عاصمة لدولتهم،ولكن اسرائيل ترفض ذلك.
ــــ نقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشرقية،فعلى الرغم من قرار ترامب،بأمر وزارة الخارجية بـ”بــدء التحضيرات لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس”إلا أن وزير الخارجية الأمريكية”تيلرسون” صرح”بأن ذلك لن يحدث هذا العام ولا العام المقبل على الأرجح،ولكن الرئيس ترامب يريد البدء في عملية ملموسة عندما نكون قادرين على ذلك”،وبغض النظر عن موعد نقل السفارة فعلياً،فإن ترامب بقراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وتوجيهه للخارجية ببدء تحضيرات نقل السفارة،يكون قد أنهى عملياً،سياسة اتبعها أسلافه الثلاثة على مدى أكثر من عشرين عاماً،بتأجيل قرار النقل إلى ان يتم التوصل إلى تسوية سلمية توافقية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ــــ الالتزام بالسلام وحل الدولتين”وفق مواصفات اسرائيل”حيث حرص ترامب في خطابه الأخير على تأكيد التزام إدارته”بتسهيل التوصل إلى اتفاق دائم للسلام”،ولأول مرة منذ وصوله إلى الرئاسة،يعلن ترامب دعمه حل الدولتين.
غير ان دعمه هذا جاء مشروطا” بموافقة الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني”.وستدعم الولايات المتحدة حل الدولتين إذا وافق عليه كلا الطرفين،وهو الأمر الذي يعيد المفاوضات بين الطرفين إلى المربع الأول،فهو(ترامب)يمنح حق الفيتو لإسرائيل التي ترفض الاعتراف بدولة فلسطينية بناء على قرارات الشرعية الدولية.
وبخصوص دوافع ترامب وحساباته،فإن قرار ترامب بشأن القدس،لم يكن محل توافق بين مستشاريه الرئيسيين،ففي حين عارضه وزير الخارجية”تيلرسون”والدفاع”جيمس ماتيس”ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية(سي.أي.إيه)”مايك بومبيو”،فقد أيده كل من نائب الرئيس”مايك بينس” والسفيرة الأمريكية في الأمم المتحدة”نيكي هالي”والسفير الأمريكي في اسرائيل”ديفيد فريدمان”كما أيده في قراره صهره ومستشاره”جاريد كوشنر،والمبعث الأمريكي الخاص للسلام في الشرق الأوسط”جيسون جرينبلات”.
لقد تمثلت مسوغات معارضي هذا القرار الأرعن،في انه قد يمثل تهديداً للمصالح الأمريكية في المنطقة العربية والإسلامية،كما أنه قد يضعف الرعاية الأمريكية للمفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية،ويفشل أي مقترحات للسلام تعمل عليها هذه المفاوضات.وربما يفجر هذا القرار عبر الانجرار إلى جولة جديدة من العنف في الأراضي الفلسطينية المحتلفة،ناهيك عن أنه قد يوتر علاقات أمريكا بحلفائها من العرب والمسلمين،وبل وقد يساهم في عزل الولايات المتحدة دبلوماسياً حتى بين حلفائها من الأوروبيين.
وفي المقابل،فإن حجج مؤيدي القرار المذكور،تتمثل في أن اعلانا من هذا النوع،سيعزز صدقية الرئيس الأمريكي ترامب بين الإسرائيليين،وبناء عليه يمكنه المناورة مع حكومة نتنياهو اليمينية في حال طرحت الإدارة الأمريكية اطارا لاتفاق نهائي مع الفلسطينيين.
وهناك أسباب حقيقية دفعت دونالد ترامب إلى المضي قدماً في اعلان قراره بشأن القدس عاصمة لإسرائيل،على الرغم من معارضة كبار مستشاريه في مجلس الأمن القومي.فقد حاول ترامب أن يضع القرار في اطار الإلتزام بالقانون الذي أقره الكونغرس في العام1995،حول نقل السفارة الأمريكية من تل ابيب إلى القدس،ولم يتردد(ترامب)من التلميح إلى الرؤساء الأمريكيين الثلاثة الذي سبقوه،من انه كانت تنقصهم الشجاعة لعدم تفعيلهم لهذا القانون.كما أن هذا الموضوع بالنسبة إلى “ترامب” يتعلق بوعد قطعه على نفسه بوصفه مرشحاً.
وبناء عليه،فإنه لا بد من الوفاءبه،وذلك على عكس ما سبقه من رؤساء”ففي حين جعل الرؤساء السابقون من هذا الأمر وعداً رئيسياً في حملاتهم الانتخابية،فإنهم لم يفو به..وأنا اليوم(الكلام لترامب) أفي به..”.
والواضح هنا أنه يبرز بعد ذاتي في قرار ترامب..فهو لم ينفذ أيا من وعوده الانتخابية(تقريبا)،ما يتناقض مع ميله إلى الظهور بمظهر الرئيس الأمريكي القوي ،الذي يستطيع ان يتخذ القرارات التي لا يجرؤ غيره على اتخاذها،والذي وجد في قضية فلسطين (تحديدا)فرصة مناسبة لممارسة هذا الميل الذاتي..!.
ولكن هناك أيضا رغبة لديه لارضاء جمهوره وأنصاره في الحزب وقاعدة دعمه الانتخابية،وفي مقدمتها،ارضاء اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة،ففي شهر(اذار)مارس2016،ألقى ترامب خطابا أمام لجنة الشؤون العامة الأمريكية-الاسرائيلية(إيباك)وهو الذراع اللوبي الصهيوني في أمريكا، تعهد(ترامب)فيه بنقل”نقل السفارة الأمريكية إلى العاصمة الأبدية للشعب اليهودي،القدس”.وتشير بعض التقارير الصحفية إلى انه بعد ذلك الخطاب،انحاز الملياردير اليهودي”شيلدون أديلسون”والداعم للجمهوريين إلى دعم حملة ترامب للرئاسة،وتبرع بمبلغ”20″مليون دولار،إلى احدى اللجان السياسية الانتخابية المؤيدة لترامب،ثم تبرع مرة أخرى بمليون ونصف دولار لتنظيم مؤتمر الحزب الجمهوري الذي أعلن ترامب رسميا مرشحا رئاسيا له.ومنذ انتخاب ترامب رئيسا،لم يتوقف”اديلسون”عن تذكيره بوعده،ولم يخف تذمره عندما خضع ترامب لضغوط مستشاريه في حزيران(يونيو)الماضي،وقرر توقيع اعفاء نقل السفارة.وقد أورد وسائل اعلام امريكية،بأن ترامب دخل فجاة إلى اجتماع كبار مستشاريه لشؤون الأمن القومي في27نوفمبر2017،حين كانوا يناقشون موضوع تأجيل نقل السفارة الأمريكية مرة أخرى من عدمه.وأبدى(ترامب)اصرارا على ضرورة ان يقدموا له خياراً يسمح له بالإيفاء بوعده الانتخابي،وهو ما تم بالشكل الذي صدر فيه القرار ،على الرغم من تحذيرات وزيري الدفاع والخارجية له.
كما أراد(ترامب)بقراره هذا ارضاء الجماعات الانجيلية،فالانجيليون يمثلون نحو25%من الشعب الامريكي،وصوت نحو80%من البيض منهم لمصلحة ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة،وتمثل قضية نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس احدى أولويات الكتلة التصويتية،بل أن كثيرا من جماعاتهم ضغطت على ترامب للتعجيل بقرار نقل السفارة وإعلان القدس عاصمة لاسرائيل.وهنا لا بد أن نذكر انه بالنسبة للانجيليين،فإن قضية نقل السفارة لا تتعلق برؤية سياسية بقدر ما هي تحقيق لنبوءة تمهد الطريق لعودة المسيح في الطريق إلى معركة نهاية التاريخ الذي يفترض-حسب الأسطورة-أن تقع في سهل”مجدو”وسوف يقبل اليهود”المسيح”مخلصا لهم بعد ان رفضوه من قبل، ومن الأرجح ان (ترامب)لا يؤمن بهذه العقيدة،إلا أنه ليس في وارد اغضاب هذه الكتلة الانتخابية الكبيرة المؤيدة له.
وأخيرا لا بد ان نقول،ان قرار ترامب الأخير،جاء تعبير عن انتصار أنانيته السياسية الداخلية على مقاربة عقلانية وواقعية للسياسة الخارجية الأمريكية.
كما ان هذا القرار جاء بمثابة انتصارا للمعسكر اليميني المتطرف في ادارته،الذي تقوم حساباته على ان الفلسطينيين سوف يبتعدون عن طاولة المفاوضات فترة من الزمن،ولكن لن يلبثوا ان يعودوا إليها ضمن الوقائع الجديدة،كما فعلوا كل مرة،وهو ما يعني ان الرهان(فلسطينيا) سيكون عمليا على ارادة المقاومة والانتفاضة الشعبية لدى الشعب والقيادة الفلسطينية،ومدى قدرتهما على الصمود في وجه الضغوطات الأمريكية وكذلك العربية أيضا،والتمسك والإصرار على موقفهما،بأن الولايات المتحدة لم تعد وسيطا مؤهلاً لرعاية العلمية السلمية،كما أشار لذلك الرئيس الفلسطيني،والبحث عن خيارات أخرى بعد ثبوت فشل خيار المفاوضات.