قرارات «الوطني» : خطوة إلى الأمام، والعبرة في التنفيذ
معتصم حمادة – 12/5/2018
• كيف استدرك رئيس المجلس تغييب اللجنة التحضيرية؟
• … وكيف استقبل المجلس خطاب أبو مازن و«رؤيته» في العودة إلى أوسلو؟
• أين وكيف جاء الرد على «رؤية عباس»؟
• لماذا لم ترتقِ القرارات التنظيمية إلى مستوى القرارات السياسية؟
• هل سنشهد هذا العام أو في المقبل مجلساً وطنياً جديداً؟
■ انتهت أعمال الدورة الثالثة والعشرين للمجلس الوطني الفلسطيني، بإصدار بيان ختامي، في إطار توافقي، واختيار لجنة تنفيذية جديدة، والأعضاء المستقلين في المجلس المركزي الجديد. ويمكن في هذا السياق، أن نسجل ما يلي:
• فشلت الدعوات لعقد مجلس وطني توحيدي، يحضره الجميع، ويعيد بناء الوحدة الوطنية على أسس جديدة، وينهي الإنقسام. ولعب في إفشال الدعوة أكثر من عامل، أهمها حالة الإنقسام الحادة بين فتح وحماس، والتي أعادت العلاقة بينهما إلى نقطة الصفر، خاصة بعد حادثة محاولة إغتيال رئيس الحكومة رامي الحمدالله. وكان واضحاً استحالة (وليس فقط صعوبة) نجاح الدعوة لمؤتمر توحيدي، بسبب تعنت الطرفين، وتمسك كل منهما بمواقفه.
• لم يتم التحضير للدورة وفقاً للتقاليد المتبعة في الدعوة للمجلس الوطني، وقد هيمنت على عملية التحضير سياسة التفرد بالقرار من قبل القيادة الرسمية. ولم يعوض هذا الغياب الاجتماعات التي عقدتها لجنة ممثلي الفصائل الفلسطينية في رام الله، تداولت فيها قضايا المجلس وعناوينها، مع التأكيد أنها لم تكن لجنة تحضيرية مسلحة بصلاحيات وذات قرارات نافذة. لذلك شاب التحضير لدورة المجلس الوطني غموض وإرباك وارتباك، انتشرت بسبب ذلك في الأجواء إشاعات وادعاءات، حاولت أن تتنبأ بالتشكيلة القادمة للجنة التنفيذية، (أثبتت النتائج عدم صحتها) وأن تتنبأ بالنتائج السياسية التي سيسفر عنها المجلس، بما في ذلك المصادفة على رؤية الرئيس (أي خطاب أبو مازن في مجلس الأمن الدولي في 20/2/2018) وتبنيها باعتبارها العنوان الكبير للإستراتيجية السياسية للمرحلة القادمة.
• تعرضت بعض الفصائل لعملية تشويه لمواقفها، من بينها الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في ادعاءات تحدثت عن مكاسب فئوية وحزينة تطمح الجبهة لتحقيقها، في ظل مقاطعة الجبهة الشعبية، ما دعا الجبهة الديمقراطية إلى إصدار بيان سخرت فيه من هذه الادعاءات، مؤكدة أن «لا حق لأحد في م.ت.ف على حساب حق أحد»، وأن كل القضايا التي تقدمت بها في مذكرتها إلى المجلس الوطني كانت قضايا وطنية، سياسية وتنظيمية، بعيداً عن النزعة الفئوية والحزبية الضيقة.
• غابت اللجنة التنفيذية (المغيبة على الدوام) عن العملية التحضيرية لدورة المجلس، لولا الدعوة التي وجهها رئيس المجلس الوطني سليم الزعنون، عشية انعقاده، للأمناء العاملين أو من ينوب عنهم، لعقد اجتماع، وصف بأنه «اللجنة التحضيرية»، والتي حفظت بعض ماء الوجه هنا وهناك، وأعادت الأمور نسبياً، إلى نصابها.
الافتتاح «ورؤية الرئيس»
شكلت جلسة الافتتاح، كالعادة، مهرجاناً احتفاليا، ألقيت فيه كلمات رئيس المجلس الوطني، والتي لقيت ترحيباً وطنياً وشعبياً، حين أكد فيه التزام م.ت.ف، «بالدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود حزيران 67، وحل قضية اللاجئين بموجب القرار 194، الذي كفل لهم حق العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ العام 1948».
ألقى بعده رئيس السلطة (رئيس اللجنة التنفيذية) كلمة مطولة، اختتمها بإعلانه التمسك بخطابه أمام مجلس الأمن الدولي (20/2/2018) داعياً المجلس الوطني لتبني هذا الخطاب باعتباره الخطة السياسية المعتمدة فلسطينياً في المرحلة القادمة. أي اعتماد سياسية العودة إلى «مفاوضات الحل الدائم» تحت سقف اتفاق أوسلو وبموجب آلياته، وشروطه، ومتطلباته، متعهداً «عدم اللجؤ إلى خطوات أحادية»، أي عدم اللجؤ إلى الأمم المتحدة أو محكمة الجنايات الدولية، أو الانتساب إلى الوكالات الدولية ذات الاختصاص، أو وقف التنسيق الأمني، أو فك الارتباط بالاقتصاد الإسرائيلي (أي بتعبير أخر، طي صفحة قرارات المجلس المركزي في دورتيه الأخيرتين، والانقلاب عليها).
وفي إطار إصراره على موقفه، لم يتردد أبو مازن في قراءة مشروعه للتسوية (رؤية الرئيس) حرفياً أمام الحاضرين.
أشاعت كلمة الرئيس عباس بليلة بين أعضاء المجلس الوطني، بين مرحب، وبين معارض، وبات الإنقسام واضحاً على الوجوه، وتوالت التعليقات، بحيث بات المجلس محشوراً في الزاوية الضيقة:
1) أن يوافق على «رؤية الرئيس» وأن ينقلب على قرارات المجلس المركزي، وأن يعيد الاعتبار لإتفاق أوسلو والتزاماته وقيوده على الحالة الفلسطينية.
2) أو وأن يطوي «رؤية الرئيس»، وأن ينطلق من قرارات المجلس المركزي بإتجاه التطوير، خاصة في ظل سياسات أميركية وإسرائيلية لم تترك هامشاً ولو ضيقاً، يمكن «التسلل» منه نحو حل يحفظ لمشروع أوسلو بعضاً من ماء الوجه (اذا كان لوجه أوسلو ماء أساساً).
وبذلك استمرت الحوارات والنقاشات حتى الصباح، في أروقة المجلس، وصالات الانتظار في الفنادق التي آوت المشاركين.
« الديمقراطية»: الرد على خطاب الرئيس
الرد على خطاب الرئيس عباس، أتى أول ما أتى، من الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، التي كانت أول الفصائل المتحدثة في المجلس. أكدت فيها بوضوح أنها جاءت الى هذه الدورة من موقع المعارضة في الصف الوطني، ومن موقع معارضتها لأوسلو وتداعياته وقيوده، ومن موقع الدعوة للخروج من نفق هذا المشروع لصالح العودة الى برنامج الإنتفاضة والمقاومة، في الميدان، وفي المحافل الدولية، وإعادة الإعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تكاد مؤسساتها أن تذوب في مؤسسات السلطة الفلسطينية، والتي أثبتت التجربة فشلها في أن تقود إلى قيام دولة فلسطينية تحت الاحتلال. ولم تتردد الجبهة الديمقراطية في كلمتها، وبحضور الرئيس عباس في الإعلان بشكل واضح استعدادها للانسحاب من أعمال المجلس اذا ما نقرر اعتماد «رؤية الرئيس» في أي من قراراته.
هذه الكلمة، بوضوحها، وجرأتها، لقيت ترحيباً واسعاً من قبل الصف العريض من أعضاء المجلس، وشكلت فاتحة شجاعة لباقي القوى لتشدد على رفضها لأوسلو، ولأي مشروع وأية رؤية ترتبط بأوسلو، بشكل أو بآخر، داعية الى الخروج من هذا النفق لصالح قرارات المجلس المركزي في دورتيه الأخيرتين.
كما تتالت على منبر المجلس كلمات منها من أدان النزعة البوليسية التي تتبعها السلطة الفلسطينية في إدارة الشأن العام في مناطقها، ومنها من انتقد بشدة البرنامج الاجتماعي لحكومة السلطة المنحاز بشدة لصالح كبار رجال المال والأعمال وعلى حساب الفئات الأخرى في المجتمع الفلسطيني، كما تعرضت قيادة م.ت.ف لانتقادات حادة بشأن دورها شبه الغائب عن قضية اللاجئين، خاصة منهم في لبنان وسوريا، وهو أمر دفع بعض المعلقين للقول إن الدورة هذه كانت دورة الجبهة الديمقراطية بامتياز، اذا تميزت بحيوية كتلتها البرلمانية في مداخلاتها ومذكراتها واقتراحاتها التي توزعت على الحاضرين (ناصر اللحام/ موقع معاً/ مقالة بعنوان «وانتهى المجلس الوطني» في 4/5/2018)
النتائج السياسية
مما لا شك فيه أن المجلس حقق خطوات الى الإمام في الجانب السياسي، ليس لأنه اعاد التأكيد على قرارات المجلس المركزي في دورتيه الأخيرتين فحسب، بل ولأنه أيضاً، أعلن تعليق الإعتراف بإسرائيل من موقعه كأعلى سلطة، وأعلن إلغاء الإتفاقات الموقعة معها (قال إنها لم تعد قائمة) وقرر نقل القضية الى الأمم المتحدة ومحكمة الجنايات الدولية.
كما كان واضحاً أنه طوى صفحة «المفاوضات»، وطوى صفحة «العملية السياسية»، ولم يأتِ على ذكرهما، بل أتى على ذكر« حل الصراع مع إسرائيل»، تاركاً لصيغة هذا الحل أن تأخذ مجراها في «مؤتمر دولي كامل الصلاحيات تشارك فيه الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، بموجب قرارات الشرعية الدولية، وضمن سقف زمني محدد»، ورسم الهدف من هذه المفاوضات «دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة عاصمتها القدس على حدود 4 حزيران 67 (دون الإتيان على مسألة تبادل الأرض المتفق عليها) وحل قضية اللاجئين بموجب القرار 194 ( دون الربط بين هذا القرار وبين مبادرة السلام العربية التي اعتمدتها قمة بيروت العربية (2002) واسقطت فيها حق العودة).
وبالتالي يمكن التأكيد، وفقاً للنص، أن المجلس الوطني تقدم خطوات ملموسة الى الأمام مقارنة مع قرارات المجلس المركزي في دورتيه الأخيرتين، مع ضرورة التأكيدات أنه لا مجال للتلاعب في تفسير هذه القرارات، فهي ملزمة، لأنها صادرة عن أعلى سلطة في م.ت.ف، هي ملزمة للجنة التنفيذية ولرئيسها، وملزمة للمجلس المركزي وأعضائه، وملزمة للاتحادات الشعبية وباقي المؤسسات الوطنية المتفرعة عن م.ت.ف.
الجانب التنظيمي
لم ترقِ قرارات المجلس، في الجانب التنظيمي إلى مستوى القرارات السياسية، وإن كانت مؤسسات المنظمة قد تعرضت لنقد حاد لأدائها، خاصة تهميش اللجنة التنفيذية أو تهميش دوائرها، أو تغييب إدارة الصندوق القومي،
الذي نجح المطبخ السياسي في تحويله إلى أداة لتصفية الخلافات مع الأطراف السياسية ومع الأفراد. ومع ذلك وردت في البيان الختامي سلسلة من القرارات المهمة في هذا الشأن، دعت إلى إعادة تشكيل دوائر اللجنة التنفيذية، وإعادة تشكيل لجان المجلس الوطني، كما قررت تشكيل لجنة من اللجنة التنفيذية ورئاسة المجلس الوطني لمتابعة قرارات المجلس، وخاصة بما يتعلق بالجوانب التنظيمية.
قراران مهمان
وفي سياق استنكار قرارات المجلس، علينا ألا ننسى قرارين مهمين:
1) الأول، قرار بالإجماع بوقف العقوبات الجماعية بحق قطاع غزة، وخاصة رواتب الموظفين، والموازنات التشغيلية، والعمل على رفع الحصار عن القطاع.
2) الثاني، إعتبار الدورة الثالثة والعشرين هي الدورة الأخيرة لهذا المجلس، على أن يتشكل المجلس القادم الجديد، بناء على ما حرى التوافق عليه، أي بالإنتخابات بموجب نظام التمثيل النسبي الكامل، وبعضوية 350 عضواً فقط، 150 عضواً في الداخل، و200 عضو في الخارج، يكون الداخل دائرة إنتخابية واحدة، وكذلك يكون الخارج دائرة إنتخابية واحدة.
وفي هذا السياق منح المجلس بعض صلاحياته للمجلس المركزي، من بينها ملء الشواغر في اللجنة التنفيذية، دون إنتظار عقد مجلس وطني، وكذلك الأمر بالنسبة لشواغر المجلس المركزي.
موازين قوى
هل معنى هذا أن قرارات المجلس الوطني سوف تجد طريقها بشكل كامل إلى التطبيق؟
هذا هو سؤال الساعة وهو سؤال محق ويستند إلى التجارب المرة للرأي العام مع قرارات المجلس المركزي.
لابد من التأكيد أن أي بيان ختامي، تصدره أية مؤسسة وطنية إنما يعكس موازين القوى التي سادت أعماله، بحيث لعبت القوى الديمقراطية والوطنية، وصف واسع من المستقلين دوراً ملموساً في صناعة هذه النتيجة الإيجابية سياسياً، فتح الباب لإحداث تغييرات تعيد الإعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومؤسساتها، وتفصل بين صلاحياتها وتصونها، وبين صلاحيات السلطة الفلسطينية.
أما في الشارع، فربما يكون ميزان القوى مختلفاً، لذلك لا يمكن لقرارات المجلس الوطني أن تأخذ طريقها إلى التنفيذ إلا من خلال مراكمة القوى في وجه قوى الشد إلى الخلف.
ويمكن تكتيل أوسع القوى إذا ما تبلورت الرؤية بشكل واضح:
• إخراج الحالة الفلسطينية من نفق أوسلو، والتحرر من قيوده وإلتزاماته، إن في م.ت.ف، أو في السلطة الفلسطينية. وطي صفحة المفاوضات الثنائية الناشئة عن هذا المشروع.
• التمسك بالبرنامج الوطني، برنامج العودة وتقرير المصير والدولة المستقلة والسيادة والحرية.
• إستراتيجية كفاحية جديدة: الخروج من أوسلو نحو إستراتيجية المقاومة والإنتفاضة الشعبية، وتدويل القضية والحقوق الوطنية في الأمم المتحدة، ومحكمة الجنايات الدولية، والمجلس العالمي لحقوق الإنسان، ومحكمة لاهاي الدولية.
• إعادة الإعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتعزيز مكانتها التمثيلية في صفوف الشعب، عبر إستعادة المؤسسة لصلاحياتها وإلتزامها البرنامج الوطني بأهدافه المعروفة.
• إعادة صياغة أوضاع السلطة، من إدارة ذاتية تحت الإحتلال، تلعب إلى حد كبير دور الوكيل، إلى سلطة وطنية لحركة التحرر الوطني للشعب الفلسطيني في نضاله ضد الإحتلال والإستيطان، وتوفير مستلزمات صموده، وأدواته النضالية.
• إنهاء الإنقسام، وإعادة بناء الوحدة الوطنية للشعب وقواه السياسية، على أسس برنامجية وتنظيمية، تحت سقف م.ت.ف، الإئتلافية الممثل الشرعي الوحيد.
• إعادة صياغة العلاقات العربية والدولية الفلسطينية بما يخدم البرنامج الوطني الكفاحي.
أخيراً وليس آخراً،
المجلس الوطني في دورته الأخيرة، محطة نضالية، تفتح على محطات نضالية أخرى، تتطلب أدواتها وكفاءاتها، وشعاراتها، وأساليبها الكفاحية.■