قراءة في قانون سفارة القدس”: ما هي خيارات ترامب؟
ترجمة خاصة: عرب 48 – تحرير محمود مجادلة – 5/12/2017
في يوم الجمعة الماضي، انتهت مدة الإعفاء ذو الستة أشهر الذي أعلنه الرئيس دونالد ترامب طبقًا للبند 7 من قانون “سفارة القدس”.
وحتى الآن، كان ترامب يشير إلى نيته لتوسيع مدة الإعفاء لستة أشهر من أجل “تقديم فرصة لخطة السلام”. ولكن خلال الـ24 ساعة الماضية، نشرت الوسائل الإعلامية أن المسؤولين الإسرائيليين يتوقعون من ترامب أن ينهي الإعفاء ويعلن عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس، وقد يحدث ذلك في غضون أيام، (ما أكده الناطق الرسمي باسم رئاسة السلطة الفلسطينية، نبيل أبو ردينة، مساء اليوم الثلاثاء، بإعلانه أن “محمود عباس، تلقى اتصالًا هاتفيا من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أطلعه فيه على نيته نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس” – المحرر).
قد تكون هذه الأخبار دقيقة، أو قد تكون جزءًا من خطة مقربون من إسرائيل يودون إقحام هذه القضية في الإعلام. وبغض النظر عن ذلك، لا تزال نوايا الرئيس مجهولة.
إن السماح بالإعفاء لإنهاء المدة يعبر عن تحول جوهري عن الإدارات الديمقراطية والجمهورية السابقة، والتي كانت – بالرغم من حملاتها ووعودها وضغوطاتها على الكونغرس – تقاوم نقل السفارة الأميركية إلى القدس، خوفًا من تهميش حلفائها العرب وإشعال الاحتجاجات في الشرق الأوسط وضرب مسار السلام الإسرائيلي الفلسطيني، وغيرها من النتائج.
لكن ترامب فضّل خلال حملته الانتخابية، تبني موقف القائل إن “هذه المخاوف مبالغٌ بها ولا تعمل إلا على منع إسرائيل من حق اختيار عاصمتها التي تريد”. ليعد باستمرار بنقل السفارة وعين أحد المؤيدين لهذه الخطوة كسفير أميركا في إسرائيل. وفي حين اختار ترامب الاستمرار في الإعفاء في حزيران/ يونيو لـ “مضاعفة فرص نجاح المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين”، إلا أن بياناته الأخرى أكدت على أن “السؤال لا يتعلق بفكرة حدوث هذه الخطوة من عدمها، بل بتوقيت ذلك”.
السفارة الأميركية ووضعية القدس
عندما تضع دولة ما موقع سفارتها في دولة أخرى في منطقة محددة، فإن هذا يشير إلى أن الدولة الأولى تعترف بهذه المنطقة باعتبارها جزءًا من سيادة الدولة الثانية. هذا الاعتراف بالسيادة يجلب بدوره مجموعة من الحقوق والالتزامات تحت القانون الدولي يمكِّن الدولة من التحكم بتلك المنطقة. ولهذا السبب، راود الإدارات الرئاسية السابقة في الولايات المتحدة القلق من الإقدام على هذه الخطوة ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، لما قد يسببه ذلك من تشويش فيما يتعلق بسياسات الولايات المتحدة، والتي لا تعترف بسيادة إسرائيل أو أي دولة أخرى على القدس.
يعود هذا الموقف الأميركي لبدايات القرن العشرين. فبعد الحرب العالمية الأولى، وضعت مدينة القدس تحت سيطرة الاستعمار البريطاني كجزء من انتدابها لفلسطين. وبعد تلميحات بريطانيا بنواياها الانسحاب في عام 1947، تبنت الجمعية العمومية للأمم المتحدة خطة لتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى دولتين عربية ويهودية مع إعلان القدس “جهة مستقلة تحت إدارة الأمم المتحدة”.
لم يتم تنفيذ هذه الخطة. وبدلًا من ذلك، وفي نهاية الانتداب البريطاني في أيار/ مايو 1948، أشار الزعماء الصهاينة إلى خطة الأمم المتحدة التقسيمية في إعلانهم قيام دولة إسرائيل. أدت حرب عام 1948 (التي أنتهت إلى نكبة الشعب الفلسطيني) إلى هدنة قسَّمت القدس إلى نصفين، مع احتلال القوات الإسرائيلية القسم الغربي وسيطرة القوات الأردنية على القسم الشرقي. تضمنت الأخيرة المدينة القديمة الأثرية في القدس، والتي تحتوي على مواقع ذات أهمية دينية كبيرة بالنسبة للديانات التوحيدية الثلاث (المسيحية، الإسلام واليهودية).
وُصف تطور موقف الولايات المتحدة من القدس من تلك النقطة وحتى امتيازات عام 2014 بناء على ما تشير إليه القضية “زيفوفوسكي ضد كيري”:
“عندما أعلنت إسرائيل استقلالها في عام 1948، اعترف الرئيس ترومان وبشكل فوري بالدولة الجديدة. ولكن لم تعترف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على أي جزء من القدس. كما لم تعترف بالسيادة الأردنية على الجزء الذي تسيطر عليه من المدينة. وفي نفس هذا العام، مررت الجمعية العمومية للأمم المتحدة بدعم من الولايات المتحدة قرارًا يشير إلى أن القدس ‘ينبغي أن تحصل على تعامل مميز ومنفصل عن باقي فلسطين‘. وفي عام 1949، عندما أعلنت إسرائيل عن اجتماع افتتاحي لبرلمانها في القدس، رفضت إدارة ترومان إرسال ممثل عنها لأن ‘الولايات المتحدة لا يمكن أن تدعم أي ترتيب يتضمن شرعنة لتأسيس سيادة إسرائيلية على أجزاء من أراضي القدس‘”.
“وفي عام 1967، احتلت إسرائيل كامل مدينة القدس. وضمن إجراءات الأمم المتحدة التي تلت ذلك، أشارت الأمم المتحدة إلى أن ‘السياسة القائمة لحكومة الولايات المتحدة: هي أن وضعية القدس… لا ينبغي تحديدها من جانب واحد بل بالتشاور مع كافة الجهات المعنية. أكدت الولايات المتحدة على أنها لا تعترف بأي تدابير إسرائيلية باعتبارها ‘تغير من وضعية القدس‘ أو ‘أنها تشكل حكمًا مسبقًا حول الوضعية النهائية والدائمة للقدس‘”.
“وفي عام 1993، وبمساعدة الولايات المتحدة، وافق ممثلون عن إسرائيل والشعب الفلسطيني على وضعية القدس كقضية محورية ينبغي تحديدها بشكل ثنائي ضمن مفاوضات ثابتة. وبشكل متتالي، سعى كل من الرئيس جورج بوش والرئيس باراك أوباما لمساعدة الأطراف في صياغة مفاوضات في كافة القضايا البارزة، بما فيها وضعية القدس”.
“وضمن هذ السياق ‘شديد الحساسية‘ و‘المتوتر‘، ‘حاول رؤساء الولايات المتحدة باستمرار الحفاظ على سياسات صارمة لعدم إصدار حكم مسبق على قضية وضعية القدس وبالتالي عدم الانخراط في النشاطات الرسمية التي يمكن أن تعترف، أو ينظر لها أنها تؤسس لاعتراف بالقدس كمدينة تقع ضمن حدود سيادة إسرائيل‘. تتجذر هذه السياسة ضمن الرؤية التنفيذية القاضية بأن أي خطوة قد ‘تشوه سمعة دورنا التسهيلي في تعزيز مفاوضات التسوية‘، والتي يمكن أن ‘تؤدي إلى الإضرار بعملية السلام ويصب لغير صالح الولايات المتحدة‘. تؤثر هذه الرؤية على نطاق الخطوات الأميركية. ولهذا حافظت الولايات المتحدة على موقع سفاراتها في تل أبيب”.
ومن جانبها، تصر إسرائيل على أن سيادتها تتجاوز القدس المحتلة، وتعتبرها عاصمة لها. وخلال ذلك، تؤكد كل من السلطة الفلسطينية والدول العربية على أنه ينبغي أن تكون القدس كاملة موضوعًا لمفاوضات ثابتة حول وضعيتها وأنه ينبغي أن تكون القدس المحتلة عاصمة لأي دولة فلسطينية مستقبلية. وفي حين تتنوع المواقف ضمن المجتمع الدولي، إلا أنه رفضت العديد من الدول الأجنبية أخذ موقف لتحديد الجهة صاحبة السيادة على القدس، وفضلت في المقابل إما المفاوضات لحل هذه القضية أو فكرة الإدارة الدولية. وبالتأكيد، عندما أعلنت إسرائيل عن “عاصمتها الموحدة والكاملة” في عام 1980، تعرضت لرد فعل قوي من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهو ما شجع تلك البلاد أن تنقل سفاراتها من القدس الغربية إلى المدن الأخرى. واليوم، لا تمتلك أي دولة أجنبية سفارة لها في القدس، بالرغم من حفاظها – من ضمنهم الولايات المتحدة – على العديد من القنصليات المتفرقة أو منشئات أخرى هناك.
قانون “سفارة القدس” في عام 1995
في حين عبَّرت الإدارات الرئاسية عن تحفظات قوية حول نقل السفارة الأميركية إلى القدس، إلا أن الكونغرس لم يتحفظ. بل على العكس، تبنى بشكل متكرر حلولًا مؤيدةً من كلا الحزبين تعبر عن دعمه لمثل هذه الخطوة، مع دعم كبير أيضًا. وكان يعمل في بعض الأحيان أيضًا على إصدار تشريعات تتطلب الفرع التنفيذي بأخذ خطوات يمكن أن تعترف بالقدس كعاصمة لإسرائيل.
يعد قانون “سفارة القدس” لعام 1995 أقوى تعبيرٍ عن رغبة الكونغرس بنقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة. فقد أعلن القانون أنه “ينبغي الاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة إسرائيل” وأنه “ينبغي تأسيس سفارة الولايات المتحدة في القدس في موعد أقصاه أيار/ مايو 1999”. ولضمان تنفيذ القانون، فرض الكونغرس عقوبات على الجهات التنفيذية في حال فشلت في اتخاذ مثل هذه القرارات ضمن الموعد المذكور. وبشكل محدد، يشير البند 3 (ب) من القانون:
دبلوماسيون إسرائيليون سابقون لترامب: القدس عاصمة سيشعل المنطقة
في رسال لغرينبلات: الولايات المتحدة لم تتجاهل أبدا حقيقة أن القدس هي بيت لمجموعتين قوميتين. وتصريح ترامب بالاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، وتجاهل الأماني الفلسطينية بهذا الشان يعمقان عدم المساواة بين الطرفين، وتضر باحتمالات السلام لأجيال، وقد تشعل المنطقة سيتم تعليق 50%، على الأكثر، من التمويل المخصص لوزارة الخارجية للسنة المالية 1999 من أجل “الاستحواذ وصيانة المباني في الخارج” إلى حين قيام وزارة الخارجية بإعلام الكونغرس أنه تم افتتاح السفارة الأميركية في القدس بشكل رسمي.
وإذا تم خرق ذلك، سوف يتم قطع تمويلات السنة المالية 1999 المخصصة لصيانة وبناء السفارات والقنصليات والمكاتب الخارجية الأخرى الأميركية إلى النصف، “إلا إذا تم” أو “حتى” افتتاح السفارة الأميركية في القدس.
ولكن إدارة كلينتون رفعت اعتراضات قوية خلال المناقشات التي حدثت على هذا القانون. ومن منظور إجرائي، كان يحدث الجدل بعد فترة وجيزة من الاحتفال بـ”اتفاقية طابة”، حيث كان الإسرائيليون والفلسطينيون قد اتفقوا للتو على ترتيبات حكومة مؤقتة للضفة الغربية وغزة.
كانت آمال الإدارة الأميركية مرتفعة لأن تؤدي هذه الخطوة إلى سلام دائم، وحاججت إدارة كلينتون أن “هذا التركيز على القدس السابق لأوانه” قد “يقوض المفاوضات ويعقِّد فرص السلام”. كما أشارت إدارة كلينتون إلى أن البند 3 (ب) من القانون يناقض الدستور، مستشهدةً بمذكرة من مكتب الاستشارة التشريعي التابع لوزارة العدل أن “الدستور يضمن للرئيس وأجهزته التنفيذية أن يطبقوا العلاقات الدبلوماسية للدولة مع الدول الأخرى”، بما فيها قضايا الاعتراف، وأن “الكونغرس لا يمكن أن يعيق السلطة الدستورية الخاصة بالرئيس لصياغة العلاقات الأجنبية للدولة والاعتراف بالحكومات الأجنبية عبر الأمر بنقل موقع سفارة ما” من خلال اقتطاع التمويل. وفي كل الأحوال، هددت إدارة كلينتون باستخدام حق الفيتو.
وكاستجابة لهذه المخاوف – ولتجنب الفيتو الرئاسي – عدل الكونغرس هذا القانون ليتضمن تقديم تنازل، حيث نصَّ البند 7. القسم 7 (ب):
شرعية الإعفاء:
(1) ابتداءً من 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 1998، يحق للرئيس تعليق المدة المحددة في البند 3 (ب) لمدة ستة أشهر، إذا قرر وأخبر الكونغرس مسبقًا بضرورة هذا التعليق لحماية مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة.
(2) يحق للرئيس مثل هذا التعليق لفترة لستة أشهر إضافية في نهاية أي فترة عندما يكون التعليق جاريًا في هذا البند، في حال حدد الرئيس وأعلم الكونغرس مسبقًا بالتعليق الإضافي وضرورته لحماية مصالح الأمن القومي للولايات المتحدة.
(3) ينبغي أن يتضمن التقرير تحت بندي (1) أو (2) –
(أ) بيان في قائمة المصالح التي تتأثر والتي يريد الرئيس التعليق من أجلها؛ و
(ب) نقاش كيفية تأثير هذه التحديدات على المصالح.
يشير البند 7 (ب) في المقابل، إلى أنه في حين تم الإعفاء عن القيود المفروضة في البند 3 (ب)، ينبغي تطبيقها في السنة المالية التالية، إلا إذا كان هناك عام تنازلي آخر.
يشير التاريخ التشريعي للقانون أن رعاياه كانوا يمتلكون رؤىً مختلفة حول مدى تقديم الإعفاء. فخلال الجدالات، عبَّر بعض الرعاة للقانون عن فهمهم بأن البند 7 سيمكن الرئيس من “الإعفاء من القانون إذا كان له نتائج سلبية على عملية السلام” أو “توسيع التقييدات على منشآت وزارة الخارجية إذا اعتقد ضرورتها لحماية الأمن القومي ومصالح الولايات المتحدة”. في حين أكد آخرون أن القسم 7 “ينبغي أن يُقرأ ويفسَّر بشكل أضيق، باعتباره يقدم “مرونة… عند وجود حدث طارئ وتغير مفاجئ في الظروف المحيطة فقط”، وليس باعتباره يسمح “للرئيس بنقض التشريع ببساطة لمجرد رفضه للقانون”.
بالرغم من هذا التشويش – والحجج الدقيقة في المقابل – يظهر أن البند 7 يقدم في ذاته منظورًا أوسع. فكثيرًا ما يقوم الفرع التنفيذي بالانخراط بظروف وقرارات وتنازلات قانونية تتعلق بالأمن القومي، وعادة ما تحظى بتغيير حقيقي في صناعة مثل هذه القرارات.
وفوق ذلك، لا تستدعي اللغة الواضحة للقسم 7، كما يشير العديد من المعلقين، بمن فيهم الداعمين للقانون، من الرئيس أن يدلل على أن نقل السفارة سيؤدي إلى الإضرار بالأمن القومي. ويدعو بدلًا من ذلك إلى أن يدلل الرئيس على أن الحد من التمويل فيما يتعلق ببناء وصيانة المنشآت الخارجية المفروضة في البند 3 (ب) سيؤدي بذاته إلى الإضرار بالأمن القومي. خاصة وأن مثل هذه التمويلات تستخدم للحفاظ على الأنظمة الأمنية للسفارة، وهو طلب يسهل قبوله.
وبغض النظر عن الغموض الذي يشوب مدى الإعفاء أو بسببه، مر قانون “سفارة القدس” المعدل عبر الكونغرس بدعم كبير وأصبح قانونًا بعد ذلك بفترة وجيزة. واستعملت إدارة كلينتون وبوش وأوباما البند 7 لتمديد نتائج عدم نقل السفارة، وهو أمر استمرت عليه إدارة ترامب حتى شهر حزيران/ يونيو الماضي.
ما الذي تعنيه نهاية مدة الإعفاء؟
إن قرار تجديد الإعفاء سيحافظ على الوضع الراهن لستة أشهر إضافية على الأقل. ما من شيء سيوقف إدارة ترامب من التطوع للسعي بنقل السفارة الأميركية للقدس، ولكنها لن تُواجه بأي عقوبات قانونية إذا اختار فعل ذلك.
وفي المقابل، في حال سمح ترامب بإنهاء الإعفاء، فإن هذا سيعيد قرار الحد من التمويلات المقترحة في البند 3 (ب)، مما سيقلل من التمويل الذي يمكن أن تستخدمه وزارة الخارجية من أجل “الاستحواذ وصيانة المنشآت في الخارج” إلى النصف، إلا وحتى إصدار وزير الخارجية قرارًا وإعلامه للكونغرس بأنه تم افتتاح السفارة الأميركية في القدس. وبما أننا في السنة المالية 2018 حاليًا، فإن هذا التحديد سينطبق على التمويل المخصص للسنة المالية 2019 بناء على القسم 7 (ب) من القانون، والذي يبدأ في 1 تشرين الثاني/ أكتوبر 2019.
غالبية الأميركيين تعارض نقل السفارة إلى القدس
أظهر استطلاع للرأي أن غالبية الأميركيين (63%) تعارض نقل سفارة بلادهم من تل أبيب إلى القدس، فيما أعرب 81% من المستطلعة آراؤهم عن عدم ثقتهم بدور جاريد كوشنر، صهر وكبير مستشاري الرئيس دونالد ترامب، كمبعوث خاص للسلام في الشرق الأوسط
بالطبع، لا تزال الأحكام العملية لقانون “سفارة القدس” موضوعًا لمثل هذه الاعتراضات الدستورية التي حددها مكتب الاستشارات التشريعية في عام 1995.
ويقدم قرار المحكمة العليا في عام 2015 في قضية “زيفوتوفسكي – كيري”، دعمًا إضافيًا لهذا الموقف، باعتباره يعترف بأن “سلطة الاعتراف الحصرية الخاصة بالرئيس التي تمثل إطار سلطة الاعتراف، بالمعنى الرسمي، بشرعية الدول والحكومات الأخرى، بما فيها حدودها المناطقية”. وبالتأكيد، رفعت إدارة ترامب اعتراضات مشابهة لتشريعات أخرى يمكن أن تحد من توافر التمويل للنشاطات المتعلقة بالاعتراف بالسيادة الروسية على القرم، مما يشير إلى أنه يمكن أن تشارك رؤية إدارة كلينتون القاضية بأن البند 3 (ب) من القانون مناقض للدستور.
في هذه الحال، فإن الاحتمالات التي يمكن أن تسمح لإدارة ترامب بزوال مفعول الإعفاء هو المحاججة بأن القانون غير دستوري هي احتمالات ضئيلة جدًا. لقد أصبح استعمال الإعفاء أمرًا مقبولًا على نحو واسع خلال الإدارات العديدة السابقة وهي أوضح آلية لتجنب ضريبة عقوبات البند 3. وفي المقابل، فإن رفض الانصياع لمحددات البند 3 (ب) ستكون بلا شك أمرًا صعبًا في المحاكم، وهو ما سيعرض كل من سياسات إدارة ترامب وسلطة الاعتراف الحصرية الخاصة بالرئيس إلى خطر المسائلة. لهذا السبب، في حال فشل ترامب بتجديد الإعفاء، فإن ذلك سيشير على الأرجح إلى أن إدارته تنوي نقل السفارة الأميركية إلى القدس. وفي المستقبل، سوف تسعى على الأرجح أن تفعل ذلك في أقرب وقت، قبل أن يتم جريان تطبيق أي من العقوبات المفروضة تحت قسم 3 (ب).
ماذا نترقب…؟
من الصعب توقع الخطوة القادمة لإدارة ترامب، فقد أشارت تصريحات ترامب إلى وجود توتر بين التزامه بنقل السفارة وعزمه على المضي في المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية. وفوق ذلك، لقد أثبتت طبيعة توجهاته في السياسية الخارجية قدرًا من المفاجئة والصعوبة في التنبؤ والاضطراب والحساسية اتجاه الدوائر الانتخابية المحلية، وكل هذه عبارة عن عوامل قد تؤثر في قراره.
أسوأ السيناريوهات هو اتخاذ ترامب للقرار من دون تروي والإعلان عن تأسيس سفارة بالقدس.
في هذا السيناريو، تتخوف الجهة الأميركية من ردود حادة عبر العالم العربي، قد تولد الردود الشعبية إلى مظاهرات واسعة وقد تصل إلى مواجهات، ومن المرجح أن تفرض الشعوب “ضغوطات على حلفاء أميركا العرب”. وقد تواجه الأردن، والتي تمتلك كتلة سكانية فلسطينية كبيرة، ضغوطات بتغير من علاقاتها مع إسرائيل أو أن تواجه توترات حقيقية، سيغضب الفلسطينيون وستنشأ ثغرة كبيرة في مسار مفاوضات السلام. وفي حين قد يجبر الواقع الفلسطينيين للعودة للحوار مع الولايات المتحدة عند نقطة معينة، إلا أن الفترة الفاصلة بين ذلك ستكون طويلة.
“ترامب يؤجل نقل السفارة ولكن يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل”
المتحدثة باسم البيت الأبيض وصفت، أمس الأربعاء، المعلومات المتداولة عن استعداد الولايات المتحدة لنقل سفارتها لدى إسرائيل من تل أبيب إلى القدس في القريب العاجل بانها معلومات “سابقة لأوانها”، وقالت “لا شيء لدينا كي نُعلنه” في هذا بالطبع، يمكن لإدارة ترامب أيضًا أن تسعى إلى نقل السفارة ضمن إستراتيجية أوسع، وقد تكون على الأرجح مرتبطة بخطة السلام الإسرائيلية الفلسطينية التي يعمل عليها المستشارون المقربون من ترامب (صفقة القرن). في هذا السيناريو، ينبغي أن يسبق أي إعلان رسمي انخراط دبلوماسي من أجل تحضير أرضية وبناء دعم عندما يتم إصدار المقترح.
وبعد ذلك، ستتشارك خطوة نقل السفارة مع تأمينات وتنازلات تهدف لتهدئة المخاوف الفلسطينية والعربية، خاصة المتعلقة بالفلسطينيين والقدس المحتلة، والاعتراف بالسيادة الفلسطينية، والمنافذ والسيطرة على المواقع المقدسة في المدينة القديمة في القدس، والنشاط الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة، وغيرها من القضايا الرائجة.
كما يمكن أن يساعد الدعم الأجنبي للفلسطينيين في تخفيف قوة الصدمة. فعبر دمج التنسيق الدبلوماسي المتقدم، قد تمكن الولايات من المتحدة من الحفاظ على علاقاتها مع حلفائها العرب وتجنب النتائج السيئة التي وصفت أعلاه. ولذلك، من الصعب تجنب كل هذه الصعاب، واحتمالية نجاح أي حزمة من الخطوات هو أمر صعب جدًا.
أخيرًا، قد يتمرّس ترامب مرة أخرى على سلطة الإعفاء، والانسحاب عن إعلان أي تغير على موقع السفارة في القدس. وإذا حدث ذلك، من المرجح أن تكون علامةً بوجود شخص أقنع الرئيس بأن مسار الحوارات الإسرائيلية الفلسطينية ممكنة جدًا وأن هذه التغييرات المفاجئة قد تضر في احتماليتها أو قد تتضمن تداعيات محلية. قد تنجح جهود الإقناع هذه مع ترامب الآن، لكن من المرجح أن تواجه تحديات عندما تصل أي نتيجة للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية إلى نقاط حرجة أو نوعٍ من المماطلات. إذا غاب أي ملمح للتقدم، يمكن للمرء أن يتخيل ترامب وهو يفقد صبره ويبدأ بالحركة، وقد يقوم بذلك في نقطة معينة، وإذا لم تكن الآن، فقد تكون بعد ستة أو 12 أو 18 شهرًا.