#شوؤن عربية

قراءة في الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي بعد مصادقة الكنيست الإسرائيلي عليه

أشرف بدر *- 22/10/2020

صوت الكنيست الإسرائيلي بتاريخ 15/10/2020 بالموافقة على الاتفاق الموقع قبل شهر بين إسرائيل والإمارات، برعاية اميركية في البيت الأبيض بتاريخ 15/9/2020. وذلك بأغلبية 80 عضو كنيست ومعارضة 13 (النواب العرب) وامتناع واحد. فما هي أهم بنود هذا الاتفاق وما هي أهم دلالاته؟.

مدخل :

روج رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو في خطابه بالكنيست للاتفاق بقوله:”هذا السلام لم يقع من السماء، هو نتيجة عمل منظم منذ 25 عام”….” “نحضر اتفاقية سلام، لا توجد فيها رسائل جانبية سرية، ولا توجد ملاحق مجهولة”…”يقولون إن السلام يصنع مع العدو. لا؛ السلام يصنع مع من كفوا عن عداوتهم، السلام يصنع مع من يريدون السلام، وليس مع الذين يظلون ملتزمين بتدميرك”… “كنت أؤمن دائما أن السلام الحقيقي يأتي فقط من القوة وليس بسبب الضعف”… “في منطقتنا، ينجو القوي، والاحترام يكون للقوي، التحالفات تكون مع الأقوياء، والضعفاء يُداسوا. وإسرائيل تحت قيادتي لا تميل إلى التراجع الخطير، لإحناء رأسها، للتهدئة التي تقرب الحرب بدل ابعادها”…”جرى في السنوات الأخيرة أمر كبير، دول مسلمة كثيرة تطلب التقرب منا، يرون قوتنا ويغيرون موقفهم تجاهنا، اسرائيل التي كان ينظر لها لعشرات السنين كعدو، ينظر لها اليوم كحليف حيوي. نقطة التحول الجوهرية كانت المعارضة التي قادتها اسرائيل للاتفاق النووي الخطير مع ايران”…” عُرضت على الفلسطينيين عروضاً سخية جداً على مر السنين، لكنهم رفضوها مراراً وتكراراً، اذا انتظرنا رفع الفيتو الفلسطيني سننتظر وقتا طويلا، في يوم من الأيام سيتخلون عن الرغبة في إلحاق الدمار بنا، ويعترفون أخيرًا بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي ويبدأون رحلة المصالحة الحقيقية والصادقة التي نراها حاليًا مع أجزاء كثيرة من العالم العربي ، وسيأتي هذا اليوم أيضًا”..فيما صرح نائبه في رئاسة الحكومة بيني غانتس ” “هذه اتفاقية ستجلب سياحة مزدهرة، وتعاونًا اقتصاديًا ، وتعليمًا لقبول الآخر، وتعاون مدني ومفتوح ووثيق”[1].

عكس خطاب نتنياهو شعوره بالانتصار للنظرية التي لطالما روج لها اليمين الإسرائيلي. وهي أنّ الصيغة الملائمة للتعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي، هي “سلام مقابل سلام” وليس “سلام مقابل الأرض”. وان المنطق الذي يفهمه العرب والمنطقة هو منطق القوة، فلولا قوتنا لما أبرموا معنا اي اتفاق، كتجسيد واضحة للنظرة الاستشراقية التي تتبناها الحركة الصهيونية في تعاملها مع العرب والفلسطينيين.

شكل الاتفاق :

كتب الاتفاق[2] بثلاثة لغات (العربية والعبرية والانكليزية)، مع الاشارة في متنه الى أنّ جميع النصوص متساوية في الحجية لكن في حال الخلاف يعتد بالنص الانكليزي. وقع عليها من طرف دولة الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، وعن اسرائيل بنيامين نتنياهو رئيس الوزارء بشهادة من دونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأميركية.

عنون الاتفاق ب “الاتفاق الابراهيمي للسلام …معاهدة السلام الكاملة بين دولة الامارات العربية المتحدة ودولة اسرائيل”. يتكون الاتفاق من 12 بند، بالإضافة إلى مرفق (ملحق) يتعرض لتفاصيل 13 مجال “مشترك”، وهي: (التمويل والاستثمار، الطيران المدني، السياحة، الابتكار والعلاقات التجارية والاقتصادية، العلوم والتكنولوجيا والاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي، البيئة، الاتصالات السلكية واللاسلكية والبريد، الرعاية الصحية، الزراعة والأمن الغذائي، المياه، الطاقة، الترتيبات البحرية، التعاون القانوني).

محتوى الاتفاق :

نجد في المقدمة (بند 1) إشارة للمنطق الذي يحرك التوقيع على الاتفاق وهو “تطوير العلاقات الودية تلبي مصالح السلام الدائم في الشرق الأوسط، وأن التحديات لا يمكن التصدي لها بفعالية إلا عن طريق التعاون وليس الصراع”. فيما نجد تحت البند (2) “المبادئ العامة” القائمة على الاسترشاد بمبادئ القانون الدولي والتي تنص “يتعين عليهما (الامارات واسرائيل) الاعتراف بسيادة كل منهما واحترامها”. دون الاشارة إلى سيادة إسرائيل على ماذا؟ وعلى أي حدود؟. هل تضم هذه الحدود السيادة على الاراضي المحتلة عام 1967، أم لا. بينما في البند (3) يأتي ذكر تأسيس السفارات بين الطرفين دون ذكر لموقع إنشاء السفارة الإماراتية، هل سيكون في القدس أم تل ابيب.

يؤسس البند رقم (4) “السلام والاستقرار” للتعاون الأمني بين الطرفين بالإشارة إلى “يتعهدان بمنع أي أنشطة أرهابية أو عدائية ضد بعضهما البعض في اراضيهما أو انطلاقا منها، وكذلك العمل على الحيلولة دون تقديم أي دعم لمثل هذه الأنشطة في الخارج أو السماح بمثل هذا الدعم في أراضيهما أو انطلاقا منها”.هذا يعني ضمنا منع التمويل لأي نشاط يدعم الفلسطينيين، وقد يحول حركات مثل حركة المقاطعة (بي دي اس) الى حركة ممنوعة في الإمارات على اعتبار انها تمارس نشاط “عدائي” بالمفهوم الإسرائيلي. فيما يشير بند (6) المعنون:”التفاهم المتبادل والتعايش” إلى “سيعمل الطرفان معا على مكافحة التطرف الذي يحض على الكراهية ويبث الشقاق والإرهاب ومبرراته، بما في ذلك من خلال منع التطرف والتجنيد ومكافحة التحريض والتمييز”.وبالتالي سيتغير الخطاب الاعلامي الإماراتي ليناسب هذا التوجه، ومن المتوقع ان ينعكس ذلك على الأدوات الإعلامية التابعة للإمارت بما فيها وسائل الإعلام المهتمة بالدراما والاعمال الفنية والترفيهية.

نلمس المنطق الكامن خلف الاتفاق في البند (7) المعنون “البرنامج الاستراتيجي للشرق الأوسط” والذي ينص على توسيع رقعة التعاون الاقليمي من أجل دفع قضية السلام والاستقرار والازدهار، واقتناص الفرص الاقتصادية الاقليمية، والنظر في برامج المساعدة والتنمية المشتركة. وهذا يدفعنا للاستناج بأنّه اتفاق يغلب عليه الطابع الاقتصادي أكثر منه السياسي، وإن كانت السياسة تحركه.

يتطرق الاتفاق للجوانب القانونية في بند (8) “الحقوق والالتزامات الأخرى” يتعرض لقضية اجرائية بأن المعاهدة لا تؤثر على التزاماتهما المنبثقة عن عن ميثاق الأمم المتحدة. ويلفت انتباهنا البند (9) المعنون “احترام الالتزامات”ـ والذي ينص “يتعهد الطرفان بعدم الدخول في أي التزام يتعارض مع هذه المعاهدة”….”كما يتعهد الطرفان كذلك باعتماد أي تشريع أو أي إجراء قانوني داخلي ضروري لتنفيذ هذه المعاهده، وإلغاء أي تشريعات وطنية او تعاميم رسمية تتنافى مع هذه المعاهده”. هذا البند يدفعنا للاستنتاج بأنّ لاسرائيل الحق التدخل في السيادة الوطنية الإماراتية وسن القوانين في داخل الامارات.

يتم في نهاية الاتفاق ايراد بنود إجرائية (10+11+12)، فبند (10) ينص على التصديق ودخول حيز التنفيذ في اقرب وقت. بينما بند (11) فينص على حل المنازعات الناشئة حول هذه المعاهدة عبر التفاوض، فيما بند (12) يشير إلى تسجيلها في الأمم المتحدة.

محتوى المرفق (الملحق) :

يتطرق الملحق إلى تفاصيل مجالات العمل المشترك (التمويل والاستثمار، الطيران المدني، السياحة، الابتكار والعلاقات التجارية والاقتصادية، العلوم والتكنولوجيا والاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي، البيئة، الاتصالات السلكية واللاسلكية والبريد، الرعاية الصحية، الزراعة والأمن الغذائي، المياه، الطاقة، الترتيبات البحرية، التعاون القانوني).

يشير بند”التمويل والاستثمار” إلى “تعميق وتوسيع علاقات الاستثمار الثنائية”، وكذلك “تعزيز التعاون في مشاريع البنية التحتية الإقليمية الاستراتيجية”. وهذا يعد بمثابة اعتراف ضمني بوجود علاقات ثنائية سابقة سيتم تعميقها، ويمهد الطريق لتنفيذ مشاريع وخطط تم الإعلان عنها سابقاً كالخطة التي أعلنها سابقاً وزير المواصلات والنقل الإسرائيلي يسرائيل كاتس، في مؤتمر للنقل والمواصلات الذي عقد في سلطنة عمان عام 2018، واطلق عليها “سكة حديد السلام” للربط بين إسرائيل ودول الخليج العربي. والتي  تستند على فكرتين مركزيتين، وهما: “إسرائيل كجسر أرضي، والأردن كمركز نقل إقليمي”. وبحسب كاتس فإنّ “خطة سكة السلام تنص على أن تشكل إسرائيل جسرًا بريًا مع أوروبا، وتصبح الأردن مركزًا لنقل البضائع”. قائلًا بإن المشروع سيعود بالفائدة على الفلسطينيين وعلى دول الخليج، وفي المدى البعيد على العراق أيضًا[3]. ويطرح كاتس خط سكة الحديد باعتبارها “بديلاً يجعل من الممكن تفادي المخاطر الإيرانية في مضيق هرمز ومضيق باب المندب”[4].

يتطرق الملحق في بند “الطيران المدني” إلى انشاء ممر جوي، وفي بند “السياحة” إلى تعزيزها وإجراء “جولات دراسية متبادلة”. وهذا يدفعنا للتساؤل من سيشرف على هذه الجولات “الدراسية المتبادلة” اثناء زيارة الوفود الاماراتية، وما هي الرواية التاريخية التي سيقدمها المرشدين السياحيين الإسرائيليين لل”زوار” الاماراتيين، التي على الأغلب ستكون رواية توراتية تطمس البعد العربي والفلسطيني.

يشير بند “الابتكار والعلاقات التجارية والاقتصادية” إلى اقرار مبدأ التدفق الحر، ومن المتوقع ان يميل الميزان التجاري في هذه الحالة لطرف الأقوى اقتصادياً في المعادلة وهو اسرائيل. أما في بند “العلوم والتكنولوجيا والاستخدامات السليمة للفضاء الخارجي”، فيشار إلى تعزيز التعاون والتبادل العلمي، وإقامة مراكزأبحاث مشتركة، لذلك من المتوقع إنشاء مراكز ابحاث مشتركة بتمويل إماراتي وإدارة اسرائيلية

يعرج الملحق على موضوع “البيئة” والمحافظة عليها. ثم ينتقل إلى بند “الاتصالات السلكية واللاسلكية” وينض على التعاون في شبكات الجيل الخامس. ولنا ان نتخيل شكل هذا التعاون بين دولة تعتمد على الاستيراد ودولة تتميز على مستوى العالم بتصدير منتجات الهاي تك، ومن سيتضمن ذلك من سيطرة على السوق الإماراتي، وما يتبع ذلك من السيطرة وامتلاك القدرة على المراقبة الأمنية اللصيقة.

ينوه الملحق في بند “الرعاية الصحية” إلى التعاون فيما يتعلق بكوفيد 19. أمّا جانب “الزارعة والأمن الغذائي” فيشير إلى الاهتمام بتقنيات تربية الاحياء البحرية في مياه البحرالضحلة، وانتاج أعلاف الاسماك المغذية المستدامة، وتحسين البذور في المناخات الحارة والرطبة. وفي بند “المياه” التعاون في الحفاظ على المياه وتحليتها، إقامة مشاريع لتحقيق ذلك. وهذا يعني ضمناً فتح باب للمزيد من الاستثمارت الاسرائيلية في هذا المجال الذي لطاملا تفاخرت بالتميز به على مستوى العالم.

نجد مدخل اضافي لتطبيع وضع اسرائيل في بند “الطاقة” الذي يشير إلى تعزيز التعاون، بالتنسيق مع الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (ايرينا)، مما يعني ضمناً مدخل للانخراط في المؤسسات الدولية. كذلك الأمر بالنسبة لبند “الترتيبات البحرية” التي منح حق المرور البرئ عبر المياه الاقليمية للطرفين. أمّا في بند “التعاون القانوني” فنجد “المساعدة القانونية المتبادلة في المسائل المدنية والتجارية:.

الخلاصة :

يتمركز الاتفاق حول القضايا الاقتصادية، ويهمل تماماً وجود القضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، فلا يرد في نصه أي ذكر للشعب الفلسطيني أو القضية الفلسطينية، أو حتى السلطة الفلسطينية كطرف “مستقبلي” يمكن التعاون معه لتحقيق “رؤية السلام”. وحتى ما تناولته بعض وسائل الإعلام بأنّ هذا الاتفاق سيوقف عملية الضم التي أعلن عنها نتنياهو سابقاً، لا أساس له. فلا يوجد أي ذكر أو مجرد تلميح في نص بأنّ هذا الاتفاق يتعارض مع الضم.

يرسخ الاتفاق على المستوى السياسي والوعي الجمعي الإسرائيلي مقولات اليمين الإسرائيلي من عدم وجود حاجة لخوض مفاوضات سياسية مع العرب أو الفلسطينيين، وتقديم أي تنازل لهم. فالسلام الحقيقي يصنع بالقوة، “سلام مقابل سلام”. وأن الفلسطينيين والعرب عاجلاً ام آجلاً سيأتون صاغرين قابلين لهذه المعادلة.

*ما يرد في هذا المقال من آراء يعبر عن وجهة نظر الكاتب، ولا يعكس بالضرورة موقف مركز مسارات.

*عن المركز الفلسطينيّ لأبحاث السياسات والدّراسات الإستراتيجيّة (مسارات) .

هوامش

[1] موقع واي نت، الكنيست أقر الاتفاق مع الامارات: “سلام نابع من قوة”، 15/10/2020. (بالعبرية) https://bit.ly/37hLQ7A 

[2] استندت الورقة على نص الاتفاق المنشور بواسطة سكرتارية الحكومة الاسرائيلية والمؤرخ ب8 اكتوبر 2020، والذي تم التصويت عليه في الكنيست. 

[3] العربي الجديد، إسرائيل تعرض في مسقط خطة سكة الحديد مع الخليج، 8/11/2018. https://bit.ly/2RumZFK 

[4] وكالة الأناضول،  “سكة حديد السلام”.. تفاصيل ربط إسرائيل بالأردن ودول خليجية (إطار)، 13/11/2018. https://bit.ly/2Yoe1vn 

8

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى