#شوؤن دولية

قراءة فلسطينية في حتمية الحرب بين القوة الصاعدة والقوة المهيمنة.

د. كمال سلامة – لجنة التعبئة الفكرية في حركة فتح 2020

مقدمة

في أربعة أبواب وتحت عنوان قراءة فلسطينية في حتمية الحرب، بين القوة الصاعدة والقوة المهيمنة، يقدم الباحث د.كمال سلامة رؤية متكاملة عن الدور المتنامي والقادم للصين في سياق ظهورها قوة عالمية صاعدة من المتوقع مجابهتها للقوى القائمة.

في دراسته يوضح الأسباب التي تؤهل الصين  للصعود والصدارة وللمشاركة في قيادة النظام العالمي القادم، ليتحول لنظام متعدد الرؤوس مشيرا لدبلوماسيتها الناعمة ولكنها الدؤوبة، واستثمارها في الاقتصاد، والأولوية الآسيوية، واستنادها لمجموعة القيم التي تميزها، وعدم احتفاظها بإرث استعماري ما يجعل من تقدمها في ميزان الصعود مبشّرًا.

يوضح الباحث أن علاقات الصين القديمة والحديثة مع الأمة العربية لا تشوبها شائبة، وحاليا في ضوء الاحتياجات والمنافع ، وامكانية تبادل المصالح الاقتصادية، والسياسية، وسوق النفط والمشاريع المشتركة، فمن المرغوب استثمار ذلك وتطويره للمصلحة المشتركة المتوقعة للأمتين.

يظهر الكاتب القدرة الفكرية والاقتصادية والسياسية والقيمية (الاخلاقية) التي تتمتع بها الصين في مواقفها عامة، وتحديدا فيما يتعلق بقضيتنا الفلسطينية التي كان للتجربة الصينية فيها أصلًا ومعنى، وتواصلا لم يؤثر فيه العلاقات الصينية الإسرائيلية، لا سيما والموقف الواضح من دولة فلسطين ومطالباتها الدائمة بتطبيق قرارات الأمم المتحدة ذات الشأن.

لذا يرسم الكاتب أسسا لتحقيق التوازن، ولتدعيم العلاقات العربية الصينية، والصينية الفلسطينية،  لنكون كأمة مواكبين للصعود الصيني المتوقع من جهة، وقادرين على استثمار علاقاتنا العربية والفلسطينية بما يدعم أهدافنا القومية والوطنية.

نضع بين أيديكم هذه الدراسة الهامة، آملين وضعها على بساط البحث والنقاش داخل الأطر الحركية المختلفة ما يثري التفكير المنهجي وآليات التحليل السياسي وتقدير الموقف والاستنتاج، في عملية البناء الفكري المرجعي الوطني.

الباب الأول

” الصين تدعم إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على حدود عام 1967 والقدس الشرقية عاصمتها،والصين من أوائل الدول التى تدعم القضية العادلة للشعب الفلسطيني وتعترف بمنظمة التحرير الفلسطينية والدولة الفلسطينية ونحن دولتان “صديقتان وشريكتان وشقيقتان“.

شي جين بينغ/بكين 18 يوليو 2017 (وكالة الانباء شينخوا )

دروس التاريخ أظهرت أنه لا يوجد فائز أو خاسر في المعركة على الدوام، ولن يوجد قوي أوضعيف أبداً،  وهذا القول يتفق مع قول ابن خلدون: “أن الدول تبدأ ضعيفة وعند وصولها إلى القمة ستعود كما بدأت”،  والآن في ظل النظام العالمي السائد لا يوجد ضمانه لأية دولة أن تبقى مهيمنة وسائدة في ظل حركة الشعوب المستمرة، منذ بداية القرن العشرين ظهرت الولايات المتحدة كقوة صاعدة في مواجهة المملكة المتحدة لتأخذ مكانتها أخيراً كدولة مهيمنة، وقد كرّست الولايات المتحدة مكانتها بعد سقوط الاتحاد السوفييتي عام 1991، مما جعلها تتحكم في المجريات الدولية والأحداث الإقليمية من خلال الهيئات الدولية التي كان للولايات المتحدة دور كبير في تحديد هويتها بعد الحرب العالمية الثانية، وقد رافق هذه الهيمنة صراعات عالمية وإقليمية وحروب وأزمات متعددة في معظم بقاع الأرض عزز من نفوذ الولايات المتحدة، ولكن لحتمية تطور الأمم ودينامية الشعوب رأي آخر، فطموح بعض الدول الأخرى الصاعدة دفع بها  نحو الهيمنة والسيادة العالمية؛ لتخلق نوع من الصراع المحتمل في مثل هذه الحالات على المكانة الدولية، ومن هذه الدول الصاعدة الصين وروسيا وألمانيا والهند، وفي حدود موضوعنا الحالي الذي يتركز على جمهورية الصين الشعبية ذات النظام السياسي المركزي ترتفع احتمالات المواجهة مع الولايات المتحدة المهيمنة ذات النظام السياسي “البراغماتي” بنسبة كبيرة، والمراقب لحركة الصين الممتدة حضارتها العظيمة عبر خمسة آلاف عام؛ وما تحققه منذ منتصف القرن العشرين من تقدم وتطور ونمو في كافة المجالات الاقتصادية والصناعية والعلمية والعسكرية استناداً إلى إرث حضاري وثقافة قيمية ذات جذور عميقة؛ يصل بسهولة إلى قناعة مفادها أن الصين دولة صاعدة تمتلك كافة المقومات لتصبح قريباً دولة وقوة مهيمنة؛ وهذا يتفق مع قول نابليون قبل مائتي عام عندما قال “دعوا الصين نائمة فعندما تستيقظ سوف تهز العالم”، واليوم استيقظت الصين وبدأ العالم في الاهتزاز، فقد أخذت قرارها منذ ثورة “ماوتسي تونغ” عام 1949  أنها لن تعود إلى قرن الذل ” الوصاية والحروب على الصين من قبل دول أجنبية 1842-1949 “،  بالإضافة أن الصين ترى أن الولايات المتحدة وحلفائها المنتصرين في الحرب العالمية الثانية قاموا بتشكيل النظام العالمي الجديد وهيئاته الدولية المتعددة وعلى كافة المستويات وفق مصالح هذه الدول، وبما يضمن هيمنتها وإشباع حاجاتها وتحقيق رغباتها لعشرات السنين القادمة، وهذا يعني أنها ستسعى إلى إحباط أي دولة صاعدة قد تسعى لمنافستها، وللحفاظ على تكريس هذا الواقع خاضت الولايات المتحدة كثيراً من الحروب بأسلوب الحرب الخشنة في أنحاء متفرقة من العالم بالإضافة إلى خوضها حرب باردة وطويلة مع دول كثيرة ومنها الاتحاد السوفييتي، وهذا الواقع يتناقض مع الشعارات الامريكية المعلنة حول الحريات وحقوق الانسان والشعوب، ففي ظل هذا النظام العالمي عاشت دول وشعوب مقهورة تعاني من الاحتلال والفقر والظلم وغياب السلم والأمن العالميين واتصف بتوالي الأزمات الاقليمية والدولية؛ إلى جانب عجز واضح من قبل الهيئات الدولية لمواجهة هذه الأزمات؛ فقد هيمنت الولايات المتحدة على معظم سياساتها وقراراتها، ومن هذه القضايا الدولية العالقة القضية الفلسطينية؛ التي ما زالت تحت الاحتلال لأكثر من 72 عاما؛ وهذا الحال يعبر عن فضيحة سياسية وأخلاقية مستمرة إلى يومنا هذا للنظام العالمي وهيئاته الدولية، كان آخر هذه المواقف ما نشهده الآن من مؤامرة أمريكية اسرائيلية في صناعة صفقة القرن التي تسعى إلى إنهاء آمال الشعب الفلسطيني في قيام دولته وعاصمتها القدس الشريف وإعلان حكومة الاحتلال ضم أراضي الأغوار وشمال البحر الميت والمستوطنات بدعم أمريكي ورفض دولي؛ وهذا دفع بالفلسطينيين إلى اتخاذ موقف واضح برفض هذه الصفقة ورفض للموقف الامريكي غير النزيه في عملية السلام، ويجعلنا كفلسطينيين نشعر بالحاجة إلى مواقف دولية أكثر موضوعية وعدالة؛ والحقيقة أن هناك دول كثيرة في حالة تعاطف مع الموقف الفلسطيني؛ ولكن للأسف هي ليست قادرة على إحداث فرق واضح لصالح القضية الفلسطينية العادلة.

 وعودة إلى الصين مرة أخرى وعلى الصعيد السياسي ترى الصين الشعبية أنها لم تشارك بجدية في بناء وصياغة النظام العالمي الجديد بعد الحرب العالمية الثانية وأن دورها كان صغيرا مقارنة بعظمتها التاريخية وطموحها المستقبلي الكبير، وهذا يعكس رغبتها اليوم في تفعيل دورها  من أجل تحقيق أهدافها بثبات وعزم دون الوقوع بأخطاء قاتلة، من الممكن أن نتحدث كثيرا عن انجازات الصين وقصص النجاح المتتالية…. ولكن الأهم أن نقول أن الصين فرضت مكانتها بهدوء غريب على العالم، وفي الوقت الذي تشارك فيه كعضو في كافة الهيئات الدولية فإنها تظهر عزمها على التأثير في هذه الهيئات والسعي إلى تطويرها ولعب دور أكبر من خلالها بما يتفق مع رؤيتها ومكانتها؛ ومن خلال قراءة تحليلية واستقراء لواقع الموازين الدولية دائمة الحركة نشعر كشعب فلسطيني أن القوة الحالية المهيمنة والمتحيزة ظهر في مواجهتها الصين الشعبية كقوة صاعدة تحتكم إلى نظام مركزي حيوي عمل بهدوء لسنوات طويلة وبجهد ليحقق عظمة أجداده؛ وقد وصف رئيس وزراء سنغافورة السابق “لي كوان يو” هذه القوة الصينية “بأنها تسعى إلى تحقيق العظمة مستندة إلى عناصر التفوق والثقافة الممتدة لآلاف السنين”.

وعلى صعيد الاقتصاد الصيني إن ما يحدث من نمو كبير وزيادة في الناتج المحلي الاجمالي الصيني الذي بلغ 14,4 تريليون دولار في العام 2019، وبنسبة ارتفاع 8,2% عن العام 2018، ونسبة نمو 6,1% في الاقتصاد الصيني حسب ما ورد عن وكالة الأنباء الصينية الرسمية “شينخوا” التي وصفت الاقتصاد الوطني الصيني بأنه جاء مستقراً، وفي المقابل بلغ الناتج المحلي الاجمالي الامريكي في العام 2019 تقريبا 21,4 تريليون دولار وبالرغم أن الولايات المتحدة احتلت طوال 140 عاماً موقع اكبر اقتصاد في العالم إلا أن الخبراء يتوقعون أن الاقتصاد الوطني الصيني سيحتل المركز الأول عالمياً في الأعوام القليلة القادمة، فالصين تقدمت في السنوات الأخيرة بشكل ثابت ومستمر لتحقيق هذه الغاية، والمتابع لعملية التقدم المستمرة في الصين والتطور الكبير في كافة المجالات يعتبر ذلك مؤشرات أن الصين في مرحلة دينامية الدولة الصاعدة إلى حالة الدولة المهيمنة عالمياً، ومن الأمثلة على عالمية الصين مبادرتها بالدعوة إلى تأسيس البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية والذي تم إنشاؤه عام 2015 وبعضوية 57 دولة، وعلى غرار الهيئات المالية العالمية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي اللذان يتفقان مع سياسات الولايات المتحدة ويحققان أغراضها السياسية، وهذا البنك شاركت فيه فيما بعد عشرات الدول التي لم تستطيع الولايات المتحدة أن تثنيها عن المشاركة فيه؛ والتي بلغت في عام 2018 مائة دولة عضو موزعة على 5 قارات ويمثلون 78% من سكان العالم و63% من الناتج الاجمالي العالمي، ومن ضمن هذه الدول بريطانيا أهم حلفاء الولايات المتحدة وفرنسا وايطاليا والمانيا الذي اعتبر وزير ماليتها شويبله: “أن المانيا ستسهم من خلال خبراتها الطويلة في المؤسسات المالية الدولية في خلق بنك جديد يستند إلى معايير عالية سيحصل على سمعة دولية مرموقة”، وتعلم الصين أنها هذا البنك سيساعدها في لعب دور أكبر في التنمية الاقتصادية العالمية يتناسب مع نفوذها الاقتصادي وسيسهم في تعزيز دورها السياسي المتنامي، وترى الصين أنها لم تمثل بشكل كاف في البنوك الدولية والمؤسسات المالية الدولية، بينما البنك الآسيوي سيتيح لها الدور الذي تبحث عنه، وفي المقابل ترى الولايات المتحدة في هذه الخطوة تهديداً للسلطة العالمية للبنك الدولي التي ترسم سياساته، والجدير بالذكر أن بعض الدول العربية خطت خطوة ايجابية من خلال مشاركتها في هذا البنك حيث شاركت 15 دولة عربية كأعضاء في البنك الآسيوي لاستثمارات البنية التحتية لغاية عام 2018، ومثال آخر كمؤشر على الطموحات الصاعدة بدأت الصين فعلياً بمشروعها العملاق طريق واحد حزام واحد (طريق الحرير القديمة) لربط العالم بها اقتصاديا والذي يحقق الفائدة العامة للجميع مما يعظم نفوذها ويعزز شبكة مصالحها عبر شبكات طرق بحرية وبرية وسكك حديدية تخترق عدة قارات وعشرات الدول عبر العالم، وهذا الواقع الجديد يشكل صداع حقيقي للسياسة الامريكية وتهديد لنفوذها كدولة مهيمنة.  

على الصعيد العسكري للصين قولا في هذا المجال حيث حققت تقدما في مجال ما يسمى الحرب السيبرانية وتطوير الصواريخ قاتله البوارج الحربية وغيرها من الاسلحة الحديثة والثقيلة، ويبدو أن الصين جادة بشأن تطوير نظام عالمي جديد يعبر عن وجهة نظرها حتى لو كلفها ذلك الكثير، وهناك قول قديم ل”ماوتسي تونغ”: “انه سيدافع عن كرامة الصين حتى لو خسر 300 مليون صيني”، ويبدو أيضا أن هذا القول يتفق بشكل أو آخر مع تصرفات الرئيس الحالي “تشي جين بينغ”، كما أن الصين تسعى منذ وقت طويل تأكيد حقيقة أن قارة آسيا تمثل الأمن القومي الصيني؛ وأن آسيا ساحة نفوذها وأنه على 48 دولة في قارة آسيا أن تعي ذلك،وليس هذا فحسب وإنما بحر الصين الجنوبي هو فناء منزلها وعلى الأغراب أن يكفوا عن عسكرته واللعب فيه وقد أوصلت وما زالت ترسل رسائل للغرباء بهذا المعنى.

قد يتسائل البعض هل ستنشب حرب بين الصين والولايات المتحدة في الزمن القريب؛ في اعتقاد كثيرين أن الصين تسعى إلى فرض سيطرتها باستراتيجيات الحرب الناعمة المدعومة بآلة حرب خشنة إذا لزم الأمر وبنفوذ اقتصادي كبير، ولكن في المقابل فالولايات المتحدة تتصف بهيمنة تميل إلى الخشونة و لها أسبابها ودوافعها للحفاظ على هيمنتها، وقد ورد في ذلك الشأن ما جاء في كتاب حتمية الحرب بين القوة الصاعدة والقوة المهيمنة للكاتب “غراهام أليسون” حيث تناول الأسباب الرئيسية التي قد تشعل الحرب بين هاتين القوتين العظميين؛ ومن هذه الأسباب :

أولا: الفخر والكبرياء الذي يحدد سلوك الدول المهيمنة في تعاملها مع أي دولة صاعدة قد تتحدى نفوذها أو تهدد مكانتها، فالولايات المتحدة لا تسمح من وجهة نظرها وفق هذا الدافع أن تعرض هيبتها إلى الخطر، وهذا السبب قد يدفعها إلى حافة الحرب أو الحرب مع الصين؛ وهذا ما حصل مع قوى كثيرة تم دراستها عبر التاريخ.

 ثانيا: الخوف: وهذا دافع أساسي حرك حالات سابقة من الصراع بين دول صاعدة ودول مهيمنة في الخمسمائة عام الماضية وقد بلغت ستة عشر دولة انتهت في مواجهة عسكرية بين اثنا عشرة دولة، وهذا يرفع نسبة المواجهة العسكرية بين الصين والولايات المتحدة إلى احتمالات تبلغ 75% ؛ ويوصف الخوف أنه حالة تؤثر غالبا على قرارات الحرب وحسابات الانتصار والهزيمة والابتعاد عن القرارات الحكيمة وذلك في تحليل المواجهات التي أوردها أليسون في كتابه.

 ثالثا : المصالح : كل دولة لها مصالح حيوية وقد تصل هذه المصالح إلى درجة من الجشع الذي يتخلله الظلم والقهر، وفي اعتقادي أن الفلسفة الصينية في مجال تحقيقها لمصالحها تأخذ منحى عبر عنه الرئيس الصيني بالفائدة المشتركة التي تحقق مصالح الجميع بما فيها الصين، بينما المصالح الأمريكية تحكمها فلسفة براغماتية تقوم على النفعية والانتهازية على حساب الآخرين، والفلسفتان هنا متناقضتان تماماً وتحديداً في المعايير الأخلاقية المتباينة بينهما والتي تنعكس على سياسات هذه القوى.

الباب الثاني

احتمالات الحرب والسلام

ماذا يريد شي جين بينغ؟

الاجابة في جملة واحدة:” أن يعيد للصين عظمتها من جديد”- لي كوان يو

جاء في كتاب “غراهام أليسون” قراءة في تاريخ الحرب البيلوبونيزية التي نشبت بين عام 431 ق.م بين اسبرطة الدولة المهيمنة وبين أثينا الدولة الصاعدة حيث أوضح “ثيو سيديديز” (فيلسوف معاصر للحرب البيلوبونيزية ومؤسس التاريخ العلمي) أن هذه الحرب استمرت لمدة 27 عاما وعمت كافة دويلات اليونان وانتهت بنصر اسبرطة التي خرجت من هذه الحرب ضعيفة، وقد عانت أوروبا واليونان تحديدا فيما بعد من هذه الحرب لمئات السنين؛ بعد أن عمت سنوات السلام لثلاثين عاما بين أثينا وإسبرطة، وقد أوضح الكاتب نظريته من حتمية الحرب بين القوة الصاعدة والقوة المهيمنة وأطلق عليها فخ “ثيو سيديديز” حيث تناول مؤشرات الحرب والسلام التي تعتمد على عوامل ثقافية ومصالح أطراف الصراع وكيفية تناول هذه المصالح،  كما أنه تناول حتمية الحرب بين القوة الصاعدة والقوة المهيمنة مستندا إلى منهجية علمية تعتمد على التاريخ التطبيقي من خلال تناول ستة عشرة مواجهة ومن هذه المواجهات:

 1- صعود اسبانيا التي واجهت البرتغال المهيمنة في مطلع القرن الخامس عشر لتصبح صاحبة قوة مهيمنة على البحار.

2- وفي العصر الحديث أصبحت ألمانيا قوة مهيمنة في أوروبا بعد تفوقها على بريطانيا وفرنسا بعد الحرب الباردة بالرغم من قوتها العسكرية المتواضعة، فقد أصبحت تقود أوروبا الآن بتفوقها في المجالات الاقتصادية والصناعية والتطور العلمي لينتهي هذا التفوق بدون حرب.

 3- في القرن العشرين الذي شهد صعود الولايات المتحدة الامريكية لتحل مكان المملكة المتحدة حيث تنازلت بريطانيا عن الكثير من مصالحها العالمية بعد الحرب العالمية الثانية دون الإضرار بمصالحها الحيوية وتصبح شريك وحليف للولايات المتحدة الأامريكية وتنتهي هذه المواجهة بسلام.

 4- كما شهد القرن العشرين صعود الاتحاد السوفييتي في مواجهة الولايات المتحدة حيث تم تقاسم مناطق النفوذ العالمية وبالرغم من وصول الطرفين إلى عتبة الحرب والدمار الشامل انتهت المواجهة دون حرب حقيقية .

حقيقة الحرب والسلام

يعتمد السلام العالمي على فاعلية النظام الدولي ومدى تحقيقه لمصالح وطموحات متوازنة لكافة الدول وتحديدا الدول الكبرى وفي هذا الصدد نلاحظ أن الهيئات الدولية ما زالت أسيرة صانعيها بعد الحرب العالمية الثانية وهذا يجعل من الصين دولة تبحث عن دور حقيقي في هذا النظام الدولي، ويعتبر البعض أن دمج بعض الدول ضمن كيانات اقتصادية وسياسية كبرى وأقاليم آمنة يقلل من حتمية المواجهة الحربية وهذا ما حصل في تجربة ألمانيا التي سادت أوروبا، وأن تحديد الفرق بدقّة بين حاجة الدول الحقيقية وبين رغبتها الجشعة في تحقيق هذه الحاجة يساعد في تحقيق الاستقرار والأمن العالمي .

وقد أثبتت التجارب السابقة بين كثير من الدول عبر التاريخ أن التوقيت أمر حيوي في اتخاذ قرارات الحرب والسلام وكيفية الاشتراك في لعبة التوازنات الدولية وتحقيق مصالح الدول من عدمها وعلى مختلف مستوياتها، وفي قول للفيلسوف الفرنسي إميل دوركايم ” من لم يتعلم من دروس التاريخ فهو غبي” . وتوجد هناك قواعد أساسية يمكن البناء عليها من أجل تحقيق السلام العالمي والاقليمي، ومنها المكونات الثقافية المشتركة للشعوب مثل اللغة والقومية والدين، والاخلاق الانسانية التي تساهم في الحد من انتشار الحروب والصراعات.

ومن جانب آخر إن هيمنة المصالح المشتركة للدول والشركات الكبرى الممتدة عبر العالم وتدخلها الكبير في رسم سياسات دول كبرى هي أسباب كافية لمنع اندلاع الحروب وانتهاء الأزمات بسلام؛ فهي تسعى دوماَ إلى بيئة آمنة تزدهر فيها تجارتها.

وبالإضافة أن حكمة القيادة في تحديد مكان وقوفها وكفاءتها في حوكمة مصالح شعبها يساعد في تحديد مواقفها وتعزيز فرص نجاح قراراتها المصيرية، فالموقف على سبيل المثال من انتشار الأسلحة النووية عالميا وامتلاك كثير من الدول العظمى والدول المارقة لهذا السلاح يجعل من حدوث حرب دموية ضربا من الجنون ولا يساعدها على فكرة التفوق العسكري وذلك لان فكرة الحرب الساخنة لم تعد خيارا مبررا من احد.

الموقف العربي والفلسطيني من الصين الشعبية

 مضت الصين بطريقها بثبات في بناء دولة قوية تحت قياد الحزب الشيوعي الصيني، بينما يمكن وصف المشهد العربي في السنوات الأخيرة  بتغيرات متسارعة وعثرات كبيرة وعلى كافة المستويات الذي يهدد أمنها القومي، وعلى المستوى التنموي تقف الدول العربية في مفترق طرق من أجل تحقيق التنمية الشاملة، وفي المقابل إذا تحدثنا عن مستقبل العلاقات الصينية العربية، فيمكن القول أن التعاون الإستراتيجي بين الصين والدول العربية يوصف بأهمية خاصة، فالصين والدول العربية تحتل مساحة أراضيها سُدس مساحة الأرض في العالم، ويمثل عدد السكان فيهما حوالي ربع إجمالي سكان العالم، ويحتل الحجم الاقتصادي لهما ثمن إجمالي حجم الاقتصاد العالمي، وعلى الرغم من أن الصين والدول العربية تختلف من حيث الموارد الطبيعية، ومستويات التنمية؛ هذا  الاختلاف يدعو إلى تحقيق التكامل واشباع للحاجات المتبادلة، ومن شأنه أن يعزز فكرة المصالح المشتركة وتحقيق التعاون؛ وهذا ممكن ومتاح فلا يوجد بين الطرفين عداوات تاريخية، بل يتمتعان بصداقة حميمة وأساس جيد للتعاون، والصين والدول العربية تعمل منذ مدة إلى تعزيز التعاون في تحقيق التنمية المشتركة، كما يبذل الطرفان جهودهما في تعزيز الأمن الإقليمي ويتعاونان معاً لبناء العلاقات الدولية الجديدة، مما يلعب دورا هاما في تعزيز السلام والتنمية الإقليمية والعالمية.

حققت العلاقات بين الطرفين خطوات متقدمة، ولكن المقصود هنا ليست علاقات عامة فقط وإنما الارتباط بمصالح عميقة على المستوى الاستراتيجي وفي كافة المجالات السياسية والاقتصادية  وعلي سبيل المثال تعمل الصين والدول العربية على تحقيق نتائج الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- العربي، والتي عقد في بكين عام 2018 بحضور أمين عام جامعة الدول العربية وممثلي 21 دولة عربية عضو بجامعة الدول العربية، والذي من شأنه تعزيز روابط المصير المشترك بين الصين والدول العربية بشكل أسرع، ويعتبر هذا المنتدى من أهم الأحداث الدبلوماسية في العالم العربي وللصين الشعبية، وقد حضر مراسم الافتتاح الرئيس الصيني “شي جين بينغ” الذي القى خطابا مهما بعنوان: “يدا بيد لدفع علاقات الشراكة الاستراتيجية الصينية العربية في العصر الجديد”. وقد تضمنت الدورة ثلاثة وثائق هامة وهي إعلان بكين حول رؤية المنتدى، والاعلان التنفيذي العربي الصيني الخاص بالحزام والطريق، والبرنامج التنفيذي لمنتدى التعاون العربي الصيني للاعوام 2018-2020، كما تم في نهايته توقيع عدد من الاتفاقيات بين الصين والدول العربية؛ وقد تأسس هذا المنتدى برؤية صينية عام 2004 ، والمثير للاهتمام أن الأحداث المتلاحقة في العالم العربي لم تؤثر على العلاقات الصينية العربية وروابط هذا المنتدى مما يدلل على ثبات الموقف الصيني والرغبة المشتركة في ترسيخ التعاون العربي الصيني؛ وهذا ما يشير إلى أهمية هذه الروابط للدول العربية، فالصين كقوة هادئة وبناءة قادرة على المساهمة في تحقيق آمال التنمية على هذه الأرض التي مزقتها الحروب والأزمات وحل الوضع الفوضوي وتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط في السنوات القادمة، ومن الحقائق التي تشير إلى أهمية المنافع المشتركة وتحقيق المصالح للطرفين أن التبادل التجاري بين الصين والدول العربية بلغ في عام 2004 حوالي 36.4 مليار دولار أمريكي، وليرتفع عام 2017  إلى ما يقرب من 200 مليار دولار أمريكي. وأعلن الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط عن أن حجم التبادل التجاري الثنائي سيصل إلى 600 مليار دولار أمريكي في إطار مبادرة ” الحزام والطريق”، مما سيفوق حجم التبادل التجاري بين الصين والولايات المتحدة اليوم؛ وهذا الأمر له دلالته وأهميته في فكرة التحولات والتحالفات الدولية للدول العربية، والصين تسير بخطى حثيثة للتأثير على الخريطة العالمية اقتصادياً وسياسياً، حيث عقدت الصين الاجتماع الوزاري الثاني لمنتدى الصين ودول أمريكا اللاتينية كما تم عقد قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني الافريقي في العام 2018.

وهذه المنتديات الثلاث تغطى معظم الدول النامية في العالم، وهي حدث دبلوماسي كبير بالنسبة للصين، واعتراف شامل بالمبادئ الدبلوماسية الصينية التي تنبع من فلسفتها الأخلاقية، وهذا الانتشار العالمي للصين يعبر عن طموحها كقوة صاعدة من خلال التعاون الاقتصادي وتحقيق المنفعة العامة لها ولشركائها في مختلف بلدان العالم وخاصة تلك الدول التي تمتلك ما لا تمتلكه الصين وعلى سبيل المثال الغاز والبترول العربي وغيرها من الامكانيات، وعربياً علينا أن نعي أهمية هذه الحاجة للصين لتخدم مصالحنا في المستقبل؛ فالصين من أكبر المستوردين للبترول والغاز، بالاضافة أنها تبحث عن أسواق واسعة ولذلك فهي تتطلع لشراكات وكيانات اقتصادية مع الدول العربية الواقعة في غرب قارتها الآسيوية مكان نفوذها الطبيعي، وبالفعل تواصل الصين والدول العربية تعزيز الثقة السياسية المتبادلة والشراكة التعاونية والاقتصادية والتجارية، وتعميق التبادل الثقافي والفكري والأدبي، والتعاون في معالجة الشؤون الدولية والإقليمية، وهذا التعاون الاستراتيجي الصيني العربي في ظل الوضع الجديد له أهمية كبيرة يضع الدول العربية في مكانة متقدمة وتأثير كبير لما تملكه من إمكانيات طبيعية كبيرة جدا، وموقع جغرافي هام وملاحة بحرية وأسواق مثيرة للاهتمام بالإضافة إلى سبل تعاون في مجالات كثير تجعل من فرص المنطقة العربية كبيرة في استعادة مكانتها المؤثرة في الأحداث العالمية وشريك لا يمكن الاستهانة به في رسم سياسات النظام العالمي والتأثير بالتوازنات والتحالفات الدولية، ومن ثم تحقيق رؤيتها الاستراتيجية في تحقيق السلام العالمي وتحقيق العدالة والأمن في على المستوى الاقليمي والعالمي إن احسنت التصرف، كما أن الصين تتمسك بالرؤية الصائبة فيما يتعلق بالعدالة والمصلحة، ومفهوم الصدق والحق والود والإخلاص، وهذا ما نتطلع إليه عربياً.

من مؤشرات تطور التعاون الصيني- العربي مبادرة “الحزام والطريق” ففي الاجتماع الوزاري الثامن لمنتدى التعاون الصيني- العربي، وصل التلاحم الإستراتيجي إلى مستوى جديد، وتعمق التعاون باستمرار بين الجانبين، كما عُقد بنجاح مؤتمر الأعمال الصيني- العربي وندوة الاستثمار، في حين  يعمق الطرفان التعاون العملي في مجالات النفط والغاز والطاقة الكهربائية والطاقة النووية والطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، فعقد الجانبان في سبتمبر 2018، الدورة السادسة لمؤتمر التعاون الصيني- العربي في مجال الطاقة، ومن أجل تحقيق فرص استثمارية واعدة، ووقعت الوكالة الوطنية الصينية للطاقة الذرية والوكالة العربية للطاقة الذرية مذكرة تفاهم بشأن إنشاء مركز تدريب للاستخدام السلمي للطاقة النووية في المنطقة العربية، مما أسهم في توسيع مجالات التعاون الصيني- العربي، وقد أقامت الصين علاقات الشراكة الإستراتيجية مع الدول العربية، وتسعى إلى تعزيز السلام والتنمية بشكل مشترك، مما يشكل قوة محركة لتعميق التعاون الثنائي في مجالات مختلفة. كالتبادل الثقافي وإيلاء المزيد من الاهتمام للتبادل بين الشباب الصيني والعربي، وزيادة الأنشطة حول التمتع بالثقافة الصينية والعربية وغيرها سعيا لتعزيز التبادل بين الشعبين الصيني والعربي.

الباب الثالث

التعاون العربي الصيني

” أعظم حلم صيني، هو تجديد شباب الأمة الصيني”-شي جين بينغ

تأمل الصين والدول العربية في تعزيز التعاون الثنائي في مجالات مختلفة، وتحتاج إلى تنميته. ويتوجب على الطرفين تعزيز تبادل السياسات والخبرات في مجالات متعددة ومتاحة كحوكمة البلاد وتحقيق ترابط في إستراتيجيات التنمية، وتعزيز الترابط في مجالات النقل البحري والبري والتعاون في مجال الفضاء، ونقل الموارد وتبادل والمعلومات، كما ينبغي للطرفين بذل الجهود المشتركة في حل القضايا الساخنة سياسياً وتعزيز فرص السلام وتحقيق التنمية الإقليمية، وفي الوقت الحالي يتطور التعاون الصيني- العربي باستمرار لتحقيق  آمال الطرفين؛ ولكنه ليس بالسرعة الكافية فنحن في سباق مع دول أخرى منها دول معادية تسعى إلى تمكين علاقاتها مع الصين الشعبية على حساب طموحاتنا في بناء رابطة المصير المشترك للصين والدول العربية.

المواقف السياسية المتقابلة، الصين أيضاً بحاجة للعرب

كانت الصين بحاجة ماسة للموقف العربي على المستوى السياسي في كثير من المواقف؛ فالموقف العربي في قضية التحكيم الساخنة في بحر الصين الجنوبي جاء لصالح الصين، حيث أصدرت جامعة الدول العربية بيانا مشتركا داعماً لموقف الصين، ويمكن القول أن هذا الموقف العربي كان نقطة تحول في الحرب الدبلوماسية في بحر الصين الجنوبي ، وتشهد الصين والدول العربية الكثير من الأمور المتشابهة التي تحتاج فيها بعضها البعض في ظل عالم متغير متشابك المصالح، وكل هذه المواقف راسخة في ذاكرة الشعب الصيني، وقد جاء الموقف العربي قوياً في نتائج الدورة الثامنة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني- العربي 2018، حيث أكد على موقفه من وحدة الأراضي الصينية وسيادتها عليها، ولهذا الموقف دلالة هامة جداً في السياسة الصينية والاقليمية والدولية كما يظهر ثقل الموقف العربي وأهميته للصين، وفي المقابل وعلى صعيد تنسيق المواقف وتبادل المصالح جاء الموقف الصيني داعماً لتوجه الدول العربية في الانضمام لمنظمة التجارة العالمية، وتعزيز التعاون العربي والصيني في مجال النفط والغاز والطاقة.

وعلى قاعدة المصالح المشتركة؛ الدول العربية تواجه مشكلات مختلفة في الماضي والحاضر ومن تلك المشكلات قضايا تتعلق في المواقف السياسية ومواجهة الإرهاب والسيادة والاحتلال ومشكلات اقتصادية وتنموية وصحية ومخاطر أجنبية وغيرها من المشكلات التي نحتاج فيها وقوف دول عظمى إلى جانبنا بعدالة وقوة، وعلى سبيل المثال من المشكلات الحالية الكبرى التي تظهر قوة الصين الصاعدة على المستوى العالمي والمستوى العربي تفشي فايروس كوفيد 19 عالمياً، والذي أظهر قوة الصين كنظام سياسي مركزي فاعل ونظام صحي متقدم في مواجهة الفيروس، مقابل ضعف الأنظمة السياسية الليبرالية في مواجهته، والذي أظهر ضعف وقصور أنظمتها الصحية، وهذا الموضوع دفع بعشرات الخبراء إلى إجراء  مقارنات ومراجعات لكافة الأنظمة السياسية؛ والذي أظهر تفوق وفاعلية النظام السياسي الصيني، بالإضافة أن الصين تعتبر دولة أخلاقية حيث استطاعت أن تقدم مساعدات وأدوات طبية لكثير من دول العالم ومن ضمنها أوروبا والدول العربية ومن ضمنها فلسطين.

المنطق السياسي يدفعنا إلى الحفاظ على علاقاتنا الدولية، ولكن نحن  بحاجة أن نذهب في تجاه تعميق العلاقات العربية الصينية بشكل متين، لكي نستثمر علاقاتنا في دعم المواقف والقضايا العربية أمام الهيمنة الاجنبية، ومن هذه القضايا العربية القضية الفلسطينية التي تقف منها الصين موقف لا يختلف عن مواقف الدول العربية والدول الصديقة، حيث أكد إعلان بكين على ضرورة دعم القضية الفلسطينية واقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وضرورة حصول فلسطين على كامل عضويتها في الأمم المتحدة.

دولة فلسطين وجمهورية الصين الشعبية

في الصين قول مأثور: “سفر ميزان الخيل، ووقت ميزان الصداقة، فسيظل الشعب الصيني صديقاً حميماً وحقيقياً للشعب الفلسطيني”

 القضية الفلسطينية قضية وطنية وسياسية وقضية أخلاق وعدالة عالمية، وهي مفتاح السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، والصين الشعبية منذ عشرات السنين كان موقفها واضحا تجاه القضية الفلسطينية؛ فقد أعلن “زو إينلاي”، أحد أهم قادة الحزب الشيوعي الصيني، في زياراته للدول العربية في العام 1964، قول ماوتسي تونغ “نحن على كامل الاستعداد لمساعدة الأمم العربية في استرداد فلسطين، قولوا لنا عندما تكونوا جاهزين، وستجدوننا مستعدين، سنمنحكم أي شيء وكل شيء، من المتطوعين للأسلحة.”

هذه جزء من المواقف الصينية وهي ليست لأغراض تكتيكية بقدر أنها مواقف استراتيجية ثابته تخص بها الشعوب المقهورة، والصين ليست دولة استعمارية بطبعها بل توجهاتها تعود في جذورها إلى مكونات ثقافية ومواقف أخلاقية “كونفوشيوسية” متأصلة منذ آلآف السنين لدى أبناء الشعب الصيني، وتحديداً تجاه الشعب الفلسطيني، لقد عانت الصين في قرن الذل منذ منتصف القرن التاسع عشر من الدول الاستعمارية كما عانى الشعب الفلسطيني؛ واليوم تدرس حيثيات الظلم لهذا القرن لطلبة مدارسها لتقول لهم أننا لن نعود إلى المعاناة والإذلال مرة أخرى، وفي أدبيات الحزب الشيوعي والقيادة الصينية بداية من “ماوتسي تونع” وحتى “شي جين بينغ” تظهر سياسات الصين واضحة وجلية؛ فهي تظهر في مواقفها المعلنة تجاه الشعوب المقهورة التي ترغب في الوقوف إلى جانبها كما أن القضية الفلسطينية حاضرة في السياسة الصينية منذ انطلاقة الثورة الفلسطينية حيث قدمت الصين ما قدمته في سبيل تحقيق الحرية للشعب الفلسطيني، وقد عبر ماوتسي تونغ في أول لقاء له مع أحمد الشقيري رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، عام 1965، حيث قال له: “أن الإمبريالية تهاب الصين والعرب، وإسرائيل من الدول التي تشكّل  قواعد الإمبريالية في آسيا، أنتم البوابة الأمامية للقارة، ونحن الخلف. هدفهم واحد…آسيا أكبر قارة في العالم، ويريد الغرب استغلالها…صراع العرب ضدّ الغرب هو الصراع ضدّ إسرائيل. وبالتالي، أيها العرب، قاطعوا أوروبا وأمريكا”

ويسجل للصين أنها من أوائل الدول التي اعترفت بمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، كما أنها من أوائل الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، بالاضافة إلى دعمها السياسي والمادي والعسكري للثورة الفلسطينية عموماً، وما زالت الصين حاضرة إلى جانب القضية الفلسطينية في المحافل والهيئات الدولية لهذه اللحظة؛ فهي لم تخذل الشعب الفلسطيني يوماً قدر استطاعتها من خلال الدور الذي لعبته السياسة الخارجية الصينية بوصفها قوة فاعلة بسبب ثقلها السياسي على مستوى الساحة الدولية وقدرتها على التصدي ومنافسة الولايات المتحدة الأمريكية بالدفاع عن منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والقضية الفلسطينية بشكل خاص.

وفي تحديد أكثر وضوحاً قال “تشياي تشي تشن” وزير الخارجية الصيني أن سياسة الصين تجاه القضية الفلسطينية تتلخص في خمسة عناصر أساسية هي:

·        أن محادثات السلام ينبغي أن تسير على أساس تنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالشرق الأوسط وصيغة الأرض مقابل السلام المتفق عليها في مؤتمر مدريد.

·        تنفيذ كل الاتفاقيات الموقع عليها بشكل جاد لتفادي أي تعطيل لعملية السلام.

·        القضاء على الإرهاب والعنف في كل أشكاله حتى يتسنى إرساء أمن الدول الشرق أوسطية.

·        تشجيع التعاون الإقليمي بوصفه عاملاً مساعداً على تبادل الثقة ونبذ العداء تدريجياً بين الدول العربية و”إسرائيل”.

·        التأكيد على دور المجتمع الدولي في مساعدة الأطراف المعنية في الشرق الأوسط ومساندتها، لتحقيق سلام شامل وعادل في المنطقة.

ومما يؤكد على موقف الصين تجاه القضية الفلسطينية والفلسطينيين الاستقبال الحافل الذي لقيه الرئيس الفلسطيني “ياسر عرفات” في زيارته للعاصمة الصينية بكين يوم 13 يوليو 1998، وبحضور الرئيس الصيني “جيانغ زيمين” في ساحة “تيان آن مين” الكبرى، حيث يستقبل رؤساء الدول والشخصيات الدولية المرموقة وهذا الاستقبال لفت الانتباه مجدداً للدور الصيني من القضية الفلسطينية، وهو دور تاريخي ومميز في مساندة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة منذ بدايتها الأولى.

وقد أعلنت الصين دعمها لخريطة الطريق ولخيار المفاوضات وللجنة الرباعية الدولية (الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي)، بالرغم من رفض الولايات المتحدة الأمريكية و”إسرائيل” عضوية الصين في اللجنة الرباعية – هذا الموقف يجعلنا كفلسطينيين نطالب دور صيني-، ولكن هذا لم يمنع الرئيس الصيني “شي جين بينغ”  من اطلاق مبادرته لحل القضية الفلسطينية عام 2013 ، حيث  تقدمت الصين بمبادرة جديدة لحل القضية الفلسطينية أثناء استقبالها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.

 وجاءت الرؤية الصينية ذات النقاط الأربع حول تسوية القضية الفلسطينية كما يلي:

أولاً: يجب التمسك بالاتجاه الصحيح المتمثل في إقامة دولة فلسطين المستقلة والتعايش السلمي بين دولتي فلسطين و”إسرائيل”، وإقامة دولة مستقلة ذات سيادة كاملة على أساس حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

ثانياً: يجب التمسك بالمفاوضات بوصفها الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى السلام.

ثالثاً: يجب التمسك بثبات بمبدأ “الأرض مقابل السلام”.

رابعاً: يجب على المجتمع الدولي أن يقدم دعماً قوياً لدفع عملية السلام، يتعين على الأطراف المعنية في المجتمع الدولي أن تشدد على الشعور بالمسؤولية وإلحاح القضية.

ونخلص إلى أن الصين تحرص على أن تكون مواقفها متوازنة تجاه أطراف الصراع العربي – الإسرائيلي، كما أنها تضع في حسبانها القيام في مرحلة ما بالوساطة، ولذلك فهي حريصة على علاقاتها التقليدية مع البلدان العربية من جانب والتعامل مع إسرائيل من جانب آخر.

 يتجلى الدور الصيني المبادر في زيارات الرئيس الصيني “شي جين بينغ” والرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي زار الصين في العام 2013م، ثم في 2017م حيث التقى بالرئيس الصيني في بكين، وفي عام 2016م قام بينغ بجولة في الشرق الأوسط وألقى خطاباً في الجامعة العربية أكد فيه حرص الصين على حل القضية الفلسطينية، وأثناء زيارة الرئيس عباس الأخيرة كرر بينغ رؤيته من جديد ودعا إسرائيل إلى وقف أنشطتها الاستيطانية في فلسطين وأكد أن الصين تؤيد إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.

يمكن القول بأنه بعد 17 عاماً على رؤية الموقف الصيني من الدولة الفلسطينية، لا تزال الصين تتعامل مع “إسرائيل” من مبدأ المنفعة والمصلحة المتمثلة في العلاقات العسكرية والتقانية “التكنولوجية” بين البلدين، وأنها لا تنوي في المستقبل القريب أن تحيد عن ذلك النهج، وفيما يتعلق بالدولة الفلسطينية، فإن الصين أيدت بالفعل منح فلسطين صفة دولة غير عضو في الأمم المتحدة عام 2012، وأنها لا زالت تقيم علاقات تجارية جيدة مع قطاع غزة والضفة الغربية، الأمر الذي يمكن أن نتوقع استمراره في المستقبل، دون أن تتخلى الصين عن دعم الشعب الفلسطيني.

وقد عبّر الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن قبوله للمبادرة الصينية وعن شكره مراراً وتكراراً للقيادة الصينية على مواقفها، وقد صرح عام 2017م لوكالة الانباء شينخوا، أن فلسطين جزء من مبادرة الحزام والطريق التي اقرتها الصين عام 2013م بهدف بناء شبكة للتجارة تربط آسيا وأوروبا وأفريقيا على طول مسارات التجارة القديمة.

إن تحقيق تطلعاتنا في تحقيق الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وتحقيق الثوابت الفلسطينية يحتاج إلى تطوير استراتيجينا الوطنية في الحراك الدولي الحالي والذي سيشهد نظام دولي بمعادلات جديدة وحديثة، ومن المتوقع أن تكون فيه الصين دولة حاضرة وقد تكون حاكمة ومهيمنة، ولا يعني أن هذه الحقيقة قد تكون نتيجة حرب عالمية لا نود رؤيتها ولكن ما تم استعراضه من حقائق علمية أظهرها التاريخ التطبيقي يشير إلى مستقبل هذا النظام الذي نسعى لان نكون حاضرين فيه بقوة وفق تحالفاتنا الذكية.

 الصين تعتبر أن آسيا قارتها؛ وأهميتها الاستراتيجية في مستوى الأمن القومي الصيني وهي تسعى إلى أن تكون قارة خالية من تدخل الغرباء وآمنة ومستقرة كما نسعى نحن في غرب هذه القارة، ونحن في آسيا نلتقي كثيرا مع المواقف الصينية الرسمية والشعبية مما يؤهلنا إلى تطوير علاقات أكثر عمقا وارتباطات أكثر متانة مع الصين بالرغم من الأيدلوجيات المختلفة معهم وهذا ما يساعد على تحقيق طموحاتنا في الصداقات الحقيقية والموثوقة التي تتفق مع مبادئنا وتحقق أمانينا بعيداً عن الدول المهيمنة حاليا، نحن نبحث عن حلفاء لهم وزنهم في النظام العالمي المنتظر وهم تاريخيا يبحثون عن تحقيق العدالة لقضيتنا، ولا يقلقنا علاقة الصين ب”إسرائيل” وهي علاقة جيدة بدأت بشكل رسمي عام 1992 فقط، لكنها علاقة مصالح تتفق مع سياسة الصين الناعمة ولا تعني أن هذه العلاقة ستؤثر على قرارات الصين الأخلاقية، ولا ننسى أن فلسطين بوابة هامة للعالم العربي والإسلامي بشكل لا تملكه “اسرائيل”، كما أن الصين تدرك أن القضية الفلسطينية مفتاح السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وفي القارة الأسيوية والعالم ومدخل مهم لقلوب الشعوب العربية.

والصين دولة ليست استعمارية ولا تسعى إلى الخراب ولكنها دولة تسعى إلى لعب دور أكبر في الشرق الأوسط نظراً لمكانتها الدولية ومكانتنا الهامة، ومن منطلق مبادئها في تحرر الشعوب، ومن مؤشرات الثبات في رؤيتها موقفها بعد مرحلة الربيع العربي ما زالت الصين تسعي إلى دعم القضية الفلسطينية. والى تعزيز علاقاتها مع الدول العربية، فقد تبنت الصين المواقف الفلسطينية خلال عرضها ومناقشتها في المحافل الدولية واعتبرت أن أزمة الشرق الأوسط يتمثل في احتلال “إسرائيل” للأراضي العربية، وأن أي حل عادل يجب أن يستند إلى انسحاب “إسرائيل” من هذه الأراضي وتطبيق قرارات الشرعية الدولية وحق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وأنها لا زالت تقيم علاقات تجارية جيدة مع قطاع غزة والضفة الغربية، الأمر الذي يمكن أن نتوقع استمراره في المستقبل، دون أن تتخلى الصين عن دعم الشعب الفلسطيني. وتعتبر أن التعاون العربي – الصيني هو مسألة دائمة تاريخية.

الباب الرابع

المطلوب فلسطينيا:


في الذكرى الثلاثين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وفلسطين قال شي جين بينغ “الصين تدعم دائما القضية العادلة للشعب الفلسطيني لاستعادة حقوقه الوطنية المشروعة وتدعم بقوة إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة كاملة على أساس حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية”

تبنى الطرف الأمريكي المهيمن عالميا الموقف الاسرائيلي ودعم نقل سفارته إلى القدس واعترف بها عاصمة لدولة الاحتلال، وطالب بتنفيذ “صفقة القرن” التي تنهي الهوية الفلسطينية والحقوق الفلسطينية بالاضافة إلى عشرات المواقف التي تدعو إلى الاحباط؛ وهذا الوضع يضع الفلسطينيين في موقف يقرر فيه السعي إلى تفعيل وتطوير العلاقات الفلسطينية مع دول صاعدة ومؤثرة في الأحداث الدولية مثل الصين وروسيا والهند والمانيا، ولأن الصين هي موضوع هذه المقالة العلمية نتناول الحديث عنها بالذات حيث أنها من أهم الدول الصاعدة التي ترسخ ثقلها المؤثر والفاعل في المعادلة الدولية وعلى كافة الساحات وفي كافة المجالات، بالاضافة إلى أنها مهتمة جداً بمنطقة الشرق الاوسط والمنطقة العربية في الوقت الحالي وفي المستقبل للأسباب التي ذكرناها سابقاً؛ ومن الطبيعي أن الطريق الذي تسلكه الصين تجاه المنطقة يمر عبر قضية العرب المركزية، ويتطلب هذا الموضوع ذو الأهمية الاستراتيجية للصين ولفلسطين إعطاءه مساحة كبيرة من السياسة الفلسطينية لتعزيز العلاقات الصينية الفلسطينية بشكل يخدم الموقف الفلسطيني بشكل فاعل وعملي، علماً أن الأساس التاريخي لهذه العلاقات موجود فعلاً؛ وهناك وعي صيني عميق لأبعاد القضية الفلسطينية، إن تطوير استراتيجية وطنية تجاه الصين تخدم مواقفنا السياسية وتوثيق أواصر العلاقة معها في المجال الحضاري والثقافي والصناعي والتعاون الاقتصادي وتعميق العلاقة في كافة المجالات؛ ويساعدنا بلا شك على تحقيق أهدافنا الوطنية، فالصين تهتم في الموقف الفلسطيني التحرري إنطلاقاً من مبادئها التحررية، بالاضافة إلى إدراكها لمدى تأثير الشأن الفلسطيني على المستوى العربي والاسلامي الرسمي والشعبي بشكل لا يستهان فيه؛ وهذا يفتح من الشهية السياسية لدولة الصين الشعبية، ففي الفكر السياسي لديهم يؤمنون كثيراً أن علاقة الولايات المتحدة مع الدول العربية تقتصر فقط على الانظمة السياسية ولكنها مرفوضة من معظم الشعوب العربية، وبالتالي تريد الصين أن تكون حاضرة على المستوى الرسمي والشعبي مما يوفر لها المناخ الآمن والملائم للتعاون الناجح بالإضافة أن هذا الأمر ينسجم مع التوجهات السياسية والثقافية لدي الصين الشعبية، كما أنها تعلم أن مفتاح السلام والاستقرار ومفتاح الأزمات الإقليمية في المنطقة يمر عبر القضية الفلسطينية، وهذا يجعل للمواقف الفلسطينية ثقل كبير وتأثير على المواقف الرسمية الصينية والتي توصف بالمواقف المتناغمة، وعلى سبيل المثال كان هناك أهمية للمواقف الفلسطينية من وحدة وسلامة الأراضي الصينية وعدم تقسيمها وخاصة الموقف من قضية تايوان حيث كان له دلالة سياسة كبيرة مؤثرة في الموقف الصيني، فالصين أيضاً تتطلع برغبة واحتياج للعمل على تقوية العلاقات الصينية – الفلسطينية، وهذا يخدم القضية الفلسطينية ويدعمها في المحافل الدولية. لذلك فالمطلوب فلسطينياً توثيق العلاقات الرسمية والدبلوماسية والشعبية بين البلدين، ودعم الحوار المشترك والمباحثات الثنائية، فالصين باتت قوى عظمى ذات تأثير محوري في النظام الدولي، وأصبحنا نحن منطقة صراع ساخنة تود الصين العمل على استقرارها.

مستقبل العلاقات الفلسطينية الصينية

على هذه الأرض سيدةُ الأرض
أم البدايات أم النهايات
كانت تسمى فلسطين صارتْ تسمى فلسطين
سيدتي : أستحقُّ ، لأنَّك سيدتي ، أستحق الحياة

محمود درويش

ليس من الصعب علينا كفلسطينيين إحداث فرق أكبر وفاعل في مواقف السياسة الصينية تجاه  القضية الفلسطينية من جهة، وبناء مواقف ضاغطة على الاحتلال الاسرائيلي، وذلك للأسباب التي تمت الاشارة إليها سابقا، فالقضية الفلسطينية تعيش تاريخياً في العقلية السياسية الصينية بشكل يجعل إدراك هذه القضية الوطنية العادلة أعمق من معظم دول العالم وتحديداً الدولة المهيمنة الآن الولايات المتحدة، وهذا يفيد في رسم طبيعة العلاقة المستقبلية التي تعزز من مكانة وموقف القضية الفلسطينية، والمطلوب مرة أخرى فلسطينياً إدراك الدور الصيني المتنامي عالمياً بشكل عام، وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص حيث يمثل فرص لصياغة تحالفات جادة ومصالح جديدة بين البلدين، فموقف الغرب ممثلاً بالولايات المتحدة وسيطرة اللوبي الموالي لإسرائيل على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه قضية الشرق الأوسط وتعاملها مع الملفات العربية وتحديداً القضية الفلسطينية هو ما أفقد تلك السياسة مصداقيتها في الشرق الأوسط وتحديدا على مستوى الشعوب العربية التي أصبحت تنظر بكراهية للمواقف الامريكية، واليوم نلاحظ وجود فراغ وشرخ كبير في مستوى الثقة بالجانب الامريكي والعالم اليوم لا يقبل الفراغ وهناك دائماً من يبحث عن الفراغات ليملؤها؛ ويبدو أن الصين تريد أن تملأ هذا الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة نتيجة انحيازها ل”اسرائيل”، فهي دولة لن تقع في أخطاء السياسة الخارجية الامريكية النمطية كنتيجة للتماهى في الموقف الاسرائيلي والصين صديق قديم وجديد للشعب الفلسطيني بالرغم من ارتباطها بمصالح مع “اسرائيل” ومن الممكن أن تقوم بتأدية دور إيجابي وحيادي وأكثر مصداقية من الموقف الأمريكي.

تعظم الصين فكرة التعاون الاقتصادي ولكنها لم تلغي الإطار السياسي الذي يحكم القضية الفلسطينية وهذا يظهر جلياً باستراتيجيات السلام الاقتصادي؛ وهي منخرطة حالياً على المستوى الاقتصادي في مشاريع مشتركة مع فلسطين و”إسرائيل” بينما لا يزال الوضع السياسي على حاله، وهذا يتطلب تطوير الدور السياسي الصيني الذي لم تسقطه الصين منذ البداية والذي يظهر بوضوح في مبادرتها ذات الاربع نقاط، والصين كدولة صاعدة تسعى إلى أن تلعب هذا الدور ليس فقط في قارة آسيا وإنما على المستوى العالمي ليكون دورها السياسي متناغم مع طموحاتها الاقتصادية التي امتدت امتداد طريق الحرير.

تشهد العلاقات الصينية – العربية في السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظاً خاصة على الصعيد التجاري والاقتصادي والاستثماري، وهذا سيحول “إسرائيل” من دولة شريك أول في آسيا للصين إلى شريك متأخر لتحل محله الدول العربية كأكبر شريك تجاري للصين مما يعزز من الأهمية الإستراتيجية للثقل العربي في السياسة الصينية فهناك طلب كبير على مصادر الطاقة الموجودة في منطقة الشرق الأوسط، ولهذا السبب تقتضي المصلحة الصينية تعزيز العلاقة مع الدول العربية، والجدير بالذكر أن الصين لم تكن غائبة عن الملفات العربية وتحديداً القضية الفلسطينية كما يعتقد البعض، ولكن قد نكون نحن لا نعمل بشكل كافي لتفعيل حضورها كسابق عهدها وذلك يتطلب تشجيعها على لعب الدور الذي نريد، فالصين تأكيداً لحضورها في الملف الفلسطيني عادت من جديد لتقدم رؤية شاملة وأفكار مبتكرة لحل القضية الفلسطينية، وتضخ قوة دفع جديدة لتعزيز العلاقات الصينية- الفلسطينية، وقد أشار المبعوث الصيني الخاص السابق إلى الشرق الأوسط السفير “وو سي كه” إلى أن رؤية 2017 تعكس بوضوح فكرة جديدة للصين تجاه حل القضية الفلسطينية، ألا وهي تحقيق السلام من خلال التنمية فضلا عن المفاوضات السياسية، وخلال زيارة نائب الرئيس الصيني وانغ تشي شان، شهد الجانبان توقيع مذكرة تفاهم بشأن بدء محادثات التجارة الحرة بين الصين وفلسطين، وهو ما يسهم في الارتقاء بالتعاون الثنائي في إطار “الحزام والطريق” إلى مستوى جديد؛ وتستعد الصين لفتح فصل جديد من العلاقات مع فلسطين وتتطلع إلى آفاق مشرقة معها، والسؤال هل نحن مستعدون لالتقاط هذه الفرصة التي تقدمها الدولة الصاعدة اليوم والمهيمنة غداً.

الخلاصة

الفلسطينيون مفتاح الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط؛ وهم نقطة البداية لمستقبل المنطقة العربية، ولهم الحق أيضاً في إقامة علاقات وتحالفات وصداقات دولية بموجب ميثاق الأمم المتحدة، علاقات تستند إلى استراتيجيات وطنية تخدم مشروع الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على أراضيها وعاصمتها القدس، وفي ظل الحراك الدولي المتسارع وفي ظل التغيرات في الموازين الدولية، نرى في الصين وروسيا ودول أخرى دول صاعدة تأخذ مكانتها على الساحة الدولية، ونرى فيها دول ذات مصداقية في مواقفها من القضايا العربية والقضية الفلسطينية، وبالرغم من علاقاتنا الجيدة مع هذه الدول وتحديداً الصين الشعبية، علينا أن نعيد تقييم علاقاتنا مع الصين الموصوفة بالعلاقات التقليدية الحسنة وهي علاقة لم تعد كافية؛ ولنرتقي بشكل العلاقة لتكون مجموعة من العلاقات المتشابكة والروابط المشتركة مع دولة الصين الشعبية، يتم فيها توظيف استراتيجيات فاعلة ومؤثرة تساعد في تحقيق آمال الشعب الفلسطيني بتحقيق مصيره.

انتهى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى