أقلام وأراء

فيصل أبو خضرا يكتب رهاننا يجب ان يبقى على إرادة شعبنا المناضل وليس انتظار مواقف أميركا المنحازة لإسرائيل

بقلم   فيصل أبو خضرا *24/4/2021

بداية لا بد من التأكيد على أن ما شهدته المدينة المقدسة خلال اليومين الماضيين من صمود أسطوري للمقدسيين في مواجهة قوات الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاتها التعسفية والتصدي لاعتداءات الإرهابيين اليهود، والذي يشكل امتدادا لسنوات طويلة من صمود المقدسيين واحباطهم للكثير من مخططات الاحتلال لتهويد المدينة والمساس بالمقدسات ، يجب ان يشكل رسالة واضحة لكل قيادات الفصائل والقوى الوطنية بأن رهاننا الحقيقي يجب ان يظل على هذه الإرادة الشعبية وهذه الجماهير المناضلة الرافضة للظلم والقهر، وليس على الولايات المتحدة او غيرها من القوى الدولية، فهذه الهبة المقدسية التي عبرت عن أصالة شعبنا ومقاومته المشروعة هي النموذج الذي يجب ان يحتذى لانتزاع الحرية والاستقلال، وليس انتظار ما سيصدر من وعود من البيت الابيض بعد ان ثبت على مدى عقود ان الولايات المتحدة لم تحترم ما قدمته من وعود وضمانات ولا ما وقعت عليه وقبلته من اتفاقيات، بل ظلت منحازة للاحتلال الإسرائيلي وداعمة لممارساته.

ومن الواضح ان ما تتشدق به أميركا من قيم ومبادئ وما ورد في دستورها بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان وتقرير المصير ومناهضة التمييز العنصري ، داسه رؤساء الولايات المتحدة على مدى عقود فيما يخص القضية الفلسطينية والكثير من القضايا العربية والدولية إرضاء لحليفتهم إسرائيل، بل انهم أمعنوا في انتهاك القانون الدولي ورفض قرارات الشرعية الدولية بما فيها حتى التي صدرت عن مجلس الأمن مثل القرار ٢٣٣٤ المناهض للاستيطان والذي يؤكد ان القدس جزء لا يتجزأ من الأراضي المحتلة عام ٦٧ وهو القرار الذي لم تحبطه واشنطن بالفيتو وامتنعت عن التصويت.

وها هي إسرائيل تواصل بناء المستعمرات في القدس ولم نسمع موقفا جادا من إدارة بايدن. كما ان إسرائيل لا زالت تتلكأ في الاعلان عن موقفها بشأن إجراء الانتخابات في القدس، بينما تدل كل المؤشرات انها تريد عرقلة إجراء الانتخابات وهو ما يدلل عليه منعها اي اجتماعات للمرشحين المقدسيين وتهديد بعضهم، فيما تتلكأ إدارة بايدن ايضا في ايضاح موقفها من هذا الرفض الإسرائيلي المخالف للاتفاقيات التي وقعتها اسرائيل ووافقت عليها اميركا واودعت لدى الأمم المتحدة.

وها هو الناطق باسم الخارجية الأميركية، نيد برايس، تهرّب امس الاول من الرد على سؤال بشأن موقف واشنطن من تصويت المقدسيين، فيما قالت مصادر مطلعة وفق ما نشرته صحيفة “ے” الأسبوع الماضي ان الإدارة الأميركية لا تمانع بتأجيل الانتخابات الفلسطينية وهو ما ينسجم مع معارضة إسرائيل لهذه الانتخابات.

وقبل ذلك كان وزير الخارجية الأميركي انطوني بلينكن، قد صرح بآن علاقات أميركا مع المملكة العربية السعودية هي علاقات مع حليف قوي ولكن عندما يتعلق الأمر بحقوق الانسان والحرية لا يمكن لامريكا ان تتخلى عن مثلها العليا بالنسبة للديمقراطية وحقوق الانسان، ولكن أين هي حقوق الانسان والديمقراطية عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وانتهاكاتها الجسيمة وبحقوق الفلسطينيين ونظامهم الديمقراطي وانتخاباتهم؟!

كنا نأمل من السيد بلنكين ان يقول بوضوح بانهم ضد ما ترتكبه إسرائيل من تمييز عنصري وانتهاكات للقانون الدولي ولحقوق الانسان، وها هو ما يجري في القدس اكبر دليل على هذه الجرائم الإسرائيلية، وكذا ما يقوم به الاحتلال ومستعمروه من الاعتداء على المدنيين وممتلكاتهم ومزارعهم وأراضيهم في الضفة الغربية المحتلة وحصار الاحتلال الجائر لقطاع غزة.

ان امريكا التي تتشدق بانها مع العدالة هي نفسها التي ترفض العدالة وتناصب محكمة الجنايات في لاهاي العداء لأنها تجرأت على اتخاذ قرار ببدء التحقيق بجرائم الحرب الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.

وفي الحقيقة يقف الإنسان الفلسطيني والعربي، خاصة من عاش في أميركا او درس في جامعاتها، مذهولا وهو يرى هذا التناقض الصارخ بين ما يمارسه زعماء اميركا وما ينص عليه دستورهم وما ينص عليه القانون الدولي والقرارات الدولية وكيف يسير قادة أميركا كالخراف وراء اسرائيل، البلد الوحيد في العالم الذي يمارس قوانين ما قبل التاريخ، ولا يجروء اي قائد امريكي على معارضة سياسات المحتل العنصرية.

المستعمرون الاجانب الذين يقيمون على اراضي الفلسطينيين لم يتركوا جريمة الا وارتكبوها بما في ذلك حرق فلسطينيين احياء وهدم منازل الفلسطينيين وتشريدهم والاستيلاء على اراضيهم وبناء مستعمرات غير شرعية عليها والمساس بالمقدسات الاسلامية والمسيحية وغيره من الممارسات المتواصلة حتى اليوم، ويأتي بلينكن ليقول لنا ان أميركا التي تدعم هؤلاء الصهاينة تحافظ على مثلها، في تصريحات لا يمكن الا ان تكون موضع سخرية كل فلسطيني وكل احرار العالم. فلماذا يصمت بلينكن على جرائم إسرائيل وعلى التمييز العنصري واستمرار حرمان شعب بأكمله من حقوقه المشروعة بسبب دولة مارقة هي حليفة لبلاده أميركا؟!

لهذا وغيره من المواقف الأميركية المنحازة للاحتلال نقول ان الرهان على موقف ذي مصداقية من قبل الولايات المتحدة طالما تتبنى هذه المواقف هو رهان على سراب، ومن غير المعقول او المقبول ان يتكرر خطأ الركون إلى وعود اميركا الضبابية او الى المواقف الجزئية التي اعلنت عنها الادارة الاميركية كاستئناف المساعدات للفلسطينيين فقضيتنا سياسية بالدرجة الأولى والمطلوب من اميركا تبني قرارات الشرعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية وإلغاء كافة القرارات التي اتخذتها ادارة ترامب والمناقضة للشرعية الدولية بما فيها القرار الخاص بالقدس. وطالما لم تفعل الإدارة الاميركية ذلك فهذا يعني رفض قبول استفرادها بجهود السلام وانها لا زالت تناهض الشعب الفلسطيني وحقوقه.

واخيرا نعيد التأكيد مجددا ان رهاننا الوحيد يجب ان يبقى على شعبنا الصابر المناضل وان تطبق القوى والفصائل ما توافقت عليه من الوحدة وإطلاق المقاومة الشعبية العارمة الكفيلة باسماع الصوت الفلسطيني المدوي للعالم اجمع والكفيلة بالانتصار، وها هو النموذج المقدسي أمام الجميع … والله المستعان

* عضو المجلس الوطني الفلسطيني .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى