«فورين بوليسي»: لماذا سعت فرنسا للمشاركة في ضرب سوريا؟
فورين بوليسي 15 أبريل,2018
فجر أمس –14 أبريل (نيسان)– شنت كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا غارات جوية مكثفة وخاطفة ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، عقابًا له على استخدام السلاح الكيميائي في دوما. إذ هاجمت مقاتلات وقاذفات استراتيجية وفرقاطات مستخدمة حوالي 100 صاروخ مواقع تابعة للنظام السوري في دمشق وقرب حمص يُعتقد أنها تستخدم في صناعة الأسلحة الكيميائية.
تزعم الدول الثلاث أن هذا التحرك جاء لأنه لا يمكن التسامح مع استخدام السلاح الكيميائي. ولكن في حقيقة الأمر، فإن تلك القوى لديها مشكلات تسعى للفرار منها؛ فترامب يقاسي من تحقيقات مولر بشأن تلاعب روسيا بالانتخابات. وبريطانيا تواجه تداعيات استفتاء البريكست، وتسميم العميل الروسي سكريبال.
ولكن لماذا تندفع فرنسا نحو قصف سوريا؟ هذا ما يبحثه بنيامين حداد في مقال أعده قبل حوالي أسبوع من تاريخ الضربة الثلاثية في سوريا، ونشر المقال عبر موقع مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية.
يقول حداد إن الرئيس الفرنسي ماكرون كان قد أعلن في الصيف الماضي أنه «إذا وضعتَ خطوطًا حمراء، وكنت غير قادر على فرضها، فإنك تقرر أن تكون ضعيفًا». وقد انتظر العالم رؤية هل ستترجم فرنسا أقوالها إلى أفعال بعد مقتل 42 شخصًا على الأقل خنقًا بمادة سامة في ضاحية دوما التي يسيطر عليها المتمردون. يأتي ذلك بعد أن اتفق كل من ترامب وماكرون على ضرورة «محاسبة نظام الأسد على انتهاكاته المستمرة لحقوق الإنسان».
ولكن عند النظر إلى وعود ترامب بمعاقبة الأسد –يشير حداد– فلا يجب أن ننسى ما أعلنه مؤخرًا من أن أمريكا ستنسحب من سوريا في أقرب وقت ممكن. لم يكن من الواضح ما إذا كان بوسع فرنسا الاعتماد على الولايات المتحدة في الالتزام بمعاقبة نظام الأسد. لكن هذا كان يجب ألا يغير من موقف ماكرون. فلو أن الولايات المتحدة كانت قد تراجعت عن قصف الأسد، حينها كان سيتعين على ماكرون التحرك بمفرده حفاظًا على مصداقيته.
سعى ماكرون إلى تحديد سياسة لبلاده بشأن سوريا. إذ كان معارضًا لتدخل سلفه هولاند في ليبيا إلى جانب المملكة المتحدة وأمريكا. كما انتقد السياسة المتبعة في الملف السوري.
ومنذ اشتعال الحرب في سوريا، كان موقف فرنسا هو ضرورة رحيل الديكتاتور السوري ودعم المعارضة. وكما يشرح ميشيل دوكلو، سفير فرنسا السابق في سوريا، فإن هذا الموقف استند على «معرفة جيدة بطبيعة نظام الأسد». إذ فقد الفرنسيون الثقة في دمشق بعد سنوات من محاولة الحوار معها. وعلاوة على ذلك، أيقنت باريس أن النظام سيرد على الاحتجاجات بالعنف؛ مما سيعزز من صعود الإرهاب.
بعد استخدام الأسلحة الكيميائية في الغوطة –يؤكد حداد– أمر هولاند القوات الجوية الفرنسية بالإعداد لضربات عقابية ضد مراكز قيادة الأسلحة الكيميائية في سوريا. وقد اعتقد هولاند أن الولايات المتحدة، التي وجهت إنذارًا نهائيًّا بشأن الأسلحة الكيميائية، ستشارك في الهجوم. بيد أن باريس صُدمت من تراجع باراك أوباما عن تهديده. وقد رأت فرنسا أن هذا علامة على الضعف الأمريكي، وقد مهد الطريق أمام التدخل الروسي في أوكرانيا وضم شبه جزيرة القرم. وبعد تركه منصبه، قال هولاند إنه كان على قناعة بأن الأمور كانت ستأخذ منحى مختلف لو أن الضربات قد نُفذت.
لكن استراتيجية هولاند كان يعيبها أنها وضعت مطالب تعجيزية –على رأسها رحيل الأسد–، واعتمدت بشكل كامل تقريبًا على أمل دعم أمريكا طموحات باريس. كانت آخر زيارة قام بها هولاند إلى واشنطن، من أجل الدعوة إلى تدخل أكثر قوة بعد هجمات نوفمبر (تشرين الثاني) 2015، قد فشلت فشلًا تامًا. ولم تفكر فرنسا قط في التصرف بمفردها في عام 2013.
ونتيجة مباشرة لتجربة هولاند –يكشف حداد– أتى ماكرون باستراتيجية موضوعية وصمم على تنفيذها، وهي تتماشى مع تحفظ واشنطن على المشاركة الواسعة. كانت أولوية ماكرون، على غرار ترامب، هي القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وتخلى عن مطلب رحيل الأسد. بل وصل به الأمر في يونيو (حزيران) الماضي إلى الزعم بأنه ليس هناك «خليفة شرعي» للأسد.
لكنه في الوقت نفسه وضع خطين أحمرين: استخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين، وحتمية وصول المساعدات إلى السوريين. وبعد استضافته لأحزاب كردية سورية في باريس الشهر الماضي، أعلن نشر قوات فرنسية في شمالي شرق سوريا لدعم الاستقرار في المناطق الكردية التي تهددها تركيا. وأيضًا منع عودة المنظمات الإرهابية، وتوفير الحماية للأكراد، وقد حظي بمساندة الرأي العام الفرنسي في تلك الخطوة.
ولكن بفرض قيام فرنسا بهجوم منفرد، فإن ذلك لن يغير من توازن القوى في سوريا وفقًا لما يرى حداد؛ إذ سيكون التأثير أقل عسكريًّا وسياسيًّا. لكن قائد أركان الجيش الفرنسي ذكر الشهر الماضي أن فرنسا قادرة على التحرك بمفردها. وسيؤكد الرد على هذه المجزرة الجديدة احترام ماكرون وعوده، وسيعزز من مصداقية فرنسا في سوريا.
وبينما يستعد ماكرون لزيارة واشنطن الشهر الحالي بوصفها زيارته الرسمية الأولى لأمريكا منذ انتخاب دونالد ترامب، فإن العمل العسكري الفرنسي سيرفع من أسهمه لدى واشنطن. إن بين الرجلين علاقة قوية، جسدتها زيارة ترامب الناجحة إلى باريس في يوم الباستيل. يمتلك الفرنسيون نهجًا عمليًّا تقليديًّا للعلاقات عبر الأطلسي، ويفضلون المصالح الفرنسية على الدفاع عن النظام العالمي الليبرالي.
وهكذا استغل ماكرون القيود الداخلية في ألمانيا وبريطانيا، اللتين لا يحظى فيهما ترامب بشعبية كبيرة، ليبرز بوصفه محاورًا أوروبيًّا رئيسيًّا أمام ترامب. لكن العلاقة الشخصية الجيدة لم تترجم حتى الآن إلى نتائج سياسية ملموسة. إذ لم تنجح باريس في التأثير في إدارة ترامب في قضايا الاحتباس الحراري، أو الصراع في الشرق الأوسط، أو اليونسكو.
تأتي زيارة ماكرون إلى واشنطن في سياق سياسي دولي مشحون –يقول حداد– ففي 12 مايو (أيار) المقبل، سيتعين على ترامب أن يقرر ما إذا كانت بلاده ستواصل التزامها بالاتفاق النووي مع إيران أم لا. لكن الأوروبيين نصحوا واشنطن باتخاذ تدابير ضد الصواريخ الباليستية الإيرانية فقط، إضافة إلى تعديل تواريخ بعض بنود الاتفاق.
وعلى الأقل، سيحاول ماكرون إقناع ترامب بتأجيل قراره، أو إعفاء الأوروبيين من فرض عقوبات جديدة على الاستثمارات في إيران. وفي سوريا، تحتاج فرنسا إلى الولايات المتحدة للبقاء ملتزمة بتثبيت الدولة في مرحلة ما بعد الدولة الإسلامية: فالقوات الفرنسية على الأرض لن تحقق الكثير بدون دعم الولايات المتحدة.
ولكن حتى لو لم تكن الدول الثلاثة قد شنت الهجوم، فإن ضربة فرنسية أحادية كانت ستظل جديرة بالاهتمام. وستشعر أوروبا باستعادة نفوذها في هذا الصراع. لقد تعرضت إدارة أوباما للانتقاد بسبب امتناعها عن التدخل في سوريا. لكن الولايات المتحدة كانت ترى الصراع السوري كارثةً إنسانيةً تحفز الإرهاب، وتقويضًا لنفوذ واشنطن في الشرق الأوسط لصالح روسيا وإيران.
أما بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي –يشدد حداد– فإن أزمة سوريا تهديد وجودي، مع تدفق اللاجئين إلى الشواطئ الأوروبية، وقيام المتطرفين في الدولة الإسلامية بضرب العواصم الأوروبية؛ مما أضر بمؤسسات الاتحاد الأوروبي بعمق. وكشف عن حدود التعاون الأمني الأوروبي ومراقبة الحدود، وعدم وجود تضامن وإجماع سياسي بشأن الهجرة، وهو ما تجسد في إعادة انتخاب فيكتور أوربان في المجر هذا الأسبوع. كما شجع ذلك على ظهور الحركات الشعبوية المعادية لأوروبا، ومع ذلك، كان نهج الأوروبيين هو انتظار واشنطن.