ترجمات أجنبية

فورين بوليسي – ستيفن أ. كوك – نهاية الأمل في الشرق الأوسط (2-2)

فورين بوليسي  – ستيفن أ. كوك –  5/9/2020

الصيف دائما أقسى المواسم في الشرق الأوسط. وتشمل الأمثلة حرب حزيران (يونيو) 1967، والغزو الإسرائيلي للبنان في العام 1982، واختطاف طائرة شركة الخطوط الجوية “ترانس وورلد إيرلاينز” رقم 847 في العام 1985، وغزو صدام حسين للكويت في العام 1990، ومغامرة تنظيم “داعش” الجامحة في العراق في العام 2014. وقد انضم صيف العام 2020 مسبقاً إلى تلك القائمة. ولكن، ينبغي أن يكون العالم مستعداً للتعايش أيضاً مع احتمال آخر. بالنظر إلى مدى انتشار إراقة الدماء واليأس والجوع والمرض والقمع، فإن فصلا جديدا -وأكثر قتامة- في تاريخ المنطقة على وشك أن يبدأ. وقد تخيل المحللون، منذ أكثر من عقد بقليل، منطقة تكون فيها الأنظمة السياسية سلطوية، لكنها مستقرة بطريقة موثوقة. ومنذ اندلاع الانتفاضات العربية في العام 2011، تحول السرد إلى واحد يتحدث عن غياب الاستقرار، وإنما مع توقع موجة جديدة وشيكة من التحول الديمقراطي والمزيد من التقدم الاقتصادي والسياسي. لكن هذه الآمال ولت الآن.

* * *

من الصعب للغاية محاولة تأسيس سبب مشترك للدوامة الهابطة في الشرق الأوسط. فلبنان مختلف عن ليبيا. والعراق ليس مثل الضفة الغربية وقطاع غزة. وما مِن تشابهات بين ما يؤلم اليمن والمشاكل التي تضرب مصر. ومع ذلك، ثمة عند مستوى من التجريد بعض القواسم المشتركة؛ كل هذه الأماكن لديها سيادة متنازع عليها، وهويات متنازع عليها، وحكم سيئ على الدوام والذي يؤسس لردة فعل شرسة لا يبدو أن هناك مهرباً منها.

مع كل المشاكل التي تعصف بالمنطقة، من المستحيل معرفة ما سيحدث بالضبط في الشرق الأوسط. يبدو الوضع في مجموعة متنوعة من البلدان رهيبا جدا لدرجة أنه من الصعب عدم تخيل حدوث تصدعات إضافية وكبيرة وشيكة. ومع ذلك، يبدو أيضًا أنه من الممكن أن يختبر الشرق أوسطيون المزيد من الشيء نفسه، مما يسمح للقادة بتدبر أمر معاودة التكيف بطريقة ما. وهذه بالكاد فكرة مطمئنة، حيث أن تدبر الأمور -أو التكيف- يفشل في فهم كم أصبحت المنطقة دينامية. لقد أصبحت الصراعات على الهوية، والسيادة، والشرعية، والحقوق الفردية والجماعية متشابكة جداً بطرق تعيد تشكيل المنطقة. ومن بين عدد من النتائج التي يمكن تخيلها، يبدو أن المزيد من التدهور، والعنف والاستبداد هو الناتج الأكثر ترجيحاً. وإذا كان الاستقرار الاستبدادي ذات مرة سمة مميزة للشرق الأوسط، فيحتمل كثيراً أن يكون المستقبل هو عدم الاستقرار الاستبدادي.
في البلدان المنهارة أو التي هي على وشك الانهيار وحيث يتواصل العنف، لا يوجد سبب للاعتقاد بأن المتقاتلين وصلوا إلى طريق مسدود أو مأزق مؤلم يجعل من إلقاء أسلحتهم ضرورياً. وما يبدو معقولاً في ليبيا واليمن وسورية والعراق هو تمزيق، أو المزيد من التجزئة لهذه البلدان. ومن المؤكد أن التدخل المصري في ليبيا يثير احتمالية إضفاء طابع مؤسسي على الانقسام بين الحكومة في طرابلس والحكومة في الشرق، واللتين تدّعى كلاهما لنفسها الشرعية. وقد أعلن الانفصاليون الجنوبيون في اليمن مؤخرًا أنهم سيتعاونون مع حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليًا، ولكن هل سيفون بوعدهم؟ بالنظر إلى حقيقة أنه كان هناك يمنان خلال جزء كبير من القرن العشرين، تبدو هذه النتيجة أكثر احتمالاً للتحقق من حل تفاوضي لإنهاء الحروب متعددة الأطراف التي تدور رحاها حاليًا. وفي سورية، تبدو تركيا مصممة على إنشاء مجال نفوذ يحول دون ظهور دولة كردية على حدودها الجنوبية. والآن بعد أن أصبح الجيش التركي موجوداً في سورية، من غير المرجح أن يغادر. وقد سبق وأن توقع المحللون انقسام العراق عدة مرات من قبل، ولم يحدث ذلك. لكنّ هذا لا يعني الكثير أيضاً. كان حكم حسني مبارك متيناً ومرشحاً للديمومة حتى اليوم الذي لم يعد فيه كذلك. ومن الواضح أن الضغط التقسيمي على العراق، وهو عامل يجري غرسه في النظام السياسي للبلاد بطرق غير مقصودة، سيستمر في تقويض أي جهود لتحقيق الاستقرار السياسي من دون الإطاحة بالنظام، الذي من الواضح أنه مزعزع للاستقرار هو نفسه.

وعندما يتعلق الأمر بالدول الأخرى، فمن الصحيح أن الحياة يمكن أن تكون قاتمة ووحشية في بعض الأحيان، لكن هذا لا يعني أن التغيير سيأتي أو أنه سيكون سريعًا. من المفترض أن تكون دول الأمن القومي في المنطقة أفضل وأكثر كفاءة مما كانت عليه قبل عقد من الزمن. وقد عمدت الحكومات إلى تسليح نفسها بالأدوات اللازمة للانخراط في المراقبة الكثيفة على مستوى المجتمع، والتي تقلل من احتمال ظهور تحالف لتحدي تفوق الحكام الحاليين. وهذا يجعل من الصعب على المعارضين والنشطاء تحدي الأنظمة، لكن التركيز على هذه الجماعات يعني البحث عن السياسة في جميع الأماكن الخطأ. غالبًا ما تكون الصراعات داخل مراكز القوة وفيما بينها هي مصدر السياسة، وليس الصراع مع أولئك الذين يدفعون من أسفل. (…) إذا كانت السياسة هي التنافس على السيطرة على الموارد وتوزيعها، فإن الأشخاص في العوائل والنخب الحاكمة هم أكبر تهديد لبعضهم البعض.

من الرومانسي أن نصدق أن الشعب المصري أسقط زعيمين في فترة 18 شهرًا. كان ذلك في الواقع عمل الجنرالات الذين حققوا هذه المآثر بينما يدّعون -وليس بلا أساس- التمتع بتفويض شعبي للقيام بذلك. ويعني الازدراء اللاحق الذي مورس تجاه الشعب أنه ليس لديهم -ولم يسعوا إلى الحصول على- دعم من المواطنين، وهو ما يجعل من الأسهل استخدام الهراوات والغاز المسيل للدموع والنيران الحية من أجل الاحتفاظ بالسيطرة. وقد يتمرد الناس أو أنه قد يكون هناك انقلاب (آخر) يؤشر على حدوث تمزق محتمل، لكن من الصعب التنبؤ بمتى أو كيف سيحدث ذلك وماذا قد تكون النتيجة. وفي غضون ذلك، يستمر السعي إلى موازنة التنافس بين مراكز القوة بتشديد القبضة على الناس.

ليست الطبيعة الديستوبية البائسة للشرق الأوسط ناتجة عن بيئة دولية متساهلة، ولكنها تتلقى المساعدة بالتأكيد من هذه البيئة إلى حد كبير. ولا يقتصر الأمر على كون الديمقراطية الليبرالية في موقف دفاعي فحسب، بل إن الديمقراطيات الليبرالية خلُصت إلى أن حقوق الإنسان والديمقراطية لا تستحق أن تكون على جدول أعمالها. قلة من الناس هم الذين أولوا اهتمامًا كبيرًا باليمن قبل حادثة جمال خاشقجي؛ وسورية مشكلة فقط لأن اللاجئين الذين أنتجتهم يؤثرون على السياسة في أوروبا. والعراق فائض على الهامش؛ وليبيا تركها الغرب للشياطين بعد أن اكتشف الجميع أن بناء الديمقراطية بدءاً من “الصفحة النظيفة” المزعومة هناك كان هراء.

لا يعني أي من هذا أن قدر العرب هو العيش في ظل الظروف التي يجدون أنفسهم فيها إلى الأبد. بعد كل شيء، يبقى “إلى الأبد” هذا وقتاً طويلاً جداً. بدلاً من ذلك، عند التفكير في مشاكل الشرق الأوسط العديدة، يجدر بنا تذكُّر أن الأمور يمكنها دائماً أن تذهب إلى مزيد من السوء. وسيكون من الخطأ اعتبار حتى آخر بقايا الاستقرار المتبقية في المنطقة أمراً مفروغاً منه. ما يزال من الممكن الذهاب إلى أعماق جديدة من الاضطرابات. ليس هناك ما يضمن بقاء حدود المنطقة كما هي، أو أن حكامها لن يجدوا أساليب جديدة لاستحضار الظلم واليأس. وعندما يتعلق الأمر بالأولى، فإن القوى الخارجية أو غير العربية تثير مسبقاً مطالبات بأجزاء من الدول العربية -سواء كانوا الروس في سورية وليبيا، أو الأتراك في نفس البلدين، أو إيران في سورية ولبنان واليمن. ثم هناك الولايات المتحدة بشبكة قواعدها العسكرية في الخليج العربي وحوله.

كل هذا يواجه صانعي السياسة في الولايات المتحدة بتحدٍ، والذي لا يقتصر فقط على فهم ما يحدث في المنطقة، وإنما يتعلق بتطوير استجابة. وفي هذه الحالة، قد تكون أفضل استجابة من قبل واشنطن هي عدم الاستجابة على الإطلاق. وليست القضية هنا استعصاء الشرق الأوسط على الحل، وإنما الانجراف الواضح في نهج الولايات المتحدة تجاه المنطقة. إذا كان صناع السياسة في واشنطن لا يعرفون ما الذي يريدونه في المنطقة، فإنهم يخاطرون بجعل الأمور أسوأ من خلال اختيار الخوض في صراعات الشرق الأوسط. ولا شك أن العمل على ضمان عدم ذهاب مصر وتركيا إلى الحرب في ليبيا هو أمر جيد ضمن اختصاص الولايات المتحدة، لكن حل المشاكل الداخلية في ليبيا بعد عقد من الانقسام يتجاوز ذلك بكثير. وهذا يؤكد فقط السبب الآخر الذي يجعل من الواجب أن تحدّ الولايات المتحدة من الطريقة التي تتعامل بها مع الشرق الأوسط -أولئك الذين يعيشون فيه هم الذين يجب أن يحلوا مشاكل المنطقة.

*  ستيفن أ. كوك –  كبير زملاء إيني إنريكو ماتي لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية. أحدث مؤلفاته كتاب بعنوان “الفجر الكاذب: الاحتجاج والديمقراطية والعنف في الشرق الأوسط الجديد”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى