ترجمات أجنبية

فورين بوليسي – ريبيكا كولارد – لماذا يعود سعد الحريري إلى السلطة في لبنان؟

فورين بوليسي –  ريبيكا كولارد –  22/10/2020

يبدو أن النظام السياسي الطائفي الراسخ، والقادة المهتمين بمصالحهم الذاتية الذين خلفتهم الحرب الأهلية، وحركة احتجاج طموحة أكثر من كونها منظمة، قد أعادوا الثورة اللبنانية إلى حيث بدأت.

عاد رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري بمطلب لا يحظى بالشعبية، متعهداً بأن يفعل أفضل هذه المرة (الرابعة له كرئيس للوزراء) في الوقت الذي يعاني فيه لبنان من أشهر من الشلل السياسي، وأسوأ أزمة مالية يشهدها منذ عقود، وتفاقم وباء فيروس كورونا، وعواقب انفجار مميت ضرب مرفأ بيروت في الرابع من آب (أغسطس).

يوم الخميس، وافقت أغلبية ضئيلة من أعضاء البرلمان اللبناني على عودة الحريري كرئيس وزراء مكلف وتشكيل حكومة جديدة -وهو ما سيكون أول اختبار صعب له. ولن تلقى عودته الترحيب من مئات الآلاف من اللبنانيين الذين خرجوا إلى الشوارع احتجاجاً منذ تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، عندما حققوا أكبر انتصار لهم بإجبار الحريري نفسه على الاستقالة. لكن المحتجين، بعد عام من الآمال المحبطة، يستقبلون عودته بيأس أكثر مما يتلقونها بغضب.

ولكن انتظِر، لقد استقال الحريري قبل عام رداً على الاحتجاجات الشعبية. كيف يفترض أن تكون عودته الحل لمشاكل لبنان التي أصبحت أسوأ فقط منذ ذلك الحين؟

يعود الحريري كرئيس للوزراء في جزء كبير منه لأنه ليس هناك في الحقيقة أي شخص آخر يمكن أن تتفق عليه الأحزاب السياسية اللبنانية. وقد استقال حسان دياب، الذي خلف الحريري في الخريف الماضي، هو نفسه أيضاً بعد تفجير آب (أغسطس) الذي أودى بحياة نحو 200 شخص ونُظر إليه على نطاق واسع على أنه جاء نتيجة لعدم كفاءة وفساد الحكومة. وبعده جاء مصطفى أديب، الذي كان في ذلك الحين (وعاد الآن مرة أخرى) سفير لبنان في ألمانيا. لكنه لم يستطع تشكيل حكومة جديدة واستقال من منصب رئيس الوزراء أواخر الشهر الماضي.

كانت العقبة الأكبر أمام مجلس الوزراء هي منصب وزير المالية، وهو منصب قوي لأنه يمكن أن يتحكم في الموافقات المالية على عمل الوزارات الأخرى. وقد أراد حزبا لبنان الشيعيان؛ حزب الله وحركة أمل، هذا المنصب، لكن مطلبهما قوبل بمقاومة من مجموعات أخرى. ويُعتقد أن الحريري سيكون أكثر استعدادًا لتلبية هذا المطلب -في الواقع، بينما أحجم حزب الله عن تسمية أي شخص لتولي رئاسة الوزراء، قال إنه لن يقف في طريق تشكيل حكومة جديدة.

في الوقت نفسه، وعد الحريري بتشكيل حكومة من “متخصصين غير حزبيين” مهمتهم “تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية” التي يحتاجها البلد بشدة. وبطبيعة الحال، كان هذا هو الوعد نفسه الذي قطعه أديب ودياب من قبله.

والحريري لاعب قديم في اللعبة السياسية في لبنان، ومن المرجح أن يلبي مطالب الأحزاب السياسية التقليدية أكثر من أديب، لكن نجاحه في تشكيل الحكومة ليس مضموناً على أي حال. سوف يكون هذا عملاً لموازنة المصالح السياسية، ويمكن أن تستمر العملية لأشهر عدة. وإذا لم تنجح في مساعيه، فقد يشهد لبنان رئيس وزرائه الرابع في أقل من عام والمزيد من التأخير في طريقه إلى التعافي.

ولكن، يجب أن تكون هناك خيارات أخرى، أليس كذلك؟

تم طرح أسماء أخرى لرئاسة الحكومة المقبلة، لكن المجموعة التي يمكن الاختيار منها محدودة. في ظل النظام السياسي الطائفي في لبنان، يجب أن يكون رئيس الوزراء مسلمًا سنيًا، تمامًا كما يجب أن يكون الرئيس مسيحيًا ورئيس مجلس النواب مسلمًا شيعيًا. وبعد ذلك، يجب أن يُنظر إليه على أنه مقبول لدى معظم الأحزاب السياسية الطائفية. وقد صوت “تيار المستقبل” الذي ينتمي إليه الحريري، و”حركة أمل” الشيعية، و”الحزب التقدمي” الدرزي، و”الحزب السوري القومي الاجتماعي” لصالح عودة الحريري، لكن “التيار الوطني الحر” برئاسة ميشال عون و”القوات اللبنانية المسيحية” لم يفعلوا. وفي نهاية المطاف، مر ترشيح الحريري بأغلبية ضئيلة بلغت 65 فقط من أصل 128 مقعداً.

يولِّد هذا النظام السياسي الطائفي نوعًا من المقاربة العائلية للسياسة، والتي جلبت المتظاهرين إلى الشوارع في المقام الأول. وقد انتشر في الأسبوع الماضي مقطع فيديو كان قد ظهر قبل عامين لابن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط؛ حيث يقول إنه لم يُرد أن يكون في السياسة، لكنها “عمل عائلي”. وهذا صحيح عبر كامل الخطوط الطائفية.

كان رفيق، والد الحريري، رئيسًا للوزراء سابقًا أيضًا لمدة 10 أعوام، لكنه قُتل على يد حزب الله في العام 2005. كما تم تعويم اسم بهاء، شقيق سعد الحريري كرئيس للوزراء في المستقبل. وكان صهر الرئيس الحالي عون وزيراً للخارجية حتى العام الماضي، وهكذا دواليك.

بطريقة ما، ما تزال الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت من العام 1975 إلى العام 1990 تلقي بظلها الأكبر على المشهد السياسي. وقد هيمنت على النظام السياسي في لبنان -الشيء ذاته الذي احتشد المتظاهرون في الشوارع لمناهضته- الأحزاب السياسية نفسها القائمة على أساس طائفي، وغالبًا بالحكام نفسهم، والكثير منهم قادة ميليشيات سابقون في زمن الحرب وأقاربهم.

إذا كان المتظاهرون قد أسقطوا الحريري مرة من قبل، فكيف سيكون رد فعلهم الآن؟

كانت استقالة الحريري -بعد أسابيع قليلة من بدء الاحتجاجات في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي- أكبر انتصار حققته الحركة الاحتجاجية والذي أعطاها زخمًا. وعلى مدى أشهر بعد ذلك، في كل مرة تم فيها طرح أسماء مرتبطة بالحرس القديم في لبنان للمناصب الحكومية، كان المتظاهرون يتوجهون إلى الشوارع.

ولكن، حتى وقت متأخر من يوم الخميس، كانت التظاهرات صغيرة، وهناك شعور بالهزيمة لدى الكثيرين ممن شاهدوا تفريق دعواتهم لإنهاء الفساد وسوء الإدارة والنظام السياسي الطائفي بالغاز المسيل للدموع. وتوحي عودة الحريري بعد عام واحد تقريبًا للعديد من المتظاهرين بأن كل شيء كان بلا فائدة. وبدلاً من الاحتجاج، أمضى حسن صفصوف، الذي شارك في الاحتجاجات التي بدأت الخريف الماضي، يوم الخميس في إكمال تقديم امتحان اللغة الإنجليزية كجزء من عملية الهجرة إلى كندا. ويقول أنه لا يرى فائدة من الذهاب إلى الشوارع بعد الآن ويريد مغادرة البلاد فحسب.

وقال صفصوف وهو يسير في حي الجميزة ببيروت مع صديقين -يحاولان كلاهما الهجرة أيضاً: “القرارات السياسية لا يتخذها الشعب اللبناني. القرارات يتخذها القادة الفاسدون”.

ولكن إذا تدفق الكثيرون إلى الشوارع مطالبين بالتغيير، فكيف يعود لبنان إلى حيث بدأ؟

سار المتظاهرون تحت شعار “كلّن يعني كلّن”، ليكون ذلك بمثابة طلقة تُطلَق على الطبقة السياسية بأكملها -والتي يُعد الحريري نموذجًا لها إلى حد كبير. كان المطلب الرئيسي للاحتجاجات هو سقوط النظام، وليس القادة الأفراد فقط، لكن هذا لم يحدث، وليس من الواضح ما هو الترتيب الذي يمكن أن يحل محله.

يقول الخبراء إنه حتى لو أجريت انتخابات جديدة غدًا، فإن الاحتمال الغالب هو أن تختلف النتائج قليلاً فقط عن البرلمان الحالي. ومن المحتمل أن يحصل المستقلون خارج الطبقة السياسية الراسخة على حفنة من المقاعد في البرلمان اللبناني المؤلف من 128 مقعدًا، لكن هذا لن يكفي لتغيير الأمور بشكل جذري.

يأتي هذا الجمود في حد ذاته انعكاساً لنهاية الحرب الأهلية. لم يؤد اتفاق الطائف، الذي أنهى القتال، سوى إلى ترسيخ النظام الطائفي في البلاد؛ حيث قام أمراء الحرب بتقاسم السلطة لتأمين مصالحهم الخاصة. وهو نظام أصبح الآن راسخاً بعمق في كل جانب تقريبًا من جوانب الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

ما يزال العديد من اللبنانيين يشعرون بالاعتمادية على أمراء الحرب الذين تحولوا إلى سياسيين من أجل الأمان، سواء من الطوائف الأخرى أو من البلدان الأخرى، فضلاً عن كسب القوت الاقتصادي. فالمواد الغذائية الأساسية والوظائف الحكومية والتعليم والرعاية الصحية -وكلها أصبحت أكثر أهمية الآن بسبب الانهيار الاقتصادي للبلاد ووباء “كوفيد-19”- يتم توزيعها باعتبارها رعاية سياسية وليس كخدمات حكومية. وهذا يُبقي الناس معتمدين بشدة على أحزابهم ويؤدي إلى ترسيخ القادة المتشبثين بالسلطة.

هل ستكون المرة الرابعة بمثابة الرقية السحرية للحريري كرئيس للوزراء؟

هذا غير مرجح. سوف تكون المهمة الأولى للحريري هي تشكيل حكومة، وهي مهمة ليست سهلة على الإطلاق في السياسة اللبنانية، حيث يتم اتخاذ القرارات من خلال المكاسرة السياسية والمقايضة لإرضاء النخب السياسية في البلاد. وسوف تحتاج جميع الأحزاب السياسية اللبنانية القائمة على أساس طائفي إلى الموافقة والإرضاء، فيما يشبه عملية موازنة أكثر من كونها عملية ديمقراطية. ويقول المتظاهرون إن قادة البلد يتفاوضون من أجل تأمين مصالحهم الخاصة، وليس على ما هو جيد للبلد -أو حتى لدوائرهم الانتخابية.

سوف تكون المهمة الرئيسية للحكومة الجديدة -إذا تم تشكيلها- هي تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والمالية لتلبية شروط فرنسا وصندوق النقد الدولي، اللازمة للإفراج عن مليارات الدولارات من المساعدات التي تشتد الحاجة إليها. وهذا يمكن أن يمنع الانهيار الكامل للبلد على المدى القصير، لكنه لن يحل مشاكل لبنان الهيكلية. فقد سجل البلد واحدة من أعلى نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في العالم، وهو يعتمد بشكل كبير على الواردات، بما في ذلك الغذاء، والتي لم يعد قادراً على تحمل كلفتها حيث فقدت العملة 80 في المائة من قيمتها منذ الخريف الماضي. ويعيش نصف اللبنانيين الآن تحت خط الفقر، ومن المرجح أن تعني الإصلاحات رفع الدعم عن الوقود والخبز.

في تعليقه على الوضع في البلد، قال مساعد وزير الخارجية الأميركية، ديفيد شينكر، للصحفيين يوم الخميس: “أياً تكن الحكومة التي ستأتي بعد ذلك، فإنها يجب أن تلتزم وتتمتع بالقدرة على تنفيذ الإصلاحات التي يمكن أن تؤدي إلى جلب فرص اقتصادية وحوكمة أفضل ووضع حد للفساد المستشري”. وحذر جان كوبيس، منسق الأمم المتحدة الخاص للبنان، قادة البلد من “الاعتماد على المعجزات، أو الانتخابات الأجنبية أو المانحين الخارجيين -يجب أن تبدأ عملية الإنقاذ في لبنان، من لبنان”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى