ترجمات أجنبية

فورين بوليسي – ريبيكا كولارد تكتب – بعد 15 عامًا من اغتيال الحريري .. حكم لا يرضي احدا في لبنان

فورين بوليسي –  بقلم   ريبيكا كولارد – 18/8/2020

أدانت محكمة مدعومة من الأمم المتحدة أحد أعضاء حزب الله في مقتل الحريري لكنها فشلت في تحديد من أمر بارتكابها. انطوى الحكم على غموض يتيح لجميع الأطراف إلقاء اللوم بعضهم على بعض.

إن لبنان انتظر 15 عامًا للحصول على إجابة عن سؤال واحد لا يجد إجابة: من الذي اغتال رئيس الوزراء رفيق الحريري؟ لكن عندما أصدرت محكمة خاصة مدعومة من الأمم المتحدة حكمها يوم الثلاثاء في لاهاي، بإدانة عضو بارز في حزب الله، قوبل هذاالحكم بالاستسلام إلى حد كبير في جميع أنحاء البلاد.

وقالت المحكمة الخاصة بلبنان إن رجل حزب الله، سليم عياش، دبَّر التفجير الذي قتل الحريري في فبراير (شباط) 2005، وأدانته غيابيًّا. لكنها برَّأت ثلاثة آخرين وقررت عدم وجود أدلة كافية تفيد بأن قيادة حزب الله أو الحكومة السورية على صلة مباشرة بالجريمة.

ورغم كل الوقت والمال الذي أُنفق في القضية، لم تستطع المحكمة تحديد الجهة التي أمرت بالقتل. وبالنسبة للبنانيين، المنقسمين على أسس عرقية ودينية وسياسية، والذين يترنحون من جرَّاء انفجار ضخم أودى بحياة 180 شخصًا في بيروت هذا الشهر، تضمن القرار مقدارًا كبيرًا من الغموض يتيح لجميع الأطراف إلقاء اللوم بعضهم على بعض.

الإحباط يهيمن على أنصار الحريري

 في حي طريق الجديدة بالعاصمة اللبنانية، الذي تقطنه أغلبية سنية، حيث يحظى تيار المستقبل برئاسة الحريري بدعم شعبي منذ فترة طويلة، كانت هناك دعوات لتجمُّع أنصاره عقب إعلان حكم المحكمة. ولم يتجمَّع سوى بضع عشرات، ولم يكن هناك أي هتافات، بل هيمن إحساس بالإحباط على الجميع.

وقال محمود عاصي، في إشارة إلى شخصية من برنامج ياباني شهير للصور المتحركة، والتي يمكنها فِعل أي شيء بمفردها: «هل قام رجل واحد بجريمة القتل هذه؟ ما هذا؟ هل كان جريندايزر»؟ وأضاف: «الشيء الوحيد الذي برز إلى العلن هو أن هذا الرجل كان على علاقة غرامية بإحداهن»، مشيرًا إلى ما يبدو أنها مئات الرسائل المتبادلة بين أحد المشتبه بهم وصديقةٍ له.

انتشار الجيش خشية حدوث اضطرابات

الجيش اللبناني انتشر قبل النطق بالحكم، وسط مخاوف من أن إدانة أعضاء حزب الله الشيعيين يمكن أن تشعل توترات طائفية. ولكن بدلًا من ذلك، دعا القادة إلى التحلي بالهدوء وتدفقت عربات جيش مليئة بالجنود لتقف إلى جانب التجمع الصغير. واشتكى بعض الرجال الذين تجمعوا من الوضع المالي المتردي على نحو متزايد. وفقدت العملة اللبنانية 80% من قيمتها في الأشهر الأخيرة، وارتفعت أسعار المواد الغذائية والإمدادات الأساسية، كما انخفضت كفاءة عمل الكهرباء (تنقطع الكهرباء لساعات طويلة خلال اليوم الواحد). وركَّز آخرون على الحكم الذي يبدو في الظاهر بعيد الاحتمال.

يقول وليد دانا «من الذي أمر بذلك؟ لم يكن عياش وحده»، مشيرًا إلى أنه يعتقد أن حزب الله هو الذي أمر بقتل الحريري. وأضاف: «عياش مجرد جندي، نريد الأشخاص الذين أصدروا الأمر». وقد حوكم المتهمون الأربعة، بمن فيهم عياش، غيابيًّا، ولا يُعرف مكان وجودهم. ويبدو أنه من غير المرجح أن يُلقى القبض على أيٍّ منهم في أعقاب الحكم.

رسالة الحريري

وقال سعد الحريري، نجل رفيق الحريري، ورئيس الوزراء اللبناني السابق، إنه يقبل بحكم المحكمة، ولكن لديه «رسالة لمن ارتكب هذه الجريمة الإرهابية والمتآمرين الذين يقفون خلفهم: انتهى زمن استخدام الجريمة لأغراض سياسية والإفلات من العقاب وارتكاب الاغتيالات السياسية دون ثمن». كما قال إن حزب الله «هو الذي يجب أن يقدم التضحيات اليوم».

ويواجه حزب الله بالفعل تحديات هائلة، بما في ذلك العقوبات الأمريكية، والأزمة المالية في لبنان، وحركة احتجاجية استهدفت الجماعة، إلى جانب الطبقة السياسية بأكملها في البلاد.

وبعد انفجار 4 أغسطس (آب) الذي أودى بحياة 180 شخصًا في بيروت، ودمَّر مساحات من المدينة، نزل المتظاهرون إلى الشوارع، مستخدمين المشانق لشنق صور لبعض قادة البلاد، بمن فيهم زعيم حزب الله حسن نصر الله، وهي صورة لم يكن من الممكن تصور حدوثها في لبنان العام الماضي.

أنصار حزب الله يشككون في المحكمة

 مؤيدي حزب الله كانوا ينظرون دائمًا إلى المحكمة الخاصة بلبنان على أنها غير شرعية، مؤامرة أجنبية لإلحاق الأذى «بالمقاومة»، كما يُطلق على الجماعة هنا.

وقال نصر الله في عام 2010، بعد وقتٍ قصيرٍ من تشكيل المحكمة: «أدعو كل مسؤول لبناني وكل مواطن إلى مقاطعة هؤلاء المحققين وعدم التعاون معهم». وقال الأسبوع الماضي بينما كانت البلاد تنتظر الحكم، الذي تأخر بسبب الانفجار: «إذا حُكِم على أي من إخواننا بحكم ظالم كما هو متوقع، فنحن متمسكون ببراءة إخواننا». وبدا أن أنصاره يحذون حذوه.

وفي شارع مزدحم مليء بالأعلام الدينية الشيعية وأعلام حزب الله، سارع حسين الذي لم يشأ أن يذكر اسم عائلته، إلى رفض الحكم بوصفه مؤامرة من قِبل دول أجنبية، تهدف إلى إثارة الفتنة في لبنان، وإضعاف حزب الله.

وقال في متجره الذي تطايرت واجهاته الزجاجية بسبب الانفجار الذي وقع قبل أسبوعين ودمَّر مساحات شاسعة من المدينة: «لقد ألقوا التهمة على حزب الله لإنشاء شرق أوسط جديد. لقد قتلوا زعيمًا مهمًّا مثل رفيق الحريري لإثارة الاضطرابات بين الناس».

ومثل عديد من مؤيدي الجماعة، يرى حسين أن الحكم دليل على أن حزب الله لم يكن متورطًا في مقتل الحريري. لكنه قال إنه حتى لو كانت المحكمة الخاصة بلبنان قد قررت أن حزب الله متورط، ما كان ذلك ليغير دعمه للجماعة.

اتهامات دون دليل لحزب الله في تفجير الميناء

كذلك ألقى كثيرون باللوم على حزب الله في تفجير الميناء بنظريات متباينة، لكن دون دليل حقيقي، بصرف النظر عن الدور السياسي والعسكري الكبير الذي تلعبه الجماعة في لبنان. ودعا آخرون إلى إجراء تحقيق دولي؛ لأنهم ليس لديهم ثقة كبيرة في أي تحقيق حكومي.

ومن جانبه، رفض حزب الله هذه المزاعم، على الرغم من أنه من الواضح الآن أن بعض قادة لبنان على الأقل يعرفون أن ما يقرب من 3 آلاف طن من نترات الأمونيوم شديدة الانفجار كانت مخزنة في ميناء بيروت المدني، ولم يفعلوا شيئًا حيال ذلك.

لبنان بلد الاغتيالات السياسية

في بلد شهد اغتيالات سياسية على نحو شبه منتظم، ربما كان اغتيال الحريري هو الأكثر أهمية في لبنان. وعلى مدار سنوات بعد وقوع الحادث، عُلِّقت صور كبيرة لرئيس الوزراء السابق على الجدران العامة في أنحاء بيروت. وتوجد لوحة إعلانات ضخمة عند مدخل حي الحمراء تَحسِب إلكترونيًّا الأيام التي انقضت منذ وفاته – ووفاة 21 آخرين في انفجار هائل هز أرجاء المدينة. واشتبه كثير من الناس على الفور في حزب الله وحليفته سوريا، التي دأب الحريري على انتقاد وجودها في لبنان. وفي أعقاب اغتيال الحريري، نزل مئات الآلاف من الناس إلى شوارع وسط بيروت في احتجاجات أطلق عليها اسم «ثورة الأرز»، أدت في النهاية إلى إنهاء الاحتلال السوري للبنان الذي استمر لعقود.

وكان ذلك أكبر اضطراب سياسي منذ نهاية الحرب الأهلية في البلاد في عام 1990. لكن بعد مرور 15 عامًا، تعطلت لوحة الإعلانات الكبيرة، وأصبح من الصعب على نحو متزايد العثور على صور لرفيق الحريري في الشوارع.

الوضع الاقتصادي هو الشغل الشاغل للبنانيين

في أحد المقاهي حيث ما تزال صور الحريري وابنه سعد مُعلَّقة، قال أصحاب المقهى إنهم يريدون العدالة لكنهم قلقون أكثر من الوضع الاقتصادي المتردي على نحو متزايد.

وقال عثمان عبد الكريم، الذي يعمل سائقًا ويكافح، مثل كثيرين هنا، لإعالة أسرته وسط أسوأ أزمة اقتصادية تشهدها البلاد خلال عقود: «توفي رفيق الحريري قبل 15 عامًا، لا نريد القتال بعد الآن، نريد أن نعيش».

 هناك أيضًا شعور بالهزيمة. والقلائل الذين تحدثوا عن العدالة أو الانتقام قالوا أيضًا إنهم لا يستطيعون فعل أي شيء ضد حزب الله جيد التسليح والتنظيم. وقال عبد الكريم: «لا يمكننا عمل أي شيء؛ حزب الله يمتلك البلد ويمتلك السلاح».

على الجانب الآخر، سرد محمود حلواني قادة لبنان السياسيين من جميع الطوائف الذين اغتيلوا على مدى السنوات الخمسين الماضية، في محاولة لتقسيم البلاد، على حد قوله.

وتساءل: «لماذا قتلوا بشير الجميل؟ لماذا قتلوا موسى الصدر؟ لماذا قتلوا حسن خالد؟ لماذا قتلوا بيار الجميل؟ لأنهم لا يريدون أن يكون لبنان (موحدًا)».

*صحافية بالإذاعة وكاتبة مهتمة بشؤون الشرق الأوسط.

**نشر هذا المقال تحت عنوان :

A Verdict That Pleases No One in Lebanon

الكاتب Rebecca Collard

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى