ترجمات أجنبية

فورين بوليسي – حلب وبنغازي وعدن .. لماذا تتركز صراعات المنطقة بالمدن وليس الريف؟

فورين بوليسي –  أنطونيو سامبايو * – 3/7/2018

لقد أصبحت مدن الشرق الأوسط مرادفات لأنواع الصراعات المأساوية التي ابتليت بها المنطقة؛ فحلب اختصار للحرب الأهلية السورية الكارثية، والرقة والموصل يرادفان المواجهات العنيفة مع «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)»، ومصراتة وبنغازي يرمزان لتكرار الاضطرابات في ليبيا، وعدن وتعز يشيران لتعقيد الصراع باليمن. 

إن حرب المدن ليست جديدة، ولكن في عصر انتشار الميليشيات والمتمردين، أصبحت المدن الآن نقطة انطلاق لصراعات وحشية طويلة الأمد. فالعالم الآن يعيد إلى أذهاننا ما تنبأ به الماركسي مايك ديفيز في عام 2006؛ حيث قال: «ليلة بعد ليلة تطارد طائرات الهليكوبتر العسكرية أعداءً غامضين في الشوارع الضيقة بالأحياء الفقيرة، وتحرق الأكواخ والسيارات. وكل صباح ترد عليهم الأحياء الفقيرة بعمليات انتحارية وتفجيرات ضخمة».

تعتبر الحديدة واحدة من المدن الساحلية الرئيسة في اليمن بسكانها البالغ عددهم 600 ألف نسمة. وهناك تحاول القوات اليمنية المدعومة من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة طرد المقاتلين الحوثيين، وهم متمردون زيديون يسيطرون على مساحات شاسعة من شمال وغرب اليمن. وأدت «مناشدات القوى الغربية إلى إلغاء العملية»، بالإضافة إلى العروض التي قدمتها الأمم المتحدة للتفاوض حول التسليم السلمي للميناء إلى وقف مؤقت لإطلاق النار، لكن المدينة ما زالت مهددة.

كانت معظم الصراعات الكبيرة في القرن العشرين ريفية، مع استثناء بعض المعارك الحضرية، مثل معركة ستالينجراد.

وفي الصين، دعا ماو تسي تونج الثوار إلى التحرك بين الناس، مثل الأسماك في البحر، والتفكير بالفلاحين الصينيين الريفيين، ولكن اليوم تجد الجماعات المسلحة غير الحكومية – مثل جماعات المتمردين والميليشيات الطائفية – طرقًا أكثر سهولة للاندماج مع السكان، وجمع المزيد من الأموال، وعرقلة عمليات القمع الحكومية في المدن.

إن الدرس الرئيس من الحروب الأخيرة هو أن حركات التمرد تتمركز في مدن مزدحمة بالسكان مترامية الأطراف للتمويه ضد أعدائها والاستفادة من الكثافة السكانية كالدروع البشرية؛ مما يُقحم السكان والبنية التحتية بالصراع.

في كثير من الأحيان يُذكر النمو السكاني السريع كسبب العنف في المدن، ولكنه ليس سوى سببًا واحدًا ضمن أسباب عديدة. فمن العوامل الجذابة الأخرى للعناصر المسلحة، التواجد الضعيف للدولة بالمدن المترامية الأطراف وتوافر التجارات الإجرامية العابرة للحدود. وينوه التقرير إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واجهت حركة تمدن غير منظمة وسريعة خلال النصف الثاني من القرن العشرين؛ إذ ارتفعت نسبة الأشخاص الذين يعيشون بالمدن من أقل من 50% في عام 1980 إلى ما يقرب من 60 % في عام 2000.

المدن الكبرى تتضرر بشكل أكبر في الصراعات المسلحة

فقد تمكنت المليشيات الشيعية المتمركزة بمدينة الصدر في بغداد من تحدي القوات الأمريكية خلال معظم فترة تواجدها في العراق بالعقد الأول من القرن الحالي. وظل ما يقرب من 3 ملايين شخص خارج سيطرة القوات الأمريكية والسلطات العراقية لمدة خمس سنوات على الأقل حتى دخل الجيش الأمريكي في معركة دامت شهرين لإضعاف، جيش المهدي (الميليشيا المحلية الرئيسة) في عام 2008.

حلب – سوريا

كانت المواجهات العمرانية المطولة اتجاهًا ثابتًا في حروب الشرق الأوسط الأخيرة. فحلب التي كانت مركزًا صناعيًا مهمًا، دُمرت بالكامل خلال ما يقرب من أربع سنوات من القتال (منذ عام 2012 إلى عام 2016) بين الجماعات المتمردة ونظام الرئيس السوري بشار الأسد. وفي الموصل، استخدم (داعش) التوسع في ثاني أكبر مدينة بالعراق لتعويض الفارق العسكري ضد عملية عسكرية مدعومة من الولايات المتحدة خلال عامي 2016 و2017. استخدم مقاتلو الدولة الإسلامية المتفجرات محلية الصنع والكمائن وحواجز الشوارع وجيشًا من الطائرات بدون طيار لنشر جبهات الحرب في جميع أنحاء المدينة. ويعلق الكاتب: قد تكون هذه الاستراتيجية الوحيدة التي تمكن تنظيم الدولة من مقاومة حوالي 105 ألف مقاتل من قوات التحالف الدولي.

المدن تُفيد المتمردين

إن (داعش) أعطى الأولوية لإصلاح الإدارات المحلية بعد فترة وجيزة من السيطرة على مدن مثل الموصل والرقة، وفرض الضرائب وإرسال المفتشين للتحقق من تشغيل الخدمات ودفع الفواتير، بالإضافة إلى نشر الشرطة الدينية. ويمكن بسهولة جذب عصابات التهريب العابرة للحدود إلى نطاق المدن الكبرى؛ مما يسهل حصول (داعش) على الأسلحة، والوقود، والإمدادات الطبية. والأبعد من ذلك أن مدينة كراتشي الباكستانية الضخمة تُعد الميناء الرئيس للهيروين الذي يمول التمرد في أفغانستان.

وفي الحديدة يجري إعداد المشهد لتكرار نفس النوع الصراعات بالمدينة. ورغم أن النية المعلنة للتحالف تَعد بتقليل العمليات وسط المدينة، يتوقع المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن يشتعل القتال بالقرب من البنية التحتية الحيوية والطرق الرئيسة وغيرها من المناطق ذات الكثافة السكانية العالية. ومن شبه المؤكد أن الأضرار تمتد إلى ما بعد الحديدة نفسها: فالمدينة تُعد «عاصمة الصناعات الزراعية» في اليمن، ومحركًا مهمًا للتنمية في بلد فقير.

وحذرت الجهات المانحة، ووكالات الإغاثة الإنسانية، والخبراء الأمنيون، خلال مؤتمر عُقد بجنيف في أواخر العام الماضي، من أن تأثير الحرب على المدن قد أصبح تهديدًا للتنمية الدولية، فضلًا عن التسبب بأزمة إنسانية. وخلص المؤتمر، الذي نظمه المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، إلى أن آثار الحرب على إعادة تأهيل البنية التحتية، والإنتاج الصناعي، وأسواق العمل، والنظم الصحية، وإمدادات الطاقة، يمكن أن تَضر بالمدنيين، مثل الدمار الفوري الذي تسببه القنابل، وتبادل إطلاق النار.

إن تمدين النزاعات يفرض على الحكومات والجيوش التابعة أن تكون على دراية بإلحاحية إعادة تأهيل الخدمات بالمدن. فقد نصحت اللجنة الدولية الأطراف المتحاربة – على سبيل المثال – بتجنب استخدام الأسلحة المتفجرة في المناطق المأهولة بالسكان، والابتعاد عن البنية التحتية التي يعتمد عليها السكان المدنيون.

ولهذا الأمر أسباب استراتيجية إلى جانب الأبعاد الإنسانية؛ فعندما تطول حالة عدم الاستقرار والتخلف الذي تلي النزاعات المسلحة، يمكن أن تغذي التوترات المحلية، وتزيد من خطر عودة اشتعال الصراعات. ومع توسع التمدن في جميع أنحاء العالم النامي، يعد منع الصراعات الحضرية المطولة وإزالتها أحد أهم التحديات الإستراتيجية والإنسانية في عصرنا.

أنطونيو سامبايو هو باحث مشارك في الأمن والتنمية في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) ، حيث يحلل العنف المسلح في المناطق الحضرية وسياسات أمريكا اللاتينية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى