ترجمات أجنبية

فورين بوليسي- جيمس تروب- بايدن يخطط للتغيير وليس الأمل في الشرق الأوسط

فورين بوليسي –  جيمس تروب* –  9/9/2020

يعتقد المرشح الديمقراطي للرئاسة أن المنطقة أصبحت اليوم أقل أهمية من أي وقت مضى -وهو يخطط للتعامل معها بهذه الطريقة.

الشرق الأوسط هو المكان الذي ماتت فيه مُثُل السياسة الخارجية للولايات المتحدة في حقبة ما بعد الحرب الباردة: تعزيز الديمقراطية، وبناء الدولة، ومكافحة التمرد، والتدخل الإنساني، وحل الدولتين. في أعقاب أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، وفي خطاب تنصيبه الثاني في العام 2005، قال الرئيس جورج دبليو بوش إن “بقاء الحرية” في الوطن يعتمد على ازدهار الحرية في الشرق الأوسط؛ حيث تسبب “الاستياء والطغيان” في نشوء الإرهاب العالمي. واليوم، أصبحت تلك الأطروحة تبدو خيالية. وقد اختلى الإرهاب بالكاد، لكنه لم يعد التهديد الذي كانه حتى قبل خمس سنوات، ولا تحتاج الولايات المتحدة الآن إلى الاعتماد على الحكام الإقليميين المستبدين لضمان الإمداد بالنفط أو لتهدئة الغضب الشعبي تجاه إسرائيل بالدرجة التي كانت عليها حتى وقت قريب.

لقد أصبح الشرق الأوسط “أقل أهمية بشكل ملحوظ” بالنسبة للولايات المتحدة مما كان عليه في السابق، على حد تعبير مقال أثار الكثير من النقاش في العام 2019 للكاتبتين تامارا كوفمان ويتس، المسؤولة السابقة في وزارة الخارجية في عهد الرئيس باراك أوباما، ومارا كارلين، المسؤولة السابقة في البنتاغون في عهد أوباما. وخلصت الكاتبتان في مقالهما إلى أن الوقت قد حان “لوضع حد للتفكير المتمني” حول قدرة واشنطن على التأثير على الديناميات الداخلية أو الحسابات الخارجية للجهات الفاعلة في الإقليم.

هذه هي مهمة الشرق الأوسط التي سيرثها المرشح الديمقراطي للرئاسة، جو بايدن، في حال فوزه في انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر). وسيكون في وضع أفضل كثيراً لاتباع اقتراح ويتس وكارلين “بالتمحور” بعيدًا عن الهوس الجيلي بهذه المنطقة المستعصية مقارنة بأوباما، الذي جرّته إلى المنطقة مرة أخرى الحروب الأهلية في ليبيا وسورية وقيام دولة الخلافة المزعومة التي أسسها “داعش” في سورية والعراق. ومن المرجح أن يستفيد بايدن من هذه الفرصة، وإن لم يكن بدرجة ترضي الواقعيين والتقدميين الذين يرغبون في رؤية الولايات المتحدة وهي تنهي وجودها العسكري تماماً في المنطقة.

يبدو بايدن، بحكم مزاجه، محصناً تقريبًا من الرؤى المتسامية بقدر ما كان الرئيس السابق جورج إتش دبليو بوش. وعندما يتعلق الأمر بالسؤال الكبير الذي كان من شأنه أن يحدد سياسة أوباما الخارجية في نهاية المطاف -استخدام القوة في الشرق الأوسط- لعب بايدن، الذي كان نائب الرئيس آنذاك، دورًا تحذيريًا -ومُخالفاً أحياناً. في النقاشات الشرسة التي جرت في صيف العام 2009 حول السياسة تجاه أفغانستان، كما ذكرتُ في مقال سابق، وقف بايدن في وجه الجنرالات عندما دافعوا عن استراتيجية طموحة لمكافحة التمرد. لم يكن يعتقد أن ذلك سينجح، واعتقد أن نهجاً لمكافحة الإرهاب سوف يكون كافياً لتلبية مصالح الأمن القومي لأميركا.

عارض بايدن أيضًا تدخل العام 2011 في ليبيا. وقال دانيال بينايم، الذي عمل مستشارًا لشؤون الشرق الأوسط وكاتب خطابات السياسة الخارجية لبايدن خلال فترة ولايته الثانية كنائب للرئيس: “كان متشككًا في بعض الأفكار الكبرى للتحول في المنطقة، بما في ذلك قدرتنا على توجيه نتائج الثورات العربية”. وفي أعقاب الاتفاق النووي مع إيران، قال مساعد سابق، “كان هناك انخفاض متدرج للمثالية” حول ما إذا كان يمكن دفع إيران إلى موقف أقل عدائية تجاه الغرب. (لم تسمح الحملة لهذا المستشار بالتحدث بشكل رسمي وباسمه الصريح). وقال إن بايدن، “لم يستثمر آمالًا كبيرة”. وفي حال عودة الربيع العربي إلى الحياة في ظل إدارة يرأسها بايدن، فإن الإصلاحيين الليبراليين الشجعان سوف يتمتعون بالتأكيد بدعم أكثر مما حظوا به على مدى السنوات الأربع الماضية في عهد الرئيس دونالد ترامب، لكن بايدن سيستقبلهم بحذر أكثر مما فعل أوباما، أو مما كان ليفعل بيرني ساندرز أو إليزابيث وارن لو كانا في منصب الرئاسة.

باختصار، احتل بايدن الجناح الواقعي لإدارة أوباما فيما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط. وقد يزعم ترامب لنفسه الإقامة في هذا الجناح أيضًا. ولكن، إذا كان “الواقعي” يسترشد بالمصالح الموضوعية بدلاً من القيم سريعة الزوال، فإن النزعة التجاراتية الفظة والخالية من القيمة التي يتبعها ترامب في المنطقة قد أفرغت هذا المصطلح من كل المعاني. فقد أخضع نفسه لحكام غير ديمقاطيين في المنطقة، حتى في الوقت الذي تدخلوا فيه في الحروب الأهلية في ليبيا واليمن بطريقة تضر بشكل واضح بالمصالح الأميركية. وما كان بايدن ليتردد في انتقاد سلوكهم في الداخل والخارج. وقال ذات مرة: “أود أن أنهي دعم الولايات المتحدة للحرب الكارثية التي تقودها السعودية في اليمن وأطلب إعادة تقييم علاقتنا مع المملكة العربية السعودية”. وحذر من أن الأمر متروك للسعودية “لتغيير نهجها”.

وينطبق المبدأ نفسه على الإمارات العربية المتحدة، التي انسحبت، مع ذلك، من حرب اليمن، وقدمت مبادرات هادئة لإيران، ووافقت بطبيعة الحال على فتح علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وسوف يحقق بايدن توازنًا جديدًا، أكثر بعدًا. وقال المساعد السابق إنه يتوقع من بايدن “مقاومة الضغط من التقدميين لمعاقبة الاستبداديين”. وسوف يواصل العمل مع الأنظمة غير الديمقراطية، حتى بينما يسعى إلى ردعها عن مفاقمة النزاعات المحلية.

يكاد يكون من المؤكد أن مرتبة الشرق الأوسط ستنخفض في عهد بايدن إذا أصبح رئيساً -ولكن إلى أي مدى؟ أحد كبار المستشارين -الذي طلب عدم ذكر اسمه حتى يتمكن من التحدث بصراحة عن الحملة- يتوقع أن يكون الشرق الأوسط “رابعًا بعيدًا” في ترتيب الأولويات، بعد أوروبا ومنطقتي المحيطين الهندي والهادئ وأميركا اللاتينية. ومع ذلك، يتمتع بايدن بعلاقات عميقة مع المنطقة، ومن غير المرجح أن يدير ظهره إذا أصبح رئيساً للقادة والدول الذين عمل معهم عن كثب لأعوام. وكان أوباما قد كلفه في العام 2009 بالعمل كشرطي مرور لتنظيم السياسة العراقية، والحيلولة دون تسبب زعماء هذا البلد الطائفي بتمزيق بعضهم البعض وأخذ البلاد معهم إلى الهاوية. وقد تولى بايدن المهمة بحماس، وسافر إلى المنطقة بانتظام وأنفق مئات الساعات على الهاتف. وفي ذلك الوقت، بينما كان رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي يضطهد السنة ويقود البلاد إلى أحضان إيران، بدا إيمان بايدن في إنفاق هذه الطاقة والأحاديث لا نهاية لها أجوف. واليوم، مع بقاء العراق على حاله، وبينما يخدم مصطفى الكاظمي، السياسي الدنيوي، كرئيس للوزراء، فإن إيمانه بالدبلوماسية لا يبدو خيالياً تماماً.

في حين أن العراق يمثل، بالنسبة لكل من التقدميين والواقعيين، المثال الكامل للمستنقع الذي تحتاج الولايات المتحدة إلى تخليص نفسها منه تمامًا، يعتقد بايدن، وفقًا لمساعده السابق، أن العراق “لديه فرصة للحيلولة دون صعود كبير ومفاجئ للجهاديين وأن يكون مبشراً بشرق أوسط أقل استقطابًا وأكثر تعددية، إذا فهموا الأمور بشكل صحيح”. وسوف يعمل بايدن أيضًا على تقوية العلاقات الأميركية مع الدول المعتدلة مثل الأردن، الذي كاد يُدهس تقريبًا في اندفاع ترامب لاحتضان العرب الأثرياء.

يسرد معظم خبراء الشرق الأوسط قائمة تتضمن إحباط الإرهابيين، وضمان التدفق العالمي للنفط، واحتواء إيران باعتبارها المصالح الأميركية الرئيسية المتبقية في المنطقة. وكان الاتفاق النووي الإيراني أحد الإنجازات البارزة لإدارة أوباما في الشرق الأوسط. ولم يقتصر الأمر على فشل إلغاء ترامب أحادي الجانب للاتفاقية في كبح جماح المغامرة الإيرانية فحسب، بل إنه دفع طهران أيضًا إلى استئناف برنامجها النووي. وقال بايدن إنه إذا وافقت إيران على العودة إلى شروط الاتفاق، فسوف يفعل ذلك هو أيضًا “كنقطة انطلاق للعمل جنبًا إلى جنب مع حلفائنا في أوروبا وقوى عالمية أخرى لتمديد القيود النووية للاتفاق”. ولن يكون ذلك سهلاً: فقد قالت إيران أنها لن تعود إلى الوضع السابق -ناهيك عن الموافقة على تمديد الشروط الحالية- من دون الحصول على تنازلات كبيرة. وليس من الواضح نوع العرض الذي سيكون بايدن مستعدًا لتقديمه -إن وُجد.

ألقى ترامب بإعلان موقفه تجاه إسرائيل مركزاً على شيء واحد، كما فعل مع المملكة العربية السعودية. وأوضح بايدن أنه سيسحب هذا الشيك على بياض أيضًا. وفي خطاب ألقاه في وقت سابق من هذا العام أمام اللوبي المؤيد لإسرائيل “أيباك”، قال بايدن إن خطط رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لضم الضفة الغربية -المعلقة الآن- “تُبعد إسرائيل أكثر عن قيمها الديمقراطية، وتقوض دعم إسرائيل في الولايات المتحدة، خاصة بين الشباب في كلا الحزبين السياسيين”.

ومع ذلك، لبايدن تاريخ طويل من الدعم القوي لإسرائيل، بما في ذلك عندما كان في منصب نائب الرئيس. وهو لن يهدد إسرائيل، على سبيل المثال، بتقليل المساعدة العسكرية لردع المزيد من التوسع الاستيطاني. وما يزال بايدن ملتزماً بحل الدولتين. ومع ذلك، فإن هذا الهدف الذي طال انتظاره قد تراجع مبتعداً إلى أفق بعيد للغاية. وقد يكون بايدن أول رئيس للولايات المتحدة منذ جيل يكرس القليل من الجهد -أو لا يكرس أي جهد- للعمل على هذا الاحتمال البراق الذي لا نهاية له، ويكرس نفسه بدلاً من ذلك لتحسين ظروف الفلسطينيين وتخفيف التوترات مع إسرائيل.

ربما تكون أفضل طريقة للتفكير في تطلعات بايدن هي القول إنه سيسعى إلى تطبيع العلاقات الأميركية مع الشرق الأوسط. ولن يكون بصدد طلب الشيء نفسه الذي طلبه أوباما، لكنه لن يتسامح مع ما تسامح معه ترامب أيضاً. ومن غير المرجح أن يرفع التوقعات أو يحطمها. لن يسحب جميع القوات الأميركية من العراق أو سورية أو من شبكة القواعد الأميركية حول المنطقة، لكنه سيكون حذرًا جدًا عندما يتعلق الأمر بنشرها في خضم حرب أهلية. وإذا كان محظوظًا، فسوف يحقق حلم العديد من أسلافه بعدم إيلاء المنطقة اهتمامًا أكثر مما تستحق.

*مساهم منتظم في مجلة “فورين بوليسي”، وهو زميل غير مقيم في مركز التعاون الدولي بجامعة نيويورك .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى