ترجمات أجنبية

فورين بوليسي الأمريكية – بقلم شيلي كيتليسون – هل بدأت «كتائب حزب الله» تفقد نفوذها داخل العراق؟

مجلة فورين بوليسي الأمريكية  – بقلم  شيلي كيتليسون – 11/5/2020

أخيرًا تبدأ الحكومة العراقية في إحراز تقدم في محاولتها لاحتواء نفوذ كتائب حزب الله المدعومة إيرانيًّا.

نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية مقالًا تحليليًّا للكاتبة والباحثة شيلي كيتليسون، يتحدث عن نفوذ كتائب حزب الله المدعومة إيرانيًّا، وإحدى أقوى الجماعات المسلحة داخل العراق، والمساعي الحكومية للحد من قوة هذه الجماعة ونفوذها.

وتقول إنه بعد خمسة أشهر من مقتل قائد الميليشيات صاحب الشخصية المؤثرة، أبو مهدي المهندس، في غارة لطائرة أمريكية دون طيار على مطار بغداد، بدأ نفوذ كتائب حزب الله المدعومة إيرانيًّا يتراجع بهدوء.

وتضيف أنه على الرغم من الفراغ المؤسسي منذ أن أجبرت الاحتجاجات واسعة النطاق في شتى أنحاء مناطق وسط وجنوب العراق، ذات الأغلبية الشيعية، الحكومة السابقة على تقديم استقالتها في العام 2019، وانسحاب قوات التحالف الدولي مؤخرًا من عدد من القواعد العسكرية العراقية، فإن الخطوات تجري على قدم وساق من أجل دمج بعض فصائل ميليشيات الحشد الشعبي في سلاسل القيادة والهياكل الحكومية التي كانت قائمة قبل عام 2014.

الولاء لإيران لا العراق

وفي حال نجاح الحكومة العراقية في ذلك، فإنها قد تقلل من نفوذ الجماعات المسلحة القوية التي تُثار شكوك حول ولائها للدولة العراقية.

وتشكلت ميليشيات الحشد الشعبي رسميًّا في العام 2014 بفتوى من المرجع الأعلى للشيعة، آية الله علي السيستاني، أصدرها لمتطوعين من أجل محاربة تنظيم ما يُسمى بالدولة الإسلامية (داعش)؛ للدفاع عن المقدسات الشيعية والعراق عمومًا. ولعبت الميليشيات دورًا رئيسيًّا في خسارة التنظيم الإرهابي العابر للحدود لأراضيه داخل العراق.

تنتمي العديد من الألوية داخل الحشد الشعبي إلى الجماعات المسلحة، التي كانت موجودة لسنوات عديدة قبل تشكيل الحشد في عام 2014، وقد حصلت هذه الفصائل منذ فترة طويلة على دعم من جانب فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، فيما كانت الألوية، التي تأسست في العام 2014، والموالية للسيستاني، تُعرف بـ «قوات الضريح».

في 23 أبريل (نيسان) الماضي، بدا أن الإعلان عن وضع أربع من ميليشيات الحشد الشعبي المرتبطة بقوات الضريح، تحت إمرة مكتب رئيس الوزراء، كمحاولة لإبعاد بعض الفصائل، من القوة القتالية البالغ عدد عناصرها أكثر من 100 ألف، عن نفوذ كتائب حزب الله والنفوذ الإيراني.

يحظى بعض من انفصلوا عن الحشد الشعبي بخبرة سابقة في القوات المسلحة العراقية. وتنقل الكاتبة عن قائد لواء علي الأكبر (أحد ألوية الحشد الشعبي)، علي حمداني، قوله إنه كان يعمل ضابطًا بسلاح الجو عندما أجرى مقابلة معه في مدينة الحويجة خلال عملية استعادة السيطرة على المدينة من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية.

جهاز مكافحة الإرهاب «خارج» نطاق النفوذ الإيراني

كما تخضع وحدات أخرى لمكتب رئيس الوزراء، مثل جهاز مكافحة الإرهاب، والذي لعب دورًا رئيسيًّا في القتال ضد «داعش»، وتلقى دعمًا وتدريبًا من جانب التحالف الدولي لمحاربة التنظيم داخل العراق وسوريا.

ولطالما اتهمت الفصائل الموالية لإيران جهاز مكافحة الإرهاب، بصلته الوثيقة بالولايات المتحدة، فيما استمر التحالف الدولي بهدوء في دعم جهاز مكافحة الإرهاب، بعد أن علَّق مؤقتًا تدريباته وبعثاته الاستشارية للقوات العراقية الأخرى، في وقت سابق من العام الجاري بعد تزايد التوتر الأمريكي– الإيراني، وتصويت البرلمان العراقي بطرد جميع القوات الأجنبية من البلاد.

وقال ضباط بالجيش العراقي وجهاز مكافحة الإرهاب لمجلة فورين بوليسي: «إن انسحاب قوات التحالف سيحرم جهاز مكافحة الإرهاب من جمع المعلومات، وهو أمر ضروري للغاية في القتال ضد داعش».

تُعد كتائب حزب الله واحدة من بين العديد من الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران، والتي تنشط داخل العراق، إلا أنها لطالما اعتُبِرت الخطر الأكبر على تطلع الحكومة العراقية لأن يكون العراق دولة مستقرة تحتكر استخدام القوة داخل أراضيها. كما تسيطر كتائب حزب الله على أراضٍ داخل العراق يُمنع حتى المسؤولون الحكوميون من دخولها.

ودمجت بعض كتائب حزب الله ضمن من يتقاضون رواتب من الحكومة، على الأرجح لمحاولة كبح جماحها، بيد أن مقاتليها استمروا في الدخول والخروج من إيران وسوريا، وفقًا لمسؤولي أمن محليين في المناطق الحدودية.

تسلسل هرمي غامض

وجرى استهداف اثنين من كتائب حزب الله التابعة للحكومة في غارة جوية أمريكية أواخر شهر ديسمبر (كانون أول) الماضي بالقرب من مدينة القائم الواقعة بمحافظة الأنبار غرب البلاد، ما أسفر عن مقتل 25 من عناصرها على الأقل.

بدوره، أدى ذلك لوقوع هجوم على السفارة الأمريكية بالعراق من جانب أنصار كتائب حزب الله وفصائل مسلحة أخرى، وهو الأمر الذي أعقبته الغارة الجوية الأمريكية التي أدت لاغتيال أبي مهدي المهندس قائد كتائب حزب الله، والجنرال الإيراني الأكثر قوةً ونفوذًا داخل العراق، قاسم سليماني في 3 من يناير (كانون الثاني) الماضي.

لا يرغب الكثير من العراقيين في الحديث صراحةً عن كتائب حزب الله، كما أن أيًا منهم لن يقدم تفاصيل عن التسلسل الهرمي لها. وتنقل الكاتبة عن أحد المتطوعين في الجهاز الإعلامي لميليشيات الحشد الشعبي، والذي كان يرتب لإجراء لقاءات مع قادة الميليشيات، العام الماضي قوله: إن الجماعة المسلحة الغامضة سعيدة بأن تبقى بعيدًا عن الأضواء.

كان أبو مهدي المهندس نائب رئيس الحشد الشعبي وقائد الكتائب، مخططًا عسكريًّا صاحب شخصية مؤثرة، كما استطاع استمالة بعض الجماعات السنية المقاتلة وقاداتها، كما كان له دور في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ودور آخر في تزويد الميليشيات بالأسلحة والدعم من إيران؛ لاستعادة السيطرة على أراضي العراق من التنظيم.

خلافات بين كتائب حزب الله وأجهزة الأمن العراقية

تقول المراسلة إنها أجرت مقابلة مع يزن الجبوري قائد لواء صلاح الدين السُني، الذي تشكل للمشاركة في القتال بمعركة الموصل، في العاصمة بغداد في شهر مارس(آذار) الماضي، والذي قال: «إن كتائب حزب الله كانت مثل الشبح»، وذلك رغم علاقته الوثيقة لفترة طويلة بالمهندس.

وأردف الجبوري: «منذ فترة طويلة، كان التوتر قائمًا بين كتائب حزب الله وجهاز الاستخبارات العراقية؛ بسبب السرية التي تفرضها المجموعة على نفسها، والتهديدات المختلفة التي تشكلها».

وأضاف أن كتائب حزب الله هددت عدة مرات رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، ورئيس جهاز الاستخبارات مصطفى الكاظمي، الذي أصبح رئيسًا للوزراء في 7 من مايو (آيار) الجاري، واتهمته كتائب حزب الله بتورطه في اغتيال المهندس وسليماني، من خلال تقديم الاستخبارات للولايات المتحدة.

ورغم تولي الكاظمي مقاليد السلطة في العراق، ما تزال كتائب حزب الله تسيطر على المدينة التي كانت تُعرف باسم جرف الصخر، بمحافظة بابل، بزعم حماية مدينة كربلاء المقدسة القريبة من الهجمات المحتملة لتنظيم الدولة الإسلامية، من محافظة الأنبار ذات الأغلبية السنية.

كتائب حزب الله تحكم «بالقوة» داخل العراق

وأعيدت تسمية المدينة لتصبح جرف النصر، رغم أن سكانها الأصليين، والعديد منهم، نازحون داخليًّا بمحافظة الأنبار، ما يزالون يطلقون عليها اسم جرف الصخر، كما أن كتائب حزب الله تستمر في منع سكانها السُنة من العودة إليها، ويمنعون أي شخص آخر بما في ذلك مسؤولي الحكومة من دخول المدينة.

وعندما وجهت الكاتبة سؤالًا للمسؤولين حول كيفية الحصول على إذن لإعداد تقرير عن المنطقة، كان الرد أنهم ممنوعون من دخول المدينة.

وقال ضابط بجهاز مكافحة الإرهاب إن مهندسين يحملون الجنسيتين البريطانية والإيرانية، يعملون بمصانع الأسلحة داخل المدينة. كما أخبر رئيس البرلمان الحلبوسي الكاتبة في مقابلة عام 2018 باعتقاده أن العديد من العراقيين الذين اختفوا عند حاجز الرزازة أثناء العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ربما يكونون محتجزين داخل المدينة، إذ لا يُسمح بدخول أي أحد للمدينة سوى كتائب حزب الله.

وسيطرت كتائب حزب الله مؤخرًا أيضًا على أراضٍ بالمنطقة الخضراء، بالقرب من مكتب رئيس الوزراء ببغداد، وبعد ورود هذه التقارير التي نفاها مكتب رئيس الوزراء، ألمح الباحث الأمريكي في الشأن العراقي مايكل نايتس في تغريدة إلى أن كتائب حزب الله لا تنتظر مكتب رئيس الوزراء ليعطيها شيئًا؛ فهي تسيطر على ما تراه ثم تحاول الحفاظ عليه.

كتائب حزب الله قد تخرج عن السيطرة

وأيًّا كان ما تفعله الحكومة العراقية والجهات المعنية الأخرى لفصل الجماعات المسلحة الأخرى عن كتائب حزب الله، فإنها تفعل ذلك بهدوء؛ بسبب المخاطر التي تنطوي على مثل هذه الخطوات.

وألمح الجبوري إلى أن المهندس كان قادرًا على السيطرة بشكل كبير على طيف واسع من الجماعات المسلحة العراقية المرتبطة بإيران، معبرًا عن قلقه حيال تداعيات رحيل المهندس، وأنه لا يوجد من يسد الفراغ الذي خلَّفه، أو يستطيع القيام بالمهام ذاتها التي كان يؤديها.

على سبيل المثال، قال الجبوري إن إحدى الفصائل المعروفة باسم سرايا الخراساني، أجبِرت على مغادرة محافظة صلاح الدين بعد أن «طالبنا المهندس بأن ينسحبوا؛ لأن مقاتليهم كانوا يعاملون السكان السنة كما لو كانوا قوة محتلة».

يتمثل الخطر الآن في احتمالية أن تخرج كتائب حزب الله، دون وجود المهندس على رأس قيادتها، عن السيطرة في محاولتها للحيلولة دون خسارتها للنفوذ والقوة داخل العراق.

اتهامات للميليشيات الموالية لإيران بقتل المتظاهرين وتعذيبهم

وأثناء الاحتجاجات التي اجتاحت مناطق وسط وجنوب العراق خلال الأشهر القليلة الماضية، عادةً ما كان يشار بغموض إلى مسؤولية «أطراف» عن قتل المشاركين في التظاهرات، التي بدأت في أكتوبر (تشرين أول) الماضي، إضافةً إلى اغتيال ناشطين، حيث كان يخشى الكثيرون في بادئ الأمر ذكر أسماء عدد من الجماعات المسلحة المرتبطة بإيران، ومسؤوليتها عن تلك الأحداث.

يوضح ذلك حقيقة ما يصعب على السكان المحليين تخيله الآن، وهو عدم ارتباط أحزاب سياسية بعينها بالجماعات المسلحة. وألمح عدد من النشطاء إلى أن أخطر الميليشيات داخل الناصرية هي عصائب أهل الحق ومنظمة بدر المرتبطتين بإيران، وتحصلان على رواتب من الدولة العراقية، وكانتا قائمتين قبل عام 2014، وأصبحتا تشاركان الآن في الحياة السياسية العراقية.

ولا يبدو أن كتائب حزب الله تحظى بتأييد كبير داخل بغداد ومناطق الجنوب، بيد أن المناطق التي ينتشر فيها الفقر ومعدلات البطالة المرتفعة، تُعد ساحة خصبة لتجنيد الشباب الصغار من جانب أي شخص لديه الأموال.

تتابع الكاتبة: أخبرني بعض السياسين العراقيين في مقابلات خلال الأشهر الست الماضية، في أثناء إعداد تقارير حول الاحتجاجات المناهضة للحكومة، بأنه ينبغي للجماعات المسلحة في البلاد الانخراط بشكل كامل في الحياة السياسية؛ لإلقاء أسلحتهم، والتنافس على مستوى مختلف.
كتائب حزب الله لا تريد التخلي عن السلاح

ومع ذلك، لم تظهر كتائب حزب الله اهتمامًا جديًّا بالتخلي عن سلاحها مقابل التمثيل البرلماني، وفقًا لما أدلى به عدد من نواب البرلمان للمجلة الأمريكية. كما أن الميليشيات ما تزال تتجاهل المطالب بترك المناطق التي يرى السكان المحليون أن وجودهم داخلها غير ضروري، أو يمثل تهديدًا للاستقرار.

وتضيف الكاتبة: أخبرني الحلبوسي في مقابلة إبان توليه منصب محافظ الأنبار، وقبل تعيينه رئيسًا للبرلمان، بأنه كان يريد توجيه الشكر للمهندس؛ نظرًا لمساعدات ميليشيات الحشد الشعبي ضد تنظيم الدولة الإسلامية.

يرى الحلبوسي أنه ينبغي للميليشيات مغادرة الأنبار ذات الغالبية السنية؛ حيث لم يعد وجودها ضروريًّا، كما أنها تسبب مشكلات للسكان المحليين، لكن المراسلة تقول إنه بعد أعوام ما يزال مقاتلو كتائب حزب الله يعبرون بأسلحتهم الحدود العراقية – السورية من الأنبار.

وتذكر المراسلة أنها شهدت خلال سنوات من عملها بمناطق الأنبار، منذ انطلاق عمليات استعادة المنطقة من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية أواخر العام 2017، شكوى العديد من السكان المحليين سرًّا من استيلاء الميليشيات الشيعية على الأراضي، والتهريب عبر الحدود، الذي يؤثر سلبًا في السوق المحلية. ولفت السكان إلى إنهم فقدوا أقاربهم من الذكور الذين يقولون إنهم يختفون ببساطة، ورجح البعض أن تكون كتائب حزب الله هي التي ارتكبت العديد من هذه العمليات.

نشاط كبير في ديالى

حدثت مؤخرًا زيادة في هجمات تنظيم الدولة الإسلامية في محافظة ديالى على طول حدود العراق مع إيران، فضلًا عن استمرار وقوع حوادث أمنية في محافظتي كركوك وصلاح الدين المجاورتين.

ذكر مسؤول أمن محلي، رفض الإفصاح عن هويته؛ لأنه غير مصرح له بالحديث لوسائل الإعلام، للمجلة عبر «واتساب» أواخر أبريل الماضي «أن كتائب حزب الله تنشط نشاطًا كبيرًا في ديالى الآن، وهم يتحركون ذهابًا وإيابًا خلالها».

ترجح مراسلة المجلة أن كتائب حزب الله تستغل ذلك الأمر لنقل أسلحة ومقاتلين عبر الحدود من إيران، الأمر الذي قد يشكل خطرًا على أي شخص يُعد معارضًا لهم. وعلى الرغم من المعارضة القوية من جانب كتائب حزب الله لتعيين الكاظمي رئيسًا للوزراء، فإن الأخير حظي بدعم كافٍ لتشكيل الحكومة، الأمر الذي ربما يعبر عن تآكل نفوذها داخل العراق.

يشير هذا، بالإضافة إلى التحرك الذي تقوده الحكومة لإبعاد بعض ميليشيات الحشد الشعبي عن كتائب حزب الله، والمجموعات الأخرى الموالية لإيران، إلى إحراز بعض التقدم في الحد من نفوذ الجماعات المسلحة المدعومة إيرانيًّا وهو الأمر الذي يشعر الكثيرون داخل العراق بأنه ضروري.

في نهاية مقالها التحليلي، تشير المراسلة إلى أن شغل الكاظمي المعارِض صراحةً لكتائب حزب الله، لمنصب رئيس الوزراء، وتجاوب بعض ميليشيات الحشد الشعبي معه، ووجود برنامج حكومي يدعو لوضع جميع أسلحة الجماعات المسلحة تحت سيطرة الدولة، ربما تمثل خطوة أولى مهمة للحد من نفوذ الكتائب الموالية لإيران داخل العراق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى